شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ترهيب لكل مَن ينوي التظاهر ضد السلطة؟... عن محتجي طرابلس وتهمة

ترهيب لكل مَن ينوي التظاهر ضد السلطة؟... عن محتجي طرابلس وتهمة "الإرهاب"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 26 فبراير 202105:55 م

"عاش محمد حياته في الميتم، هو وإخوته الـ11. منذ أن توفي والده، وكان عمره ثلاثة أشهر، وبعد خروجه من الميتم، عاش ظروفاً صعبة جداً في منزل والدته في السويّقة"، تقول إحدى قريبات محمد الباي، أحد موقوفي الاحتجاجات الأخيرة في طرابلس، شمال لبنان.

وتضيف لرصيف22: "محمد شغّيل. يعمل عتالاً ولكن ظروفه صعبة ولا توجد أشغال كثيرة في هذه الأيام، وهو يعاني من ‘كهرباء في الرأس’، ومع ذلك، لا يزال موقوفاً حتى اليوم بسبب أحداث طرابلس".

"تعرّضت لأكثر من نوبة أعصاب ونُقلت إلى المستشفى العسكري، وأعطوني إبرتين فيهما دواء للأعصاب. لا أعرف النوم بدون حبة دواء الأعصاب"، يقول عمر البقاعي، وهو أحد موقوفي طرابلس أيضاً، في رسالة أرسلها عبر محاميه، بعدما مضى نحو 20 يوماً على توقيفه الذي يصفه بـ"أصعب من أي شيء يمكن أن يمرّ به الإنسان".

المحتج إرهابي!

محمد وعمر هما من بين الشباب الـ35 الذين ادّعى عليهم مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، في 22 شباط/ فبراير الحالي، بجرم الإرهاب والسرقة، بعد اعتقالهم على خلفية احتجاجات طرابلس. بعضهم لا يزال موقوفاً وبعضهم أخلي سبيله في وقت سابق.

من بين الذين أخلي سبيلهم علاء الحسين (29 عاماً). كان خارج طرابلس ليلة الاحتجاجات، ولم يشارك فيها أصلاً، حسبما قال لرصيف22: "كنت من الرافضين لأي عنف في التظاهرات، وعبّرت صراحة عن ذلك عبر صفحتي على فيسبوك، ورغم ذلك أوقفت لخمسة أيام لدى مخابرات الجيش بدون قرار من الضابطة العسكرية. كان وضع التوقيف مزرياً، وانتقلت إليّ عدوى فيروس كورونا".

ويضيف: "حجزوا هاتفي فور توقيفي، ولا يزال لديهم. لم أتعرّض للعنف، لكنّي سمعت من موقوفين معي أنهم تعرّضوا للعنف النفسي والجسدي، وكان لافتاً نعت أحدهم بالمثلي للضغط نفسياً عليه"، رافضاً تهمة الإرهاب التي ألصقت به وبجميع الشباب ومشيراً إلى أن "الدولة التي همّشت طرابلس تتحمل مسؤولية تحركات أبناء المدينة والعنف الذي حصل".

وشهدت طرابلس، أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، تحركات مطلبية استمرت نحو خمسة أيام، كانت ذروتها في ليل 28 كانون الثاني/ يناير، حين أحرق مبنى البلدية والسرايا الحكومية، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية المأزومة التي وصل إليها أبناء المدينة المحرومة والفقيرة، في ظل الإغلاق العام بسبب كورونا، وغياب المساعدات الحكومية. وأسفرت الاشتباكات بين المحتجين والقوى الأمنية عن مقتل شاب من المحتجين يدعى عمر طيبا، وجرح مئات من مدنيين وعسكريين.

ويواصل أهالي الموقوفين والمتضامنون معهم تحركاتهم الاحتجاجية، منذ توقيف الشباب، أمام المحكمة العسكرية. يقطعون الطرقات ويشعلون النار بحاويات النفايات. وسادت حالة من الغضب بين أهالي الموقوفين عند اتهام أبنائهم بأنهم إرهابيون.

وتوجه الأهالي إلى منزل القاضي عقيقي في منطقة بدارو في العاصمة بيروت، في 24 شباط/ فبراير، وأقفلوا الطريق معترضين على التهمة التي أدرجوها في خانة الترهيب.

واللافت في قرار القاضي المذكور أنه وللمرة الأولى منذ اندلاع ثورة 17 تشرين تُوجَّه تهمة "الإرهاب" إلى شباب اعتُقلوا على خلفية مشاركتهم في تحركات مطلبية.

ويرى البعض في هذه الخطوة دلالة على محاولة السلطة وصم كل معارض طرابلسي بأنه إرهابي، لأن المشهد نفسه حصل خارج طرابلس، وحصلت اعتقالات، ولم توجَّه تهمة الإرهاب إلى المعتقلين.

"يقرأ كثر اتهام موقوفي أحداث طرابلس بالإرهاب كتصعيد واضح تجاه تحركات الشارع، يخفي تهديداً مبطناً بأن كل تحرك مطلبي سيُقمع بالترهيب والتخويف وبتهمة الإرهاب، كما يخفي تبريراً مسبقاً لأي قمع لاحتجاجات قد تنشب في طرابلس، أو حتى في أماكن أخرى"

ووصم الإرهاب يُلصق بالطرابلسيين دائماً، خاصة بعد الاشتباكات التي شهدتها المدينة في سنوات ماضية وشهدت احتلال بضعة مئات من السلفيين للمشهد فيها. ولكن الغريب اليوم أن نفس الوصم يعود بمناسبة تحركات خرجت في مختلف شوارع لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية الأسوأ التي تعصف بالبلاد منذ نهاية عام 2019.

"تصعيد واضح"

ويقرأ كثر هذه الخطوة كتصعيد واضح تجاه تحركات الشارع، يخفي تهديداً مبطناً بأن كل تحرك مطلبي سيُقمع بالترهيب والتخويف وبتهمة الإرهاب، كما يخفي تبريراً مسبقاً لأي قمع سابق أو لاحق لاحتجاجات قد تنشب في طرابلس، أو حتى في أماكن أخرى.

والأخطر، بحسب مراقبين، أن مثل هذا القرار يساهم في تحريض الرأي العام ضد أبناء المدينة وفي استمرار عزلها عن باقي المناطق اللبنانية. ويذهب البعض أبعد من ذلك ليقول إن القرار مطبوخ بغطاء من سياسيي المدينة وأحزابها، وإلا لما كان ليصدر.

وأسوأ الممارسات الراهنة أن هنالك مَن جرى التحقيق معه بتهمة توزيع الطعام على المتظاهرين، فقد مثل الدكتور رامي فنج، وهو من المشاركين الدائمين في تحركات طرابلس، ويقوم بتوزيع الطعام على المحتجين في ساحة النور، في 18 شباط/ فبراير، أمام مخفر التل في طرابلس، وقال بعد خروجه إنه سُئل عن مصدر التمويل لتوزيع الأكل. ونُظّمت وقتها وقفة تضامنية معه أمام المخفر.

يوضح المحامي علي عباس، وهو من الوكلاء القانونيين للموقوفين، لرصيف22 كيف تمّ تغيير الادّعاء من تشكيل عصابة حرق وتخريب ومعاملة الأمن بالشدة وتحقير رئيس الجمهورية، إلى توجيه تهمة الإرهاب إلى الموقوفين ومَن أخلي سبيلهم.

 ويقول: "الملف اليوم فيه 35 شخصاً مدّعى عليهم، أوقف 24 شخصاً منهم وأخلي سبيل ستّة في ما بعد، وبقي 18 موقوفاً"، ويضيف: "كنّا نطالب بإخلاء سبيلهم، لنتفاجأ بتصحيح القاضي للادعاء لأن الادعاء الأول معلق بموجب قانون الإرهاب رقم 1958، ليدعي عليهم وفق المادة 335 من قانون العقوبات معطوفة على المادتين 5 و6 من قانون الإرهاب، والتي تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة والإعدام".

"حجزوا هاتفي فور توقيفي، ولا يزال لديهم. لم أتعرّض للعنف، لكنّي سمعت من موقوفين معي أنهم تعرّضوا للعنف النفسي والجسدي، وكان لافتاً نعت أحدهم بالمثلي للضغط نفسياً عليه"

ويشير عباس إلى أن "الادّعاء لم يميّز أحداً، بل أتى ليساوي بين الجميع، بين مَن اعترف مثلاً بأنه لم يقم بأي تصرّف وبين مَن رمى حجراً أو قنبلة مولوتوف، وكأن المدّعى عليهم شخص واحد"، معتبراً أن هنالك ظلماً وإجحافاً يلحق بالموقوفين بسبب خصوصية هذه المنطقة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار كون ناسها خرجوا بسبب ضيق أحوالهم ليعبّروا عن غضبهم من كل ما آلت إليه الأوضاع المعيشية.

يُذكر أن القاضي عقيقي أحال الملف إلى قاضي التحقيق العسكري مارسيل باسيل، واستمع الأخير وجاهياً للمرة الأولى في 25 شباط/ فبراير للموقوفين الـ18 الذين حضروا إلى مبنى المحكمة العسكرية، بعد نحو ثلاثة أسابيع على توقيفهم وأسبوعين على استجوابهم إلكترونياً في مراكز الشرطة العسكرية، بسبب أزمة كورونا، ما حرم الموقوفين من الخروج من زنزانات تنهك نفسية وصحة آلاف الذين ينتظرون استئناف عمل القضاء المعطل منذ أشهر عديدة، بحسب "المفكرة القانونية".

ويقول عباس: "نتطلع إلى تخلية سبيل الموقوفين، لا سيّما إن لم تثبت مخالفتهم للقانون، بسبب توقيفهم منذ مدة طويلة، وهذا ما سنسعى اليه، بعد أن اتُّخذ قرار بتخلية سبيل ثلاثة منهم في 26 شباط/ فبراير، بانتظار رد مفوض الحكومة في حال كان سيستأنف القرار أم لا".

وبحسب عباس، الأشخاص غير الموقوفين والمدعى عليهم في الملف لن يُستجوبوا قبل الانتهاء من إجراءات التعبئة العامة الخاصة بكورونا، وبالتالي المسألة ستطول لكن الأهم أن يُخلى سبيل جميع الموقوفين راهناً.

تحركات قادمة

وحالياً، يتحضر الأهالي للقيام بتحركات جديدة لم يُكشف عن تفاصيلها بعد، للضغط من أجل إخلاء سبيل جميع الموقوفين، لا سيما أن التحقيقات لم تُثبت تورطهم في ما نُسب إليهم.

وبحسب الناشط والمشارك في تحركات أهالي موقوفي أحداث طرابلس هادي منلا، "التهم التي تم تلفيقها وتركيبها للشباب عارية عن الصحة، وهي جزء من الحل الأمني الذي بدأت تستخدمه السلطة مع المحتجين، خوفاً من امتداد التحركات إلى مناطق أخرى"، ويضيف: "لو عاد الشباب إلى حاضناتهم الطائفية لكان قد حُلَّ هذا الملف".

ويتابع منلا: "سنستمر بالتحركات لإيصال رسالة للقضاة والسلطة السياسية لتثبيت أن المدّعَى عليهم ليسوا وحيدين وللضغط على القضاء من أجل التسريع في الاستجوابات وإزالة التهم الظالمة التي نسبت إليهم".

وهاجم ائتلاف استقلال القضاء، في بيان أصدره في 23 شباط/ فبراير، قرار المحكمة العسكرية، معتبراً أن قراراً كهذا يقرّب لبنان من الأنظمة الشمولية في المنطقة، حيث بات الإرهاب تهمة جاهزة لوصم مختلف أشكال المعارضة. وأدان الائتلاف استمرار محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية، في وقت لم تجرِ أية تحقيقات جدية في مقتل المتظاهرين عمر طيبا وفواز السمان في طرابلس.

وكان عدد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية قد طالب بالتحقيق في الانتهاكات التي تعرّض لها المشاركون في تظاهرات طرابلس، والتي شهدت توقيفات عشوائية في ساحات التظاهر ومداهمات لمنازل بعض الأشخاص، بدون إبراز أذونات قضائية وبدون التعريف بالجهاز الأمني المداهِم، ما يُعَدّ مخالفة قانونية كبيرة.

وبحسب المحامي والمشارك الدائم في الحراك الشعبي علي عباس: "أوقف الشباب في ظروف غير ملائمة في أماكن مكتظة وتعرّض بعضهم للتعنيف والضرب عند توقيفهم، لكن راهناً لا يمارَس بحقهم أي تعنيف جسدي، فيما لم تُراعَ عدة أمور لجهة حضور المحامين وتسجيل التحقيقات أو طلب طبيب شرعي، وتبقى المغالطة القانونية الأهم هي أن يحاكَم مدنيون أمام المحكمة العسكرية استناداً إلى تهمة التعامل مع أفراد الأمن بقوة، علماً أن حرق البلدية من اختصاص القضاء العدلي وليس العسكري".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard