شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"خسرتُ موسمي كاملاً"... ظواهر طقس غريبة تزور لبنان والزراعة تدفع الثمن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 27 أبريل 202211:43 ص

يعمل غابي فرج، الرجل الخمسيني، في الزراعة منذ 20 عاماً، لم يشهد خلالها ثلوجاً وصقيعاً خلال شهر آذار/ مارس، كتلك التي مرّت على لبنان هذا العام، وقد تسبّبت بخسائر كبيرة للمزارعين.

"أزرع تقريباً ألفَي دونم بين بلدتي حشمش وتربل في البقاع، حسب المواسم، وما حصل في آذار جاء ليُضاف إلى أزماتنا الكبيرة في تأمين الأسمدة التي ارتفع سعرها عالمياً، وتأمين المحروقات، فضرب الصقيع الخضروات المزروعة من بازلاء وفول وغيرها"، يقول الرجل لرصيف22.

فكيف يمكن قراءة طقس هذا العام؟ وماذا عن آثار هذه الظواهر المناخية المتطرفة على قطاع الزراعة بشكل خاص؟

موجات الصقيع هذا العام كان لها أثر سلبي على أغلب المزروعات.

هل ضرب التغيّر المناخي لبنان؟

قيل الكثير عن ظاهرة الاحتباس الحراري التي تُشير إلى ارتفاع متوسط درجة الحرارة قرب سطح الأرض، وعن تداعياتها على المناخ، كما انتشر حديث في لبنان عام 2014، عن وقوعنا في "التصحّر" جرّاء انخفاض معدلات الأمطار إلى ما دون 400 ملم، علماً أن العودة بالتاريخ تُظهر أن شتاء العام 1957-1958، بلغت معدلات أمطاره 400 ملم فقط، وتالياً "من أجل الحديث عن تغيّر مناخي يُفترض دراسة الأرقام والإحصاءات لسنوات قبل الوصول إلى هذه النتيجة"، يقول رئيس دائرة التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي، عبد الرحمن زواوي، لرصيف22.

ويضيف زواوي: "عندما تحدثوا عن تصحّر عام 2014، قلنا يجب أن ننتظر، وفي العام 2019 على سبيل المثال شهدنا موسماً مطرياً حقق أرقاماً قياسيةً في نسبة الهطولات. لذلك يمكن ملاحظة أن المعدّلات على مدى السنوات الخمسين السابقة، تؤكد بوضوح أن كميات الأمطار ترتفع وتنخفض، ولا توجد معدلات ثابتة لا صعوداً ولا هبوطاً".

معدلات الأمطار في لبنان - المصدر: مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي

إذاً ينفي زواوي بالأرقام وجود حالة "تصحّر" في لبنان، كما حالة "تغيّر مناخي"، مقدماً معدلات الأمطار هذا العام مقارنةً بالعام الماضي والمعدل العام كدليل على ذلك، عادّاً أن الأرقام تُظهر أن نسب الأمطار لا تزال مرتفعةً، ولا تختلف كثيراً عن المعدّل العام المبني على السنوات السابقة، إنما ما حصل في شتاء 2021-2022، وإن كان غريباً، لا يُبنى عليه للمستقبل، فإذا تكرر في السنوات المقبلة وشكّل نسقاً موحداً، يمكن عندها الحديث عن تغيرات مناخية طالت لبنان.

وبالعودة إلى آذار/ مارس الفائت، فقد كانت الحرارة أقل من معدلاتها الطبيعية بنحو 8 درجات مئوية، بينما اليوم نعيش التطبيق الحرفي لطقس لبنان ومناخه، مع الرياح الخماسينية ودرجات الحرارة المعتدلة، وبالنسبة إلى زواوي فإن انخفاض الحرارة في شهر آذار/ مارس هو ظاهرة قليلة الحدوث، ففي عام 2019، سُجّل معدل حرارة في آذار أقل من 12 درجةً، بينما كانت المعدلات في بقية الأشهر قريبةً من معدلاتها، وقد سبق للأمر أن حصل عام 1985، عندما وصلت الحرارة إلى أربع درجات مئوية على الساحل في شهر آذار/ مارس، وتالياً يمكن القول إن هذه سنوات استثنائية، نحتاج إلى تكرار حصولها لكي نتحدث عن تغيّرٍ ما يحصل.

لكن ذلك لا يعني عدم الاكتراث بالأثر السلبي لهذه الاستثناءات على مختلف القطاعات، ومنها قطاع الزراعة، إذ إن موجات الصقيع هذا العام كان لها أثر سلبي على أغلب المزروعات، فتضررت المواسم، وارتفعت الأسعار.

خسر المزارع الشاب علي ناصر 80 في المئة من موسمه الشتوي، وناصر شاب قرر العمل في الزراعة بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة، واستثمار أرضه الصغيرة في بلدة جباع الجنوبية. ويُشير الرجل إلى أن خسارة الموسم لا تعني عدم المحاولة من جديد

الطقس والخسائر

لم يهتم لبنان الرسمي بالواقع الزراعي سابقاً، وكان اعتماده اقتصادياً على قطاع الخدمات في الدرجة الاولى، فلم تساهم الزراعة بأكثر من 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وقد أدّت هذه اللا مبالاة إلى تدهور الزراعة مع مرور الأيام بسبب المشكلات الأساسية التي عانت منها وأبرزها الأساليب الزراعية القديمة، وسوء استخدام المياه، والتلوث الكثيف الذي ضرب الأنهار والمياه السطحية والجوفية في بعض المناطق، واستخدام مبيدات الآفات والتسميد غير الملائمة بسبب غياب التوجيه.

يمتلك لبنان مساحةً واسعةً من الأراضي الزراعية، تشكّل نحو 63 في المئة من مجمل مساحته وتبلغ نحوالي 6.58 مليون دونم، إلا أنه لا يستغل سوى ثلثها تقريباً، وبحسب الإحصاء الزراعي الشامل في لبنان الذي أعدّته وزارة الزراعة عام 2010، فقد بلغت المساحة الزراعية المستغلة نحو 2.31 مليون دونم، وتحتل محافظة بعلبك الهرمل المرتبة الأولى بحجم المساحة الزراعية بنسبة 25 في المئة، تتبعها محافظة البقاع بنسبة 18 في المئة، بينما تحتل محافظتا الشمال، عكار ولبنان الشمالي، المرتبة الثالثة بنسبة 16 في المئة، ثم النبطية والجنوب بنسبة 11 في المئة.

من مزروعات غابي فرح في البقاع - خاص رصيف22

"خسرت موسمي كاملاً، جرّاء الجليد الذي ضرب منطقة إقليم التفاح في شهر آذار/ مارس"، يقول المزارع زهير محمودي الذي يملك أرضاً زراعيةً صغيرةً في الإقليم الواقع جنوب لبنان، مشيراً إلى أن مزروعاته كانت تتضمن الملفوف والفول والبازلاء والقرنبيط، وهذه أصناف شتوية، لا تتأثر بكميات الأمطار، إنما تتأثر بالجليد. "لذلك كانت الزراعة في المناطق العالية عن سطح البحر خسارةً بخسارة، فبسبب البرد الشديد لم تنمُ مزروعاتي، بل احترقت وماتت"، يضيف لرصيف22، شارحاً.

"لا يمكننا الرهان على الطقس"، يقول محمودي، مشيراً إلى أن الأشجار على سبيل المثال تتفتّح في شهر آذار/ مارس، فهل يمكننا تأجيل هذا الأمر؟

وفي السياق نفسه، خسر المزارع الشاب علي ناصر 80 في المئة من موسمه الشتوي، وناصر شاب قرر العمل في الزراعة بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة، واستثمار أرضه الصغيرة في بلدة جباع الجنوبية. ويُشير الرجل إلى أن خسارة الموسم لا تعني عدم المحاولة من جديد، فلأن طقس بلدته معتدل صيفاً، قرر زراعة موسم شتوي جديد علّه يعوض ما خسره.

الثلوج وهي تغطي مزروعات علي ناصر جنوب لبنان - خاص رصيف22

وبالعودة إلى غابي فرج، يُشير المزارع المخضرم إلى أن "الأضرار كانت كبيرةً، على الخضار والأشجار التي تفتّحت أزهارها، وإن كان بإمكاننا تعويض الخضروات عبر زرعها مجدداً، إلا أن خسارة موسم الفواكه لا يمكن تعويضها هذا العام، هذا من دون احتساب تكاليف الأضرار التي وقعت في الخيم البلاستيكية بسبب كثافة الثلوج، إذ تصل كلفة الخيمة البلاستيكية التي تبلغ مساحتها 400 متر مربع إلى قرابة 1،800 دولار أمريكي، كما أن الشتول التي تُجهَّز للزراعة داخل الخيم تعرضت لأضرار كبيرة".

يُطالب فرج الدولة بالتعويض وإنشاء صندوق الكوارث الطبيعية لدعم المزارعين، ولو أنه يعلم أن "لا حياة لمن تنادي"، وفق تعبيره، عادّاً أن ما حصل سيؤدي إلى تأخر إنتاج الخضروات لشهر ونصف تقريباً، وسيقلل من حجم الإنتاج، ما يؤثر حكماً على الأسعار.

يُطالب فرج الدولة بالتعويض وإنشاء صندوق الكوارث الطبيعية لدعم المزارعين.

لم يكن الحال على الساحل أفضل خلال الشهر الفائت، فبحسب المهندس الزراعي عدنان رمضان، وصل "الملّاح" إلى المزروعات وأشجار الحمضيات، و"الملّاح" يعني علمياً "اللفحة النارية"، وهو عبارة عن هواء ينطلق من البحر محمَّلاً بالملح، ويحدث بسبب الرطوبة، ويضرب الموسم الزراعي، فتتجلّد الحمضيات، وتحترق أوراق الموز، وتظهر البقع السوداء عليه، كاشفاً أن مزارعي الحمضيات خسروا مليارات الليرات جرّاء الطقس.

بدوره يُشير رئيس تجمع مزارعي البقاع، إبراهيم ترشيشي، إلى أن التقلبات المناخية التي عاشها ولا يزال يعيشها لبنان هذا العام والعام السابق، أثرت على الموسم الزراعي، فالحرارة المتدنية جداً والثلوج التي استمرت حتى شهر آذار/ مارس تسببت بنتيجتين: الأولى تأخير نضوج المنتجات الزراعية، وتالياً خفض مستوى الإنتاج، والثانية تلف مساحات كبيرة من المزروعات بسبب الصقيع، الأمر الذي دفع بالمزارعين إلى إعادة زرعها مرةً جديدةً، مع ما يعني ذلك من خسائر مادية، وارتفاع أسعارها في السوق.

كذلك يتحدث ترشيشي إلى رصيف22، عن ظاهرة غريبة أخرى ذات علاقة بالمناخ، وكانت لها تداعيات سلبية على الزراعة، وهي تساقط كميات كبيرة من الأمطار في فترات زمينة قصيرة، ومن ثم توقف الهطول لفترات طويلة، مشيراً إلى أن هذا الأمر أضرّ بالزراعات البعلية التي تعتمد على الأمطار لا الري، كما على المراعي.

هناك فرق بين الزراعة على المرتفعات والزراعة على الساحل، وزراعة الخضروات كالبروكولي والخس والملفوف، لا تتناسب والمرتفعات بشكل عام، لأن الطقس الجبلي لا يساعدها على النمو، لذلك تلفت كل الزراعات في شهر آذار/ مارس بسبب الثلوج والجليد

ماذا عن الحلول؟

لا يجد ترشيشي ضرورةً لتغيير أنواع المزروعات في هذا الوقت من السنة، عادّاً أن هذه الفكرة ستصبح مطروحةً في حال تكررت الظواهر وأصبحت طبيعيةً.

بدوره، يفرّق المهندس الزراعي عدنان رمضان، بين الزراعة على المرتفعات والزراعة على الساحل، مشيراً إلى أن زراعة الخضروات كالبروكولي والخس والملفوف، لا تتناسب والمرتفعات بشكل عام، لأن الطقس الجبلي لا يساعدها على النمو، لذلك تلفت كل الزراعات في شهر آذار/ مارس بسبب الثلوج والجليد.

يدعو رمضان، في حال تكرر الطقس البارد في آذار/ مارس، إلى تعديل أوقات الزراعة، وتعديل أنواع المزروعات، فعلى سبيل المثال تُترك الزراعة على المرتفعات المتوسطة إلى نيسان/ أبريل وأيار/ مايو، مع اختيار الأنواع التي تتحمل القليل من البرودة.

أمّا فرج، فيرى أن تعديل أوقات الزراعة بحسب الطقس يعني خسارة موسم شتوي، "وتالياً إما سنضطر إلى الاستيراد، وإما سنعاني من انقطاع الخضروات".

حلول أخرى مطروحة تتضمن الاعتماد على الخيم البلاستيكية، حسب رمضان، كما محاولة تغطية النباتات بالأقمشة أو البلاستيك، ومحاولة إبقاء التربة رطبةً في حال كان الصقيع جافاً، وذلك يتم عبر الري.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

البيئة هي كل ما حولنا، وهي، للأسف، تتغير اليوم باستمرار، وفي كثير من الأحيان نحو الأسوأ، وهنا يأتي دورنا كصحافيين: لرفع الوعي بما يحدث في العالم من تغييرات بيئية ومناخية وبآثار تلك التغييرات علينا، وتبسيط المفاهيم البيئية كي يكون الجميع قادرين على فهمها ومعرفة ما يدور حولهم، وأيضاً للتأكيد على الدور الذي يمكن للجميع القيام به لتحسين الكثير من الأمور في حياتنا اليومية.

Website by WhiteBeard