شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
كرتون +18... هل تأثرنا كأطفال

كرتون +18... هل تأثرنا كأطفال "بالمشاهد الحميمة" في الرسوم المتحركة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 8 يناير 202204:17 م

قبل عصر الإنترنت والسوشال ميديا واليوتيوب، كانت تسليتنا –نحن أطفال الطبقة المتوسطة- محصورةً في أجهزة "أتاري"، وأوراق الكوتشينة، وألعاب النرد، وربما حاسوب "صخر" العتيق إن وُجد. لكن لم تكن لدينا نافذة ترويح مهمة ومتجددة بأهمية التلفزيون، صندوق الدنيا الذي يحتل ركناً مهماً في ردهات بيوتنا. وبدلاً من ملامسة شاشات الهواتف الذكية، كنّا نضغط أزرار "الريموت"، لنتجول بين قنوات الشاشة الصغيرة (التي صارت كبيرة الآن مقارنة بالهواتف)!

بكثير من الحنين، سيتذكر جيل التسعينيات من القرن الماضي ومطلع الألفية الثانية، هذه اللحظات حتماً، متمثلةً في قنوات فضائية شهيرة عدة مُوجّهة إلى الأطفال، تعرض مسلسلات كرتونيةً محفورةً في الذاكرة. لكن ماذا عن جانب مهم جداً من هذه العملية، وهو "الرقابة"، خاصةً أن أغلب الأعمال الرسومية مُدبلجة من ثقافات أخرى، يابانية وأمريكية في الأغلب، أمام جمهور صغير السن، أكثر حساسية من غيره؟

أقصد: ماذا عن "المشاهد الحميمة" في الرسوم المتحركة، وتأثيرها علينا كأطفال، سابقاً في عصر الفضائيات المتّسع، والآن في عصر الإنترنت الأكثر اتساعاً بما لا يُقاس؟

في حديثنا عن المشاهد الحميمية، فسنجد أن سبيستون "لا تمزح" في هذا الأمر. فحتى عندما عرضت المسلسل الأشهر "عدنان ولينا"، تجنّبت مشاهد "الحب" بين البطلين، عند الضمات والأحضان، وحذفتها كلها، وفي الشارة نجدهم يحذفون العناق فعلاً، ويضعون مشهداً آخر

رقابة "كرتونية" عنيفة

لنأخذ مثالين حيين من "قلب الحدث"، قبل أن نجيب على سؤالنا الشائك، ولنعد سنوات عدة إلى الخلف، إلى أغلب المنازل العربية، حيث كانت "سبيستون" هي قناة الأطفال الأشهر والأكثر مشاهدةً، وفق ما ذكرته د.نسرين عبد العزيز في كتابها "فضائيات الأطفال وتأثيرها على الأسرة العربية"، وليس هذا بغريبٍ على "قناة شباب المستقبل" كما يقول شعارها، إذ يمكننا التأكد من شعبيتها بملاحظة قدر الحديث الهائل عنها على منصات التواصل الاجتماعي.

لا ينفك متابعو القناة -الشباب الآن- عن استرجاع ذكرياتها، في نغمة نوستالجية حانية. فهي كانت الأقرب إلى مشاهديها بدبلجة فصيحة مُتقنة، وأغنيات راقية، ومجرد الاستماع إلى إحدى شارات القناة، ينبئ بمستوى مفرط من الاهتمام بالألحان والكلمات، احتراماً للجمهور الصغير، وكأنه يفهم كل شيء بالفعل. أما الرقابة فموضوع آخر.

في تصريحات صحافية لأحد مؤسسي القناة، المخرج والرسام كريم قبراوي، يحكي عن عملية "الغربلة" الدقيقة التي اعتاد العاملون في القناة تنفيذها، بدءاً من السيناريو المُدبلج نفسه، فكانوا يغيّرون الحبكة تماماً، لتتماشى مع الطفل العربي، تسهيلاً على عقله ليفهم المسلسل، ويتقبله.

أما لو تحدثنا عن المشاهد الحميمية، فسنجد أن سبيستون "لا تمزح" في هذا الأمر. فحتى عندما عرضت المسلسل الأشهر "عدنان ولينا"، تجنّبت مشاهد "الحب" بين البطلين، عند الضمات والأحضان، وحذفتها كلها، وفي الشارة نجدهم يحذفون العناق فعلاً، ويضعون مشهداً آخر.

بل إن مسؤولي الغرافيك في "سبيستون"، اعتادوا تغطية أزياء البطلات القصيرة أحياناً، والأمثلة لا تنتهي في القناة الأكثر حرصاً على محتواها، إلا من استثناءات حتمية طبعاً، من "باب السهو"، لكن "سبيستون" كذلك لم تكن وحدها، ولم تكن الأولى، على الرغم من انطلاق بثها باكراً عام 2000.

أرتينز... المنسية غير الرقابية

في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1993، انطلق بث قناة "أرتينز" للمرة الأولى، من مدينة "آفيزّانو" الإيطالية، ضمن شبكة راديو وتلفزيون العرب ART، المملوكة من رجل الأعمال السعودي الراحل صالح كامل، وكانت ضمن القنوات المشفرة التي تتطلب الاشتراك في الشبكة وقتها، لكن جرت العادة على إزالة التشفير في الأعياد والمناسبات.

ربما تكون شريحة جمهور "أرتينز" العريضة، هي التي جعلتها القناة الأقل اهتماماً بالرقابة، وحذف المشاهد إياها. فحتى الآن، لا تزال الأعمال المُسجّلة والمحفوظة بشعار القناة على "يوتيوب"، ممتلئةً بقُبلات وأحضان وأجساد مكشوفة، بل إن أحد مسلسلاتها، ويُدعى "المغامران أورسن وأوليفيا"، كان بطلاه الطفلان ينامان عاريين في كل حلقة، فضلاً عن الحب بينهما، والذي يأخذ مساراً ناضجاً للغاية. مثلاً، هنا في الدقيقة 21.

على كل حال، لم تكن "أرتينز" وحدها في هذا المسار -قبل أن تتوقف في 2008- فقد انضمت إليها في ما بعد MBC3، و"كرتون نيتوورك"، بالإضافة إلى "نيكولوديون" التي انطلق بثها قبل الجميع، وصارت عبارات مثل "السم المدسوس في العسل"، و"إفساد عقول النشء"، لصيقةً بهذه القنوات، بل وسعى العديد من اليوتيوبرز العرب إلى عرض "فضائح" فضائيات الأطفال هذه، حتى "سبيستون" البالغة الحرص، لم تفلت من بعض الهفوات، وغالباً ما تحقق هذه الفيديوهات المنتقدة ملايين المشاهدات.

على الجانب الآخر، بعض القنوات اتخذت من "الطابع المحافظ" سبيلاً لها، بتقديم محتوى يتحرّى الحذف المفرط قدر الإمكان، مثل قناة "طيور الجنة"، وبعضها وصل في درجة الرقابة إلى حذف الموسيقى نفسها، كما فعلت قناة "سمسم".

صحيح أن الكرتون ربما "أسهل" من غيره، أعني المشاهد الحقيقية والأفلام الواقعية، ولكن كيف يرى الطفل الأمر من وجهة نظر العلوم النفسية والسلوكية؟

فكرة عتيقة

السؤال يطرح نفسه دائماً مع كل عرض كرتوني يحمل بعض الحميمية: هل يمكن ترك هذه التفاصيل في محتوى جمهوره الأول من الأطفال؟ طبعاً نحن لا نتكلم هنا عن الرسوم المتحركة للمراهقين والكبار، وخاصةً الأنمي الياباني، الذي يحتوي على موضوعاتٍ أكثر جهامةً وتعقيداً على مستوى الدموية والعنف، وحتى الأمور الإلهية.

إذا ضيّقنا الدائرة أكثر في الرسوم "الطفولية" فحسب، سنجد أن القضية مُثارة في حقبة مبكرة جداً، وتحديداً منذ أكثر من 90 عاماً، حين ظهرت على الشاشات دلّوعة شابة مثالية في إثارتها الحسية. نتحدث عن شخصية "بيتي بوب" الأمريكية في أولى حلقاتها عام 1930.

يقول ميشيل حنّا في كتابه "أرض الخيال"، إن "بيتي بوب" هي أول شخصية كرتونية في التاريخ تُصمَّم على هيئة فتاة مثيرة جنسياً، حتى اعتاد الرجال التلصص عليها في الحلقات، في أثناء تبديل ملابسها! الشيء الذي جلب لها الشهرة السريعة، وجلب لها الحظر المبكر أيضاً. ففي عام 1934، اتخذت Production Code الهيئة الرقابية الأهم وقتها، موقفاً صارماً، وأجبرت الإستوديو الصانع للشخصية على رسم فستانها أطول، وأكثر احتشاماً عند الصدر، ما تسبب في خفض شعبية بيتي بوب في النهاية.

الأمر كان واضحاً إذاً في ما مضى؛ على الرسوم المتحركة أن تكون مُهذّبةً قدر الإمكان، فماذا عن حالنا اليوم في العصر الرقمي؟ تأمّل ما قاله "تيم وينتر" مدير مجلس الآباء التلفزيوني الأمريكي PTC في 2011:

"محتوى البالغين تجاوز مرحلة التسلل إلى الرسوم المتحركة التي يشاهدها الأطفال اليوم أكثر من غيرهم؛ فنحن لم نعد نتحدث عن شخصيات كرتونية تنزلق على قشور الموز، وتصطدم بالأبواب، بل توضح بياناتنا صراحةً أن المعيار السائد اليوم هو قصص مليئة بالألفاظ النابية تتضمن كل شيء، من الاغتصاب والكوكايين إلى الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، ومُخدّر الميثامفيتامين. يوجد الآن محتوى جنسي في هذه الرسوم الكرتونية أكثر من العنف حتى عند حساب العنف الكرتوني التقليدي الخفيف".

 بعض القنوات اتخذت من "الطابع المحافظ" سبيلاً لها، بتقديم محتوى يتحرّى الحذف المفرط قدر الإمكان، مثل قناة "طيور الجنة"، وبعضها وصل في درجة الرقابة إلى حذف الموسيقى نفسها، كما فعلت قناة "سمسم"

ماذا عنّا وعن الأجيال القادمة؟

هذه هي الحقيقة إذاً: نحن كأجيال كبيرة الآن، تعرّضنا لبعض "التسرب الجنسي" على شاشات الرسوم المتحركة، التي هي –المُفترض- "أكثر أماناً" من غيرها لأطفال صغار، سواءً حدث هذا في هفوات "سبيستون" النادرة، أو المزيد في القنوات الأخرى، فهل تأثرنا عندها؟ أم أن عقولنا تخطت الأمر، ولم تفكر فيه بحُكم أننا محض أطفال صغار في النهاية؟

بالطبع قد يختلف الأمر من طفلٍ إلى آخر، وبعض الفروق الفردية قد تصنع قصصاً متنوعةً في حد ذاتها، لكن لنتحدث بشكل أكثر عموميةً على الأغلب. صحيح أن الكرتون ربما "أسهل" من غيره، أعني المشاهد الحقيقية والأفلام الواقعية، ولكن كيف يرى الطفل الأمر من وجهة نظر العلوم النفسية والسلوكية؟ في هذا الصدد سألت الدكتور إبراهيم أبو زيد، وهو مدرس مساعد لمناهج وطرق تعليم الطفل في جامعة المنصورة.

أكّد أبو زيد أن الطفل فعلاً لا يعي "التنميط الجنسي"، أو المعايير الجنسية المقبولة اجتماعياً في ثقافته. إنه مجرد روح بريئة تشاهد وتتفاعل بمنظور أكثر تجريداً، لكنه في الوقت نفسه سيتأثر سلبياً بالمشاهد الحميمة في سلوكه الجنسي المستقبلي، بسبب تخزينها في لا وعيه، كما تقول نظريات سيغموند فرويد.

شيء آخر أشار إليه الدكتور إبراهيم، وهو ميل الطفل إلى التقليد. وحسب النظرية الاجتماعية لألبرت باندورا، فالمشكلات الجنسية قد تطفو على السطح في مرحلة البلوغ، حتى لو كان منشؤها مجرد رسوم متحركة، ما يؤكد في النهاية ضرورة الرقابة على الكرتون، بل ومعرفة مسؤول المونتاج نفسه قدراً كافياً من علم النفس السلوكي عند الطفل، ليحذف عن دراية وفهم.

الجنس يبيع!

تقول حاملة الدكتوراه، الأكاديمية الأمريكية كارولين روس في مقالٍ لها: "حتى لو لم يتمكن الأطفال الصغار من فهم الجنس، أو دوره في العلاقات، فإن الصور التي يرونها يمكن أن تترك انطباعاً دائماً. إنها قاعدة أساسية لتسويق أن ما نشاهده ونقرأه يوجه انتباهنا نحو التأثير على سلوكنا، وكما يعلم أي مسوّق، فإن الجنس يبيع".

كأن روس، تُعلّق على قضية "بيتي بوب"؛ فالجنس يبيع حتى في المواد الموجّهة إلى الأطفال، واليوم صار العالم كله مفتوحاً أمام الصغار حاملي الهواتف الذكية، وصارت الأبواب مفتوحةً أكثر من أي قناة فضائية.

في النهاية، يحضرني ما قاله الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، في إحدى مقالاته، عن خطورة المواد المُقدمة للأطفال بشكل عام، حين طالب صراحةً بـ"الجدية والمزيد من الجدية في ثقافة الطفل"، لأنها في رأيه "شيء خطير جداً يحدد مصائر الأمم. الأطفال كائنات حساسة ذكية، يجب أن تنال أفضل وأرقى وأجمل شيء".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard