في آذار الماضي، رشّح السيد مقتدى الصدر صهره وابن عمه جعفر الصدر، ليكون رئيس وزراء العراق المقبل، خلفاً للرئيس مصطفى الكاظمي. كان ترشيحاً متوقعاً من الكتلة الصدرية وحلفائها المنضويين تحت تكتل برلماني بات يُعرف باسم "إنقاذ الوطن"، وهو حق سياسي لمقتدى الصدر، بعد أن فاز أنصاره بغالبية مقاعد المجلس النيابي في انتخابات شهر تشرين الأول الماضي. وصلت حصتهم إلى 73 من أصل 329 مقعداً، ما جعلهم التكتل الأكبر داخل السلطة التشريعية.
وهو تطور طبيعي لرجل طموح مثل مقتدى الصدر، بدأ نشاطه بثورة ضد الاحتلال إبان الغزو الأمريكي سنة 2003، انتقل بعدها إلى العمل السياسي، زعيماً لميليشيا ثم لحزب كان له حصة كبيرة في كل المجالس النيابية وكل الحكومات التي توالت على العراق خلال العقدين الماضيين. آخر مرحلة في هذا الطموح، كانت رغبته بتسمية رئيس وزراء محسوب كلياً على الصدريين، وهو ما قاله النائب عن التيار الصدري حاكم الزاملي بوضوح، إن الانتخابات النيابية، لو جاءت برئيس وزراء من خارج المنظومة الصدرية، فهي حكماً "مزورة".
أما عن جعفر الصدر، فهو ابن محمد باقر الصدر، مؤسس حزب الدعوة الإسلامي الذي اعتُقل وأُعدم بأمر من الرئيس صدام حسين سنة 1980. درس علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، وعاش سنوات طويلة في المنفى، قبل أن يعود إلى بلاده ويصبح نائباً ثم سفيراً في لندن.
الكثير من الكتاب والمتابعين يقولون اليوم إن وصوله إلى سدّة الحكم هي المرة الأولى في تاريخ العراق التي يصل فيها شخص من عائلة الصدر الدينية المعروفة إلى هذا المنصب الرفيع. هي مقولة خاطئة طبعاً، يتناسى أصحابها، إمّا عن جهل أو عن قصد، الدور الكبير الذي لعبه السيّد محمد حسن الصدر، من عشرينيات ولغاية أربعينيات القرن الماضي. هو من أقرباء مقتدى وجعفر ومن الآباء المؤسسين للدولة العراقية الحديثة، كان رئيساً للحكومة سنة 1948، أي قبل وصول جعفر الصدر إليها بأربعة وسبعين سنة.
الكثير من الكتاب والمتابعين يقولون اليوم إن وصول جعفر الصدر إلى سدّة الحكم هي المرة الأولى في تاريخ العراق التي يصل فيها شخص من عائلة الصدر الدينية المعروفة إلى هذا المنصب الرفيع، وهي بالطبع مقولة خاطئة
من هو محمد حسن الصدر؟
ولد السيد محمد الصدر في منطقة الكاظمية (وبعض المصادر تقول إنه تولد سامراء)، في 7 كانون الثاني 1882. كان والده حسن الصدر مرجعاً شيعياً وأديباً وشاعراً، وقد درس الصدر على يده قبل الانتقال إلى النجف لإكمال علومه الدينية.
عند نهاية الحكم العثماني، أسس حزب "حرّاس الاستقلال" سنة 1919، ثم شارك في ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني. انطلقت هذه الثورة في أيار واستمرت حتى شهر تشرين الأول، وكان له دور كبير في تنظيمها وتوحيد صفوفها، وتحديداً لدى العشائر المحيطة بلواء الدليم وسامراء، ما أدى إلى نفيه إلى دمشق، ومن ثم إلى نجد.
مع الملك فيصل الأول
شهد السيد محمد الصدر سقوط حكم الملك فيصل الأول في سورية، إثر مواجهة عسكرية مع الفرنسيين في معركة ميسلون، أودت بدولته وعرشه، وأدت إلى نفيه إلى أوروبا. كان الصدر معجباً بالملك فيصل الذي لم يُميّز بين الأديان خلال فترة حكمه بدمشق، وأحاط نفسه بمستشارين من كل المذاهب، كان من بينهم رستم حيدر، المسلم الشيعي ابن بعلبك.
محمد الصدر مع الملك فيصل
توجه فيصل إلى بريطانيا لمقابلة الملك جورج الخامس والاحتجاج على الطريقة المهينة التي أقصي فيها عن عرش الشّام، فعوضه الإنكليز بعرش بديل في العراق.
توجّه من أوروبا إلى الحجاز للتشاور مع أبيه، الشريف حسين بن علي، قائد الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين، وفي 5 حزيران 1921 أبحر من ميناء جدة إلى مدينة البصرة على متن سفينة بريطانية، كان على متنها عدد من السياسيين والأعيان العراقيين المؤيدين له ولأسرته. كان من ضمنهم مرافقه العسكري الدمشقي تحسين قدري، ومستشاره رستم حيدر والسيد محمد الصدر.
وصلوا العراق في 23 حزيران، استقبلهم وزير الدفاع جعفر باشا العسكري وانتقلوا معه إلى بغداد، حيث تمّ تتويج فيصل ملكاً على بلاد الرافدين، في احتفال كبير أقيم في السراي الحكومي وسط ساحة القشلة يوم 23 آب 1921.
كان محمد الصدر معجباً بالملك فيصل الذي لم يُميّز بين الأديان خلال فترة حكمه بدمشق، وأحاط نفسه بمستشارين من كل المذاهب، كان من بينهم رستم حيدر، المسلم الشيعي ابن بعلبك
ولكن نشاطات الصدر الوطنية المعادية للإنكليز أثارت حفيظة المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس، الذي أمر بملاحقته ثم نفيه خارج البلاد سنة 1922. عاد بعد وضع الدستور العراقي، بدعم من الملك فيصل الذي زاره في بيته بمنطقة الكاظمية وسمّاه عضواً في مجلس الأعيان سنة 1925، قبل انتخابه رئيساً له سنة 1929. وكان الصدر يشغل هذا المنصب عند الإعلان عن وفاة الملك فيصل في سويسرا سنة 1933، حيث عمل على ترتيب البيت الداخلي، والانتقال السلمي للسلطة لصالح الملك غازي، ابن الواحد والعشرين عاماً، ثم عاد وفعل ذات الشيء مع الملك الطفل فيصل الثاني عند وفاة أبيه بحادث سير في 4 نيسان 1939.
محمد الصدر مع الملك فيصل والأمير عبد الإله
وقد ظلّ الصدر في منصبه حتى شهر كانون الأول 1943، وفي عام 1947، عُيّن عضواً في مجلس الوصاية على فيصل الثاني، الذي كان يرأسه الأمير عبد الإله بن علي، خال الملك.
انتفاضة الوثبة والوصول إلى رئاسة الحكومة
في 15 كانون الثاني 1948، قام رئيس الحكومة العراقية صالح جبر بإبرام معاهدة بورتسموث مع بريطانيا، لتعزيز موقعها العسكري في بغداد ومنحها سيطرة كاملة على السياسة الدفاعية والخارجية العراقية. كان ذلك بعد الحرب العالمية الثانية، وقد أرادت بريطانيا تحويل العراق إلى مركز لمحاربة النفوذ السوفيتي في الوطن العربي. ثار طيف واسع من العراقيين ضد المعاهدة، فيما عرف بانتفاضة الوثبة، ما أدى إلى استقالة صالح جبر من منصبه وسفره إلى لندن، ليتم تكليف محمد الصدر ليكون رئيس الحكومة العراقية الجديدة.
في عهد محمد الصدر، تم الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في 14 أيار 1948. ونزولاً عند قرار جامعة الدول العربية، شارك العراق رسمياً في حرب فلسطين، عبر قوة عسكرية مؤلفة من ثلاثة آلاف جندي مقاتل، قاموا باحتلال عدد من المرتفعات ودخلوا القدس الشرقية مع الجيش الأردني
الحكومة الصدرية (كانون الثاني – حزيران 1948)
شكّلت حكومة الصدر في 29 كانون الثاني 1948، واختار ثلاثة رؤساء حكومة سابقين ليكونوا وزراء سياديين في عهده. الأول هو أرشد العمري، وهو من أعيان الموصل، الذي عيّن وزيراً للدفاع، والثاني هو حمدي الباجه جي من أعيان بغداد، الذي سمّي وزيراً للخارجية، أما عن حقيبة الداخلية، فقد ذهبت لجميل المدفعي، رئيس وزراء العراق في منتصف الأربعينيات، والذي كان قد خلف الصدر في رئاسة مجلس الأعيان. أشهر أعمال الحكومة الصدرية كان إلغاء معاهدة بورتسموث الإشكالية، والإشراف على انتخابات نيابية في البلاد.
وفي عهده، تم الإعلان عن انتهاء الانتداب البريطاني في فلسطين وقيام دولة إسرائيل في 14 أيار 1948. نزولاً عند قرار جامعة الدول العربية، شارك العراق رسمياً في حرب فلسطين، عبر قوة عسكرية مؤلفة من ثلاثة آلاف جندي مقاتل، قاموا باحتلال عدد من المرتفعات ودخلوا القدس الشرقية مع الجيش الأردني.
فُرضت الهدنة الأولى بقرار من الأمم المتحدة في 11 حزيران 1948، واستقال الرئيس الصدر بعدها بخمسة أيام. ابتعد عن السياسة بسبب تقدمه في العمر وتوفي في بغداد عن عمر ناهز 74 عاماً يوم 4 نيسان 1956.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع