شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
حكايات ممثل مصري وفنانة لبنانية..

حكايات ممثل مصري وفنانة لبنانية.. "سيرة الأجواق المسرحية العربية" في القرن الـ19

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 11 مايو 202205:55 م

تاريخ موغل في القدم، عاشه المسرح في الوطن العربي، تمتد آثاره لما يزيد عن قرن ونصف من الزمان.

كانت بداياته قبل انتشار الفوتوغرافيا واختراع السينما، ولذلك ضاعت الكثير من حكاياته، تحت ثقل الزمن وفقدان الوثائق، وهو الأمر الذي جعل من جهد الباحث والكاتب الفلسطيني السوري تيسير خلف، في رحلته لتحقيق جزء مهم من توثيق تاريخ المسرح العربي في بداياته، من خلال كتابه الجديد "سيرة الأجواق المسرحية العربية"، إنجازاً بلا شك.

نجح خلف في أن يستعيد جزءاً عزيزاً من التاريخ المسرحي العربي، يحمل أحلام البدايات وأسرارها وأجواءها الخفيّة.

تكمن أهمية الكتاب الصادر عن منشورات المتوسط في ميلانو، في تحقيقه لجزء من مرحلة شديدة الندرة في موادها الأرشيفية من التأريخ للمسرح العربي خلال القرن الثامن عشر، بالإضافة إلى التميز الذي أظهره الباحث، تيسير خلف، في صناعة قالب تشويقي جذاب لتلك المذكرات، صنع منها حالة فنية تأتي في محلها تماماً، في سيرة شديدة الأهمية لثنائي فني من بلدين مختلفين وفي عصر فني فريد.

يستعيد الكتاب سيرة الأجواق المسرحية العربية في القرن التاسع عشر، من خلال مذكرات الممثلين الرائدين، المصري عمر وصفي، والسورية مريم سماط، وفي وجبة دسمة تصيغ حواشي الكتاب رحلة موازية في نجوم الزمن الغابر وحكاياته.

وبالإضافة إلى ذلك، زُوّد الكتاب بملحق من الصور النادرة، تغطي تلك الفترة من تاريخ المسرح العربي.

يقول تيسير خلف في مقدمة كتابه: "حين نصف تلك الأجواق العربية، فهذا لا يحمل أيّ رسالة إيديولوجية. أولاً؛ لأن الفِرَق نفسها كانت تسمّي ما تقدمه مسرحاً عربياً، وثانياً؛ لأن فرسانها كانوا من سوريا العُثمانية ومصر، فلم تكن دمشق أو القاهرة أو الإسكندرية أو بيروت أو يافا في نَظَرهم سوى مُدُن في بلاد واحدة، تجمعها الروح العربية تحت ظلِّها الظليل".

زمن آخر يدخل فيه تيسير خلف مباشرة، ويذهب بك إلى أحلام البدايات، ولحظة ظهور الاحتراف في المسرح العربي مع أبو خليل القباني عام 1874، وهنا ينبغي الإشارة إلى وجود بطل ثالث في ثنايا هذا الكتاب، بجوار وصفي وسماط، وهو القباني، الذي يبرز الكتاب ريادته وأسبقيته في الترسيخ لتقاليد الاحتراف الفني في مصر.

المسرحي الأول

اسم ينبغي أن ينقش داخل كل مدرسة عربية، هو أبو خليل القباني (1833 - 1903) علم سوريا الشهير و رائد المسرح العربي.

ولد أحمد أبو خليل بن محمد آغا بن حسين آغا في دمشق وتوفي فيها، ولكن فيما بينهما، فتح الرجل طريقاً للمسرح الغنائي العربي وسوق الفن من دمشق والقاهرة.

بدأت مسيرته الفنية، التي يُؤرَّخ بها لبداية المسرح العربي، بأول عرض مسرحي خاص في العاصمة السورية، دمشق، عام 1871. عنوان المسرحية كان "الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح".

وخلال سبعينيات القرن التاسع عشر، واصل القباني مسيرته، بداية من 1879، قدم أبو خليل وفرقته المسرحية ما يزيد عن 40 عرضاً مسرحياً وغنائياً.

جاذبية عمر وصفي

ومن خلال 256 صفحة من القطع الوسط، وبعد التمهيد مع أبي خليل القباني، تذهب "سيرة الأجواق العربية" في بدايتها إلى نجم جديد يدخل لساحة النجوم العرب من صفحات هذا الكتاب، أول الثنائي الذي يكشف في مذكراته عن شخصية ساحرة، ويروي صفحات من تاريخ الفن العربي مع مزيج من سيرته الذاتية في قالب خفيف، ولكنه شديد العمق في نفس اللحظة.

عانى عمر وصفي مع أسرته المحافظة أشد المعاناة، وقد كان والده يتولّى الميقات والأذان وقراءة القرآن في مسجد الحسين، لنرى ملامح مجتمع القاهرة قبل ما يقرب من 150 عاماً

المصري عمر وصفي، أو عمر محمَّد ميقاتي طبقاً للبيانات الرسمية، والمولود في العاصمة المصرية في 1874، ابن الأسرة القاهرية المحافظَة، الذي ستضحك كثيراً وسط صفحات المذكرات مع مغامراته مع أهله بسبب عمله بالفن، إذ عانى معهم أشد المعاناة، وقد كان والده يتولّى الميقات والأذان وقراءة القرآن في مسجد الحسين.

ما بين الفنان الشاب المتمرد ووالده، دارت مغامرات خفيفة الظل، تحكي ملامح مجتمع القاهرة قبل ما يقرب من 150 عاماً.

مريم سماط

بطلة الكتاب الثانية هي الفنانة السورية مريم سماط، ولدت في بيروت 1870، وتنتمي لأسرة أرستقراطية، يعمل والدها تاجراً للمجوهرات، اضطرته الظروف للهجرة إلى مصر عام 1888.

نقرأ في تمهيد الكتاب، بقلم تيسير خلف: "يضم هذا الكتاب المذكرات الفنيةَ للممثلَين المسرحيين عمر وصفي ومريم سماط، اللذين عاصرا بدايات ظهور الأجواق المسرحية المحترفة في مصر، خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى مقدمتين إضافيتين، توضحان أهمية هذين الممثلين الرائدين في تاريخ المسرح العربي".

الفرقة المسرحية

"الجوق المسرحي" هو المصطلح الذي كان يستخدم في القرن التاسع عشر لما نسميه اليوم "الفرقة المسرحية"، وتعايش مذكرات الرائدين، وصفي وسماط، بدايات ظهور الأجواق المسرحية المحترفة في مصر، خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن التاسع عشر.

ولكن، بحسب المؤلف، نجد هناك تفاوتاً بين حجم النصين ودرجة عمقهما، لأن مذكرات مريم سماط جاءت مختزلَة إلى حد كبير، أما عن مُذكِّرات عمر وصفي فهي شديدة التفصيل والتدقيق والثراء، وتبرز العديد من الجوانب الفنية والاجتماعية في تتابع مدهش، وانتظام واضح للأفكار، وتعبر عن إحاطة كاتبها بتفاصيل تلك المرحلة التأسيسية للنهضة الفنية التي عرفتها مصر منذ قرن ونصف القرن، كما يعبّر الكتاب عن المساهمة الواضحة والمركزية للفنانين والمبدعين القادمين من سوريا في التاريخ الفني لمصر، والذين عاشوا في مصر بحثاً عن الحرية، وأعطوها من فنونهم، ما دفع مسيرتها الفنية دفعة حاسمة.

لقاء السحاب

ما يجمع بين وصفي وسماط، هي لحظة اللقاء التي جمعتهما في جَوْقة أبي خليل القبَّاني السوري - المصري خلال الفترة من عام 1894 إلى عام 1901، والتي انطلقا منها إلى رحلة حافلة ومشوار اشتركا فيه خلال العديد من المحطات والفرق المسرحية.

وقد استطاع الباحث من خلال الكتاب في تحقيق تدقيق يدخل بالتأريخ لبداية المسرح العربي إلى مرحلة جديدة، ومحطة أكثر ازدهاراً؛ ويقدم فُرصة نادرة للمقارنة بين الروايات المختلفة لنشأة الأجواق المسرحية العربية في مصر، وظروف حلِّها أو اندماجها في أجواق وأسماء جديدة.

ويرى تيسير خلف في كتابه أن الكثيرين كتبوا عن تاريخ المسرح العربي في القرن التاسع عشر، ولكنهم انشغلوا بالمادة التاريخية والمحتوى الفكري والجمالي، وغاب عنهم التدقيق والعرض للجوانب الإنسانية والشخصية التي رافقت تلك النشأة، وهو ما يبعدنا عن زاوية شديدة الأهمية والتأثير في استكشاف تلك المرحلة البعيدة.

والحقيقة أن الكتاب ينجح، من خلال مذكرات وصفي تحديداً، في فتح زاوية جديدة للنظر داخل المجتمع المصري، ربما تكون متاحة بهذا القرب للمرة الأولى، وذلك بحكم قرب "وصفي" و"سماط" من المطبخ الفني، ومعاصرتهم لأبي خليل القباني.

رواية "سيدنا يوسف"

الكتاب مزدحم بالأسرار، ويكشف عن جرأة وصفي، والذي تصلح مذكراته للتحول إلى فيلم سينمائي، يحكي في أحد مقاطعها- التي تأتي في 100 أو 150 كلمة غالباً- ويقول: "لعلك شاهدت السيدة فاطمة رشدي في رواية (زليخة)، فاعلم أن هذه لم تكن أول مرة تقدم فيها قصة (يوسف الصديق) على المسرح، فقد سبقنا بتمثيلها منذ أعوام كثيرة، باسم رواية (سيدنا يوسف)"، ويحكى وصفي أن تقديمه لهذه الرواية كان مصدر شؤم بالنسبة له، وتوالت عليه المتاعب بعدها، وقد قال له البعض إن تلك المتاعب عقاب له بسبب جرأته في تشخيص الأنبياء على المسرح.

ويؤرخ الكتاب في قالب درامي عن عالم فرقة القباني المسرحية، وكواليس الوسط الفني في القاهرة في تلك المرحلة المبكرة من نشاطه، وأبرز ملامح الصراعات الفنية، والطريقة التي تشكل بها السوق الفني في مصر.

مريم سماط وجيل الرعيل الثاني

هي صاحبة ملحمة خاصة، جاءت مع أسرتها إلى القاهرة ضمن جيل الرعيل الثاني للفنانات الشاميات القادمات إلى القاهرة، ولكن سماط ستصبح نجمة متوّجة في ثلاث من أكبر فرق القاهرة المسرحية طوال ما يزيد عن 21 عاماً، شهدت سنوات تألقها في مصر، ورغم أن مذكراتها مختزلة، إلا أن الوثائق تبرز حضورها الخاص، والتقدير الذي كانت تناله هي وشقيقتاها في فرقة أبي خليل القباني، والتي كانت تخصص دخل بعض الليالي الخاصة لبنات سماط، وهو التقليد الذي لم يكن يتبع إلا مع النجوم الكبار.

"لعلك شاهدت السيدة فاطمة رشدي في رواية (زليخة)، فاعلم أن هذه لم تكن أول مرة تقدم فيها قصة (يوسف الصديق) على المسرح، فقد سبقنا بتمثيلها منذ أعوام كثيرة، باسم رواية (سيدنا يوسف)"... من صور المسرح العربي في القرن التاسع عشر

تنقلت مريم سماط أيضاً برفقة عمر وصفي، في فرقة جورج أبيض، كما سجّلت حضوراً مميزاً بعد انتقالها لفرقة سلامة حجازي، ويبرز الكتاب أبرز أدوارها ونجاحاتها من خلال عرض خاص داخل الكتاب، قدمه خبير المسرح المصري د. سيد علي، والذي يوثق من خلاله لتتبع سيرة مريم سماط داخل الدوريات والصحف المصرية.

ويحسب للباحث تيسير خلف أنه استطاع الاستفادة من مهاراته كروائي بارز، في صياغة حالة درامية وفنية جاذبة للمذكرات، بما يضعها في مقامها الصحيح، خاصة مع الحالة الأدبية الرائقة لمذكرات عمر وصفي، التي تعبر عن تطور كاتبها.

مؤلف الكتاب هو روائي وباحث فلسطيني سوري، من مواليد 1967، صدر له العديد من الأعمال الأدبية والبحثية.

على ساحة الإبداع صدرت له مجموعة قصصية بعنوان "قطط أخرى" عام 1993، ليتبعها برواية "دفاتر الكتف المائلة" 1996، لتتوالى كتاباته التي تجاوزت الخمسين كتاباً، بين الأدب والدراسات التاريخية والرحلة والتحقيق. أهمُّها "موسوعة رحلات العرب والمسلمين إلى فلسطين"، الذي صدر في ثمانية مجلدات عام 2009، وقد وصلت روايته "مذبحة الفلاسفة"، التي صدرت عام 2016، إلى القائمة الطويلة في الجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard