مع اقتراب تنظيم كأس العالم 2022 في قطر، بدأت وتيرة العلاقات بين الدوحة وطهران تتخذ مساراً أقوى وأوسع من ذي قبل، وذلك على ما يبدو بضوء أخضر من الولايات المتحدة التي صنّفت الإمارة حليفاً من خارج حلف الناتو.
وقّعت إيران وقطر 20 اتفاقيةً ثنائيةً، منذ زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الدوحة في شباط/ فبراير الماضي، من بينها اتفاقيات ستؤدي إلى تحقيق الجمهورية الإسلامية مكاسب من تنظيم قطر لكأس العالم.
قد يرجع تطور العلاقات بين البلدين إلى تقدير الدوحة للدور الذي لعبته إيران في كسر الحصار الذي تم فرضه عليها في 2017، كذلك رغبة قطر في ترسيخ علاقاتها مع طهران بالتوازي مع تنامي علاقتها مع واشنطن، والتقارب مع إيران للتوسط في التوصل إلى اتفاق نووي يضمن تنظيم كأس العالم بسلام.
20 اتفاقيةً
تتضمن الاتفاقيات العشرون، اتفاقاً ينص على تنازل عن متطلبات التأشيرة لمواطني البلدين، وتوسيع خطوط النقل عن طريق الجو والبحر، وإيجاد طرق عملية يمكن أن تجعل جزيرة كيش والجزر الإيرانية الأخرى والمناطق الحرة مستعدةً للعب دور خلال كأس العالم 2022.
وقّعت إيران وقطر 20 اتفاقيةً ثنائيةً، منذ زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الدوحة في شباط/ فبراير الماضي، من بينها اتفاقيات ستؤدي إلى تحقيق الجمهورية الإسلامية مكاسب من تنظيم قطر لكأس العالم
وتناولت الاتفاقيات أيضاً زيادة التجارة عبر الموانئ التجارية وربط المناطق الحرّة، وإجراء دراسة لعمل ربط كهربائي بين البلدين، زيادةً على ذلك، اقترح رئيسي إنشاء مركز تجاري إيراني في قطر، "وذلك لعرض قدرات إيران وإمكاناتها للتجار القطريين والفاعلين الاقتصاديين"، ومن بين هذه الاتفاقيات، هناك ست تم توقيعها عندما سافر وزير النقل القطري، جاسم بن سيف السليطي، إلى جزيرة كيش الشهر الماضي، في زيارة استمرت يومين.
التقى السليطي في الجزيرة، وهي وجهة سياحية إيرانية تقع على بعد 270 كيلومتراً فقط من الدوحة، وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني رستم قاسمي، لمناقشة دمج الجزيرة ضمن البنية التحتية التي تدعم تنظيم كأس العالم.
جعلت الحكومة الإيرانية كيش، النقطة المحورية في عرضها لمساعدة قطر خلال استضافة كأس العالم 2022. وتضمنت رحلة الوزير زيارة ميناء الجزيرة ومشروع توسيع مطار كيش الدولي، بالإضافة إلى بعض المرافق الرياضية الموجودة في الجزيرة.
وبصرف النظر عن تنظيم كأس العالم، يأمل الوفدان الإيراني والقطري بتوسيع نطاق الاتصال بين الجزيرة والدوحة لتمكين التجارة والسياحة أكثر، على المدى الطويل. وقال رستم قاسمي إن المسؤولين في طهران يريدون "خلق أرضية للجماهير والسياح الأجانب للسفر إلى إيران خلال أوقات فراغهم".
وصرحت ليلى أزدري، المسؤولة عن السياحة الخارجية في وزارة السياحة الإيرانية، بأن "وزارة الخارجية وافقت على التنازل عن تأشيرات السفر من قطر لمدة شهرين خلال كأس العالم".
يوجد 52 فندقاً في الجزيرة بإجمالي 12،000 غرفة في فنادق من فئة أربع نجوم أو خمسة، و8،000 غرفة أخرى في أماكن إقامة اقتصادية ومساكن غير رسمية يمكن استخدامها في أثناء كأس العالم. كما يتم الترويج لكيش كوجهة للإيرانيين داخل البلاد وخارجها، الباحثين عن الإقامة خلال كأس العالم، وتشارك إيران في البطولة في 21 و25 و29 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، مما يعني أنه إذا رغب المشجعون في مشاهدة جميع المباريات الثلاث في مرحلة المجموعات، فيجب عليهم البقاء في الدوحة لمدة تسع ليالٍ على الأقل.
تكون تكلفة هذه الرحلة باهظةً بالنسبة إلى كثير من الإيرانيين ومعظمهم ليس لديهم بطاقات مصرفية دولية. وعليه، سيسمح استخدام كيش كبوابة للمشجعين الإيرانيين بحجز عروض السفر التي تشمل النقل والإقامة وتذاكر الألعاب.
والتقى السليطي أيضاً سعيد محمد، وهو الرئيس السابق لشركة خاتم الأنبياء، وهي شركة إنشاءات كبرى مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. يشغل محمد سعيد الآن منصب رئيس المجلس الأعلى للتجارة الحرة الصناعية والمناطق الاقتصادية الخاصة.
العلاقات وتطوّرها
سعت قطر فعلياً إلى علاقات أعمق مع إيران منذ عام 2017، عندما فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً على الدوحة في خطوة تم تفسيرها على أنها محاولة لإسقاط النظام الحاكم في الإمارة.
بدأ الإيرانيون بتحضير جزيرة كيش القريبة من قطر من أجل استقبال من يرغب في حضور مباريات كأس العالم، في الوقت الذي تعتقد فيه الدوحة أن مصالحها مع إيران أكبر من الدخول في عداء يفرضه عليها الخليج فيما تبدو الولايات المتحدة راضية ومشجعة ضمنياً على مثل هذا التعاون
وتالياً لم يكن أمام قطر إلا المجال الجوي الإيراني لتحلّق طائرتها إلى دول العالم، وأدركت حينها أن الدول العربية المجاورة هي التي هددت استقرارها.
لا يشير حجم التبادل التجاري بين إيران وقطر، والذي يتراوح بين 300 و400 مليون دولار، إلى أن البلدين لديهما تاريخ قديم من العلاقات التجارية، بل كانا في حرب بالوكالة في سوريا منذ عام 2011، لكن بينهما مصلحة مشتركة وهي مشاركة قطر في أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم مع إيران، لذا كان دائماً استقرار البلدين يعود بالنفع عليهما، بالإضافة إلى ذلك، فإن الأقلية الشيعية غير متمردة في الدوحة، على عكس البحرين، بل مندمجة بعمق في المؤسسة السياسية والاقتصادية للإمارة.
وقال الكاتب والمحلل السياسي القطري، صالح غريب، لرصيف22، إن "السياسة الخارجية لقطر تغيرت بعد تولي الأمير السابق حمد بن جاسم، عن سياسات دول مجلس التعاون الخليجي، ومنها السعودية، خصوصاً حول إيران، فكانت تتحفظ على بند أو ترفض بياناً حول طهران"، مشدداً على أن قطر ظلت بجانب المملكة في العديد من المواقف، منها سحب السفير القطري حينما تم الاعتداء على السفارة السعودية في طهران في 2016.
وأضاف غريب: "شكّلت قطر علاقات مع إيران على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والتوافق في المواقف، وكانت الأزمة الخليجية في العام 2017 مرحلة اكتشاف أن تلك العلاقة كانت سليمةً وأن إيران دولة شريفة. من هذه المرحلة كانت إيران حليفاً وصديقاً يعتمد عليه، وباتت نظرة قطر الأمنية تختلف عن السعودية حول إيران، وأصبحت تحاول تقريب وجهات النظر بين الدولتين والتوسط بينهما".
من جانبه، قال الدبلوماسي الإيراني السابق هادي أفقهي، لرصيف22، إن "إيران وقفت وقفةً إنسانيةً مشرفةً أخجلت كل العرب واليوم تشهد العلاقات القطرية-الإيرانية قفزةً نوعيةً وفق تفاهمات واتفاقيات على مستويات مختلفة لصالح البلدين وشعوب المنطقة".
لا يشير حجم التبادل التجاري بين إيران وقطر، والذي يتراوح بين 300 و400 مليون دولار، إلى أن البلدين لديهما تاريخ قديم من العلاقات التجارية، بل كانا في حرب بالوكالة في سوريا
وقال أفقهي في رد على تساؤل حول وجود أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة في قطر: "لا اعتراض لدى إيران على وجود قواعد عسكرية في قطر، اللهم إلا إذا انطلقت منها تصرفات عدوانية". وتابع: "تركيا ثاني أكبر دولة في حلف الناتو ولكن لها تبادلاً تجارياً يصل إلى سبعة مليارات دولار مع إيران، وتالياً إيران تنظر إلى العلاقات الثنائية بين البلدين وليس إلى قواعد هذا البلد أو ذاك"، وأضاف في مقارنة حول الهدوء في قطر والسعودية: "الرياض عدو أما قطر فصديق".
ضوء أخضر
لطالما تم تصنيف قطر على أنها حليف وثيق للولايات المتحدة، إذ تستضيف المقرّ الإقليمي للقيادة المركزية لوزارة الدفاع في قاعدة العديد، وتسمح بزيارات منتظمة لسفن البحرية الأمريكية، كذلك ساعدت واشنطن في إجلاء قواتها من أفغانستان، وتلعب دوراً محورياً في الإستراتيجية الأمريكية في استقلال أوروبا عن الغاز الروسي.
ومع ذلك، كان الوضع محرجاً لواشنطن، إذ إن حليفتها استضافت قادة الحرس الثوري الإيراني في معرض الدوحة للدفاع في مارس/ آذار الماضي، وأقاموا جناحاً فيه ملصق عملاق لقارب سريع مليء بقوات كوماندوس ونماذج عن الصواريخ الإيرانية.
وسرعان ما خرج المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في مؤتمر صحافي موبّخاً قطر، قائلاً: "نشعر بخيبة أمل وانزعاج عميقين من وجود مسؤولين عسكريين إيرانيين وضباط من الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في معرض الدوحة".
مُنحت قطر في السابق هامشاً واسعاً للمناورة، خاصةً في التعامل مع إيران، لتسهيل دورها كوسيط. لكن من الواضح أنه لم يكن يُتوقع من الدوحة توسيع هذا الدور ليشمل استضافة قادة الحرس الثوري.
من جانبه، قال المدير التنفيذي لمركز تحليل شؤون الخليج، جورجيو كافييرو، إن قطر وإيران تحتفظان منذ زمن بعيد بعلاقات "يمكنني أن أصفها بأنها براغماتية للغاية، ولا يمكن القول إن بين طهران والدوحة توافقاً على كل القضايا، بالعكس، هناك نزاع كبير بينهما في القضية السورية ودعم المليشيات الشيعية في العراق".
في واشنطن تفهموا أن الدوحة لا تنوي الإضرار بسياسة الولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط، بل تفهموا أن قطر يمكن أن تلعب دوراً محورياً في الوساطة مع طهران، وتخدم مصالح واشنطن بطريقة تراها أمريكا مفيدةً
وأضاف المحلل السياسي الأمريكي، لرصيف22: "قطر وإيران أدركتا أن هناك مصلحةً مشتركةً على الرغم من النزاع في بعض القضايا، وحينما تم فرض الحصار على الدوحة، روّجت الدول العربية الأربع لوجود علاقة بين قطر وإيران، لكن لم ينجحوا في إقناع الولايات المتحدة بهذه الرواية".
وقال كافييرو: "في الحقيقة الولايات المتحدة لم تكن لديها مشكلات مع العلاقات بين قطر وإيران، بل على العكس تفهمت واشنطن أن الدوحة لم يكن أمامها خيار آخر بعد فرض الحصار عليها".
وتابع: "في واشنطن تفهموا أن الدوحة لا تنوي الإضرار بسياسة الولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط، بل تفهموا أن قطر يمكن أن تلعب دوراً محورياً في الوساطة مع طهران، وتخدم مصالح واشنطن بطريقة تراها أمريكا مفيدةً".
في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، في 4 أيار/ مايو الحالي، قالت المحللة والزميلة في معهد أمريكان إنتربرايز، إن قطر تعمل على خلق توازن في علاقاتها مع إيران والولايات المتحدة، مضيفاً أن دول الخليج العربية اتجهت إلى تقليد نموذج السياسة الخارجية القطرية، التي تهدف إلى التحوط ضد القوة الأمريكية بتحسين علاقتها بطهران.
ووصفت الكاتبة بدء تقليد بقية دول الخليج للسياسة الخارجية لقطر، بـ"التقطير"، مشيرةً إلى أن اتباع نموذج الدوحة مع إيران جاء بعدما فشلت الجهود المختلفة لمعاقبة قطر على عدم انحيازها، ما جعل نجاحها نموذجاً لبقية المنطقة.
خلال العام الماضي، بدأت إيران والسعودية بإجراء محادثات في العراق، كذلك التقى مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد، بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين