شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
بعد تراجع تونس في تصنيف حرية الإعلام... الصحافيون يحتجون في الشارع

بعد تراجع تونس في تصنيف حرية الإعلام... الصحافيون يحتجون في الشارع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 5 مايو 202205:14 م

بدعوة من نقابة الصحافيين التونسيين، نفّذ الصحافيون، اليوم الخميس 5 أيار/ مايو 2022، مسيرةً حاشدةً تحت شعار "حرية الصحافة والتعبير" انطلقت من مقر نقابة الصحافيين في اتجاه شارع الحبيب بورقيبة، وشارك فيها ناشطون من المجتمع المدني.

قبلها بساعات، عقدت النقابة ندوةً صحافيةً لتقديم التقرير السنوي لواقع الحريات الصحافية، أعلنت فيه عن تسجيل 214 اعتداءً على الصحافيين خلال العام الماضي، مبرزةً أن الأشهر الثلاثة الأصعب على الصحافة التونسية والصحافيين كانت شهر تموز/ يوليو الذي سجل، في الفترة الممتدة بين الخامس والعشرين والحادي والثلاثين منه، 20 اعتداءً، أي بنسبة ثلاثة اعتداءات يومياً على الصحافيين، ثم شهر أيلول/ سبتمبر الذي شهد توترات واعتداءات عنيفة على الصحافيين، وشهر كانون الثاني/ يناير2022.


جانب من مسيرة الصحافيين التونسيين

كما لفتت النقابة إلى أن 105 اعتداءات مسجّلة ارتبطت بحق الوصول إلى المعلومة، أي بنسبة 49 في المئة من الاعتداءات المسجلة، بالإضافة إلى ارتفاع حالات التحريض على العنف والكراهية ضد الصحافيين، إذ تم تسجيل 31 حالةً على شبكات التواصل الاجتماعي، و26 اعتداءً انخرط فيها خاصةً مساندو الرئيس قيس سعيّد.

تراجع مقلق

سجلت تونس تراجعاً في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2022، الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، لتحتل المرتبة 94 مسجِلةً بذلك تراجعاً بـ21 نقطةً مقارنةً بتصنيف حرية الصحافة لسنة 2021.

وتزامناً مع إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة، أكدت المنظمة في تقريرها أن ترهيب الصحافيين أصبح أمراً شائعاً في تونس، وأن عشرات الصحافيين، بمن فيهم مراسلو وسائل إعلام دولية، تعرضوا للتعنيف خلال تغطيتهم مظاهراتٍ احتجاجيةً مشيرةً إلى ارتفاع وتيرة الهجمات اللفظية ضد الصحافيين ووسائل الإعلام من قبل السياسيين.

كما لفت التقرير إلى أن الإطار التشريعي لحرية الصحافة غير متكامل ولا يوفر سوى الحدّ الأدنى من الحماية للصحافيين ولوسائل الإعلام، مبيّناً أن القضاء التونسي بصدد إصدار أحكام على معنى نصوص قانونية متوارثة من عهد الرئيس المخلوع بن علي، عوض الاستناد إلى تشريعات ملائمة لحرية الصحافة والحق في الإعلام.

وقد عدّ نقيب الصحافيين مهدي الجلاصي، أن التصنيف المذكور يقوم على جملة من المعايير تتعلق بالإطار التشريعي لحرية الصحافة، وبارتفاع وتيرة الاعتداءات على الصحافيين وبتوقيفهم، والمتابعات القضائية في حقهم، ومحاكمات الرأي، كما تتعلق أيضاً بوضع الصحافة على مستوى حق الوصول إلى المعلومة الذي تم ضربه بقوة في الفترة الأخيرة وعلى مستوى الوضع الاقتصادي والاجتماعي للصحافيين والتعددية واختلاف الرأي خاصةً في الإعلام العمومي.

نقيب الصحافيين التونسيين لرصيف22: "تم الاعتداء على الصحافيين في الميدان ومحاكمة آخرين في المحاكم العسكرية. هناك قرار سياسي واضح للتعتيم على المعلومة وعلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة الانفتاح على الإعلام وعلى الشعب"

وأضاف في حديثه إلى رصيف22، أن تونس تراجعت كثيراً في مجال حرية الصحافة والتعبير، وتعزز هذا التراجع بعد إجراءات 25 تموز/ يوليو، لافتاً إلى أن النقابة حذرت سابقاً من هذا التراجع في حال عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة: "لقد تم الاعتداء على الصحافيين في الميدان ومحاكمة آخرين في المحاكم العسكرية وإيقاف صحافي تشبث بحقه في حماية مصادره. هناك قرار سياسي واضح للتعتيم على المعلومة وعلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة الانفتاح على الإعلام وعلى الشعب. يجب أن يكون هناك تعهد واضح من السلطة ينهي الانتهاكات في حق الصحافة والصحافيين ويعاقب كل المعتدين بالفعل وليس بالشعارات وإطلاق حوار حقيقي حول واقع الإعلام".

حَمَّل الجلاصي، رئيس الجمهورية قيس سعيّد، مسؤولية هذا التراجع في التصنيف، مشيراً إلى غياب أي مؤشرات لتحسن الوضع وسعي بعض الأطراف إلى السيطرة على وسائل الإعلام مثلما تمت السيطرة على كل مؤسسات الدولة.

كما بين مهدي الجلاصي، أن العديد من الصحافيين تعرضوا لعقوبات لأنهم قاموا بدورهم وأن أطرافاً تحاول معاقبة نقابة الصحافيين لأنها تصدح بأعلى صوتها للدفاع عن حرية الإعلام عبر التعاطي اللا مبالي مع مطالبها، قائلاً: "الوقفات والبيانات والتحركات الاحتجاجية التي تنظمها النقابة موقف واضح لدفاعها عن حقوق الصحافيين وعدم رضاها على ما يحدث. لا نقاش في الحقوق وعلى الجميع أن يعي بخطورة هذه الانتهاكات والدفاع عن الحرية".

"حرية الصحافة تواجه الخطر الداهم"

بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، أعدت نقابة الصحافيين ومضةً دعائيةً، وثقت خلالها شهاداتٍ لصحافيين ومصوّرين صحافيين تعرضوا لاعتداءات مادية ومعنوية خلال أداء مهامهم.

وحمَّلت النقابة الوطنية للصحافيين، مسؤولية التراجع الخطير في تصنيف تونس للسلطة وعلى رأسها رئيس الجمهورية قيس سعيّد، موضحةً في بيان لها أن "هذا التراجع جاء نتيجة تراجع مؤشرات حرية الصحافة وارتفاع وتيرة الانتهاكات ضد الصحافيات والصحافيين والمحاكمات والتوقيف وتواصل إحالة المدنيين أمام القضاء العسكري وانغلاق السلطة وتعتيمها على المعلومة وضرب حق المواطنين في الأخبار والمعلومات وفي معرفة مصير بلادهم".


وقد سجلت وحدة الرصد في مركز السلامة المهنية في نقابة الصحافيين، 214 اعتداءً على الصحافيين خلال الفترة الممتدة من نيسان/ أبريل 2021، إلى نيسان/ أبريل 2022، عادّةً أنها السنة الأصعب على الصحافيين خلال السنوات الخمس الأخيرة.

ولفتت نائبة رئيس نقابة الصحافيين، أميرة محمد، إلى أنها كمعدة برنامج سياسي في إذاعة خاصة تتعرض والفريق الصحافي لإشكاليات كبيرة جداً في حضور أعضاء الحكومة وقبولهم للنقاش والحديث حول برامجهم وحول الإشكاليات المطروحة لدى الشعب التونسي، بالإضافة إلى وجود إشكاليات على مستوى الحصول على المعلومة الدقيقة والآنية من المصادر الرسمية، مما يضطر الصحافي إلى استقائها بطرق خاصة.

ترى محدثة رصيف22، أن الحكومة الحالية لا تعترف بحق الصحافي في النقد وتعدّ الإعلامي عدواً، لافتةً إلى أن رئيسة الحكومة لم تعقد أي لقاء أو مؤتمر صحافي، ولم تتوجه حتى بكلمة إلى الشعب التونسي. أما رئيس الجمهورية قيس سعيّد، فمنذ دخوله قصر قرطاج لم يعقد أي ندوة صحافية بالرغم من الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد، وبالرغم من توجّهه نحو جمهورية جديدة وفق آخر تصريحاته "الشعب التونسي لا يعرف توجهات هذه الجمهورية وعلى أي أساس سيتم بناؤها. يطرح المواطن علينا الكثير من الأسئلة كصحافيين، وليست لدينا إجابة عنها لأن السلطة تغلق أبوابها"، على حد تعبيرها.

حَمَّل مهدي الجلاصي رئيسَ الجمهورية قيس سعيّد مسؤولية تراجع البلاد في تصنيف حرية الصحافة مشيراً إلى غياب أي مؤشرات لتحسن الوضع

تحدثت أميرة محمد، عن تعرض صحافيين ومؤسسات إعلامية للمضايقات من قبل "ميليشيات" حركة النهضة وما يسمى بـ"الذباب الأزرق"، أضيف إليهم "ذباب" جديد من أنصار الرئيس، في ظل غياب أي موقف رسمي من قيس سعيّد ليتبرأ مما تقوم به هذه الصفحات.

ولفتت المتحدثة إلى أنَّ كل شخص، أو مؤسسة، يعبّر عن رأي مخالف يتعرض لسحل إلكتروني وتهديدات قد تصل إلى حد الاعتداء العنيف.

كما انتقدت تدخل رئيس الجمهورية في ترتيب الأخبار، وامتعاضه من عدم تصدره أخبار التلفزيون العمومي، منبّهةً إلى الانحراف الذي حصل في الخط التحريري للقناة الوطنية وانطلاق مرحلة التضييق في بعض مؤسسات الإعلام العمومي، معربةً عن تخوفها من أن يشمل جميع المؤسسات.

ورأت أن الحكومة نسفت حق النفاذ إلى المعلومة حتى في المعلومات البسيطة المتعلقة بالشأن الصحي والاقتصادي وما يهم المواطن التونسي، حتى أن الحصول على معلومة أصبح بمثابة رحلة عذاب للصحافي.

وبيّنت محمد أن تصنيف تونس الجديد استند إلى العديد من المؤشرات أهمها ملاحقة الصحافيين على قوانين غير منظمة للمهنة ومنع الوصول إلى المعلومة والاعتداءات المتكررة على الصحافيين من قبل أمنيين ومسؤولين في الدولة إلى جانب عدم قيام الدولة بحماية الصحافيين في أثناء أداءهم مهامهم.


ندوة نقابة الصحافيين التونسيين

وأكدت المتحدثة أن التصنيف جاء بناءً على عدم احترام السلطة لحقوق الصحافيين، وعدم الالتزام بتطبيق الاتفاقية الإطارية المشتركة للصحافيين، بالرغم من الحكم القضائي الذي يلزم الحكومة بنشرها، مشيرةً إلى أن الحكومة لا تتدخل لتطبيق القانون في شأن المؤسسات الإعلامية التي لا تحترم قانون الشغل والمؤسسات المهددة في وجودها، مضيفةً أنه من بين المعايير التي يتم اعتمادها في التصنيف معيار مدى قدرة المؤسسات الإعلامية على الاستمرارية والقيام بمهامها في ظروف ملائمة، وهو ما ليس متوفراً في تونس سواء في المؤسسات العمومية تحت إشراف السلطة بصفة مباشرة من حيث الميزانية والتجهيزات، أو في المؤسسات المهترئة التي لا يتمتع فيها الصحافي بحقوقه.

وبالنسبة إلى محمد، فإن "الخطر الكبير هو أن السلطة الحالية لا تعترف نهائياً بالإعلام ولا تسهل عمله وتنتهج سياسةً تواصليةً افتراضيةً، وتتعمد إغلاق الأبواب أمام الصحافيين فنلاحظ عدم تنظيم ندوات صحافية أو مؤتمرات صحافية. رئيس الجمهورية أعلن عن نيته سن قوانين جديدة منظمة لمهنة الصحافة، والمتعارف أن جميع قراراته كانت بصفة أحادية من دون إشراك أهل المهنة والهياكل الممثلة للقطاع، وهذا مرفوض ومرفوض جداً لأنه قد ينسف حرية التعبير التي هي مهدّدة، وندافع عنها، لكنها على الأقل موجودة ونخشى نسفها بقوانين متخلفة أكثر من الموجودة اليوم".

كما أشارت المتحدثة إلى أن الحكومة لا تتفاعل لا بالسلب ولا بالإيجاب مع مطالب أهل القطاع بالاهتمام بقطاع الإعلام ودعم المؤسسات الإعلامية الخاصة، التي أغلبها مهدد بالإغلاق، وفي إغلاقها فقدان لفرص عمل وقضاء على التعددية.

نتيجة طبيعية

دعا الاتحاد التونسي للإعلام الجمعياتي الحكومة إلى احترام حرية الصحافة في سبيل قطاع حر وآمن من الانتهاكات التي اتّسمت بها هذه السنة مؤكداً في بيان له أن "الخطر الداهم الذي يتربّص بالقطاع في ظلّ صمت الحكومات وتجاهلها يهدد بالانزلاق بالسلطة الرابعة إلى وضع كارثي".

وتعليقاً على تراجع تونس في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، رأى رئيس مكتب المغرب العربي للشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان رامي الصالحي، أن هذا التصنيف نتيجة طبيعية لما يحدث في البلاد منذ 25 تموز/ يوليو من دمار للمنظومة القائمة بايجابياتها وسلبياتها.

ويرى الصالحي في تصريح لرصيف22، أنه من ايجابيات العشرية الأخيرة هي مكسب حرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام واستقلالية السلطات وإرساء الهيئات الدستورية المستقلة التي كانت مفخرةً لتونس، لكن منظومة 25 تموز/ يوليو بصدد تدمير كل القطاعات، إذ انطلقت بضرب القضاء وهي الآن بصدد ضرب حرية التعبير ثم الحق النقابي وغيره، مشيراً إلى أن ما يحصل نتيجة للتخاذل وغياب الرؤية لدى الأشخاص الذين يسعون إلى تصفية حسابات أيديولوجية مع طرف سياسي معيّن فانهار السقف على الجميع.

الحكومة الحالية لا تعترف بحق الصحافي في النقد وتعدّ الإعلامي عدواً. رئيسة الحكومة لم تعقد أي لقاء أو مؤتمر صحافي ولم تتوجه حتى بكلمة إلى الشعب التونسي

يرى الصالحي أن "تونس عانت في العشرية الأخيرة من عدم الكفاءة وغيرها، لكن ما يحدث اليوم أتعس وليتحملوا مسؤوليتهم لأنهم ساندوا ما حدث في 25 تموز/ يوليو، ولم يروا تهديم المؤسسات، بل رأوا فقط تصفية خصم سياسي بشكل لا ديمقراطي. هذه الأطراف ستجني اليوم نتيجة ذلك. منذ 25 تموز/ يوليو نبّهت إلى أن ما أُخذ بطريقة غير ديمقراطية لا يمكن أن يبني ديمقراطيةً، وما أُخذ بطريقة لا دستورية لا يمكنه بناء ما هو قانوني. نحن بصدد جني تصفية الحسابات وقصر نظر الجميع بما في ذلك الإعلاميين الذين ساندوا في فترة معينة إجراءات 25 تموز/ يوليو، ولم يروا أن العملية فيها اغتيال للدول وتدمير للمؤسسات".

في المقابل، أكدت وزارة الشؤون الخارجية التزام تونس بـ"ضمان الحق في حرية الرأي والتعبير في جميع الفضاءات بما في ذلك الفضاء الرقمي والمضي قدماً نحو ضمان صحافة حرة ومسؤولة كونها إحدى الركائز الأساسية لأي نظام ديمقراطي".  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard