شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
المغتربون

المغتربون "ينتقمون" اقتراعاً... "ننتظر أن يُلاقينا شباب لبنان يوم الأحد"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 9 مايو 202206:41 م

تحت أشعة الشمس التي وصلت درجة حرارتها من 38 درجةً مئويةً (صباحاً)، إلى 42 (ظهراً)، ووسط حالات إغماء عدة، اصطف الآلاف من اللبنانيين عند الساعة السابعة صباحاً على مسافة تبعد نحو كيلومتر ونصف من مبنى القنصلية اللبنانية في دبي في الإمارات العربية المتحدة، ضمن مشهدية وصفها العديد من رواد التواصل الإجتماعي بالـ"المميزة"، متصدرة كل مشاهد الانتخابات البرلمانية التي جرت في المرحلة الأولى داخل 58 دولةً، بدأت يوم الجمعة في السادس من أيار/ مايو في الدول العربية التي توجد فيها جاليات لبنانية باستثناء الإمارات، واستمرّت الأحد 8 أيار/ مايو في عدد من الدول الأجنبية والإمارات (كون الأحد هو يوم عطلة رسمية في البلاد).

مقارنةً مع نسب الإقبال والمشاركة في العملية الديمقراطية التي حصلت في بقية الدول، تصدرت الإمارات الواجهة مع تسجيل 17،142 صوتاً من أصل 25،066 ناخباً لبنانياً مقيمين في البلاد، وموزعين بين 5،142 شخصاً مسجّلين داخل السفارة اللبنانية في العاصمة أبو ظبي، و19،924 على لوائح الناخبين في القنصلية اللبنانية في دبي (الرقم يشمل المقيمين في دبي والشارقة ورأس الخيمة وعجمان)، أي ما معناه أن نسبة المشاركة وصلت إلى 68.39 في المئة، وفق أرقام رسمية صدرت عن وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان.

مقارنةً مع نسب الإقبال والمشاركة في العملية الديمقراطية التي حصلت في بقية الدول، تصدرت الإمارات الواجهة مع تسجيل 17،142 صوتاً من أصل 25،066 ناخباً

بالنسبة إلى العالم العربي، تضم الإمارات أكبر جالية لبنانية ورابع أكبر جالية في العالم (والمقصود هنا اللبناني الذي يحمل جنسية بلده، وليس من حصل على جنسية أخرى)، وفق كلام القنصل العام اللبناني، عساف ضومط، في اتصال مع رصيف22.

معظم اللبنانيين في لبنان وخارجه، تابعوا يوم الجمعة وحتى الأحد أجواء الانتخابات عن بعد من خلال شاشات التلفزة أو هواتفهم المحمولة، لكن على أرض الواقع وخلال التجوّل بين الناس ومعايشة الظروف والحالات، تختلف الأمور كلياً وربما هناك قصص لم تستطع الشاشات نقلها.

في دبي التي أضحت حديث اللبنانيين بسبب الإقبال الكثيف، وسط ظروف مناخية صعبة، وسوء تنظيم من السفارة، وتقصير منها، كان المشهد مميزاً، فالحضور الشبابي كان بارزاً بالرغم من ساعات الانتظار الطويلة بالإضافة إلى بعض الأخطاء اللوجستية التي منعت العشرات منهم من التصويت بعد أن تفاجؤوا حين وصلوا إلى أقلام الاقتراع بأن هناك أخطاءً إما في تاريخ ميلادهم، أو في أسمائهم.

الانتماء إلى البلد

تُعبّر وفاء عربيد (49 سنةً)، عن غضبها من السفارة اللبنانية، لأنها "حُرمت مع زوجها وابنتها من التصويت"، وتقول: "كانت نيتنا التصويت للمجتمع المدني بعدما كنا في السابق ننتخب حزباً معيّناً كنا نظن أنه يمثلنا. أعيش في دبي منذ عشرين سنةً وهذه ثاني مشاركة لنا وقد قررنا التغيير والتحرّر من الأحزاب".

من جهته، يعمل فادي صليبا (24 سنةً)، مدير مبيعات في متجر ملابس رياضية، ووصل إلى دبي بعد حادثة تفجير مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، إذ فقد عمله كما فقد أحد أصدقائه المقربين في التفجير الكبير. عن ذلك يقول: "هذه هي المرة الأولى التي أشارك فيها في العملية الانتخابية. حين كنت في لبنان لم أكن أبالي بالأمر، وكنت من مؤيدي حزب مسيحي محدد، واليوم لا أريد الانتماء إلا إلى بلدي وهذا المشهد الذي شاهدته اليوم زادني حباً لوطني وأتيت ووقفت ومستعد للوقوف حتى الليل من أجل أن أقول لا للأحزاب ونعم للمجتمع المدني. على الأقلّ نعيطهم فرصةً. أعطينا فرصاً كثيرةً للأحزاب فماذا فعلوا؟".

شباب ما بعد الفاجعة

خلال الحديث مع المشاركين، خاصةً الشباب منهم، يتبيّن أن أعداداً لا بأس بها منهم وصلت إلى دبي قبل سنة أو سنة ونصف، تحديداً بعد حادثة التفجير وبعد الكارثة الاقتصادية في لبنان التي ظهرت في العام 2019. ووفق كلام معظمهم فهم يشاركون اليوم كرد فعل انتقامي على السلطة الحاكمة في لبنان، ولا يريدون إلا بلداً علمانياً مدنياً، وفق كلامهم.

اليوم قررت ومجموعة من الشباب اللبنانيين المقيمين هنا والذين وصلوا قبل سنة، التصويت بنعم للتغيير لا نريد أحزاباً ولكن هل صوتنا كافٍ؟ الأمل الكبير بشباب لبنان يوم الأحد المقبل، عساهم لا يخذلوننا

نادين مطر (27 سنةً)، وهي محامية لبنانية، تقول لرصيف22: "بعد تفجير بيروت دخلت في كآبة استمرت سنةً. كنت أتناول الحبوب المهدئة، وقررت ترك بلدي وقريتي الجميلة والانتقال إلى دبي والعمل مستشارةً قانونيةً لشركة عقارات معروفة هنا، واليوم قررت ومجموعة من الشباب اللبنانيين المقيمين هنا والذين وصلوا قبل سنة، التصويت بنعم للتغيير لا نريد أحزاباً ولكن هل صوتنا كافٍ؟ الأمل الكبير بشباب لبنان يوم الأحد المقبل، عساهم لا يخذلوننا".

بالرغم من حماسة الشباب وحتى الكبار في العمر لإعطاء الفرص للمستقلين، لكن لا يمكن نكران أن النزعات الحزبية لا تزال موجودةً عند فئة من اللبنانيين، وطبعاً حسب اعتقاد كل منهم، حزبهم لا يخطئ وإنما الخطأ من الفئة الأخرى، فمثلاً ووفق رصد دقيق ومشاهدات حيّة من الصباح الباكر حتى فترة بعد الظهر، شهدت أقلام الاقتراع التابعة لـ"اللقاء الديمقراطي" برئاسة تيمور وليد جنبلاط (هو حزب لبناني يمثّل الشريحة الأكبر من دروز لبنان)، إقبالاً كثيفاً هو الأعلى وتوزع بين أقلام أقضية عاليه والشوف (جبل لبنان)، والبقاع الغربي وراشيا (محافظة البقاع شرق لبنان)، ومرجعيون وحاصبيا (جنوب لبنان)، تبعه إقبال كبير على دوائر بيروت، ويمكن القول وفق كلام الناخبين في تلك المحافظة إن الأصوات كانت محصورةً بين المجتمع المدني (لائحة صوّت للتغيير)، ولائحة "بيروت بدها قلب"، المدعومة من النائب فؤاد مخزومي.

"لا نريدكم"

يقول محمد الحلبي (28 سنةً)، وهو يعمل في شركة إنتاج في دبي منذ خمس سنوات، إنه في السابق كان يعطي صوته لتيار المستقبل، لأنه كان يرى أن التيار معتدل وليس مذهبياً، ولكن بعد العام 2019، شعر بأن الأحزاب في لبنان كلها تواطأت على الشعب، واليوم "أنا مؤمن بأن نعطي الفرص للمستقلين وحتى عائلتي المؤلفة من سبعة أفراد صوتت لهم، لربما يكون هناك أمل".

يمكن القول وفق كلام الناخبين في تلك المحافظة إن الأصوات كانت محصورةً بين المجتمع المدني (لائحة صوّت للتغيير)، ولائحة "بيروت بدها قلب"

يمكن القول إن الحضور الحزبي في الإمارات، سواء في دبي أو أبو ظبي، انحسر بشكل أساسي بين اللقاء الديمقراطي وحزب القوات اللبنانية إلى جانب نسبة قليلة من التيار الوطني الحرّ مع مراعاة عدم ارتداء قمصان تشير إلى التيار بخلاف الحزبين المذكورين.

بالنسبة إلى الأحزاب الأخرى، لم يكن لها تواجد واضح أو مباشر، فمثلاً لم تظهر علامات لمندوبين تدلّ على وجود للثنائي الشيعي المتمثل في حركة أمل وحزب الله، كما كان ظاهراً في العاصمة الألمانية برلين، حيث انتشر فيديو لمناصري حركة أمل وهم يهتفون من مركز التصويت: "يا نبيه ارتاح ارتاح برلين صارت الشياح (منطقة في بيروت ذات غالبية شيعية)"، في إشارة إلى رئيس حركة أمل ورئيس مجلس النوب نبيه بري.

نماذج مختلفة

الاقتراع الذي جرى في بلاد الاغتراب، مثل كندا والسويد وأستراليا وغيرها، كان الاستنفار الطائفي خلاله واضحاً لدى جميع الأحزاب وربما أقله ما وصل إلى الناس، وقد تكون هناك فئة من المغتربين صوتت للمستقلين، ولكن ما كان واضحاً في الإمارات وحتى دول الخليج والدول العربية بشكل عام، هو الهدوء والسكينة اللتان تحلّى بها الناخب في أثناء عملية التصويت، فهل ذلك يعود إلى النظام الصارم المطبّق في تلك الدول، أو أن المغتربين اعتادوا على الهدوء واحترام القوانين؟ على سبيل المثال، مشهد انتظار اللبنانيين في الطوابير في دبي، ودخولهم بهدوء للتصويت، يختلف تماماً عن الصورة التي تظهر عادةً في لبنان حيث تقع مشكلات كثيرة ويسقط ضحايا أحياناً، إلى جانب عدم احترام القوانين والنظام وانتشار الفوضى.

الرغبة في التغيير لم تكن حكراً على الشباب، فجيل من كبار السنّ صوّت سابقاً للزعيم والبيك والسيّد وصل أيضاً إلى مرحلة اليأس، ولذلك هو في الغربة كما قال معظمهم، لذا قرروا خوض تجربة جديدة، وتقول نهى حبيقة (52 سنةً) والتي كانت تعطي صوتها منذ عشرين سنةً لعائلة المرّ (عائلة سياسية لها نفوذ في جبل لبنان)، في قضاء المتن: "اليوم صوتي للمستقلين فقط، وحين رأيت اسم أحد المرشحين المستقلّين قد دخل في لائحة مدعومة من حزب القوات اللبنانية قررت شطبه وعدت واخترت المستقلين فقط".

في المقابل، تقول ليندا كرم (25 سنةً): "أتيت للتصويت للائحة القوات اللبنانية، وقد طلب مني والدي في لبنان ذلك بعدما كان سابقاً يؤيد التيار الوطني الحر، ومنذ سنتين بدّل كل من والدي ووالدتي رأيهما ونصحاني بإعطاء صوتي للقوات وهذا ما فعلته وربما هما على حق لأن خبرتهما السياسية أعمق مني، لا سيّما أنهما عاشا مراحل الحرب الأهلية الماضية".

كلمة الحسم النهائية ستخرج يوم الأحد المقبل من داخل صناديق الاقتراع في لبنان، لترسم إما خريطةً جديدةً في لبنان أو سيظهر جزء جديد من مسلسل الذلّ والقهر والهجرة المستمرة. الحماسة التي أظهرها المغترب في عدد من الدول بالرغم من أصوات النشاز الطائفية، أنتجت صورةً جميلةً لاستفزاز الناخب الذي ينوي الجلوس خلف الشاشات للمتابعة وربما تدفعه للنزول والمشاركة.

الإقبال في الاغتراب

الجدير ذكره، وفق بيانات لوزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية، أن نحو 130 ألف مغترب لبناني قد صوتوا من أصل 225 ألفاً مسجلين في عملية الاقتراع في الخارج التي جرت يومي الجمعة والأحد في 58 دولةً.

نحو 130 ألف مغترب لبناني قد صوتوا من أصل 225 ألفاً مسجلين في عملية الاقتراع في الخارج التي جرت يومي الجمعة والأحد في 58 دولةً

وبحسب تصريحات السفير هادي هاشم، من لجنة مراقبة انتخابات المغتربين، فإن نسبة التصويت وصلت إلى 60 في المئة وهو رقم جيّد جداً، والأرقام الرسمية النهائية للمقترعين المغتربين ستعلَن يوم 15 أيار/ مايو، وهذه هي المرة الثانية التي يُتاح فيها للمغتربين المخولين الاقتراع المشاركة في انتخاب النواب الـ128.

وبحسب المعطيات الصادرة عن جهات رسمية من الخارجية اللبنانية، فإن أستراليا تصدرت المرتبة الأولى من حيث عدد المقترعين مع تسجيل 55 في المئة، أما عربياً فقد تصدرت الإمارات المرتبة الأولى مع نسبة اقتراع اقتربت من الـ70 في المئة، فيما بقية الدول الخليجية مثل السعودية والكويت والبحرين وقطر لم تقل المشاركة فيها عن الـ50 في المئة وفق بيانات الخارجية اللبنانية. وبعد الإمارات تحتل السعودية المرتبة الثانية، ويقيم فيها 13،105 ناخبين (توزعت مراكز الاقتراع بين الرياض وجدة)، صوّت 5،982 منهم، أي ما نسبته 55 في المئة.

بالنسبة إلى بقية الدول كمصر والأردن وسوريا والعراق، تُعدّ أعداد المقيمين فيها قليلةً، لذا أرقام الذين شاركوا في التصويت كانت بالمئات، ما أعطى انطباعاً بأن المشاركات ضئيلة جداً ولكن قياساً إلى عدد المسجلين فهي لم تنخفض عن الخمسين في المئة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard