شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
كم وددت أنْ أتحول إلى شخصية نيلز وهو يطير عالياً في السماء

كم وددت أنْ أتحول إلى شخصية نيلز وهو يطير عالياً في السماء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الاثنين 4 أبريل 202209:11 ص

عالم ناعم يُحلّق بي إلى لحظات الطفولة الساحرة، ولكن بترتيب مختلف وخطوط وأشكال وألوان غريبة. إنّه عالم المسلسلات الكارتونية.

كنت دائماً أحلمُ برفقة الشخصيات الكارتونية لأعيش اللحظات المفعمة بالجنون والأمل. تكشف هذه الشخصيات عن التفاصيل التي أودّ أن أعيشها، ولكنّي لا أعثر عليها إلا في منامي وتصوراتي الخيالية.

وإثر انتهاء كلّ حلقة أشعر بطاقة عالية حد الطيران. أحاول، مثلاً، الركض بسرعة الريح مع عدنان وعبسي والصعود إلى سارية سفينة علّام الحربية، وأشاركهما حركاتهما البهلوانية التي تقطع الأنفاس. وأضحك معهما وهما يغيظان السيد نامق أثناء صراخه فيأمرنا بالنزول، ونجري ونقفز قفزة واحدة ونقع على رؤوس أصابعنا. أحياناً تسكنني رغبة عارمة في القفز من الأماكن العالية دون أنْ أتأذّى.

يؤجّج عالم الكارتون حب التحدي بداخلي، ولكن سرعان ما تحبطني رغباتي حين أتعثّر بخطاي وأسقط على الأرض، فأتعرض لجرح دميم.

كنت دائماً أحلمُ برفقة الشخصيات الكارتونية لأعيش اللحظات المفعمة بالجنون والأمل. تكشف هذه الشخصيات عن التفاصيل التي أودّ أن أعيشها، ولكنّي لا أعثر عليها إلا في منامي وتصوراتي الخيالية

كم وددت أنْ أتحول إلى شخصية نيلز وهو يطير عالياً في السماء على ظهر الإوزة مورتو، فتزداد رغبتي في التحليق عالياً مع أسراب الطيور. وأتوق إلى أن يتحوّل مبتغاي إلى أشكال مصورة أحياها أمامي. للحظات، كنت أغافل الزمن وأخدعه لأصبح جزءاً من ذاك العالم، ولكنّي أرى نفسي وسط أفق أصمّ وخاوٍ، كمن يتعلق بسراب، كلما حاول الاقتراب منه، اختفى.

كنتُ أطلبُ من المارد الأزرق الذي يعيش داخل المصباح السحريّ أن يحقق أمانيَّ الصعبة وربما المستحيلة، كأن أقوم بمسح المصباح السحري، وأطلب من المارد بلاداً هادئة، نتبادل فيها، نحن البشر، أزهار الحبق والياسمين في كل صباح، أراضي لا خارطة فيها ولا بوصلة، جغرافية لا يرسمها احتلال. كنتُ أطلب منه ذكريات هادئة على شكل شريط صور تداعبني بنعومة كالنسيم، بعيداً عن الحنين للذين رحلوا إلى البلدان الغريبة دون عودة، تاركين ذكرياتهم فقط، كإخوتي وأصدقائي في أوروبا.

عند انتهاء حلقة مسلسل ما، أرى نفسي بين صدى جُمل وكلمات عشتها للحظات، تراودني أشكال أبطالها وملامحهم الملوّنة دون أن أنال منها شيئاً.

كنت أشعر أحياناً بأنّ هذه الشخصيات الكرتونية حقيقية، تعيش بيننا وتزاحمنا في حياتنا، ولكن يبدو أنّها ليست سوى أمنيات ورغبات لا تصلح إلا لكتابة الخواطر.

أفكّر بأنّ تلك الشخصيات الكارتونية صُمّمت لتخفّف عن خيباتنا وآمالنا المستحيلة التي عجزنا عن تحقيقها

أرى في الرسوم الكارتونية انعكاساً لشخصيات تشبهنا كثيراً، أراها بخيالي تخرج إلينا وتصطدم بعالمنا الحقيقي، ثم تدخل إلى التلفزيون لتهرب وتختفي، كشخصية الطفل الخشبي بينوكيو، الذي يطول أنفه حين يكذب.

أتخيّل الكثير من الناس الذي يكذبون في عالمنا. أتخّيل أنوفهم الطويلة تتشابك وتطول أكثر فأكثر، وتنعقد كلما بالغوا في الكذب، فتخفي الوجوه والبيوت والحدائق، لتشقّ عنان السماء. ولكن ماذا عن الذين لا يكذبون؟ هل تضيع ملامحهم وسط ما يحدث؟ هل يتحسّسون على أنوفهم خوفاً من الاختناق؟

صديق شخصية سنان أغرق بيته وقريته بالدموع دون توقّف، فأصبح الناس يسيرون في القرية بالقوارب، حتى لا يغرقوا في دموعه. ماذا لو كان شكل الحزن والبكاء في الأفلام الكارتونية كالذي في عالمنا الحقيقي؟ إذا ما قسناه على الحزن والحروب التي نحياها؟

هل تتحول الكرة الأرضية إلى كتلة من الدموع نطفو على سطحها؟

ولكنّي ما زلتُ أتمنى أن أخترق ذلك العالم الودود عبر شاشة التلفزيون، وأنْ أحيا حياتهم بتفاصيلها الرقيقة، حتى لو كانت حزينة. أحياناً، أفكّر بأنّ تلك الشخصيات الكارتونية صُمّمت لتخفّف عن خيباتنا وآمالنا المستحيلة التي عجزنا عن تحقيقها، فانتصار شخصية دايسكي الخيّر في مسلسل مغامرات غراندايزر على الشرير السيد بلاكي الذي يحكم كوكب الشرّ، يولّد طمأنينة في روحي. وفوز غراندايزر الدائم على بلاكي الذي يهاجم كوكب الأرض بإرساله مخلوقات قبيحة وقاتِلة، يجعلني متفائلة بغدٍ آمن.

كنتُ أطلبُ من المارد الأزرق الذي يعيش داخل المصباح السحريّ أن يحقق أمانيَّ الصعبة وربما المستحيلة، كأن أقوم بمسح المصباح السحري، وأطلب من المارد بلاداً هادئة، نتبادل فيها، نحن البشر، أزهار الحبق والياسمين في كل صباح، أراضي لا خارطة فيها ولا بوصلة، جغرافية لا يرسمها احتلال

حين أشاهدُ أفلام الكارتون، أتأمل تفاصيل شخصياتها بتركيز تام، وكأنها أناس حقيقيون بأرواحٍ ذات شهيق وزفير، أشاركها ابتساماتها التي تبدو لي أبدية في ذلك العالم.

مثلاً، الناس في مسلسل فلونة وقرية التوت فرحون في كلّ الأوقات، يتبادلون الأحاديث والنقاشات مبتسمين ضاحكين. الطبيعة ذات الألوان الزاهية تترك أثراً نضراً في ذاتي وذهني، وتجعلني أشعر بأنّهم حقيقيون سيتحولون إلى بشر يعيشون في بيوتنا في أيّ لحظة، فأعيش ابتساماتهم بداخلي للحظات.

عالمٌ من خطوط ورسوم متحركة هزمت الحقيقة بجمالها، هل حقاً هناك سعادة مخفيّة رسمها عالم الكرتون لنجسّدها بالحب، وعجزنا عن العثور عليها؟ هل السعادة والمرح في عالمنا الحقيقي هما كما في العالم الكارتوني؟ فأحاسيسنا تصنع المعجزات أحياناً


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image