شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كيف تفسد المدينة أمزجتنا؟... عمّان المدينة الرمادية

كيف تفسد المدينة أمزجتنا؟... عمّان المدينة الرمادية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 4 أبريل 202201:36 م

تأخذك شوارع عمّان، بدءاً من جسر صويلح حتى المطار، ضاربةً بعرض الحائط معنى الوقت في عمر الأردنيين. تأخذك تائهاً بين أزماتها الكدِرة وجأش شبابها وإرادتهم، نحو الحياة، فقد تكون عمّان طريقك إلى العمل، أو بيتك، أو المكان الذي تقضي فيه وقتاً مع أصدقائك، أو الجدار الذي يسحرك ملمسه كسائح فيها للمرة الأولى. مهما كانت طبيعة العلاقة التي تربطك بالمدينة، فإنك ولا بد ستشعر بصخبها وضوضائها بشكل يوميّ.

 
تغيّر وجه المدينة وجغرافيتها لاعتبارات طارئة، من دون تخطيط واضح ومحكم، إبان النكبة (عام 1948)، والنكسة (1967)، وحرب الخليج (عام 1991)، ومؤخراً الثورة السوريّة (2011)، إذ ارتفع عدد سكّانها وتضاعف مرّات عدة مع قدوم اللاجئين من فلسطين والعراق وسوريا، وتشير الأرقام إلى أن العاصمة يسكنها  أربعة ملايين نسمة موزعين على مساحة يبلغ امتدادها 1،680 كم² تقريباً.
تضخّم جسدها ضاغطاً على بنيتها التحتية المجهزة لاستيعاب أعداد قليلة، ما جعل التوسع في العمران يسبق عملية التنظيم التي كانت تأتي متأخرةً، كما تقول المهندسة المعمارية المتخصصة في العمارة والبيئة المبنية، سونيا النجار.

قد تكون عمّان طريقك إلى العمل، أو بيتك، أو المكان الذي تقضي فيه وقتاً مع أصدقائك، أو الجدار الذي يسحرك ملمسه كسائح فيها للمرة الأولى. مهما كانت طبيعة العلاقة التي تربطك بالمدينة، فإنك ولا بد ستشعر بصخبها وضوضائها بشكل يوميّ

يوافقها في هذا الاعتقاد الدكتور رحيل الغرايبة، واصفاً ما عاشته عمان خلال السنوات الماضية بالقفزات الهائلة وغير المنضبطة، وأنها غير محكومة برؤية محددة قائمة على فلسفة عمرانية، ما عرّض المدينة للتشوه، وأصبحت الأبنية الجديدة تحمل سمات التباين الشديد والتفاوت الواسع، اللذين يبعثان على التشتت وينمّان عن ضياع الهوية.

شخصية لونية حجرية

بالرغم من عبث يد العشوائية في نظام البناء، تظن المهندسة سونيا أن عمان ظلت قادرةً على الحفاظ على مكون أساسي يمتزج مع طبوغرافيا المكان، وهو لون الصخر الرسوبي "البيج" المأخوذ من جبال الأردن مباشرةً والمستخدم في البناء بشكل رئيس.
فكما يستحضر عقلك اللون الوردي عند ذكر مدينة البتراء الوردية حجارتها، ويحضر اللون الذهبي عند ذكر وادي رم الذي تمتزج أشعة الشمس برماله لتغدو كالذهب، وتساعد الصخور الرسوبية في تشكيل هذا اللون.
في شهر آب/ أغسطس من العام الفائت، نشرت الناشطة جود الصفدي، عبر حسابها على منصّة تويتر، صورةً جويّةً لمدينة عمّان، تساعدنا في فهم هذا اللون وطريقة تكوينه لجزء جيّد من المدينة.

إلا أن ريشتَي الوقت والمناخ تضيفان لمسةً سحريةً على اللوحة ذات اللون الواحد، فإذا ما وقفت على جبل القلعة ونظرت إلى المنطقة الشرقية نحو جبل التاج والأشرفية في يوم شتوي، سترى انطباعاتٍ لونيةً وظلالاً تختلف عن تلك الموجودة خلال فترة الشروق في يوم صيفي.

البشر والحجر

لا يزال البشر أهم عناصر تكوين المدن المتفاعلة مع بقية العناصر الجامدة، فيحيون المباني العتيقة والحديثة التي يعملون فيها، ويسيرون في أزقة عمان الضيقة والطويلة، الصاعدة منها والهابطة، ويستنشقون الهواء في منتزهاتها المفتوحة، إلا أن الاستياء الذي لاقته صورة جود الصفدي الجوية المذكوة لمدينة عمان، كان شديداً وممزوجاً باستياء وغصب وحزن على حال المدينة ومصيرها على منصات التواصل الاجتماعي.

فاستذكر الناشطون تصنيف موقع "ucityguides" العالمي والمتخصص في السياحة، العاصمة عمّان بين المدن "الـ10 الأبشع في العالم"، بجانب عواصم كبيرة مثل "ميكسكو سيتي" عاصمة المكسيك، و"ساو باولو" عاصمة البرازيل، ومدينة لوس أنجلس الأمريكية، وقال الموقع إنه وبالرغم من وجود العاصمة عمّان في وسط تاريخي وحضاري، إلا أنها تحتوي على طرق سيئة، وعمران غير جذاب.
وبالطريقة ذاتها عبّر الباحث إدريس مقبول، سابقاً، في بحثه عن المدن العربية، ومنها عمّان، بأن بناياتها مجموعة من الصناديق الإسمنتية الضيقة الخالية من كل تعبير ثقافي أو لمسة جمالية، وهي سكن فقير ثقافياً لا يمكن للإنسان أن يستوحي من خلاله أي معنى، وتبدو على الجدران والواجهات لغة الاستغلال الرأسمالي الذي يفصل بين "المكان" و"القيمة"، وبين "العمران" و"المعنى".

من يبني عمّان؟

في ظل الظروف الاقتصادية العسيرة التي يعاني منها الأردن، وبالرغم من وجود نظام بناء وضعته أمانة عمّان بالتعاون مع البلديات، إلا أن للقطاع الخاص حصة الأسد في مشاريع الإسكان والوزارات والأسواق التجارية كما تقول المهندسة سونيا النجار، والذي يضع نصب عينيه الربح غير آبهٍ بطيف عمّان، حاطّاً بذلك من قيمتها.

الصورة الحقيقية لعمّان، ستختلف دائماً من منظور سكانها، بالشعور الذي يملأ أفئدتهم تجاه الحارات العمّانية التي نشأوا فيها بجانب الأسلاك الكهربائية المترامية على جوانب شوارع حي نزال، وبالطريقة التي يرون فيها أزقة جبل عمّان المليئة بالأدراج والأبواب المعدنية الصدئة 

وهذا ما ينعكس مباشرةً على ارتباط السكان بها، فوجود نظام بناء للمدينة مع رموز مثل التماثيل أو الجداريات أو أنظمة البناء وحتى الحدائق والمقابر، يوثّق ارتباط السكان بالمدينة، وتجلّي الشعور العالي بالانتماء والرغبة في العمل على تحسينه والحسّ القوي بالدفاع عنه وحمايته. كما تعود هذه الأحاسيس والمشاعر بفائدةٍ تتمثل في الثبات في المكان وعدم تركه، بل في الرجوع إليه والعمل على تحسينه ورفده بالخدمات اللازمة لتطويره وضمان استمراريته وعدم اندثاره، كما كتب في المجلة الأردنية للتاريخ والآثار.

كيف تفسد المدينة أمزجتنا؟

يرتبط شعورنا بالراحة بالتواجد في مكان مريح، وتوضح المهندسة المعمارية سونيا، أن المباني الخضراء ذات التهوئة الجيدة والموفرة للطاقة، الدافئة شتاءً والباردة صيفاً، توفر جودة حياة أفضل لساكنيها، فكيف في حال تطبيق هذا النظام على مدينة بأكملها؟
ويتمم هذا الشعور جمال المنظور، كما يرى مالك بن نبي الذي كتب عن تأثير الجمال المحيط بالإنسان على أفكاره، ومشاعره، وسلوكه، وأنه لا يمكن لصورة قبيحة أن توحي بالخيال الجميل، إذ لمنظرها القبيح في النفس خيال أقبح؛ والمجتمع الذي ينطوي على صور قبيحة، لا بد أن يظهر أثر هذه الصورة في أفكاره وأعماله ومساعيه.
إلا أن الصورة الحقيقية لعمّان، ستختلف دائماً من منظور سكانها، بالشعور الذي يملأ أفئدتهم تجاه الحارات العمّانية التي نشأوا فيها بجانب الأسلاك الكهربائية المترامية على جوانب شوارع حي نزال، وبالطريقة التي يرون فيها أزقة جبل عمّان المليئة بالأدراج والأبواب المعدنية الصدئة ومعاناة تسلقها بعد يوم عمل طويل، أو الطريقة التي يسمعون بها صخب زحام المركبات على أحد دواويرها طاغياً في ساعة الظهيرة على أي صوت آخر.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image