تارةً تجدها مُنحنيةً على أكوام الخضروات شبه الفاسدة في الأرض لاختيار "الصالح" منها، وتارةً أخرى تجدها تلتف حول عربات بيع الخضروات من دون تفاوض حول الأسعار، مما يفسر عجزها أو ربما يأسها من عدم جدوى التفاوض، فقدرتها الشرائية لا تسمح لها بشراء المعروض. وتستمر ميّ حبيبة، في اللّف والدوران من دون أن تكون قد انتهت من شراء مستلزمات مائدة فطورها الرمضاني من خضروات، أبرزها الطماطم التي تزيّن حساء "الحريرة" الذي يُعدّ طبقاً رئيسياً على موائد الإفطار المغربية.
"يَحْسَنْ عْوَان المِسكين"
"ميّ حبيبة"، امرأة سبعينية تعيش مع ابنها وأسرته الصغيرة. يعمل ابنها معلماً في مدرسة خاصة لا يتعدى راتبه الشهري ثلاثة آلاف وخمسمئة درهم (نحو 370 دولاراً).
تقول ميّ حبيبة، لرصيف22: "راتب ابني يتوزع ما بين فواتير الماء والكهرباء ومصاريف مدرسة أبنائه، وما يبقى منه للمواد الغذائية الأساسية من دقيق وزيت، وسكر وشاي وقطان. مع زيادة الأسعار الأخيرة، لا نكمل الشهر إلا بالتقشف، وذلك لتأمين الضروريات فحسب. وحتى الضروريات باتت في بعض الأحيان مهددةً، ويصعب تأمينها. عندما ننظر إلى حالنا نقول إنه في نهاية المطاف على الأقل لدينا مدخول شهري نستند إليه، فما حال المسكين الذي لا يتوفر على دخل قارّ؟ تضيف ميّ حبيبة: "يَحْسَنْ عْوَان المِسكين" (أحسن الله عون المسكين).
تارةً تجدها مُنحنيةً على أكوام الخضروات شبه الفاسدة في الأرض لاختيار "الصالح" منها، وتارةً أخرى تجدها تلتف حول عربات بيع الخضروات من دون تفاوض حول الأسعار. عجز الفقراء في المغرب أمام غلاء الأسعار في رمضان
مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، مدينة التناقضات، ففي حين يعيش جزء من سكان المدينة في دعة ويصرفون بغير حساب، ثمة في الطرف الآخر من يقاوم لقضاء شهر رمضان. في سوق "طارق"، في حي البرنوصي الشعبي في الدار البيضاء، وهو السوق الذي ترتاده غالبية سكان الحي، تبدأ أسعار الخضروات من ستة دراهم وتصل إلى 15 درهماً للكيلوغرام الواحد (من دولار إلى دولارين). وهو ما يجعل كثيرين من مرتاديه يشتكون من الغلاء الذي لا ينصف أصحاب الأجور الضعيفة، فأقل قُفَّةٍ من الخضروات، حسب تصريح بعض السيدات، تساوي مئة درهم، من دون احتساب ثمن اللحوم أو الفواكه، التي غالباً ما يُستغنى عن شرائها، لأن ضعف الميزانية يُحتّم ذلك.
رمضان من دون حَرِيرَة "باطِل"
بالرغم من الاكتفاء الذاتي الذي يحققه المغرب، من حيث الخضروات والفواكه، إلا أن ذلك لم يمنع الأسعار من الارتفاع، بحسب ما تؤكده الأرقام الرسمية للتضخم الذي ارتفع بنسبة 3.5 في المئة، وذلك بسبب مشكلة تعدد الوسطاء والمضاربين بين الفلاح والمستهلك الأخير، إلى جانب ارتفاع الأسعار في السوق الدولية لانعكاسات الحرب في أوكرانيا على مختلف الأسواق العالمية.
بالرغم من التطمينات الحكومية، إلا أن الأسعار بقيت في مستوى مرتفع، إذ ما زال سعر كيلو الطماطم يناهز العشرة دراهم في الأسواق، وهو سعر غير اعتيادي، كما شهد سعر الفلفل ارتفاعاً صاروخياً، إذ وصل إلى 20 درهماً، ما دفع العديد من الأسر إلى تجنب اقتنائه. ومما يزيد من حيرة الزبائن، أن هذه المنتجات تُنتَج بوفرة في المغرب، إلا أن المنتجين الكبار يفضلون تصديرها إلى الأسواق الأوروبية.
الحريرة التي كانت تسد رمق الضعفاء والمساكين في هذا الشهر الفضيل، باتت هي الأخرى من المكونات الصعبة التي تعجز الكثير من الأسر عن الوصول إليها بسبب غلاء أسعار كل مكوناتها. نار الأسعار خلال رمضان في المغرب
وإن كان الاستغناء عن أنواع من الخضروات ممكناً، فإن الطماطم تُستخدَم على نطاق واسع خلال شهر رمضان، إذ يستخدمها المغاربة بانتظام لإعداد أشهى الأطباق المغربية، بما فيها حساء الحَرِيرة.
تُعدّ الحريرة من أهم الأطباق الرمضانية على موائد المغاربة، إذ لا يحلو الإفطار منها. هذا العام غابت شوربة "الحريرة" عن موائد الكثير من الأسر المغربية، خصوصاً الأسر ذات الدخل المحدود، فبعدما كانت تزيّن موائدهم اضطرت الكثير من الأسر إلى التخلي عنها إلى جانب العديد من الوجبات التي تكون الطماطم أهم عنصر فيها، لأنها غير قادرة على شرائها.
السبب في التخلي عن الحساء، سبّب غلاءً في مكونات أخرى لها، خاصةً "القطاني"، مثل العدس والحمص التي هي أيضاً من أهم مكونات هذه الشوربة. بنبرة ساخرة لا تخلو من الحسرة، قالت ثورية، وهي ربة بيت وأم لثلاثة أطفال، لرصيف22: "رمضاننا هذا العام ‘باطل’ من دون حريرة.
تضيف: الحريرة التي كانت تسد رمق الضعفاء والمساكين في هذا الشهر الفضيل، باتت هي الأخرى من المكونات الصعبة التي تعجز الكثير من الأسر عن الوصول إليها بسبب غلاء أسعار كل مكوناتها".
من قُفّةٍ مُشكّلةٍ إلى كيسٍ صغير
تقدمت رُقية، من عربة عليها أنواع مختلفة من الخضروات، ثم بدأت بعملية الانتقاء، تأخذ من كل نوع حبةً أو ثلاث حبات. تقول لرصيف22: "أحاول تخفيض تكلفة القُفّة بأخذ ما هو ضروري للوجبة اليومية". ما تغنمه رُقية من جولة في السوق لا يعادل إلا القليل مما اعتادت شراءه، إذ إن قُفّتها المُشكّلة عادةً من أنواع مختلفة من الخضروات والفواكه، أصبحت بفعل الغلاء مختزلةً بكيس صغير يضم نوعاً واحداً من الخضروات.
القدرة الشّرائية للمواطنين لم تعد تتحمّل الارتفاع الذي يطال أسعار المواد الأساسية، بما فيها الطماطم، والتي يصل ثمنها في بعض الأسواق إلى عشرة دراهم
في هذا السياق، شدد رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، بوعزة الخراطي، في حديث إلى رصيف22، على أن القدرة الشّرائية للمواطنين لم تعد تتحمّل الارتفاع الذي يطال أسعار المواد الأساسية، بما فيها الطماطم، والتي يصل ثمنها في بعض الأسواق إلى عشرة دراهم.
ودعا الخراطي الحكومة، إلى إنشاء منصات جهوية لمراقبة المضاربين والسماسرة، لأن الفلاح المغربي ينتج الطماطم ويبيعها بأسعار بمتناول عامة الناس، بينما السماسرة والمضاربون يفرضون أثماناً قياسيةً في الأسواق، تكون أكبر بكثير من أسعارها في سوق الجملة. وأضاف الخراطي، أن هذه الزيادات مرتبطة في جزء منها بالسّوق الدولية وتقلّبات العرض الداخلي. وأن الحكومة لم تستطِع التحكم في ثمن بعض الخضروات، ومنها الطماطم، بسبب وجود مضاربات".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين