نكبة جديدة مني بها اللبنانيون في مسلسل نكبات مستمرّ على مختلف الأصعدة. تسعة ضحايا على الأقلّ سقطوا ليل السبت الأحد 24 نيسان/أبريل، نتيجة غرق مركب هجرة غير شرعية انطلق من طرابلس باتجاه قبرص. والعدد مرشّح إلى الارتفاع في ظلّ وجود 9 مفقودين و8 حالات حرجة تمّ نقلها إلى المستشفيات لتلقّي العلاج. غرق عبّارات الهجرة غير الشرعية متّخذ بالانتشار نتيجة الانهيار العام في لبنان، إلا أنّ حادثة الأحد حملت طابعاً جديداً وخطيراً وأول من نوعه ويمكن أن يعطي منعطفاً أخيراً للحادثة: غرق العبّارة حصل عن قصد!
الجيش متّهم
في شهادات عدد من الناجين من غرق زورق الهجرة غير الشرعية ليل السبت والأحد، تحميل لمسؤولية الحادث بشكل كامل إلى الجيش اللبناني. وبحسب ما روى شخصان على الأقل فإنّ "زورقاً حربياً تابعاً للقوات البحرية اللبنانية اصطدم عن قصد مرّتين بالعبّارة التي كنا على متنها". وأضاف آخر أنه "سمعنا العسكري يقول لنا بدي أقبركم (أدفنكم)". أما قيادة الجيش فاكتفت في بيان صادر عنها بالإشارة إلى أنّ "القوات البحرية التابعة للجيش تمكّنت حتى الساعة من إنقاذ 48 شخصاً بينهم طفلة متوفية كانوا على متن مركب تعرّض للغرق أثناء محاولة تهريبهم بطريقة غير شرعية، قبالة شاطئ القلمون - الشمال، نتيجة تسرّب المياه بسبب ارتفاع الموج وحمولة المركب الزائدة".
تسعة ضحايا على الأقلّ سقطوا ليل السبت الأحد 24 نيسان/أبريل، نتيجة غرق مركب هجرة غير شرعية انطلق من طرابلس باتجاه قبرص
والمأساة لا تتوقّف عند عدد الضحايا الذين سقطوا في غرق أو إغراق زورق الهجرة غير الشرعية. ففور شيوع خبر ضلوع الجيش في الحادثة، شهدت مدينة طرابلس انتشاراً مسلّحاً وتعرّض بعض وحدات الجيش إلى عمليات إطلاق نار، في تحميل كامل للمسؤولية عن إغراق القارب. وظهر عدد من أهالي الضحايا والمفقودين للتنديد بقيادة الجيش، وسرعان ما عاد إلى النفوس احتقان سياسي وشعبي وتساؤلات عن استهداف المؤسسة العسكرية للشمال وأبناء طائفة معيّنة على حساب طوائف أخرى تنفيذاً لأجندات سياسية تخدم الفريق الحاكم في البلاد أي تحديداً حزب الله والتيار الوطني الحرّ. وعلى ما يقول أحد الناشطين في المدينة "شهدت طرابلس بعض التوتر ليلاً لكن سرعان ما تمّ ضبط الأوضاع بانتظار ما قد تسفر عنه التحقيقات".
تسلّل السياسية
وكالعادة، يكون الخوف الدائم من تسلّل السياسية إلى هذه الحادثة/الجريمة، ككل القضايا والملفات في البلاد، خصوصاً على عتبة انتخابات نيابية مقرّرة على بعد 3 أسابيع من اليوم. فسارع رئيس الحكومة، الطرابلسي، نجيب ميقاتي إلى الاتصال بقائد الجيش وأصدر بياناً في هذا الشأن مبدياً حزنه على الحادث الأليم مطالباً بـ"الإسراع في التحقيقات لكشف ملابسات الحادث، وهي مسألة ضرورية لمعرفة حقيقة أسباب الحادث المؤلم". وتخوّفت شخصيات سياسية في المدينة من تطوّر الأوضاع الأمنية "أو حتى العمل على تطويرها في خطوة قد تؤدي إما إلى تأجيل الانتخابات أو إلى دعم لوائح على حساب أخرى". فلبنان، ملعب تسييس الحوادث والمآسي والقضاء، جريمة انفجار مرفأ بيروت مثال على ذلك، قضية الأموال المهرّبة إلى الخارج مثال آخر، أحداث الطيونة وخلدة أيضاً.
وتتزايد وتيرة الهجرة غير الشرعية عبر البحر من لبنان، إلى قبرص أو تركيا أو اليونان أو حتى إيطاليا، بفعل الضغوط الاقتصادية والانهيار الشامل الذي يعيشه اللبنانيون مالياً وسياسياً واجتماعياً. المؤشرات الدولية تشير فعلياً إلى واقع الأمور، إذ احتلّ لبنان المركز ما قبل الأخير في "تقرير السعادة السنوي" الذي يصدر بإشراف الأمم المتحدة، وقد تجاوزته دولة أفغانستان فقط. الأرقام قد تكون قياسية. فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90٪ من قيمتها.
يروي أحد الناجين من قوارب الموت أن "زورقاً حربياً تابعاً للقوات البحرية اللبنانية اصطدم عن قصد مرّتين بالعبّارة التي كنا على متنها"، وآخر سمع العسكري يقول "بدي أقبركم (أدفنكم)"، فيما اكتفت قيادة الجيش بالحديث عن مساعيها لانتشال الضحايا
وقدّرت الإسكوا أن حوالي 80٪ من السكان تحت خط الفقر. وتقدّر الحكومة إجمالي الخسائر المالية بين 69 و73مليار دولار. ارتفعت أسعار المحروقات 13 ضعفاً. هاجر 40٪ من الأطباء و30٪ من الكادر التمريضي. وارتفعت نسبة البطالة إلى 41٪ بحسب "الدولية للمعلومات"، مع العلم أنّ البطالة أكبر بكثير إذا ما قيست نسبة إلى الرواتب التي يتقاضاها الموظفون بالليرة اللبنانية.
الأرقام قياسية
تشير أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أنّه خلال العام الأخير تم رصد محاولة 1570 شخصاً الهرب بطريقة غير شرعية عبر البحر من لبنان. مقصد أغلب هؤلاء كان باتجاه جزيرة قبرص.
وفي هذا الإطار، تشير "الدولية للمعلومات" إلى أنّ 51 شخصاً قضوا غرقاً خلال العقد الأخير لدى محاولتهم خوض البحر والهرب من لبنان، إذا ما أضيف إليهم 27 ضحية قضوا على متن عبّارة إندونيسية انطلقت عام 2013 من سواحل جافا إلى جزيرة كريسماس الأسترالية".
ومع إضافة ضحايا اليوم (المرشّحين إلى الارتفاع) يكون العدد قد ارتفع إلى 60. ومتوسطياً، رصدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في جنيف أكثر من عشرة آلاف مهاجر قضوا في البحر المتوسط منذ العام 2014 خلال محاولتهم الوصول إلى أوربا، في حين وصل ما يقارب مليون إلى القارة.
ضغوط الدولة
51 شخصاً قضوا غرقاً خلال العقد الأخير لدى محاولتهم خوض البحر والهرب من لبنان، إذا ما أضيف إليهم 27 ضحية قضوا على متن عبّارة إندونيسية انطلقت عام 2013
وتعرّضت الدولة اللبنانية، منتصف العام الأخير إلى ضغوط أوروبية للعمل على مراقبة الحدود البحرية ومنع انطلاق قوارب الموت، قوارب الهجرة غير الشرعية، من أراضيها. وطبعاً، بدل أن تعمل الدولة على حلّ الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تسيطر على البلاد منذ عامين، نفّذت بعض المناورات لتوقيف شبكات التهريب وتم خلال الأشهر الستّ الأخيرة من 2021 توقيف 6 قوارب على متنها 310 أشخاص، وتم إحباط حوالي 15 محاولة لتهريب البشر من الساحل الممتد بين مناطق شكا وعكار شمالي لبنان.
ودائماً يُطرح السؤال حول مسؤولية الدولة اللبنانية في ضبط حدودها البحرية، إضافة إلى مسؤولية القطعات البحرية التابعة للأمم المتحدة في رصد قوارب الهجرة غير الشرعية. ولدى الاستفسار عن مهمة القوات الدولية، أكد مسؤول أمني لبنان بانّ "قوات الطوارئ الدولية قد تعمد إلى مخابرة القوات العسكرية اللبنانية لوضعهم في أجواء أي عملية رصد لقوارب هجرة غير شرعية".
روايات البؤس
يقول أقارب أحد الأشخاص الذين خاضوا المتوسّط ونجحوا في الوصول إلى ليماسول القبرصية: "ابن عمّي تم توقيفه من قبل خفر السواحل القبرصي على بعد مئات الأمتار من مدينة ليماسول". ويضيف أنه "تم إيواءه وإطعامه، كما خضع للفحوص الطبية هو وآخرين كانوا على متن القارب. إلا أنّ المهاجرين غير الشرعيين تفاجؤوا بأنّ مروحية لسلاح الجو اللبناني عادت وحملتهم من قبرص إلى لبنان، حيث أسرّ قائد المروحية بأنّ "هذه المهمات اعتاد عليها الطيارون اللبنانيون خلال العامين الأخيرين حتى باتت تشكّل نوعاً من أنواع التدريبات لضباط الجوّ اللبناني".
وسام، وهو اسم مستعار، كان من بين الشبان اللبنانيين الذين نجوا من عبّارة الموت التي قضت على 27 لبنانياً قبالة سواحل إندونيسيا عام 2013. عاد وسام إلى بيروت، مع العشرات من الذين تمّ إجلاؤهم في ذلك العام، إلا أنه اليوم يدرس إمكانية الهرب مجدداً عبر البحر.
قوات الطوارئ الدولية قد تعمد إلى مخابرة القوات العسكرية اللبنانية لوضعهم في أجواء أي عملية رصد لقوارب هجرة غير شرعية
لا يزال وسام، ابن منطقة عكار، يحافظ على ذاكرة ضبابية لما حصل مع في إندونيسيا إلا أنه يذكر جيداً "كيف سبحت وعمت وعمل بعض الأهالي على انتشالنا من المياه". سوء الأوضاع الاقتصادية في لبنان تدفع وسام مجدداً إلى التكفير بالهجرة غير الشرعية، عبر البحر، باتجاه قبرص أو اليونان أو تركيا أو أي أرض بعيدة عن هذا الجحيم. تكلفة هذه الرحلات تتراوح بين 900 دولار للرحلة المحتّم غرقها، و5 آلاف دولار للوصول إلى الساحل الأوروبي الفعلي. أما الوصول إلى قبرص فيمكن أن يكلّف 2000 دولار.
فعلياً، اللبنانيون باتوا يعيشون في سجن كبير. في بقعة للموت العشوائي المتواصل. الأوضاع الاقتصادية معدومة، الدواء والمحروقات والخبر فيه مقطوع، الأمل معدوم، والحلّ والتغيير مؤجّل إلى أجل غير مسمّى. من يحاول الهرب بطريقة غير شرعية، يمكن قتله وإغراقه على يد سلاح البحرية. حتى من يحلم بالسفر بطريقة شرعية، عاجز عن الاستحصال على جوازات سفر. الموجود فقط الموت، جوعاً ومرضاً ويأساً، والخروج ممنوع. هذا "جهنّم" الموعود، على لسان رئيس جمهورية البلاد، ميشال عون.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه