“أسهر طوال الليل، وأنام خلال ساعات النهار إلى أن يحل موعد الإفطار. وهكذا يمضي شهر رمضان"، بهذه الجملة اختصر علي. ف (27 عامًا) علاقته مع هذا الشهر. ومثله مثل العديدين ممن يؤدّون فريضة الصيام، ففي بعض الأحيان يُنفذ هذا الواجب الديني بأسلوب لا يتوافق مع غايته الحقيقية.
وعلى الرغم من إتمام فعل الصيام، هناك من يعتبرون أن الذين يقلبون نهارهم ليلًا، وليلهم نهارًا يحاولون الالتفاف على الفريضة عبر عدم اختبار الساعات الطويلة الخالية من الطعام، وتأدية الواجبات المستحبة من قراءة القرآن والأدعية، وخوض شعور الصائم. رصيف22 قابل بضعة أشخاص، لكل منهم وجهة نظر في الصيام الرمضاني.
“أسهر طوال الليل، وأنام خلال ساعات النهار إلى أن يحل موعد الإفطار. وهكذا يمضي شهر رمضان"
تجنّبُ الغضب والمعاصي
بالنسبة لعلي.ف من الأفضل أن لا يكون قرب الناس حين يشعر بالجوع وحين يتوقّف عن التدخين، وذلك لأنّه “سيفطر”، يقول: “خلقي ضيّق. بصير بعصّب على كل التفاصيل، وممكن أكفر”. ولأن المعاصي التي سيرتكبها من النواحي اللفظية لا تتناسب مع مبادئ المؤمن والصائم، يشرح: “الله خلقني هيك، عندي طبع بشع، بس مؤمن وبصوم”.
ولأن علي لا يريد أن يعصى ربّه اتّخذ هذا القرار قبل عدّة أعوام وذلك بعد أن فقد أعصابه في منزله وأسفر عن ذلك خلاف كبير كان المسبّب الأساسي له: “كنت عائدًا من عملي إلى المنزل ووجدت العائلة مجتمعة عندنا، الأطفال يصرخون والكبار يتحدّثون. وكنت متعبًا جدًا من العمل ومن الصوم، وبالتالي فقدت أعصابي. هذا العام، لأني أعمل من المنزل، قرّرت العمل خلال ساعات الليل، والنوم معظم ساعات النهار، وذلك لأتجنب الضغوط اليومية وتلك المرافقة للصوم، وهذه هي الطريقة الوحيدة لأضبط نفسي، كي لا أنزعج، وأزعج غيري، ولكي أحافظ على صومي".
نوم الصائم عبادة
يحكي أبو ناصر (47 عامًا) أنه كل عام خلال شهر رمضان يطلب من ابنه التوقفّ عن الذهاب إلى ورشة عمل العائلة، والبقاء في المنزل كي ينام خلال ساعات الصوم، ويقول: “هذا هو الحل الوحيد معه، عائلتنا ليست متزمّتة لكنّنا نؤدّي واجباتنا الدينية الأساسية، وتحديدًا خلال شهر رمضان، وكل أبنائي عليهم الالتزام بهذه الواجبات. لكن ابني ناصر تحديدًا ولكي أفرض عليه تجنّب اللهو والالتزام بالصوم، قرّرت أن أقدّم له هذه الصيغة، حيث أن شهر رمضان هو عطلته الرسمية التي في نهايتها يحصل على راتبه، وفي المقابل كل ما يتوجّب عليه فعله هو أن يصوم ويصلّي ويتجنّب المشاكل. بكل بساطة لا أريد أن أسمع شكواه حول الجوع والعطش وعدم قدرته على العمل والصوم في الوقت عينه”.
بالنسبة لأبو ناصر هذه هي واجباته تجاه أبوّته وتجاه الله، وهو يجد الحلول المناسبة لكي يلتزم ابنه دينيًا ولئلا يشجّعه على استخدام الحجج الواهية لتجنّب شهر رمضان، يقول: “لا يستطيع أن يعمل ويصوم. حسنًا بإمكاني الاستغناء عن خدماته خلال هذا الشهر، لكن في المقابل عليه أن يصوم”. على الرغم من أن ناصر ينام خلال ساعات النهار ويستيقظ قبل الأذان بقليل، وفي حال تم إيقاظه قبل وضع الطعام على المائدة يغضب، إلا أن والده لا يمانع هذا التصرّف وبالنسبة له، هذه هي قدرته الحالية ومفاهيمه المراهقة المرتبطة بهذا الشهر الفضيل، وبحسب قوله فإن عبارة “نوم الصائم عبادة” تنطبق على ابنه.
الأسلوب الوحيد لأتجنّب الصيام هو من خلال النوم وإلّا فسأخسر علاقتي مع أهلي. العام القادم حين أنتقل من منزلهم، وحين تعود الحياة لطبيعتها بإمكاني الكف عن المساومة
"أنام لأتجنّب الدين"
بالنسبة لعلياء (اسم مستعار) (20عامًا) فإن النوم خلال النهار هو الحل الوحيد لكي تتجنّب الشجارات الدينية مع عائلتها، فهي غير الملتزمة دينيًا عليها الخضوع لقوانين أفراد العائلة ما دامت تعيش تحت سقفهم.
قبل ثلاثة أعوام حين انتقلت من منزل عائلتها إلى بيروت بهدف الدراسة، شعرت أنها تحرّرت من الواجبات. لكن هذا العام بسبب وباء كورونا والحجر المنزلي الذي فرضه، عادت للعيش في منزل العائلة حيث لا يمكنها أن تجاهر بإفطارها رغم معرفتهم ضمنيًا أنها لا تصوم. ولذلك تنام علياء خلال النهار حين لا يمكنها أن تأكل أو تشرب، تدّعي أنها تصوم، وتستيقظ في الليل لتمارس حياتها الطبيعية، وتقول: “صحيح أنني محجّبة، لكن حتى هذا الفعل هو خضوع للعائلة لأنني أصنّف نفسي ملحدة. ويومًا ما حين أستقل من كل النواحي سأمارس كل قناعاتي بالعلن. هذا العام أنا عالقة مع العائلة وقوانينها، والأسلوب الوحيد لأتجنّب الصيام هو من خلال النوم وإلّا فسأخسر علاقتي مع أهلي. العام القادم حين أنتقل من منزلهم، وحين تعود الحياة لطبيعتها بإمكاني الكف عن المساومة، لأنني سأكون في منزلي الخاص وأنا التي سأضع القوانين. وخلال شهر رمضان، في منزلي، أنا لا أصوم”.
“خلقي ضيّق. بصير بعصّب على كل التفاصيل، وممكن أكفر.الله خلقني هيك، عندي طبع بشع، بس مؤمن وبصوم
من الناحية الصحية
ترى أخصائية التغذية ميريام بيرم أن الجسد البشري غير مبرمج لاحتمال الاستيقاظ خلال ساعات الليل والنوم خلال ساعات النهار، وتضيف: “هذا الأسلوب المعتمد خلال شهر رمضان ينافي برمجة جسدنا الذي يتّبع الشمس. فحركتنا الدموية، والإفرازات الهرمونية يتم تفعيلها خلال ساعات النهار، أما ساعات الليل فهي للراحة، والنّوم وتخزين الطعام، إذ يجب أن يرتاح الجسد”.
وبحسب قولها، فإن كسر روتين الجسد بهذه الطريقة، يؤدي إلى ارتفاع مستويات التوتّر لدى الأفراد وإلى البدانة وإلى ظهور الأمراض تحديدًا في حال عدم ممارسة الرياضة والإلتزام بحمية غذائية كما يحصل خلال شهر رمضان. ومن النواحي النفسية تشرح ميريام، أن جسم الإنسان يتعرّض لـ“خضّة” حين لا يتلقّى حاجاته بحسب الجدول الطبيعي الذي يتطلّب الحركة والطعام والنوم في أوقات معيّنة، وبالتالي يمكن أن يصبح الأشخاص الذين يقلبون جدولهم بهذه الطريقة أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب. ويفقدون الرغبة بممارسة التفاصيل الصغيرة التي كانوا قد اعتادوها ويسيطر عليهم الخمول.
من الناحية الدينية
من الناحية الشرعية، من المستحب أن يستثمر الصائم أيام الشهر الفضيل في حسن العبادة وتلاوة القرآن وضبط النفس وتأدية فريضة الصلاة. لكن في الوقت عينه، لا إثم على من ينام خلال ساعات النهار ما دام يؤدي فريضة الصلاة في الوقت اللازم. وبحسب حديث ضعيف يقال: “نوم الظالم عبادة” لأن النوم سيردعه عن الشر. إلا أن نوم العابد والمؤمن فيه خسارة لهما، وذلك لأن الحسنات التي سيتلقيانها من التعبّد تكون مضاعفة في شهر رمضان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...