انطلقت صباح اليوم الأحد عمليات الغوص لمعاينة وضعية السفينة "كْسِيلو" التي غرقت في سواحل خليج قابس. كما انطلقت عمليات التدخل لتطويق مكان غرق السفينة بوضع حواجز للحد من انتشار المحروقات في انتظار تقرير الغواصين حول وضع هيكلة السفينة ومخزونها ووقودمحركاتها، لمعرفة نوعية الإمكانيات والوسائل المتاحة للتدخل والحد من الآثار التي يحتمل أن تنجم عن غرق السفينة التي تحمل علم غينيا الاستوائية.
غرق بسبب سوء الطقس
غرقت سفينة الشحن التجارية فجر يوم السبت 16 نيسان/أبريل وهي محملة بـ750 طن من مادة "الغازوال" (الوقود)، وكانت قادمة من ميناء دمياط المصري ومتجهة نحو مالطا بعد أن واجهت صعوبات في مواصلة إبحارها بسبب سوء الأحوال الجوية مساء يوم الجمعة، بحسب المعطيات الرسمية.
تبعا للحادث أكدت السلطات التونسية فتح تحقيق بحري وفق القانون البحري الوطني والاتفاقيات الدولية، للوقوف على الحيثيات الحقيقية للحادث، والتثبت من طبيعة نشاط السفينة المذكورة والتعرف على تحركاتها خلال المدة الأخيرة، واتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة فيما ستؤول إليه نتائج التحقيق حفظا لحقوق الدولة التونسية.
وأكدت وزارة الدفاع الوطني أنّ جيش البحر تولى الإشراف على عمليات التدخل بتكليف من رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة. لافتة إلى أن دولاً صديقة عرضت المساعدة على تونس للسيطرة على الوضع، وأن البحرية التونسية ستتدخل مع هذه الدول التي أبدت رغبتها في المساعدة، للحيلولة دون وقوع تلوث بحري وتجنبا لكارثة بيئية بحرية وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية.
أكدت السلطات التونسية فتح تحقيق وفق القانون البحري والاتفاقيات الدولية، للوقوف على الحيثيات الحقيقية لغرق السفينة كسيلو في سواحل قابس، والتثبت من طبيعة نشاط السفينة المذكورة
من جهتها أوضحت وزارة البيئة في بلاغ بأن السفينة طلبت من السلطات التونسية تمكينها من الدخول للمياه الإقليمية وإثر السماح لها بذلك رست على بعد حوالي 7 كلومترات من سواحل خليج قابس. لكن المياه تسربت إلى غرفة المحركات وغمرتها في حدود ارتفاع مترين لتغرق بصفة عمودية في عمق يقدر بـ 20 مترا. وأفادت الصفحة الرسمية للحرس البحري بأن طاقم السفينة أطلق نداء استغاثة وتدخلت الوحدات الأمنية لتنجح في إنقاذ الطاقم البحري وعدده 7 أشخاص من جنسيات مختلفة وهم "أربعة أتراك، أذربيجانيَّان وجورجيّ واحد" كما نقلوا إلى المستشفى الجهوي بقابس لتلقي الإسعافات اللازمة.
مجهودات للحد من التسرب
أكدت وزارة البيئة فور غرق السفينة أن مصالحها تتابع بكل قلق وضعية الباخرة وأنها ستتخذ "كافة الإجراءات والتدابير الوقائية اللازمة بالتنسيق مع السلط الجهوية والمحلية في إطار تفعيل الخطة الوطنية للتدخل العاجل، في حالة وجود تلوث بحري بغاية السيطرة على الوضع والحد من انتشار تسربات المحروقات، وتجنب حدوث كارثة بيئية في المنطقة".
كما أعلنت الوزارة عن قرارها وضع حواجز للحد من انتشار المحروقات وتطويق مكان غرق السفينة وإرسال غواصين لمعاينة وضعية السفينة ومكان تسرب المحروقات، لاتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون وقوع كارثة بيئية علاوة على الانطلاق في عملية شفط المحروقات المتسربة.
وعمدت وزارة النقل إلى توفير التجهيزات اللازمة من حواجز وجرارات ومضخات شفط من قبل الموانئ التجارية بكل من مدن صفاقس وجرجيس وقابس ونقلها إلى عين المكان. كما أكد وزير النقل ربيع مجيدي إثر انتقاله إلى ولاية قابس أنه لم يثبت بعد وجود تسرب من شحنة المحروقات المحملة على متن السفينة كسيلو. كما أشار إلى أن غرق السفينة بصفة عمودية سيسهل عملية انتشالها على اعتبار أن جزءاً من السفينة فوق سطح الماء.
من جهتها أكدت سلطات ولاية قابس أن الوضع مطمئن وتحت السيطرة في الموقع الذي غرقت به السفينة التجارية وتحت السيطرة وأن معاينات فريق الغواصين تؤكد عدم وجود تسرب من خزانها المحمل بشحنة من وقود الغازوال.
دعوات لتجنب كارثة بيئية
تعاني شواطئ قابس منذ سنوات من التلوث الناجم عن تخلص المصانع بالجهة خاصة منها مصانع تكرير الفوسفات من نفاياتها الكيميائية في البحر. الشيء الذي فاقم معاناة سكان الجهة، وخاصة البحارة الذين أصبحوا مهددين في مورد رزقهم بعد هجرة الأسماك إلى شواطئ أخرى بسبب التلوث الكبير ونفوق البعض الآخر. وقد أثار غرق سفينة محملة بالمحروقات المخاوف من كارثة بيئية في حال تسرب الشحنة إلى مياه البحر.
وقد أعرب الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عن مخاوفه من حدوث كارثة بيئية خطيرة تهدد سلامة خليج قابس الذي يعتبر حاضنة لثروة سمكية وبحرية مشدداً على "ضرورة تضافر جهود جميع الأطراف والإسراع بالتدخل في إطار الخطة الوطنية للتدخل العاجل لإنقاذ الموقف وشفط المحروقات والحيلولة دون تسربها إلى البحر وتفادي الكارثة" كما دعا في بيان له الفلاحين والبحارة وهياكل المنظمة الفلاحية في الجهة إلى "مساندة جهود كل الأطراف المتدخلة والانخراط في كل المساعي الرامية إلى تجنيب خليج قابس كارثة ستكون تداعياتها لا قدّر الله وخيمة على بلادنا بيئياً واقتصادياً واجتماعياً".
عمدت وزارة النقل إلى توفير التجهيزات اللازمة من حواجز وجرارات ومضخات شفط من قبل الموانئ التجارية بكل من مدن صفاقس وجرجيس وقابس ونقلها إلى عين المكان
كما دعا الصندوق العالمي للطبيعة إلى تحيين المعطيات بخصوص التسربات الناجمة عن غرق كسيلو بصفة فورية وضمان إعلام البحارة بكل المستجدات.
كما شدد في بيانه على ضرورة دعوة البحارة لتجنب وضع الشباك بالمنطقة المتضررة وحولها واتباع توصيات سلطة الإشراف حفاظا على سلامة معداتهم وسلامة المستهلك.
وحث خبراء معهد علوم وتكنولوجيا البحار على دراسة الأضرار البيئية الناجمة على البيئة البحرية والثروات السمكية وعلى مداخيل بحارة المنطقة وإدارة حفظ الصحة على مراقبة المنتوجات البحرية في المنطقة لحماية المستهلك من العناصر الملوثة.
بدوره دعا المهندس البيئي المختص في الشأن المناخي حمدي حشاد إلى "استباق الوقت و الاتصال بشركات دولية مختصة لتفريغ حمولة الوقود قبل تسربها وتسببها في كارثة كبيرة للحياة البحرية و الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالبحر في خليج قابس".
كما أشار في تدوينة نشرها على حسابه الرسمي في فيسبوك إلى أنه "إذا حدث تسرب لا يمتزج النفط بالماء بل يطفو على السطح لينتشر فوقه خلال فترة زمنية قصيرة، في شكل طبقة رقيقة جدا ويمنع ضوء الشمس من الوصول إلى البيئات البحرية، وهو ما يؤثر بشدة على الكائنات البحرية، وبالتالي على السلسلة الغذائية بأكملها للنظام البيئي. وتواصل البقعة النفطية تمددها فوق سطح الماء حتى تصبح طبقة رفيعة للغاية ذات سمك أقل من 0.01 مليمتر (جزء من مئة جزء من المليمتر)، ويمكن أن تمتد لمئات الكيلومترات لتصل أحيانا للشواطئ عن طريق حركة الأمواج والتيارات البحرية. في الأثناء، تتفاعل المركبات المكونة للنفط بشكل مختلف عند انسكابها، فيتبخر بعضها بكميات صغيرة، ويتحلل البعض الآخر بشكل بطيء، بينما تترسب المركبات الثقيلة مع الوقت وتؤدي إلى تلوث البيئة في أعماق البحار والمحيطات وهذا ممكن أن يكون حدثا مؤلما للوسط البحري لخليج قابس الذي هو أصلا مصنف منطقة منكوبة بيئيا".
شكوك حول مسار السفينة
أكد الناشط البيئي بالتجمع الوطني من أجل واحات خليج قابس سعد عيدودي أن بحر قابس متضرر ويعيش أزمة منذ 50 سنة نتيجة مخلفات المنطقة الصناعية وأن غرق السفينة سيسبب كارثة بيئية أخرى.
واعتبر في حديثه لرصيف22 أن أي تسرب للنفط "كما تُلطِّفه السلطات" سيمس من الثروة السمكية التي هي رزق البحارة وسيؤثر على النظام البيئي وهي أزمة أخرى خطيرة تضاف لولاية قابس. مشيرا إلى أن المجهودات المبذولة من قبل وزارة البيئة غير قادرة بإمكانياتها الذاتية من تطويق المكان والتثبت من وجود تسرب للمحروقات من عدمه "المعلومات بخصوص عمليات الغوص متضاربة إذ تم الإعلام عن القيام بعمليات غوص يوم أمس لكن قيل اليوم أن عملية الغوص ستتم اليوم، ولا وجود لتسربات من شحنة النفط".
غرق السفينة كسيلو في سواحل خليج قابس التونسي يثير المخاوف من كارثة بيئية تؤثر على التنوع البيئي ويتضرر منها البحارة في المنطقة
ويرى العيدودي أن الأهم من هذا وما يجب طرحه فعلا هو مسار السفينة في ظل غياب معلومات دقيقة حول مسارها معتبرا أن ما يقدمه الوزراء من معلومات غير مقنع ويطالب بتنظيم ندوة صحفية إعلامية لتحيين وتوضيح المعلومات.
وقال المتحدث "مسار السفينة أصبح هو الأخطر وهناك تساؤلات إن كان غرق السفينة في خليج قابس بفعل فاعل ومقصود. وجب التحقيق مع طاقم السفينة".
من جهته لفت حمدي حشاد نقلا عن موقع "Vessel finder" إلى أن السلطات اليونانية قامت بحجز السفينة "كسيلو" لمدة 15 يوم نظرا لعدم احترامها لمعايير سلامة الملاحة البحرية و ذلك إثر زيارة تفقد بميناء نيابولس يوم 9 شباط/فبراير الماضي مشيرا إلى أن السفينة تبلغ من العمر 45 سنة .
أما النائب في البرلمان المنحلّ مجدي كرباعي فقد تحدث عن شبهات تحوم حول السفينة كسيلو داعيا السلطات التونسية إلى فتح تحقيق فوري واستجواب طاقم السفينة.
وأضاف في تدوينة على صفحته في فيسبوك أن "السفينة حسب القمر الصناعي لم تكن قادمة من ميناء دمياط المصري مثل ما ورد في بيان وزارة البيئة بل كانت قادمة من مالطة ثم صفاقس ثم قابس ودمياط كانت وجهتها وليس مكان انطلاقها".
وتابع "السفينة تحمل علم غينيا الاستوائية تحت رقم IMO 7618272 ولكن حسب GSSI هذه الرقم تم تسجيله ويتبع السفينة أخرى اسمها Melo و تحمل العلم الكامروني وتتبع للشركة التركية Star Enrgy Inc" علما وأن وزارة البيئة سبق أن أكدت أن السفينة كسيلو حاملة لراية غينيا الاستوائية وتحمل رقم IMO 7618272.
وأوضح الكرباعي أن "هذه السفينة تم معاينتها وتفقدها في اليونان للاشتباه بها في شهر شباط" معتبرا أنه كان على وزارة البيئة التثبت من المعطيات قبل نشرها .
تجدر الإشارة إلى أن البلاد التونسية كانت طرفا في حادث تسبب سنة 2018 في تسرب حوالي 600 طن من المحروقات في البحر على خلفية اصطدام سفينة الشحن التونسية أوليس بالسفينة القبرصية فيرجينيا سي. إل. إس أثناء وجودها على مسافة 28 كلم من سواحل كورسيكا خارج المياه الإقليمية وقد بينت التحقيقات أن خطأً بشريا كان السبب المباشر في وقوع الحادث.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...