بينما تستضيف قطر كأس العالم لكرة القدم عام 2022، متباهيةً بكونها البلد العربي الأول الذي يحتضن أهم بطولات اللعبة الأكثر شعبية حول العالم، علينا جميعاً أن نتذكر ونعبر عن الامتنان لنحو 6500 عامل أجنبي، فقدوا أرواحهم في سبيل حصول البلد الصغير الفاحش الثراء على ملاعب ومنشآت تناطح نظيرتها في كبريات الدول.
في تحليل خاص، وثّقت صحيفة "الغارديان" البريطانية وفاة قرابة 6500 عامل مهاجر من دول فقيرة، بينها الهند وباكستان ونيبال وبنغلاديش وسريلانكا في قطر، منذ فازت الأخيرة بحق استضافة كأس العالم قبل 10 سنوات، وفق تقرير نُشر في 23 شباط/ فبراير.
ومنذ فوزها باستضافة البطولة، شرعت قطر في برنامج إنشاء غير مسبوق، لتوفير المنشآت الضرورية لاحتياجات البطولة، مثل الفنادق، لاستضافة الفرق والمسؤولين والجماهير المتوقعة، بالإضافة إلى سبعة ملاعب جديدة. ومع بقاء عام واحد على المنافسات، تم الانتهاء من عشرات المشاريع الكبرى، ولا يزال بعضها قيد التنفيذ، بما في ذلك مطار جديد وطرق وأنظمة النقل العام والمدينة الجديدة التي ستستضيف نهائي كأس العالم.
الضحايا "أعلى بكثير"
التحليل، الذي استند إلى مصادر حكومية متعددة، يُشير إلى أن 12 عاملاً مهاجراً من الدول الخمس الواقعة في جنوب آسيا يموتون أسبوعياً تقريباً، منذ احتفلت جموع القطريين بفوز بلدهم بتنظيم البطولة في إحدى ليالي كانون الأول/ ديسمبر عام 2010.
العدد الحقيقي "أعلى بكثير"... تحليل يرصد وفاة أكثر من 6500 عامل من خمس بلدان منذ فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022
وتفيد بيانات رسمية حصلت عليها الصحيفة البريطانية من الهند وبنغلاديش ونيبال وسريلانكا، بوقوع 5.927 وفاة بين العمال المهاجرين لهذه الدول في قطر بين عامي 2011 و2020. في حين تكشف بيانات منفصلة من السفارة الباكستانية في قطر عن وفاة 824 عاملاً باكستانياً في الفترة ذاتها.
وتشدد "الغارديان" على أن العدد الإجمالي للضحايا بين العمال الأجانب في قطر "أعلى بكثير"، إذ لم تشمل هذه الأرقام وفيات البلدان التي لديها أعداد أكبر من العمال إلى هناك، لا سيما الفلبين وكينيا. كذلك لم يتم تضمين الوفيات التي شهدتها الأشهر الأخيرة عام 2020.
ولفتت الصحيفة إلى أن سجلات الوفاة لا تصنف العمال حسب المهنة أو مكان العمل (أي المشروع) داخل قطر. لكنها ترجح بقوة أن غالبيتهم كانوا يعملون في مشاريع البنية التحتية لكأس العالم، استناداً إلى تأكيد نيك ماكغيهان، المدير في "فاير سكوير بروجيكت"، وهي مجموعة حقوقية معنية بحقوق العمال في الخليج.
قال ماكغيهان للصحيفة: "نسبة كبيرة جداً من العمال الوافدين الذين لقوا حتفهم منذ 2011، كانوا في البلاد لأن قطر فازت بحق استضافة كأس العالم".
حُدّدت 37 وفاة لعمال مرتبطين مباشرةً ببناء ملاعب كأس العالم، بما في ذلك 34 صنفتها اللجنة المنظمة للحدث على أنها "غير مرتبطة بالعمل". شكك خبراء في المصطلح الذي استخدم لوصف وفيات حدثت أثناء العمل.
لام حقوقيون في المقابل الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وظروف العمل غير الإنسانية في وفاة العمال.
عوائل محطمة لا تفهم ملابسات وفاة مُعيليها الرئيسيين، والدوحة تعلن أن أعداد الضحايا "تتناسب" مع حجم القوى العاملة الوافدة
قصص مأسوية و"عوائل محطمة"
توجّه النتائج التي خلصت إليها "الغارديان" أصابع الاتهام إلى الحكومة القطرية باتهامها بـ"الفشل" في حماية القوى العاملة المهاجرة التي تناهز مليوني نسمة، أو حتى التحقيق في أسباب ما يبدو ارتفاعاً في معدل الوفيات بين العمال الشباب على نحوٍ خاص.
وخلف الإحصائيات، تكمن قصص لا حصر لها لـ"عوائل محطمة تُركت بدون معيلها الرئيسي، وتكافح من أجل الحصول على تعويضات في ظل عدم استيعابها ظروف وفاة أحبائها"، وفق الصحيفة.
من الضحايا "غال سينغ راي" من نيبال، الذي دفع نحو 1500 دولار أمريكي كرسوم للحصول على وظيفته كعامل نظافة داخل مخيم للعمال الذين يبنون استاد المدينة التعليمية. خلال أسبوع من وصوله قطر، قتل نفسه. عامل آخر، "محمد شهيد"، من بنغلادش، تعرض للصعق بالكهرباء في سكن عمالي بعدما لامست المياه كابلات كهرباء مكشوفة.
كذلك في الهند، لم تفهم عائلة مادو بولابالي، كيف مات ابنها الشاب السليم البالغ من العمر 43 عاماً "لأسباب طبيعية" أثناء عمله في قطر. وكان قد عُثر على جثته على أرضية غرفة النوم الخاصة به.
"وفاة طبيعية" هي السبب الأكثر شيوعاً في تقارير السلطات القطرية عن وفيات العمال. وهو سبب يعزى عادةً إلى قصور القلب الحاد أو فشل الجهاز التنفسي. لكن الأسباب تتضمن كذلك: إصابات حادة متعددة بسبب السقوط من شاهق، والاختناق بسبب الشنق، أو غير محددة السبب نتيجة تحلل الجثة. تحليل "الغارديان" يشير إلى تصنيف 69% من وفيات العمال الهنود والنيباليين والبنغاليين على أنها طبيعية مقابل 80% من وفيات الهنود.
من الأسباب المهمة الأخرى للوفيات بين الهنود والنيباليين والبنغاليين في قطر، حوادث الطرق بنسبة 12%، وحوادث أماكن العمل بمعدل 7% والانتحار بنفس النسبة. ولم تؤثر الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا المستجد بشكل كبير على الأرقام، لأن وفيات الفيروس ظلت منخفضة للغاية في البلاد.
برغم المطالبات الحقوقية بتشريح جثث العمال، والإشارة مراراً إلى الحرارة المرتفعة وظروف العمل غير الإنسانية، تُردّ غالبية وفيات العمال إلى أسباب "طبيعية"
حذّرت تقارير حقوقية أممية وغير رسمية مراراً من ارتفاع وفيات العمال في قطر، دون أن تلقى صدى. لهذا، قالت هبة زيادين، الباحثة المعنية بحقوق العمال في قطر والإمارات في منظمة "هيومن رايتس ووتش" لـ"تلغارديان"، إن قطر "تواصل التباطؤ في هذه القضية الحرجة والملحة في تجاهل واضح لحياة العمال".
وأضافت: "لقد طالبنا قطر بتعديل قانونها المتعلق بتشريح الجثث بحيث يتطلب إجراء تحقيقات الطب الشرعي في جميع الوفيات المفاجئة أو غير المبررة، وإصدار تشريع يطالب بأن تتضمن جميع شهادات الوفاة سبباً طبياً مفهوماً للوفاة".
ما رد قطر؟
على الجانب الآخر، تقول الحكومة القطرية إن عدد الوفيات - وهو أمر لا خلاف عليه - "يتناسب" مع حجم القوى العاملة الوافدة إليها، وإن الأرقام تشمل العمال في وظائف مكتبية الذين ماتوا بشكل طبيعي بعد العيش في قطر لسنوات عديدة.
في بيان، قال متحدث باسم الحكومة القطرية: "إن معدل الوفيات بين هذه المجتمعات يقع ضمن النطاق المتوقع لحجم السكان والتركيبة السكانية. ومع ذلك، فإن كل روح ضائعة هي مأساة، ولا ندخر جهداً في محاولة منع كل حالة وفاة في بلدنا". ونبّه إلى أن جميع المقيمين في قطر، المواطنين والأجانب، يحصلون على رعاية صحية مجانية من الدرجة الأولى، زاعماً وجود انخفاض مطرد في معدل وفيات "العمال الضيوف" خلال العقد الماضي بسبب "إصلاحات الصحة والسلامة في بيئة العمل".
ولفتت "الغارديان" إلى ما وصفته بالصرامة ونقص الشفافية في ما خص سجلات الوفيات في قطر، مبرزةً أن السفارات في الدوحة والحكومات في الدول المرسلة للعمالة تحجم عن مشاركة البيانات، ربما لأسباب سياسية. في هذا الصدد، قالت ماي رومانوس، المحامية وباحثة الخليج في منظمة العفو الدولية: "هناك افتقار حقيقي للوضوح والشفافية بشأن هذه الوفيات. تحتاج قطر لتعزيز معايير الصحة والسلامة المهنية".
لكن اللجنة المنظمة لكأس العالم في قطر تزعم: "لطالما حافظنا على الشفافية حول هذه المشكلة، ونجادل في الادعاءات غير الدقيقة حول عدد العمال الذين لقوا حتفهم في مشاريعنا". في حين قال متحدث باسم الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) إن الاتحاد ملتزم تماماً حماية حقوق العمال في مشاريع الفيفا.
وأضاف: "مع تطبيق إجراءات الصحة والسلامة الصارمة على الأرض... كان تكرار الحوادث في مواقع بناء كأس العالم لكرة القدم منخفضاً مقارنة بمشاريع البناء الكبرى الأخرى في جميع أنحاء العالم"، من دون تقديم أدلة على ذلك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع