استدعت وزارة الخارجيّة الأردنيّة وشؤون المغتربين القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في عمّان، مساء الأحد 18 نيسان/ أبريل الجاري، للاحتجاج على الانتهاكات الإسرائيليّة في الحرم القدسيّ، ونقل رسالة من الأردن لإسرائيل، مفادها التوقّف عما يؤدي إلى التصعيد "الخطير" وخرق القانون الدوليّ والتزامات إسرائيل باعتبار أنها القوة القائمة بالاحتلال.
إجراء الوزارة جاء بعد مذكرة نيابية تقدم بها 87 نائباً من أصل 130، طالبوا فيها بطرد السفير الإسرائيلي واستدعاء السفير الأردنيّ وإغلاق السفارة في عمان، مع وقف اقتصار الموقف الرسميّ للدولة على الاستنكار، خاصة في ظل وجود الوصاية الهاشميّة "التي يجب أن لا تقف عند حدود التنديد والرفض بالموقف السياسي".
تتمثل الوصاية الهاشميّة في الاهتمام بالمقدسات الإسلامية في القدس والحفاظ عليها على أن تكون تبعيّتها إدارياً للأردن وليس للسلطة الفلسطينيّة، وهي بدأت منذ عام 1924 عقب حكم الشريف الحسين بن علي
تصريحات غير مسبوقة
في أواخر آذار/ مارس المنقضي، التقى الملك عبد الله الثاني بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في عمّان، في زيارة "علنيّة" هي الأولى من نوعها، دان خلالها الملك العنف بجميع أشكاله، مؤكداً أن "كل حياة مهمة"، بحسب بيان الديوان الملكيّ الهاشميّ.
وتطرّق ملك الأردن إلى الهجمات التي استهدفت مدنيين من الطرفين، واصفاً إيّاها بـ"المؤسفة"، وضمنها هجومٌ نفّذه فلسطينيّ في منطقة بني براك وقتل فيه إسرائيلييْن، في تصريحات هي الأولى من نوعها بما لا يتوافق مع رغبة الشعب الأردنيّ، الذي أيّد بأغلبيته "عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ" هذا النوع من العمليات.
في المقابل طلب الرئيس الإسرائيليّ السماح بممارسة الشعائر الدينيّة بسلام وأمن في جو تسوده التهدئة، وهو ما دفعه للتحاور مع الأردن من أجل تحقيق ذلك، وجاء طلبه قبل عيد الفصح العبريّ الذي حاول المستوطنون خلاله دخول المسجد الأقصى لذبح القرابين فيه.
من جانبها، منعت الأوقاف الأردنيّة الاعتكاف في المسجد الأقصى في الأيام العشرين الأولى من شهر رمضان، غير أن الفلسطينيين تجاهلوا المنع واستمروا في الاعتكاف لمنع المستوطنين من أداء الطقوس التلموديّة.
وأكد وزير الأوقاف والشؤون والمقدّسات الإسلاميّة محمد الخلايلة في الثاني عشر من نيسان/ أبريل أن الاعتكاف في المسجد الأقصى من عام 1967 يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان، مشيراً في اجتماعه مع لجنة فلسطين النيابية إلى "عدم وجود أي بعد سياسيّ لعدم الاعتكاف في الأقصى"، وأن فتح المسجد يستمر تقريباً حتى الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، لأن الإمام يصلي 20 ركعة خلال صلاة التراويح.
المشهد الشعبيّ رفض ما تم نقاشه بين الجانبين، وأكد الموقف الثابت للشعب الأردنيّ من خلال ترديد هتاف: "يلا نحكي سياسية، ونسمّع الرئاسة... وادي عربة مش سلام، وادي عربة نجاسة".
احتجاجات وكومة حصى
ودعا الملتقى الوطني لدعم المقاومة والدفاع عن الوطن إلى وقفات ليلية واحتجاجات أمام السفارة الإسرائيليّة في عمان، إضافةً إلى مسيرة مركزية في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، رفضاً للانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال في المسجد الأقصى، ودعماً للمقاومة في مخيّم جنين، وطرد السفير الإسرائيليّ، وإغلاق السفارة، بحسب بيان الملتقى.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعيّ صورةً من أمام مسجد الكالوتي الذي يجتمع فيه مواطنون للاحتجاج، مع أكوام من الحصى المستخدمة في البناء، والتي تزامن وجودها مع دعوات التظاهر.
كومة الحصى التي وُجدت أثارت تساؤل المتظاهرين عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، فمنهم من أشار إلى سوابق قامت بها الدولة لمنع الاحتجاجات عبر اختلاق عوائق طبيعيّة، وآخرون أوضحوا أن الكومة كانت موجودة لأغراض البناء.
ويقول أحمد سواعي:
معقول لهدرجة الافتراء على الاردن ونعت كل مدافع عنها بكلمة سحيج?
— Abdullah Almajali (@AbdullahAlmaja3) April 18, 2022
معلش تسألوا الأخت كونها مهتمه هل اطلعت على الكاميرات حول الكالوتي يلي وضحت انه كان في أكوام سابقة والعمل مستمر في البناء وبشكل يومي يتواجد العمال https://t.co/DBzgkYh7w5
ويبدي محمد شاهين اعتراضه على وجود الأمن في الساحة:
ساحة الكالوتي شبه فارغة إلا من الأمن، ما زالت سماعات المساجد تستعمل لوقف زحم أي تجمع أو تجمهر مناصرة للأقصى، علما بأن مكبرات الصوت ممنوعة في كل مساجد المملكة بعد صلاة العشاء، بيد أن استعمالها في الرابية يبدو أن له مآرب أخرى... مؤسف ما يحدث في عمان. #الأقصى_في_خطر
— Mohammad Shaheen (@shaheen_hbp) April 18, 2022
ويشير عدنان سليمان إلى:
هل تعلم عزيزي المغرد ان الحصمة عند مسجد الكالوتي وقفت حجر عثرة في طريق جحافل المحررين للغالية فلسطين! #سوبهان_الله #تكبير #عليهم_عليهم ?
— Adel Suleiman ??? ??? (@AdelSuleiman) April 17, 2022
هل الوصاية شكليّة؟
الأحداث الأخيرة والتصريحات العلنيّة بين الأردن وإسرائيل فتحت الباب على مصراعيه أمام التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الجانبين وتطوّرها. وهل كانت الوصاية الهاشمية التي يلوّح بها الأردن الرسميّ في خطبه ومواقفه الدوليّة مجرد إجراء شكليّ تم تناقله، أم أنّ المملكة قادرةٌ على وضع حدّ للانتهاكات الإسرائيلية والتحكّم فيما يحدث داخل المسجد الأقصى؟
تتمثل الوصاية الهاشميّة في الاهتمام بالمقدسات الإسلامية في القدس والحفاظ عليها على أن تكون تبعيّتها إدارياً للأردن وليس للسلطة الفلسطينيّة، وهي بدأت منذ عام 1924 عقب حكم الشريف الحسين بن علي، بحسب وزارة الخارجيّة الأردنية.
يقول المحلل السياسيّ عامر السبايلة لرصيف22 إنّ "الوصاية قصّة اعتبارية، وعلى الأرض ليس هناك وصاية حقيقيّة. من يُسيطر على المسجد، من يُدير أموره، من يفرض إغلاقه ويصعّد فيه هو الإسرائيلي". مضيفاً أن الوصاية مرتبطةٌ "بحالة معنوية أكثر منها إجرائيّة".
ويختلف معه الكاتب الأكاديمي محمد القرعان الذي يقول لرصيف22: "مسألة الوصاية تتعدى عملية الصيانة والتأهيل وترميم وفرش سجاد. هي حجر زاوية لوضع القدس كما هو دون تدنيس أو تغير على الأرض على نحو يشمل شكلها ومضمونها، أي الحفاظ عليها كما هي منذ العهدة العمرية، وهو ما يمنع الاحتلال من تغيير معالم المدينة القديمة".
ويلفت الأمين العام لحزب الوحدة الشعبيّة سعيد ذياب إلى أنّ للوصاية أعباءً واقعيّةً وجديّةً، إذ تُعزز بمواقف جديّة وضغط دبلوماسي يمنعها من التحوّل لأمر شكلي"، داعياً الأردن إلى التلويح بطرد السفير الإسرائيليّ وإغلاق السفارة إذا لم تتوقف الإساءة للمقدسات، منوهاً بأن "الحكومة أعجز من أن تأخذ مثل هذا القرار الذي يحتاج لموقف سياسيّ صلب".
ويؤكد النائب عمر العياصرة لرصيف22 تعرّض الوصاية للتصعيد، وهو ما يدفعها للتراجع خطوات للوراء، إلا أنّ الأردن سيستمر في الإصرار عليها. لافتاً إلى أنّ "الوصاية قد تتعرض للتآكل في كل خطوة يخطوها الاحتلال من خلال التقسيمين الزمانيّ والمكانيّ".
الشعب يريد والدولة ترفض
اعتبر ملك الأردن زيارة الرئيس الإسرائيليّ فرصة لنقاش كيفية المضي إلى الأمام بجهود تحقيق السلام العادل والدائم، بعيداً عن الأزمات والعنف، فيما أشار هرتسوغ إلى تشارك الأردن وإسرائيل في قيم السلام والازدهار بناء على اتفاقية السلام بينهما.
غير أن المشهد الشعبيّ استخدم هتافات في الاحتجاجات أمام السفارة، ترفض ما تم نقاشه، وتؤكد الموقف الثابت للشعب الأردنيّ "يلا نحكي سياسية، ونسمّع الرئاسة... وادي عربة مش سلام، وادي عربة نجاسة".
ويشير ذياب إلى أنّ الشعب ينطلق من موقف جذريّ مفاده أن الكيان الصهيونيّ استعماريّ ولن يتوقف عند حدود فلسطين، وهو ما يجعله رافضاً للاتفاقيات.
ويتابع أن الموقف الحكوميّ يتعامل بإدانة من دون معالجة جوهر المشكلة المتمثلة بالكيان، قائلاً: "الموقف الشعبيّ أُجبر على التقدّم بالتحرك الدبلوماسي الذي لا يرتقي لطموح الشارع الأردنيّ".
ويرى الكاتب القرعان أنّ زيارة الرئيس الإسرائيلي هو "من مبدأ العلاقات في المثل، لأن للدولة مصالح تعتمد عليها خاصةً أن الأردن غير قادر على مواجهة الظروف الحاليّة وحده".
ويشدد على عدم التعارض بين الموقفين، الرسمي والشعبي، خاصةً أن عدة علاقات باتت جامدة بين إسرائيل والأردن نتيجة مواقف الأخير من الكيان.
ويبيّن النائب العياصرة أن الموقف الرسميّ لا يدين موقف النضال الفلسطينيّ، فالدولة ليست مع التوحّش الإسرائيليّ، إلا أنها في الوقت نفسه لا تدعم العمليات التي ينفذها الفلسطينيون، والتي من شأنها أن تساهم في التصعيد.
ويلفت إلى أنه يحاول شرح وجهة نظر الدولة التي تؤيد التهدئة، إذ ليس في مصلحتها حدوث انتفاضة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
لماذا لم يطرد السفير؟
على الرغم من الإجماع البرلمانيّ والشعبيّ على مطلب طرد السفير الإسرائيليّ من عمان، اكتفت الدولة باستدعائه مع رسالة احتجاج وصفتها بـ"شديدة اللهجة"، طُلب منه نقلها إلى إسرائيل، وهو ما يثير التساؤلات حول السبب الكامن وراء تجاهل الدولة مطالب الشعب أو عدم قدرتها على القيام بهذه الخطوة.
يتابع العياصرة أن الصحف الإسرائيليّة تهاجم الموقف الأردنيّ بعد استدعاء السفير، إلا أنّ طرده ما هو سوى ضغط على الإسرائيليين، مع ترك تقدير تنفيذه للسلطة التنفيذيّة، "التي لديها حساباتها بهذا الشأن".
ويرى السبايلة أنّ المطالبة بطرد السفير هي مجرد موضوع شعبوي، ومن الأفضل سياسياً تعظيم المكاسب في ضوء وجود تنسيق أمني، والحفاظ على عملية السلام، قائلاً إنّ "هذه الدعوات لطرد السفير قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد يدفع الأردن ثمنه".
ويلفت إلى وضع الأردن نفسه في خانة المستهدف، بدعوى أن هناك في المنطقة نموذجاً لصورة سلام افتراضي، ترى فيه إسرائيل نموذجاً يتم تسويقه تحت مسمى السلام الإبراهيمي، وبالتالي لا يستطيع الأردن أن يواكبه، ولهذا يبقى شريكاً جغرافيّاً بالنسبة لإسرائيل وليس شريك سلام، على حدّ وصفه، إذ حاولت الممكلة التقارب مع إسرائيل بعد حكومة نتنياهو، لكنها لم تملك المفاتيح لإقامة العلاقات مع اليمين المتطرف.
ويقرأ السبايلة المشهد مستخلصاً أن أي تصعيد في القدس يمكن أن يؤدي إلى تصعيد ينعكس على الداخل الأردني. لذا ليست المملكة معنيّة فحسب بعدم التصعيد بهدف احتواء الأزمة في الداخل الفلسطيني، بل أيضاً درءاً لانعكاسها المتوقع على الداخل الأردني، "لأن موضوع القدس يوحد الجميع، ويجلب معه العديد من العناوين مثل، رفض السياسات، وطريقة إدارة البلاد، وموضوع الإفقار، رةوموضوع الفقر، وموضوع سوء الإدارة والأوضاع السياسية والمعيشية"، بحسب قول السبايلة.
الوصاية والسفير
لماذا اكتفت الدولة الأردنيّة باستدعاء السفير الإسرائيليّ؟ وكيف تمّ تفعيل الوصاية الهاشميّة خلال الأحداث الأخيرة؟ وما السبب الذي يدفع الأردن للشجب والإدانة في كل مرة، ويترك لإسرائيل التحكّم بالإغلاقات والدخول والخروج والتصعيد؟
حاول رصيف22 التواصل مع وزارة الخارجيّة الأردنيّة وشؤون المغتربين عدة مرات، للحصول على إجابات حول هذه الأسئلة، ولم يتلقَّ رداً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmed -
منذ 5 ساعاتسلام
رزان عبدالله -
منذ 15 ساعةمبدع
أحمد لمحضر -
منذ يومينلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ 4 أيامالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 5 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامرائع