حكت لي صديقتي أن جارتها الحامل في الشهر السابع، تم نقلها إلى المستشفى بسبب صيامها شهر رمضان، رغم بطنها المنتفخة وشكواها لأهلها وزوجها التعب والإرهاق، ولكن الأخير صمم على إتمامها فريضة الصيام على الرغم من الرخصة الإلهية الممنوحة لها، متعللاً بأنه زوجها ويحمل ذنبها أمام الله ومن حقه إجبارها على الصيام.
بعد المستشفى، نُقلت الجارة بسرية إلى منزل أهلها، حيث سرت الأقاويل عن موت الجنين.
تلك ليست حالة فردية، فإجبار النساء الحوامل والمرضعات على صيام شهر رمضان أمر شائع للغاية، وطرق الضغط مختلفة، إذ تبدأ من تصدير الشعور بالذنب للحامل، ووصم الحامل المفطرة وتشجيعها على الصيام، وصولاً إلى تهديد الزوجة بالطلاق خوفاً من تحمل ذنبها.
منذ متى لا تملك النساء أجسادهنّ؟
أجمع فريدريك أنغلز وسيمون دو بوفوار، والعديد من الفلاسفة والمفكرين، أن بداية النظام الأبوي كانت مع ظهور الزراعة والملكية الفردية، في حين أن الفترة السابقة كانت تتسم بتقاسم الرجل والمرأة الأدوار في الحياة اليومية، مع حرية جنسية واسعة.
لكن عندما عرف البشري دورة الزراعة، وأصبحت الأرض تنتج الطعام بشكل مستمر، وفهم الإنسان معنى ملكية قطعة من الأرض ومنزل يخصه، ظهرت قواعد الأسرة الأبوية، ووجد الرجل نفسه بحاجة لعمال وبحاجة أيضاً لمن يرثه، من هنا زادت أهمية الإنجاب والتحكم في جنسانية المرأة ووقف تعدد الأزواج.
تدريجياً، ومع مرور السنوات، امتدت سلطة الذكر، فهو لم يعد يمتلك الأرض والمنزل فقط، بل ظنّ أنه "يمتلك" أيضاً من يسكنه، أي الزوجة والأبناء، لدرجة أنه كان مقتنعاً بأنه يحق له بيع أولاده لسداد ديونه.
إجبار النساء الحوامل والمرضعات على صيام شهر رمضان أمر شائع للغاية، وطرق الضغط مختلفة، إذ تبدأ من تصدير الشعور بالذنب للحامل، ووصم الحامل المفطرة وتشجيعها على الصيام، وصولاً إلى تهديد الزوجة بالطلاق خوفاً من تحمل ذنبها
وعلى الرغم من تغيير قواعد التربية ولو بشكل طفيف، لا يزال بعض الرجال مصرين على "استغلال" جسد المرأة بكل الطرق: يزعم الرجل التقليدي بأنه مسؤول أمام الله عن النساء في حياته، من الابنة والزوجة وحتى الأم، وعندما تخطئ يتحمل ذنبها، لذلك يجب عليه أن يحميها من ذاتها وأخطائها، ومن حقه أن يجبرها على القيام بالعبادات المختلفة، ومنها صيام رمضان، حتى لو كانت حاملاً أو مرضعاً، حيث تُجبر بعض الأمهات على إتمام عدد شهور الرضاعة، طبقاً لرغبة الزوج وقناعاته الدينية، وليس لقدراتها الجسدية أو رغباتها الخاصة.
كما يجب الرجوع للزوج في الأحوال الطبية للحصول على موافقته الكتابية قبل إجراء جراحة لزوجته، بخاصة في حال كان التدخّل الجراحي يتعلق بأعضائها التناسلية، على اعتبار أنها "ملكه"، وبالتالي يحق له مقاضاة الطبيب لو أضر بقدرتها على الإنجاب بشكل ما، فكان على الأطباء حماية أنفسهم بهذه الموافقة، التي لا تتدخل فيها الزوجة كما ولو كان الحديث يجري حول جسد لا يخصها.
"توقفن عن الدلال"
نانسي يسري، أخصائية تحاليل طبية، حكت لرصيف22 عن تجربتها المستمرة في التعامل مع سيدات حوامل صائمات رغماً عن إرادتهنّ، آخرهنّ شابة عانت من الوهن عند صعود السلم، فنصحتها أمام والدة زوجها بالتوقف عن الصوم، خاصة مع نتيجة التحاليل الخاصة بها التي تدل على نسبة فقر في الدم/ أنيميا مرتفعة، فغضبت منها الحماة، ودافعت بالقائمة المعتادة من الأسباب التي تدفع الحامل للصوم، على رأسها التوقف عن الدلال، بحجة أن هناك نساء يصمن وهنّ حاملات ومرضعات.
اللافت أن هناك سيدات يصمن خوفاً من المقربين منهنّ، على غرار إحدى الشابات على موقع فيسبوك التي اشتكت، ضمن مجموعة نسائية، أنها مضطرة للصوم خلال الرضاعة الطبيعية، على الرغم من مرض صغيرها بسبب نقص حليبها، لأن والدتها هددتها بالذنب الكبير الذي ستتحمله لو استخدمت رخصتها الربانية في الإفطار خلال شهر رمضان، حتى لو أدى الأمر إلى جفاف الحليب، ومضاعفات صحية للطفل.
في حديثه مع رصيف22، شدد طبيب الأطفال، أحمد خشبة، على ضرورة التوعية بمخاطر صيام شهر رمضان على المرضعات والرضّع، وأن الصيام، ولو ليوم واحد فقط، يؤدي لجفاف حليب الأم، والحاجة إلى اللبن الصناعي، أو تحدث مضاعفات للرضيع.
وحمّل خشبة الأمهات مسؤولية هذا القرار الذي قد يكون "طريقاً بلا رجعة"، بحسب قوله، مؤكداً أنه لا يمكن استعادة الوضع السابق بأي خطة علاجية أو دواء أو أعشاب، لكنه لا يجد أي آذان مصغية لنصائحه، التي تعامل على أنها "فلسفة أطباء فارغة"، أو يُهاجَم باعتباره يشجع على إفطار النساء، هذا وكشف أنه وجد أن العادات والتقاليد راسخة أكثر حتى من التعاليم الدينية الواضحة.
ما هي القيمة الدينية لشعيرة يتم القيام بها تحت الإجبار؟ كيف يمكن أن تكون هناك طاعة لأمر إلهي عندما لا تمتلك بعض السيدات حق عدم الطاعة من الأساس؟
في الواقع، تعاني المفطرات في رمضان (من الحوامل والمرضعات) من الوصم المجتمعي، فهنّ لا يستطعن تناول الطعام أمام الآخرين خوفاً من الاتهام بالدلال الزائد أو استسهال استخدام الرخصة، كما لو أن جزءاً أصيلاً من حياة أي امرأة هو الشقاء الجسدي، وكلما عانت أكثر، كلما زادت قيمتها، وهو ذات الخطاب الذي يضع وصمة على السيدات اللواتي يخترن الولادة القيصرية، والزعم بأن أمومتهنّ ناقصة لأنهن لم يعانين من آلام الولادة.
يطرح كل ذلك عدة أسئلة، على رأسها: لماذا على الجميع أن يقرر مسألة خاصة للغاية مثل تنفيذ شعيرة دينية ما عدا صاحبة الشأن، أي المرأة في هذه الحالة؟ لماذا تكون القرارات الحساسة التي تؤثر على صحتها وصحة جنينها بيد أشخاص آخرين، مثل الزوج أو الأم أو الحماة، أو مدعي التديّن على مواقع التواصل الاجتماعي، أو يكون القرار تحت ضغط الأقران في العائلة؟
والأهم ما هي القيمة الدينية لشعيرة يتم القيام بها تحت الإجبار؟ كيف يمكن أن تكون هناك طاعة لأمر إلهي عندما لا تمتلك بعض السيدات حق عدم الطاعة من الأساس؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...