انتهت الانتخابات التشريعية المبكرة في العراق، مساء العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر، بعد سنتين من الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت مدن وسط العراق وجنوبه، واكتسح فيها التيار الصدري قوائم الفائزين بفارق كبير عن الآخرين، حسب النتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
يعتقد الكاتب والباحث السياسي، مجاهد الطائي، أن التيار الصدري يجمع ما تمتلكه بقية القوى والأحزاب السياسية كله، من مزايا، فهو يملك ميليشيات مسلحة، كتحالف الفتح، وله نخب سياسية قوية، كنخب تيار الحكمة، كما أن لديه نفوذاً داخل الدولة، مشابه لنفوذ دولة القانون، وكان يتميز بقدرته الفريدة على التحشيد، حتى جاءت انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر، لتنافسه في ذلك.
ويرى الطائي، أن القانون الجديد أضرّ بأحزاب التنظيم الهرمي، بينما نجح التيار الصدري في التكيّف معه، إذ أعاد تنظيم صفوفه أفقياً، بحملة البنيان المرصوص، وتسجيل أسماء أتباعه، وتحويلهم إلى تنظيم سياسي، من خلال طرقٍ عدة، أبرزها إصداره تطبيقاً على الهاتف النقال حمل اسم "التيار"، يوزّع الصدريين على المرشحين، حسب دوائرهم الانتخابية. وبهذا الأسلوب حقق أكبر عدد من المقاعد.
وكان صالح محمد العراقي، المعروف بوزير الصدر، قد أعلن انطلاق مشروع البنيان المرصوص، في تدوينة بتاريخ 21 شباط/ فبراير 2021، أوضح فيها أن هدفه "وحدة الصف الصدري لأتباع آل الصدر الكرام، وإحصاؤهم، وتثقيفهم، والعناية بهم".
وحسب الأستاذ السابق في كلية العلوم السياسية، عثمان الموصلي، فإن المشروع هدف إلى إحصاء عدد أتباع الصدر، بصورة دقيقة تمكّنه من التحكم بأصواتهم.
ويشير إلى أن قوة الماكينة الانتخابية الصدرية أجادت العمل، وفق القانون الانتخابي رقم 9 لعام 2020، كما قدّمت نفسها بديلاً أفضل من بقية القوى السياسية التي تسلمت رئاسة الوزراء سابقاً، من خلال الترويج لمساوئ السياسات السابقة التي عارضها الصدر وقتها، بالإضافة إلى ولاء أتباعه الشديد، وهو ما تفتقر إليه بقية الكيانات السياسية التقليدية.
قاعدة التيار الشعبية
يذكر الموصلي أن قاعدة التيار تمثّل أكثف مناطق بغداد سكانياً، وهي مدينة الصدر، التي يسكن فيها نحو مليونين من أصل عشرة ملايين شخص يشكّلون عدد سكان بغداد، التي شهدت أقل نسبة إقبال على التصويت، وهو ما أفسح المجال أمام التيار الصدري لحصد أكبر عدد من المقاعد.
وحسب إحصائيات مفوضية الانتخابات، شهدت بغداد أقل نسبة مشاركة، وحصل فيها الصدر على 27 مقعداً، من أصل 69.
وكانت العاصمة مصدر قوة الصدر الأكبر. أما في بقية المحافظات، فقد حصد الصدريون في البصرة تسعة مقاعد (من أصل 25)، وثمانية في ذي قار (من أصل 19)، وسبعة في ميسان (من أصل 10)، واثنين في بابل (من أصل 17) وخمسة في النجف (من أصل 12) ومثلهم في واسط (من أصل 11) وثلاثة في الديوانية (من أصل 11) و4 في كربلاء (من أصل 11)، واثنين في المثنى (من أصل 7)، حسب آخر تحديثات العدّ اليدوي.
ويعتقد الموصلي أن "التشرينيين" هم السبب خلف انتصار التيار الصدري في بغداد، إذ أدّت المقاطعة إلى تحصيله نسبة المقاعد الأكبر، بينما لم يحظَ بثلث هذا العدد في محافظات الجنوب التي أسهمت بنسب مشاركة انتخابية عالية، وحصلت الكتل التشرينية، والمستقلون المنبثقون عنها، على نسب إقبال كبيرة، نظراً لعمر الحركة القصير بالنسبة إلى بقية القوى السياسية التقليدية.
"التيار الصدري يجمع ما تمتلكه بقية القوى والأحزاب السياسية كله، من مزايا، فهو يملك ميليشيات مسلحة، كتحالف الفتح، وله نخب سياسية قوية، كنخب تيار الحكمة، كما أن لديه نفوذاً داخل الدولة، مشابه لنفوذ دولة القانون..."
وعليه، فإن معظم المحللين يرون أن القاعدة الشعبية للتيار لم تكن لتسهم بهذا القدر من النواب الفائزين، لولا عامل المقاطعة.
هل يحظى الصدر فعلاً بثقة الشعب؟
يرى الباحث الاجتماعي في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، علاء الزيدي، "أن الشعب العراقي متقلّب بطبيعته، ولا يمكن التنبؤ بأفكاره المجتمعية، ولكن ما حصل من خلل انتخابي هو نتيجة لسنوات طويلة من الخذلان الذي وضع هذا الشعب في موقف ضعيف".
برأيه، أراد المقاطعون إثبات قوتهم، بمقاطعة الانتخابات، إلا أنهم فشلوا في ذلك، وكانت النتيجة أنهم زرعوا في عقول كثيرين، فكرة أن التيار الصدري حصد مقاعده "نتيجة ثقة الناس به، أو بالسياسيين التقليديين".
في الوقت ذاته، يشير الزيدي، إلى أن التيار الصدري يُعَدّ خياراً مستجداً بالنسبة إلى رئاسة الوزراء، ويلاقي "رغبة الشعب بتجربة جديدة معارضة لحزب الدعوة، الذي يتولى أشخاص منه منصب رئاسة الوزراء منذ 2005"، مضيفاً: "الموضوع متعلق باليأس، أكثر من تعلّقه بثقة سياسية".
من جانبه، يرى المشرف الميداني لمجلس تشرين المركزي، حيدر الحلفي، أن التيار الصدري هو أول المطالبين بالانتخابات المبكرة، وقد استعد لها منذ البداية، من خلال تنظيم جماهيره، بعد أن خسر الكثير من شعبيته.
في المقابل، يردد الصدريون أن انتصارهم يعود إلى "ثقة الناس بقادة التيار"، و"نزاهة التيار" و"محاربته للفساد".
ما المتوقَّع بعد فوز الصدر؟
بحسب الطائي، "لا تغييرات تلوح في الأفق، إذ سيسعى الجميع إلى التوافق، لتشكيل الحكومة، كما حدث في الحكومات المتعاقبة".
ويرى الطائي أن "الإصلاح مجرد شعار انتخابي بصلاحيات قابلة للتجديد، خاصةً في ظل ارتكازه على تيار شعبوي يسيطر الفقر، والجهل السياسي، على الكثير من قطاعاته".
"‘التشرينيون’ هم السبب خلف انتصار التيار الصدري في بغداد، إذ أدّت المقاطعة إلى تحصيله نسبة المقاعد الأكبر، بينما لم يحظَ بثلث هذا العدد في محافظات الجنوب التي أسهمت بنسب مشاركة انتخابية عالية"
فيما يُبدي الدكتور الموصلي تخوّفه من لجوء الكتل المعترضة إلى سلوكيات عنيفة، في حال فشلت مساعيهم القانونية لتعديل نسب الفوز، خاصةً وأن الأطراف كافة تمتلك مجموعات مسلحة تستطيع تأزيم الوضع الأمني لنيل منصب الوزارة.
وكان "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية"، وهو إطار يضم قوى سياسية شيعية مختلفة، أبرزها تحالف الفتح، وائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، قد طعن في نتائج الانتخابات، ملمّحاً إلى احتمال توحده في كتلة أكبر، لمنع وصول الصدر إلى مبتغاه، في تكرار لما حصل في انتخابات 2010، بعد توحّد الكتل لتنصيب نوري المالكي لرئاسة الوزراء، ضدّاً بإياد علاوي، الحاصل على أكثر من 90 مقعداً برلمانياً.
وهذا ما دفع بالقيادي الصدري جليل النوري، للرد على بيانات الإطار التنسيقي الشيعي، بالقول: "لا تتعبوا أنفسكم في انتظار رسائل الخارج، فالأمر حُسم، والصدر ليس علاوي".
وتنص المادة 76 من الدستور العراقي، على أنه "يكلِّف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية".
وثار سجال عام 2010، حول معنى "الكتلة النيابية الأكثر عدداً"، وهل هي الكتلة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات حصراً، أم يمكن أن تكون عبارة عن تحالف بين كتل برلمانية عدة، يقوم بعد الانتخابات؟
وفسّرت المحكمة الاتحادية العليا المسألة، في قرار أصدرته عام 2010، قالت فيه: "إنّ تعبير الكتلة النيابية الأكثر عدداً، يعني إمّا الكتلة التي تكوّنت بعد الانتخابات، من خلال قائمة انتخابية واحدة، ودخلت الانتخابات باسم ورقم معيّنَين، وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، وإما الكتلة التي تجمّعت من قائمتين، أو أكثر، من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة، ثمّ تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، أيهما أكثر عدداً".
ويرى الموصلي أن تولي الصدريين لرئاسة الوزراء، قد يضع العراق في موقف حرج في العلاقات الإقليمية، نظراً إلى مزاجية التيار المتقلبة دولياً.
أما داخلياً، فلا يعتقد الموصلي بوجود أي تغيير ملحوظ، بحكم أن التيار ينادي بالإصلاح منذ بدايته، إلا أنه لم يسعَ إلى تغيير واقع وزاراته السيادية، بل طالت معظمها فضائح مالية وأخلاقية كبيرة.
حتى الآن، لا يمكن التنبؤ بما سيحمله الأسبوعان القادمان في بلد يشهد أزمةً سياسية مستمرة، ومحاصصةً في المناصب، منذ عام 2003.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع