شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أجّجت الصراع السياسي... هل تتحرك تونس ضد الصفحات المموّلة على مواقع التواصل الاجتماعي؟

أجّجت الصراع السياسي... هل تتحرك تونس ضد الصفحات المموّلة على مواقع التواصل الاجتماعي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 27 أبريل 202202:02 م

أخذت الصفحات المموّلة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصةً فيسبوك، تُؤجج التوتر السياسي في تونس، إذ لم تعد تكتفي بمجرد توجيه التونسيين نحو أراء معيّنة، بل تعدّت ذلك إلى حد تهديد شخصيات عامة، ما أثار جدلاً واسع النطاق حول من يقف خلف هذه الصفحات؟

والتساؤلات ليست وليدة اللحظة، لكن الجديد في ظل المسار السياسي الجديد الذي تشهده تونس، هو هل تنجح السلطات الجديدة التي تسيطر على جل الصلاحيات في لجم هذه الصفحات، أم أنها هي نفسها مستفيدة من بقائها؟

وفاجأت صفحات تحظى بنسب متابعة هائلة من التونسيين، وتزعم بأنها داعمة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد، بمهاجمة قضاة بارزين وتوعّدهم، مثل صفحة "سيب صالح" التي ينتقدها سياسيون وشخصيات موالية لسعيّد، ويقولون إنها في صدد تشويه صورتهم.

وأعلنت وزارة العدل التونسية الأحد الماضي، عن أنها ستقاضي الصفحات التي تنشط في الفضاء الإلكتروني، وتعمد إلى تشويه القضاة من دون الإشارة إلى أي صفحة أو طرف سياسي.

وقالت الوزارة إن "هذه الحملات تستهدف التشويش على مسار إصلاح القضاء وتطوير منظومة العدالة".

ويأتي ذلك بعد حل رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، المجلس الأعلى للقضاء وإنشاء مجلس جديد مؤقت سيسعى إلى "إصلاح القضاء"، وفق ما يقول.

 

صفحات غبّ الطلب

الحديث عن صفحات ممولة في تونس ليس أمراً طارئاً على المشهد السياسي، إذ لطالما لعبت هذه المنصات دوراً بارزاً في توجيه الناخبين من خلال دعم شخصيات معيّنة، لكن الطارئ هو الوضع السياسي المحتقن أصلاً في البلاد، على وقع القبضة الحديدية بين الرئيس سعيّد وخصومه.

تطرح هذه الصفحات نفسها طرفاً بارزاً في المعادلة السياسية، وفي أحيان كثيرة تجد الصفحة نفسها التي دعمت بالأمس هذا الطرف السياسي تروّج اليوم وتزكّي خصمه، ما يجعلها صفحات غبّ الطلب للفاعلين السياسيين.

من هذه الصفحات صفحة "سيب صالح"، و"صدربعل"، وهي صفحات تزعم بأنها تدعم سعيّد، لكنها في صدد إلحاق أضرار كبيرة به، خاصةً بعد توعد الصفحة الأولى وكيل الجمهورية مؤخراً، وتهديده بـ"فرم لحمه"، ما لاقى استهجاناً حتى من قبل مؤيدي الرئيس التونسي الذين يقولون إن هذه الصفحات مدعومة من قبل خصومه لتشويهه.

في المقابل، تقف صفحات أخرى يتابعها مئات الآلاف، وتدعم أطرافاً سياسيةً أخرى مثل حركة النهضة الإسلامية، خصم سعيّد اللدود، لتبثّ أراءً سياسيةً أو أخباراً زائفةً تثير سجالات بين الخصوم السياسيين.

صفحات تحظى بنسب متابعة هائلة من التونسيين، وتزعم بأنها داعمة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد، بمهاجمة قضاة بارزين وتوعّدهم. هل تلجم عنفها السلطات؟

في وقت سابق من هذا الشهر، أثارت صفحة "قرطاج أف أم"، المعروفة بإشادتها بالنهضة ورئيسها راشد الغنوشي، جدلاً واسعاً عندما طرحت استفتاءً إلكترونياً حول رغبة التونسيين في استدعاء الجيش التركي من قبل البرلمان المنحل، للإطاحة بالسلطة القائمة وإعادة الأمور إلى نصابها، أي إلى ما قبل تاريخ الخامس والعشرين من تموز/ يوليو.

ولم تؤكد النهضة أو تنفِ تبعية هذه الصفحة لها، شأنها شأن صفحة "نهضة تونس" التي تحظى أيضاً بمتابعة مئات الآلاف من الأشخاص والتي تدعم بشدة النهضة، ولطالما اتهمت النهضة والرئيس سعيّد بأن لهما "ذباباً إلكترونياً" مختصاً بتشويه الخصوم.

ودخل الطرفان في مواجهة شاملة في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو الماضي، بعد تجميد سعيّد أعمال البرلمان الذي حلّه في وقت لاحق، وأيضاً حل الحكومة المدعومة من النهضة برئاسة هشام المشيشي، في خطوة وصفها بتصحيح مسار ثورة 14 كانون الثاني/ يناير 2011، لكن النهضة والمعارضة عدّوها انقلاباً.

ولم يقتصر استغلال الصفحات الممولة على مواقع التواصل الاجتماعي على هذين الطرفين، إذ سبق أن تم إنشاء صفحات عدة داعمة لرئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد إبان إطلاقه ما سُمّي بالحرب على الفساد، وروّجت له تلك الصفحات أيضاً خلال الحملة الانتخابية عند ترشحه للانتخابات الرئاسية في 2019.

وقال المحلل السياسي، محمد صالح العبيدي، إن هذه الصفحات هي بمثابة متحدث رسمي لبعض الأطراف السياسية، ودورها لا يقتصر على توجيه الناس بقدر توجيه ضربات قوية إلى الخصوم، وهذا ما يزيد المشهدين السياسي والعام عموماً تعقيداً في تونس.

وأضاف العبيدي في حديث إلى رصيف22، أن "المعضلة تكمن في أن هذه الصفحات تؤلب الرأي العام ضد شخصيات بعينها، بما في ذلك الصحافيين الذين لا يخدمون أجندات من يشغلّونهم، وتالياً يعرّضون هؤلاء للخطر".

ولا يمكن التحقق بشكل مستقل عمن يقف تحديداً خلف هذه الصفحات، أو من أين يتم تحريكها، إذ تُعدّ العملية معقدةً وتستوجب تقديم طلبات إلى شركة "ميتا"، غير أن بإمكان وزارة الداخلية التحرك ضدها وفق ما يقول خبراء.

ورأى الصحافي المتخصص في تكنولوجيا الاتصال، محمد علي السويسي، إن "هذه الصفحات عادةً ما تبث أخباراً أو فيديوهات وصوراً إذا كانت تابعةً لمنظمات أو غيرها، لكن فجأةً تتغير لتصبح مختصةً بأشياء أخرى. هذه الصفحات تطوّر عملها لكي تستهدف جمهوراً أوسع وتحقق أهدافها ما يستلزم الكثير من الأموال والإمكانات، وهنا تظهر قوة الأطراف التي تقف خلفها".

لا يمكن التحقق بشكل مستقل عمن يقف تحديداً خلف صفحات التشهير هذه، أو من أين يتم تحريكها، إذ تُعدّ العملية معقدةً وتستوجب تقديم طلبات إلى شركة "ميتا"، غير أن بإمكان وزارة الداخلية التونسية التحرك ضدها

وأوضح السويسي في حديث إلى رصيف22، أن "هذه الصفحات عادةً ما تقف خلفها أحزاب سياسية أو أطراف استخباراتية أو منظمات، وفي بعض الأحيان صفحات ينشِئها الناس لضرب زملائهم أصلاً (...). هذه الصفحات تتدرج في عملها من نشر أخبار عادية إلى نشر أشياء ممولة إلى نشر معطيات حساسة، بما يجعل الناس يتشاركونها على نطاق واسع، وأحياناً نجد شخصاً واعياً ومثقفاً ويشارك فيديو مضحكاً أو غيره من دون أن يعلم أنه في صدد خدمة صفحة مشبوهة".

وشدد على أن "هناك صفحات تعمد أصلاً إلى ابتزاز أطراف سياسية، وهناك أمثلة هنا مثل (الوزير السابق والنائب السابق) مهدي بن غربية، الذي قام بمقاضاة صفحات، وهناك صحافيون في تونس يتم التهجم عليهم بنشر أخبار مغلوطة عنهم".

لجم هذه الصفحات

تطرح الأخطار التي تثيرها هذه الصفحات على السلم العام وتوجهات الناس في المحطات السياسية المهمة وغيرها، تساؤلات حول القدرة على التصدي لها من قبل السلطات التي لم تعلن بعد عن أي إجراء ضدها، أو عن أي إجراء يهدف إلى تنظيم الفضاء الإلكتروني في تونس والذي يقول مختصون إنه بات يتحكم بالمشهد السياسي في البلاد.

وقال السويسي، إن "التصدي لهذه الصفحات يستوجب جهداً كبيراً، ويجب سن قوانين معيّنة لعملها أولاً، وهذا يرتبط بعلاقة الدولة بشركة فيسبوك وميتا. في ألمانيا مثلاً هناك قضايا مالية ضد الشركة نفسها، بينما في تونس ليست لدينا إمكانيات، والإمكانيات الوحيدة التي لدينا اليوم هي مراسلة فيسبوك لكي يرد بعد مدة بتوضيحات حول من يقف وراء هذه الصفحات، أو يجب توفير معدات متطورة تتيح إمكانية التعرف على من يقود هذه الصفحات من دون الحاجة إلى شركة فيسبوك".

لكن مختصين في الإعلام يرون أن الأنسب هو إنشاء هيئة لتنظيم الفضاء الإلكتروني، كما هو الحال في دول أخرى. ولتونس هيئة لكنها مختصة بتنظيم المشهدين السمعي والبصري، وهي الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري.

وضعها يؤشر على الفوضى العارمة، وهي فوضى واضحة في الإعلام والاتصال، وتكتسي هذه الصفحات أهميةً خاصةً كونها تمثل ما يمكن تسميته بالقارة السادسة

وقال أستاذ الإعلام والاتصال، صلاح الدين الدريدي، إن "تنقية المناخ الإعلامي والاتصالي باتت ضرورةً أكثر من أي وقت مضى في تونس".

وقال الدريدي في حديث إلى رصيف22، إن اللافت هو أن الحكومة لم تضع بعد تدابير استثنائيةً قادرةً على تنظيم قطاع الإعلام والاتصال عموماً، لذلك يبدو أن الأفضل هو إنشاء هيئة تعديلية جديدة للفضاء الرقمي.

وأوضح أن "هذه الصفحات وضعها يؤشر على الفوضى العارمة، وهي فوضى واضحة في الإعلام والاتصال، وتكتسي هذه الصفحات أهميةً خاصةً كونها تمثل ما يمكن تسميته بالقارة السادسة. المشكلة أن الهيئة الحالية (هيئة الاتصال السمعي والبصري)، لم تتحرك قيد أنملة ضد هذه الصفحات بالرغم من إدراكها أننا في عصر الكذب وعصر التلاعب بالمعلومات، وهناك من ربح الانتخابات بالفيسبوك".

وهناك من يرى أن الرئيس سعيّد، وهو أستاذ جامعي متقاعد، الذي وصل إلى دفة الحكم مستقلاً في الانتخابات الرئاسية سنة 2019، قد استفاد من هذه الصفحات إذ برزت آنذاك مجموعات على فيسبوك، وصفحات دعمته بقوة لكنه ينفي أي صلة له بها.

ويقول الدريدي إن "الحل ربما يكمن في إنشاء هيئة لتعديل الفضاء الرقمي في تونس لوضع حد لهذه الفوضى، لأن الهيئة الحالية للاتصال السمعي والبصري غير مخوّلة. الحل يكون في هيئة جديدة لتعديل الفضاء الرقمي، ويجب أن يسعى الرئيس إلى ذلك في إطار مقاربة تشاركية من دون أن يستفرد بالمراقبة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard