شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
انتخابات لبنان النيابية... الفوز بالشرعية أم الإطاحة بها؟

انتخابات لبنان النيابية... الفوز بالشرعية أم الإطاحة بها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 17 نوفمبر 202111:57 ص

بدأ العد العكسي لموعد الانتخابات النيابية في لبنان، وبدأت الأسئلة الجذرية والضرورية بالتدفق معه. هل هناك أي جدوى من المشاركة في العملية الانتخابية، سواء ترشحاً أم اقتراعاً؟ ما هو المكسب من المشاركة، ومن المقاطعة؟ هل سيحقق التغييريون الخروقات التي يتوقعونها، أم أن الأمر مجرد فخ استطاعت قوى النظام المتماسكة المتبقية إيقاعهم فيه، بعد أن تراجع خطاب معظم التغييريين، وانحسر في مطلب الانتخابات، وفي خوضها، ولو على بساط النظام ذاته، أي بشروطه، وبقوانينه، وبأجهزته، وبإشرافه، وبآلية فرزه للأصوات؟

يمكن القول إنه بعد مرور عامين على ليلة الانتفاضة، تنهار الكثير من المجموعات، فترتد عن شعاراتها الثورية في مواجهة الـ"سيستام"، إلى مجرد لاعب يريد الدخول في اللعب

لقد غفلت معظم المجموعات والقوى المعارضة عن حقيقة أنه عندما يُطرح السؤال حول بنية النظام، تتحول الأسئلة الأخرى كافة إلى كمالية مكملة، لكن غير جوهرية. فكيف إن كان النظام آخذاً في الانهيار؟ في هذا الموضع، تنتهي المعارضة من أن تكون محصورةً في إعادة إنتاج السلطة من داخل "سيستام" باتت شروطه الحياتية أكثر هشاشةً، وأكثر تعقيداً من السابق، وباتت قواه تستقتل من أجل إعادة تأسيس نوع من الشرعية تتمسك بها أمام الخارج لمفاوضته، أكثر من تمسكها بها أمام الداخل، لتستعيد ثقته.

على هذه الأرضية بدأ الفرز داخل قوى الاعتراض الآن. فرزٌ يتظهّر بصعود نبرة الخطاب الداعي إلى مقاطعة الانتخابات، فقد أخفقت المجموعات التغييرية في طرح مشروع سياسي واضح المعالم، جرّاء إخفاقها في تشكيل جبهة سياسية تمارس السياسة من خلالها، وتشتبك مع النظام انطلاقاً منها. فهذه القوى لم تستطع، حتى الساعة، وضع خريطة طريق اعتراضية أولية تقوم على تفكير مليّ وجدّي حول المشروع السياسي الذي تخوض الانتخابات النيابية وفقاً ﻷهدافه؟ أو بمعنى آخر، أين المشروع السياسي وطرح الشرعية اللذان تريد أن تخوض الانتخابات لتأكيدهما، والاستحصال عليهما؟ هل هي شرعية مرتبطة بهذا النظام الذي يترنح، أم شرعية مختلفة تضع نصب عينيها الإطاحة بنظام طبقي متهالك في مستوياته كافة، فتضع مكانه نظاماً آخر يعيد تأسيس الفرص والإمكانيات والثروة، وتوزيعها، وصولاً إلى آلية التمثيل؟

هذه الأسئلة وغيرها هي التي تُطرح وتنتشر على ألسنة الناس، وعلى ألسنة الكثير من التغييريين، خصوصاً الذين يشيحون بنظرهم عن الانتخابات، فيصوّبون على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للنظام، وعلى مظاهره الطبقية المتجددة والأكثر حدةً، إذ يتبلور طابع الاحتدام الطبقي الذي تتحول إليه شروط الحياة في لبنان. فأسعار الأدوية، والمعدات الطبية، وحليب الأطفال، والكهرباء، والتعليم، والمواصلات والتنقّل، والتدفئة، تشهد ارتفاعاً أسبوعياً، كانعكاس لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، وبالتوازي مع سياسة رفع الدعم التي تنتهجها الحكومة بطلب من صندوق النقد الدولي.

لقد غفلت معظم المجموعات والقوى المعارضة عن حقيقة أنه عندما يُطرح السؤال حول بنية النظام، تتحول الأسئلة الأخرى كافة إلى كمالية مكملة، لكن غير جوهرية. فكيف إن كان النظام آخذاً في الانهيار؟

يقابل الارتفاع الجنوني للأسعار ثباتٌ في معدل الرواتب، وفي الحد الأدنى للأجور، كما أن إمكانية تحقيق شروط السكن اللائق لم تعد متاحةً، بل تذهب البلاد رويداً رويداً نحو قلة ميسورة تتمتع بكل شيء، وفي شروط الحياة كافة، وأكثرية تذهب في اتجاه الإخفاق في تحقيق مطلب وجبات الطعام الثلاث يومياً.

هذه الشروط كلها تعني أن مستوى الصراع بات في مراحل أخرى أكثر خطورةً من المستوى الانتخابي، على قاعدة مسرح النظام ومرتكزاته. بل إن الكلام لم يعد ينفع إن انطلق من جزئية القبول بالمعطى القائم، والعمل على تغييره. إذ لا بد من نسف هذا المعطى من أساساته، ولا بد من التحول على مستوى الدولة ذاتها، وعلى مستوى تركيب السلطة والشرعية والسلوك، وهذه كلها ينجزها الانهيار من دون الحاجة إلى أي مجهود.

يمكن القول إنه بعد مرور عامين على ليلة الانتفاضة، تنهار الكثير من المجموعات، فترتد عن شعاراتها الثورية في مواجهة الـ"سيستام"، إلى مجرد لاعب يريد الدخول في اللعب. هذا ما لا يمكن تقريشه، والإشارة إليه، إلا من خلال وضعه في خانة فوز ما تبقّى من النظام وقواه الطبقية على الانتفاضة من جهة، وفوزهم، من جهة أخرى، على الكثير من مجموعاتها التي لم تعد تنظر إلى الانتخابات بوصفها معركةً في سياق المواجهة، بل بوصفها المعركة الوحيدة والأساسية، من دون أن تتحسس الحاجة إلى النقاش حول أي نوع من أنواع القانون الانتخابي يمكن القبول به؟ وهل يمكن القبول بشرط نسف الكوتا النسائية التي تذهب إليها قوى النظام؟ وهل نقبل بقانون طائفي؟ ووفق أي دائرة؟ وفي أي مرحلة؟ وهل نقبل بالإمعان في عدم إقرار قانون الاقتراع لمن هم دون 18 عاماً؟ ومن الذي سيشرف على هذه الانتخابات بعد محاولات ومحاولات من خوضها مع قوى سياسية تزوّر المعطيات كلها حين تشعر بأنها في خطر داهم؟

إن أخطر ما يمكن أن يحدث في هذه الأثناء هو أن يتعمم سلوك قوى السلطة على التغييريين، ومقارباتهم، كأن يخوضوا الانتخابات بمواجهة بعضهم البعض، وفي لوائح متواجهة، أو أن يترشحوا من دون أي مشروع سياسي واضح المعالم

إن أخطر ما يمكن أن يحدث في هذه الأثناء، ليس أن تنزلق مجموعات التغيير نحو إعادة إنتاج شرعية ما تبقّى من قوى السلطة فحسب، بل أن يتعمم سلوك قوى السلطة على التغييريين، ومقارباتهم، كأن يخوضوا الانتخابات بمواجهة بعضهم البعض، وفي لوائح متواجهة، أو أن يترشحوا من دون أي مشروع سياسي واضح المعالم، وما إلى ذلك من خطوات ستكون مسيئةً بالشكل وبالمضمون وبالنتائج، لا بل ستكون نتائجها كارثيةً على حركات الاعتراض كلها، وإن حققت بعض المقاعد، في أحسن الأحوال، من هنا أو من هناك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image