عبّر الأردن عن خوفه على أمنه الغذائي على غرار العديد من الدول العربية، التي تعيش خوفاً من نقص المخزون وعدم القدرة على تغطية الاحتياج المحلي، إذ يستورد الأردن ما نسبته 85% إلى 90% من سلّته الغذائية من الأسواق العالمية.
ترجع نسبة كبيرة من الخوف إلى الحرب الروسية – الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط، إذ إن روسيا وأوكرانيا تصدران حوالى ثلث صادرات القمح العالمية، وقد أوقفت الحرب الموانئ المطلة على البحر الأسود بشكل كامل تقريباً، كما أغلقت الموانئ الرئيسة في أوكرانيا، وقطعت الروابط اللوجيستية والنقل، مما رفع أسعار القمح إلى مستويات قياسية، بالإضافة إلى فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات شاملة على روسيا.
يجد الأردن نفسه في حالة مطمئنة إلى حد ما، في ما يتعلق بالمخزون الإستراتيجي. ولكن الاستهلاك من هذا المخزون يعني العودة مرة أخرى إلى الأسواق الدولية، ومن ثم التأثر مباشرة بارتفاع أسعار القمح والحبوب التي تجاوزت الـ40٪
تهديد المخزون
أوضح رئيس مجلس إدارة الشركة العامة الأردنية للصوامع والتموين الدكتور أنور العجارمة أن مؤشرات المخزون في مستودعات الشركة والمستوعبات الأرضية تلبي احتياجات السوق المحلية نحو 15 شهراً من القمح، و11 شهراً من الشعير والنخالة.
وعلّق الخبير الاقتصادي الأردني حسام عايش على ذلك: "يجد الأردن نفسه في حالة مطمئنة إلى حد ما، في ما يتعلق بالمخزون الإستراتيجي. ولكن الاستهلاك من هذا المخزون يعني العودة مرة أخرى إلى الأسواق الدولية، ومن ثم التأثر مباشرة بارتفاع أسعار القمح والحبوب التي تجاوزت الـ40٪، وهذا كله سيؤثر على فاتورة الاستيراد الأردني من المواد الغذائية التي تراوح سنوياً بين أربعة وخمسة مليارات دولار أمريكي، وعليه، فإن ارتفاع هذه الفاتورة مع ارتفاع فاتورة الطاقة والنفط، كلها عوامل ستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم المعبر عنها في ارتفاع مستويات الأسعار، في وقت لم يستعد الناس بعد ما خسروه إبان المواجهة مع كورونا في ما يتعلق بمستوى معدل دخل الأفراد".
"الأمن الغذائي الأردني، كما أظهرته الأزمة الروسية الأوكرانية، هش، فالخارج له دور رئيس في التحديد والتأثير على مستويات الأمن الغذائي والمستويات المعيشية، ومن ثم التأثير في الاستقرار الاجتماعي"
وقال عايش لرصيف22: "الأمن الغذائي الأردني، كما أظهرته الأزمة الروسية الأوكرانية، هش، فالخارج له دور رئيس في التحديد والتأثير على مستويات الأمن الغذائي والمستويات المعيشية، ومن ثم التأثير في الاستقرار الاجتماعي، كما حدث سابقاً أبان الأزمة المإلىة العالمية عامي 2008 و 2009، وثورات الربيع العربي عام 2011، وجائحة كورونا، والأزمة الروسية الأوكرانية عندما ارتفعت أسعار الغذاء العالمي".
الإنتاج المحلي
"يحتاج الأردن يومياً لحوالى 2500 طن من القمح، فيما لا يتجاوز الانتاج المحلي نسبة 2% ويكفي 10 أيام والبقية يتم استيرادها بكلفة 350 مليون دولار. هذا يعني أن الاقتصاد الأردني يخسر سنوياً عملة صعبة، ويستفيد منها اقتصاد ومزارع آخر غير أردني. لو تم استثمار هذه الأموال محلياً لتطوير البحث العلمي وإيجاد حلول علمية لتحسين حبوب القمح لمواجهة التغير المناخي وقلة الأمطار، بالإضافة إلى استصلاح الأراضي وغيرها - وهي حجج يستخدمها وزراء الزراعة في العادة- فإن ذلك سيخلق فرص عمل ويقلل من البطالة ويخفف من الهجرة الريفية للمدينة ويحسن من المناخ"، كما قال ربيع زريقات أحد مؤسسي مبادرة ذكرى للتعلم الشعبي لرصيف22.
وكانت وزارة الزراعة والتنمية الأردنية قد أعلنت أخيراً توفر 52 متراً مربعاً (52 دونماً) قابلة للزراعة لدى توفر مياه الري وإجراء بعض الاستصلاح عليها. يقول زريقات: "القمح يحتاج 300 ملم من الأمطار والشعير أقل، هذا يعني أن لدينا حوالى تسعة آلاف مليون متر مربع (تسعة ملايين دونم) من الأراضي غير المستغلة، معدل الأمطار فيها فوق ال 200 ملم.
وأضاف زريقات: "الأردن يحتاج سنوياً حوالى 900 ألف طن قمح، وانتاج الـ1000 مليون متر مربع (المليون دونم) = حوالى 150 ألف طن، أي أننا نحتاج لـ6000 متر مربع (ستة ملايين دونم) لإنتاج حاجة الأردن من القمح. لو استطعنا تحقيق 60% من الاحتياج المحلي فيُعدّ هذا إنجازاً، ولكن نسبة 2% رقم مرعب".
دشنت مبادرة ذكرى للتعلم الشعبي مشروع قمح البركة عام 2019، وهو "يُعنى بإعادة القمح البلدي إلى الواجهة، واستعادة البركة كبوصلة للتفكير والبناء والعمل بهدف تحرير الغذاء وإعادة بناء العلاقة مع الأرض والمجتمع"، كما صرحت إحدى مؤسِّسات المبادرة لمى الخطيب.
بعد الحصاد الأول لقمح المشروع في زمن القيود الوبائية وانقطاع سلاسل التوريد، بدأوا في تحديد مواقع قطع الأرض الفارغة في العاصمة الأردنية عمان، وحشدوا مجتمعهم للمشاركة في الزراعة الجماعية، بالإضافة إلى تعليم المشاركين كيفية زراعة القمح وتحقيق المزيد من الاكتفاء الذاتي.
وأوضحت الخطيب لرصيف22 سبب إطلاق هذا المشروع، أن "القمح الذي شكّل مصدر الغذاء الرئيسي للناس في المنطقة والعصب الذي نَسَج لآلاف السنين مجتمعاً متشابكاً، وثقافة شديدة الارتباط بالمكان، يوشك على الاندثار. الموطن الذي احتوى على الرغيف الأقدم للخبز في العالم (14500 عام) وشكّل النواة الأولى لزراعة القمح يُنتج إلىوم أقل من 3% من احتياجه السنوي للحبوب، بعد أن وصل في الستينيات لـ200%".
وشرح زريقات السبب في انخفاض هذه النسبة: "تتساقط أمطار على مناطق غرب عمان تفوق الـ450 ملم، وتعتبر تاريخياً من أفضل الأراضي لزراعة القمح، وحتى يومنا هذا في منطقة اسمها البيادر (والاسم يعني كومة كبيرة من القمح المحصود)، ولكن، للأسف، تم السماح بتقسيم هذه الأراضي والبناء عليها فتحولت كل أراضي غرب عمان من بيادر قمح إلى بيادر أسمنتية. ما حصل في البيادر أو في عمّان ينسحب على باقي مناطق زراعة القمح في الأردن، إذ انخفضت مساحتها على مدار الخمسين عاماً الماضية من 2000 مليون متر مربع (مليونا دونم) في بداية السبعينيات إلى أقل من ثلاثة أمتار مربعة (300 ألف دونم) زُرعت قمحاً عام 2016".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...