شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
فتات خبز يجفّ قرب الجدار

فتات خبز يجفّ قرب الجدار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز

السبت 23 أبريل 202212:16 م

أشباح الغربة

بالتعاون مع مسعود حيون، المحرر الضيف لشهر نيسان/أبريل


شويدينبلاتزـ فيينا

05:01AM

تنمو ورود الياسمينة في ضواحي فيينا، تلك الضواحي المهجورة من الشباب، تقطن مريم بحي نابلس كما تسميه هي، أو أحد الأحياء القديمة بميدان شويدينبلاتز بوسط العاصمة. كل البيوت في هذا الحي يقطنها عجائز، وتمتلئ ضواحي وشوارع حي نابلس بالشحاذين الأنيقين.

لونا هي قطة مريم وجارتها في الشقة. من فصيلة قطط الغابة النرويجية، ذات عينين زرقاوين، وفراء أبيض-أسود، جاءت من مكان لا يعلمه إلا الله منذ عامين.

Si tu te réveilles sans trouver les autres près de toi

Qui te frottent les paupières

Dis à la clairvoyance: merci

"إن نهضت صباحاً ولم تجد الآخرين معك

يفركون جفونك، قل للبصيرة: شكراً".

صوت القطار يوقظ مريم، تحاول أن تعتدل من نومتها علي بطنها، بعد أن سقطت بالأمس علي السرير مترامية الأطراف، فتجد أظافر لونا تتسلل إلي ظهرها العاري، تتأوه في لهجة صارخة: "قلت لكي من قبل لا تنامي علي ظهري".

أخذت لونا تتحرك بهدوء وتقف على حافة الشباك لتجلس وتراقب شروق الشمس المتأخر. تسند مريم ظهرها، وتمسك الريموت لتزيل علامة كتم الصوت. تمسك الهاتف بيسراها. "صوت ريم البنا لا يذيب برودة الجو، لكنها تمنحني شعوراً بالدفء في مثل هذه الأيام".

هكذا كتبت التويتة الصباحية مرفقة بها صورة لونا وهي تنظر من الشباك وأضواء المطعم السويسري الحمراء تلمع في مرمي البصر.

رمت الهاتف جوارها، وبدأت تلاعب قطتها لتعود إليها وتدفئها بفروها الكثيف، لونا تراقب حركة الريموت بعينيها، تهز ذيلها بهدوء.

صوت المذيع كان عالياً أو صوت المدينة اختفى: "فتاة في الثالثة والعشرين، تتلقي عدة رصاصات من خلال شباك منزلها الكائن بضيعة جنين، أثناء عملية اشتباك بين ثوار حركة التحرير وجنود إسرائيليين مسلحين".

تنقض لونا فتجرح يد مريم، مريم ترفع يدها فتمص دمها، وتقول للكتاب المهترئ بجوارها: "يوم آخر تسيل فيه دماء نسائنا بلا ذنب يا درويش". تسقط المياه الساخنة علي جسدها العاري، تسيل دموعها وتختلط بمياه الاستحمام، تسقط على الأرض فتتهاوي عليها القطرات، يستغرقها التفكير حتى تفيق على صوت المذياع: "صباح الخير يا ريتا... يا ريتا صباح الخير".

In der Früh weckte uns meine Mama

.Sie schaltete das radio ein

.Ich höre die stimme der sängerin Fairuz

كانت والدتي توقظنا كل صباح على صوت فيروز المنبعث من المذياع. (لونا الموصلي)

تغلق المياه وتضع على جسدها بشكيرها الفستقي، تتبعها القطة في خطوات متتبع أثر محترف، وتنفض المياه عن أطرافها بعد كل خطوة تخطوها. ثم تقف أمام مريم وتحدق.

تسقط المياه الساخنة علي جسدها العاري، تسيل دموعها وتختلط بمياه الاستحمام، تسقط على الأرض فتتهاوي عليها القطرات، يستغرقها التفكير حتى تفيق على صوت المذياع: "صباح الخير يا ريتا... يا ريتا صباح الخير"... مجاز أشباح الغربة

05:40AM

تحدق مريم جيداً في ساعة الحائط، تحدث لونا: "لما الوقت يمر ببطء؟". تموء لونا، فتفتح لها مريم كيس الطعام فتجده خاوياً: "هل أكلته كله؟". تقفز لونا للمنزل المجاور عبر الشباك، بينما تفتح مريم الباب وتدق جرس جارتها العجوزة.

بعد دقيقة ونصف تفتح ماجدالينا الباب بهدوء: "صباح الخير عزيزتي".

تتعصب ماجدالينا وتصرخ بصوت لا يكاد يسمع: "هل توقظيني في مثل هذا الوقت لتقولي صباح الخير؟ وقطك الغبي يقفز لشرفتي ليضرب قطتي المسكينة".

تتظاهر مريم بأنها سمعت صراخاً: "قطتي جائعة، هل يمكنك أن تملئي لها طبقاً من طعام المسكينة الصغيرة، وأعدك بمساعدتك في توضيب شقتك قبل حلول ليلة الميلاد".

-"لماذا تخرجين مبتلة هكذا؟ اذهبي لشقتك وارتدي شيئاً ثقيلاً. سأهتم بصديقتك حتى تعودي أو حين أذهب وأترك لك العالم كله، أيتها الخرقاء".

خلعت شالها ولفته حول عنق مريم، وهي تقول بنبرة حادة تكاد تسمعها ماجدالينا وحدها: "لا توقظيني من نومي مرة أخري وإلا رميت قطك الغبي من شرفتي".

تلك المجنونة من عادتها أن تلقي بالقطط، لكن لا بأس فشرفتها في الطابق الثاني وذلك يجعل القطط تشعر أن ماجدالينا تلاعبها. ترتدي مريم ملابسها الأنيقة، تغلق كل أجهزة المنزل الكهربية، تغلق النافذة، ثم تعود لتفتحها بشكل يناسب عودة قطتها.

تلف شال ماجدالينا حول مقبض باب جارتها الخشبي العتيق. تتجه للمطعم السويسري في خطوات غير مستقرة، تجلس جوار زهور الزنبق المزروعة في شتلات برتقالية اللون. بينما تشرب قهوتها السادة، تتفاجأ بقبلة يطبعها رفيقها في السكن، على خدها الأيسر، هذه الرشفة تشبعت بها ملابسها: "آسف، دعيني أمسحها لك".

سحب منديلين وبدأ يمسح ما سكبه على ملابسها الأنيقة.

-"توقف. أين كنت منذ البارحة؟".

-"تفوح اليوم من الهواء رائحة الحرية. إلي أين تتجهين في مثل هذه الأجواء الباردة".

-"الجو دافئ، أنت فقط لا تملك ثمن حذاء جديد لا يتسرب إليه الجليد".

-"على الأقل، خطواتي ليست عرجاء، رغم أنك تفتنينني بتلك المشية المذهلة".

تسخر صاحبة المقهى ذات الأصول السويسرية باللغة الفرنسية، وهي تحتسي شاياً بالنعناع: "كيف فقدت الفتيات أخلاقهن بهذا الشكل؟".

تضحك مريم بينما يرد هو: "لماذا تهتمين بالآخرين؟ احتسي شايك وغادري بهدوء".

يلتفت لمريم ويهمس: "هذا الكوكب، غادري هذا الكوكب، بكوبك السخيف".

-"لا تتحدث بالألمانية، كن رجلاً وحدثها بالفرنسية".

تحدق مريم إلى نافذتها الزجاجية المفتوحة، تري ظل قطتها وهي تمسح شعرها بلسانها في حركة متكررة وكأنها شريط من شرائط الرسوم المتحركة.

-"سأغادر، وداعاً".

وقفت وبدأت تتحرك ناحية سلم الخروج.

قطف أحد زهور الزنبق، وجري ورائها ليضعها خلف أذنها اليسرى، محتضناً إياها من الخلف، يطبع على رقبتها قبلات وداع، قائلا لها: "متى ستعودين؟".

-"سأنهي عملي ثم أتجه للمشفى لمراجعة الفحوصات. ربما عند التاسعة أو منتصف الليل إن قمت بزيارة أحد الأصدقاء".

تركها وهو يودعها قائلاً: "حسناً، حدثيني عن نتيجة الفحوصات، كوني بخير عزيزتي".

فيينا، النمسا
06:35AM

تستقل قطار الأنفاق. تخرج كتابها المهترئ، تقرأ في صمت، تشرق الشمس فتعلو فوق شفتيها كرزية اللون ابتسامة. يتحدث رفيقان يبدوان في العشرين عن مشاريع الدراسة: "شاعر عربي؟! كيف تطلب تلك المرأة تحضير نصوص من الشعر العربي المعاصر من طلبة قسم الأدب الألماني؟".

يبصق صديقه على الأرض، قائلاً في حنق: "ساقطة".

-"هل رأيت تلك التي تجلس خلفك؟".

ينظران لمريم ويتفحصان نهديها، حتى تنظر لأحدهم، فيتظاهران بالحديث، بينما تعاود هي القراءة. يجلس أحدهم بجوارها، ويقف الثاني أمامها. تنظر مباشرة للذي أمامها وتعتدل في جلستها: "هل يمكنك مساعدتي في دروسي؟ تبدين قارئة جيدة، معلمتنا الحقيرة طلبت إعداد قائمة بنصوص من الشعر العربي المعاصر".

تنظر للنجوم التي تكسو السماء، تبكي على وطنها المحاط بالسياج. على يمين السياج طرق غير ممهدة وبيوت مدمرة. على يسار السياج طرق ممهدة، بيوت آمنة، ونساء تحملن أكياساً لعلامات تجارية... مجاز الغرباء

يقترب الواقف منها ، فترجع قدميها وظهرها للوراء: "تقرئين نصوصاً فرنسية على ما أعتقد، هل تتحدثين الألمانية؟".

تغلق مريم كتابها في ضيق، وتظل صامتة. يضحك الواقف ويقول في نبرة ساخرة: "ما رأيك أن أعلمك الألمانية مقابل قبلة".

"قبلة فرنسية يا صديقي، هن يقبلن بحميمية على عكس تلك النمساويات الحمقاوات، تقضي الليلة بكاملها مع إحداهن ولا تشعر بتلك المتعة التي ستشعر بها لو كانت فرنسية، أو عربية غجرية".

تقول له مريم في ضيق: "يمكنني أن أتهمك بالعنصرية تجاهي، وذلك سيجعلك تحضر فروضك الجامعية في حبسك المنزلي".

يبتعد الواقف عنها بعد أن كادت قدماه تلامس قدميها، ويتلعثم الجالس بجوارها وهو يقول: "أنت نمساوية؟".

-"لا أفهم لما تري محاضرتك الأكاديمية ساقطة؟ وأنت! كيف تتلفظ عن النساء بهذا الشكل؟".

-"ظننتك لا تتحدثين الألمانية، اعذريني سيدتي".

تضحك مريم وهي تعدل جلستها، وتفسح مجالاً للواقف لكي يجلس بجوارها: "اسمي مريم، وأنا فلسطينية، يمكنك الجلوس يا صديقي".

ينظر الرفيقان لبعضهما، ولا يقولان شيئاً.

-"محاضرتك الأكاديمية، قل لها صديقتي مريم تشكرك لاختيارك الشعر العربي، وبالمناسبة سأعطيك هذا الكتاب، هو قديم بعض الشيء لكنه سيساعدك، قصائد لمحمود درويش مترجمة للفرنسية، ومقابل كل صفحة ستجد ترجمتي الألمانية، المكتوبة بخط يد فتاة عربية غجرية".

تقولها مريم وهي تتابع نظراتهما التي تحولت أخيراً عن مفاتنها: "سأنزل هنا، آخر شيء أود قوله لك، المرأة إنسان أولاً وأخيراً، لا تهينها رجاء". توقف القطار ونزلت مريم وبدأت السير بخطي ثابتة. يجريان وراءها ويناديها صاحب الكتاب. تلتفت وتظهر ابتسامتها فوق جسد أصابه الإعياء فجأة: "نحن آسفون، وشكراً من أجل الكتاب، ومن أجل الدرس الذي لولاك لما تعلمناه".

"تُقتل نساء لا يحملن سوى الخبز
في كل فجر يصمدن
في كل غسق يمتن".

تفتح يديها لتشاركهما فرحتها، وليجمعهم حضن جماعي. ذلك الحضن الذي تستشعر فيه المجموعة كلها بالحب النقي المتبادل، يتشاركون الإنسانية، ولا يلتفتون للونهم أو جنسهم أو دينهم، هم فقط ممتنون لأنفسهم وللآخرين. تسقط مريم فور أن ينتهي ذلك الحضن، لتستيقظ في المشفى، تجلس على السرير المقابل لها طفلة في التاسعة.

09:05AM

-"صباح الخير عزيزتي مريم".

-"صباح الخير، هل رأيت التحاليل؟".

-"يؤسفني، سرطان الثدي هذه المرة، في كلا الثديين".

-"كنت أعلم".

-"يمكنك الاختيار بين العلاج الكيمائي أو عملية استئصال للثديين، لست في حالة متأخرة".

-"حسناً، يمكنني الخروج اليوم، وسأكلمك عندما أتخذ قراري الأخير".

تقولها وهي تبتسم، بينما يتحرك الطبيب ناحية الباب: "شكراً لاهتمامك بي طوال عامين. شكراً من القلب".

تقلدها الفتاة ذات التسعة أعوام في مقولة "شكراً من القلب"، عندما ترى دمعة على وجه الطبيب، فتقف مريم وتحمل الطفلة وتدغدغها ثم تحتضنها وتلف الحجرة بها.

12:10PM

تدخل مريم لتجلس أمام مكتبها الذي يشغل حيز مترين مربعين، وتستند بظهرها وتتثاءب بعمق، بينما يمرر أحدهم يديه على رقبتها، ويجلس فوق مكتبها.

-"المدير يريدك في مكتبه منذ الصباح، أين كنت؟".

صديقها برنارد المتطفل، الذي دوماً ما يزعجها بنكاته الرخيصة عن النساء والفتيات الصغيرات.

-"هل يمكنك الاهتمام بشؤونك؟".

يقول وكأنه يهمس لنفسه بعد أن اتجه لمكتبه: "يبدو أنك منحت جسدك لأحد الأصدقاء ونسيت الوقت في أحضانه".

في هذه الأثناء، كانت تطرق مريم باب مديرها في القناة الإخبارية:

-"لماذا تبدين مجهدة هكذا؟".

-"كل شيء بخير، فقط أطلب منك تغيير مكتبي، أو تغيير مكتبه".

-"سأرسلك إلى أرضك، حتى حلول الميلاد، ثلاث وثلاثون يوماً".

-"حمداً لله، ما المناسبة؟".

-"اليوم العالمي للتضامن مع شعبك؟ هل هناك ما يمنع سفرك؟".

-"لن أنسى لك هذا".

-"غداً ستصلين للأردن، وبعد غد ستعبرين للقدس".

-"إذن، وداعاً حتى ليلة الميلاد".

الجميع يهتف: "عودي يا مريم". سقطت مريم، هذه المرة أسقطها الرصاص. سال الدم فوق قطعة الخبز، لكن ذلك لم يمنع القطة من أن تضع الفتات في فمها وتهرب خلف السياج... مجاز الغربة

01:30PM

تتجه مريم نحو المطعم السويسري، بمجرد وصولها تطلب قهوتها وتبحث عن كتابها، لكنها تتذكر أنها أهدته لشخص لا تعرف اسمه حتى. أخرجت هاتفها واتصلت بصديقها في السكن. لا أحد يجيب. ترتشف قهوتها، تحدق في نافذتها، يظهر ظل يتحرك، تبتسم مريم وكأنها ترى لونا. هذه ليست لونا. إنه ظل رفيقها في السكن، يقبل صدر فتاة، إنه مشغول الآن بخيانتها، تمعن النظر وتتأكد مما تراه، هي لا ترى سوى ظل.

وقفت دون أن تكمل قهوتها، وبدأت في نزول الدرج تسحب ظلها خلفها، حتى اصطدمت بصاحبة المطعم: "إلى أين تتجهين يا مريم، دون إنهاء قهوتك؟".

-"إلى البيت".

-"لكنه الآن مع غيرك، يقبلها كما كان يقبلك في الصباح".

-"لماذا لم تخبريني؟".

-"أخبرتك، قلت بصوت عال: كيف فقدت الفتيات أخلاقهن بهذا الشكل؟".

تحركت مريم نحو منزلها وبدأت ترن الجرس، فتح لها الباب، نظرت له في حزن: "لماذا كنت تخدعني طوال هذه المدة، لماذا أخبرتني بأنك تحبني؟".

ارتدى ملابسه وقال لها بهدوء: "يمكنك أن تصرخي علي، لكنني حقا أحبك".

بدأت تحزم أمتعتها، كان يتكلم، هي فقط تحمل في حقائبها ممتلكاتها، وما إن فرغت بدأت تبحث عن شيء في كل مكان، ودموعها تنهمر. بحثت في الحمام وغرفة الجلوس وغرفة النوم، لونا ليست هنا.

طرقت باب ماجدالينا. احتضنتها مريم وبكت بصوت عال، وقضت الليل كله تبحث عن لونا، في شوارع وأحياء ميدان شويدينبلاتز، لونا لم تعد موجودة. كما ظهرت فجأة، اختفت فجأة. أوصلتها ماجدالينا إلي سيارة القناة في تمام الساعة العاشرة. احتضنتها وقالت ودموعها تملأ جفنيها: "عودي وزوريني في ليلة الميلاد أنا وقطتي الصغيرة، سأسميها مريم لأجلك".

Es leuchtet und blinkt، es ist schön

الشوارع تضئ وتلمع بشكل جميل في الأعياد. (لونا الموصلي)

القدس، فلسطين
04:07AM

Der Himmel war klar

Der Mond reichte aus، um allas sichtbar zu machen، was dunkel war

أما في الأمسيات الصافية

فقد كان نور القمر كفيلاً بأن يضئ كل ما هو مظلم.

الطريق طويل في أحياء الضفة الغربية، فريق القناة كله نائم، عدا السائق ومريم. تنظر للنجوم ملتفة بشال يحيطها، تنظر للنجوم التي تكسو السماء، تبكي على وطنها المحاط بالسياج. على يمين السياج طرق غير ممهدة وبيوت مدمرة. على يسار السياج طرق ممهدة، بيوت آمنة، ونساء تحملن أكياساً لعلامات تجارية. هل هذه بلد؟ يفتح السائق مراد المذياع. أغنية "على هذه الأرض". تعتدل مريم وتبدء في الغناء مع مراد.

- "لماذا تبكين سيدتي؟".

مسحت مريم دموعها، وسألته إن كان يحمل خبزاً.

-"خبز وزيتون. هل أتوقف لنأكل سوياً؟".

وضعت يديها على خدها الأيمن، وقالت وهي تهز رأسها: "أتمنى لو أكلنا سوياً الآن".

توقف مراد قرب بوابة أمن نابلس، مكتوب على اليمين لوحة إرشادية بالعبرية "نابلس 7 שְׁכֶם".

-"احكي لي عنك سيدتي؟".

ضحكت وقالت له: "ما سأقوله لك عني كلمات رخيصة، مثل فتات الخبز".

نفضت يديها عن الأكل، ومسكت هاتفها لتكتب تويتة، قائلة: "words about me cheap like breadcrumbs".

استيقظ الفريق واحد تلو الآخر، وبدأ الجميع يأكل من زيتون هذه الأرض معاً. التفتت مريم ونظرت جيداً، إنها لونا، لونا جائعة. أمسكت مريم قطعة خبز وفتحت باب السيارة، بدأت تجري نحو لونا وهي تضحك.

الجميع يهتف: "عودي يا مريم".

سقطت مريم، هذه المرة أسقطها الرصاص. سال الدم فوق قطعة الخبز، لكن ذلك لم يمنع القطة من أن تضع الفتات في فمها وتهرب خلف السياج.

"تُقتل نساء لا يحملن سوى الخبز

في كل فجر يصمدن

في كل غسق يمتن".



المقتطف بالفرنسية للشاعر محمود درويش من مجوعة "كزهر اللوز أو أبعد"، وباللغة الألمانية للشاعرة السورية لونا الموصلي من كتاب "دمعة, ابتسامة, طفولتي في دمشق"


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image