شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"أمي علمتني الطبخ ونساء رفضن الارتباط بي"... الحياة الاجتماعية لطباخين مصريين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 19 يوليو 202004:58 م
تعودنا في العقود الأخيرة أن نرى أبطال برامج الطهي، وأفضل الطهاة بالفنادق والمنتجعات معظمهم من الرجال، كما تعودنا أيضاً أن نسمع من حين لآخر الجملة الخالدة: "أشهر وأفضل طباخين في العالم من الرجال"، ولكن من ناحية أخرى، أن يكون الرجل طباخاً يقلل من قدره عند البعض، خاصة في مجتمعات محافظة ومنغلقة.

عانى من تلك النظرة رجال مصريون امتهنوا الطبخ، حتى أنهم رُفضوا من قبل عائلاتٍ وأُسرٍ للارتباط ببناتهن.

"تزوجت طباخة"

شغف تامر راضي (32 عاماً)، بالطبخ وكان يدخل المطبخ منذ الصغر، وبمساعدة والدته، تعلم إعداد عدة أكلات، ولم تمانع الأسرة امتهانه للطبخ، حيث تخرج من ثانوية فندقية، والتحق للعمل في أحد الفنادق.

يتذكر راضي أحد أصدقائه الذي منعته أسرته من الالتحاق بتخصص الفندقة في الجامعة، ورفضوا عمله في مجال الطبخ، يقول لرصيف22: "كان لي صديق يبحث هو الآخر عن الالتحاق بنفس المدرسة، لكن أهله رفضوا وأصروا على أن يدخل كلية من "كليات القمة" لأن مجموعه كبير، وبالفعل التحق بكلية الهندسة، لكنه كان يرسب كل عام، حتى ترك الكلية والتحق بكلية التجارة، وأضاع من عمره سنوات طوال كنت أنا فيها أكتسب المزيد من الخبرات، فعملت في شرم الشيخ والغردقة ومطروح وعدد من الفنادق الكبيرة، وجاءتني أكثر من فرصة للسفر إلى الخارج، لكن ارتباطي بأمي جعلني أرفض".

بدأت المشاكل عند راضي، عندما تقدم إلى فتاة للزواج منها، رفض والدها، وقال له: "يعني أقول للناس جوز بنتي إيه؟ طباخ؟"

بدأت المشاكل عند راضي، عندما تقدم إلى فتاة للزواج منها، رفض والدها وقال له: "يعني أقول للناس جوز بنتي إيه؟ طباخ؟".

وينهي راضي حديثه مازحاً: "في النهاية تزوجت من زميلة لي، وأصبحت مهمة الطبخ في البيت مسؤوليتي، لأن أكلي بصراحة أحسن من أكلها".

"أغلقت مطعمي بسبب كورونا"

يختلف أحمد ماهر (27 سنة)، شيف حلويات، مع راضي، فهو يرى بعدم وجود مشاكل اجتماعية للطباخين متعلقة بالمهنة، يقول: "أعمل في هذه المهنة منذ 7 سنوات، والحمد لله كل من حولي يعاملني بصورة جيدة للغاية، وأنا خاطب على فكرة من فترة قريبة، وأهل خطيبتي عارفين إني طباخ ومرحبين بالموضوع جداً، لأن فعلاً طول ما إحنا شغالين قدام النار بنصعب على الكافر".

يرى ماهر أن خبرة كل شخص في مجاله هي التي تحدد نظرة الناس له، وينتقد كثيراً من العاملين في مهنة الطبخ، يقول لرصيف22: "أعرف كثيراً من العاملين في مهنتنا، ورغم أنهم متمكنون جداً في المهنة، لكنهم لا يعرفون سوى الكسل، يعني يشتغل يوم وأسبوع يريح، وبالتالي يقصر في حق بيته ودخل البيت، وطبعا نظرة المجتمع لهؤلاء بتكون سيئة".

وعن مشواره في امتهان الطبخ، يقول ماهر: "دخلت هذا المجال كهاو، يوم بعد يوم اكتسبت خبرات كبيرة، وكنت أحرص على أن أعلم نفسي بنفسي، وأسأل كل يوم عن الأطباق الجديدة وطرق تنفيذها، وكيف أضع عليها لمستي، وقد نجحت في عمر 19 عاماً في أن أفتح مطعماً باسمي، وبعده بعامين افتتحت مطعماً آخر، لكني أغلقتهما الآن بسبب أزمة كورونا".

"قررت الحياة بلا زواج"

يكشف كريم دياب (30 سنة)، شيف، متاعب مهنة الطبخ اليومية، التي لا ينتبه لها الكثير من الناس، يقول لرصيف22: "أعمل لأكثر من 12 ساعة يومياً، ولمن لا يعرف كواليس مهنتنا، فنحن نبقى لفترات طويلة أمام النار في ظل درجات حرارة لا يتحملها بشر، وفي نفس الوقت يمكن أن أدخل الثلاجة لجلب مكونات وجبة ما، ورغم كل ما نعانيه، إلا أن البعض مازال مصراً أن من يمتهن مهنة الطبخ "مش راجل"... طيب تعالى أقف يوم مكاني وشوف هتستحمل ولا لا؟".

أما عادل عبد الحق (25 سنة)، شيف لحوم، فقد علّم زوجته الطبخ، وفتحا مشروعهما الخاص، وهو ما لاقى ترحيباً من أسرتيهما، يقول لرصيف22: "زوجتي من النوع الذي لا يحبذ العمل لدى الغير، لذلك أقمنا مشروعنا الصغير لتوصيل الوجبات الجاهزة إلى المنازل، والجميع ينظر لنا نظرة احترام لأننا نكافح معاً ولم نعتمد على أحد، دي حتى حماتي بتسألني على وصفات الأكل".

ويرفض السيد صلاح، شيف لحوم (35 عاماً)، أي فرصة لتغيير مهنته، رغم أنه رُفض من قبل عائلتين تقدم لابنتهما بسببها، أما الآن فيصف حياته الزوجية بالهادئة والسعيدة.

على النقيض من صلاح، قرر رامي النشار، شيف حلواني (31 عاماً)، أن يعيش بلا زواج، لتكرار رفض النساء له بسبب مهنته، يحكي لرصيف22: "تعرفت على فتاة منذ سنوات، وكانت تحاول إقناعي بشتى الطرق أنها متفتحة وإنها متحررة من القيود التي فرضها المجتمع على العلاقات بين الرجال والنساء، النظرة النمطية للرجل وكيف أن له أدوار معينة لا يجب أن يحيد عنها، لكن مع أول اختبار، وعندما تقدمت لها بشكل رسمي رفضت أسرتها وهي أيضاً استسلمت لرغبتهم، بعدها تقدمت لأكثر من فتاة، ورفضت أسرهم، حتى قررت أن أعيش دون زواج".

"ياريت أتجوز طباخ"

تخشى سالي، طالبة كلية العلوم، من الارتباط بطباخ، لا لعدم تقديرها لهذه المهنة، ولكون خوفاً من نظرات المجتمع وأحكامه "القاسية"، أما ولاء عبد الستار، موظفة في شركة اتصالات، فتتمنى الزواج من رجل يمتهن الطبخ، تقول لرصيف22: "يا ريت أتجوز طباخ زي اللي بنشوفهم في برامج الطبخ، على الأقل يرحمني من الوقوف في المطبخ ويريحني من السؤال الأبدي اللي بييعكنن على البنات كلها، وهو: هناكل إيه بكره؟ والرد التقليدى للرجال: أي حاجة".

"يا ريت أتجوز طباخ زي اللي بنشوفهم في برامج الطبخ، على الأقل يرحمني من الوقوف في المطبخ، ويريحني من السؤال الأبدي اللي بييعكنن على البنات كلها، وهو: هناكل إيه بكره؟ والرد التقليدى للرجال: أي حاجة"

يعلق الأخصائي الاجتماعي هاني عبد العزيز، لرصيف 22، أن ما تعاني منه هذه الفئة في المجتمع، الطباخين، نتاج الصورة النمطية المقترنة عند البعض بوجود أدوار تقتصر على النساء فقط، مقارنة بالأعمال الكثيرة التي يقوم بها الرجال.

يشرح عبد العزيز وجهة نظره أكثر: "للأسف المجتمع غير منصف في أحكامه التي يطلقها على هذه الفئة، لأنه يطلقها حسب النوع فقط، وإذا نظرنا حولنا سنجد أن أشهر الطباخين في العالم من الرجال، رغم أن الانطباع الاجتماعي لهذا المجال مرتبط بشكل وثيق بالمرأة، نتيجة الموروث والثقافات التي يتناقلها البعض حتى وقتنا هذا، ورغم كل ما نشهده من تقدم".

وينهي عبد العزيز حديثه قائلاً: "مجتمعاتنا العربية متأثرة بشدة بالعادات والقيم الشرقية التقليدية، وتعتبر أمراً مثل الطبخ تقليلاً من هيبة ومكانة الرجل، ولذا لا بد من تغيير تلك النظرة، وإن كنت أعتقد أن تغييراً جذرياً كهذا قد يحتاج لعقود".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image