شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"لفيف"... نصوص إبداعية شبابية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 30 مارس 202211:24 ص

في مدينة صيدا، جنوبي لبنان، التقت مجموعة شباب وشابات بين شباط/ فبراير وتشرين الأول/ أكتوبر 2021. جمعهم "ملتقى لفيف" للكتابة الإبداعية. تشاركوا نبض التجارب. قرأوا الشعر والأدب وسمعوا الموسيقى والأغاني وتحاوروا مع مجموعة من الأديبات وكتبوا نصوصاً إبداعية نُشرت في كتيّب يحمل اسم ملتقاهم.

تقول المشرفة على الملتقى، الفنانة والكاتبة الفلسطينية أمل كعوش لرصيف22 إن "التجربة كانت ممتعة" وتضيف أن "المشاركين كانوا من خلفيات متنوعة وخبراتهم في مجال الكتابة كانت متفاوتة، فبعضهم سبق وشارك في ورشات عمل مشابهة وبعضهم كان يخوض تجربته الأولى في مجال الكتابة الإبداعية".

وتشير إلى أن "تطوّر المشاركين والمشاركات كان بفعل ذاتي، فالجميع كانوا يطوّرون أساليبهم من خلال التفاعل المشترك ومشاركتهم نصوص بعضهم البعض"، ومن خلال القراءات التي كانت تُقترح عليهم، كما تركت أثراً إيجابياً عليهم لقاءات مع ضيفات من عالم الأدب هنّ الشاعرتين سمر عبد الجابر ومريم خريباني والأكاديمية مها عبد المجيد.

كان المشاركون، وبعضهم لبنانيون وبعضهم فلسطينيون مقيمون في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في صيدا وآخرون قذفتهم الحرب السورية من مخيم اليرموك إلى صيدا، يلتقون مرة أسبوعياً تقريباً، وأنتجوا نصوصاً هذه بعضها:

بحر (علي نجم)

هذه المرة لم تبتلعني المياه فإذ بي أقع على جذع شجرة مرنة وصلبة؛ شجرة الساج الجميلة. استغربتُ؛ كيف انتهى بها المطاف عند شاطئ البحر المتوسط فيما موطنها بعيد في أقاصي القارة الآسيوية؟ لم أجد جواباً لسؤالي وتابعتُ إبحاري مع الريح.

غرباً أبحرت بنا الرياح؛ أنا والشجرة، حتى حلّ الليل صامتاً حالكاً لم ينقطع سكونه إلا بظهور كائن انبثق فجأة من تحت الماء مرتفعاً نحو السماء الداكنة وكأنه يعلن "أنا هنا!"، فاهتزّ بي جذع الشجرة وكأني ورقة شجر في مهبّ الرياح.

كان دلفيناً.

ما الذي أتى بهذا الكائن إلى هنا؟ ربّما أنا مصدر الضجيج الذي عكّر صفوه وهو الذي يوجّه سمعُه مسارَه. أما أنا فلا خيار لي سوى الرياح. ففي البحر بحرٌ وفي طعم الملح مزيدٌ من الملح.

في الصباح بدأت اليابسة تظهر في الأفق وصرت أسمع صوت تخبّط في المياه. كانت الدلافين تسبح وكان التيار يشدّنا نحو اليابسة.

لحظة الاقتراب من الشاطئ اشتدّت الرياح وارتفعت الأمواج لتوقعني في الماء. موجة واحدة كانت كفيلة بشجّ رأسي إذ ارتطم بالجذع ورحت أنزف.

لكن ولدهشتي كنت أتنفس تنفساً تصاعدياً من خلال الجرح في رأسي، كدلفين! وما هي إلا لحظات حتى اختلطت رائحة الملح بالدماء وازدادت حدة رائحة أعشاب البحر مع عطر الزعفران، وأمسيت أنا أسيرَ تلك الأرض المترفة بعطر النباتات.

إنه الربيع والسماء زرقاء مزيّنة بالغيوم وترفض المطر. هذا ما قاله لي كائن هجين له رأس دلفين. فلا ضوضاء لأهل البحر.

مرايا (إسراء هزاع)

...

المرايا

تعملُ في الضوء

تتعطلُ في الظلام

تحبُ نفسَها حين نرى أنفسَنا على أجمل صورة

وتكرهُ نفسَها حين نرى أشكالنا قبيحة

وربما تشعر بأنها مذنبة

في الظلمة، تخفي كل أسرار البشر

وتكشفها في النهار وفي الضوء

تتباهى؛ لا أحد يستطيع خداعَها

تشعر بالخجل والحزن حين يكسرها أحدُهم في نوبة جنون

تعشق نفسَها حين يكتب عليها أحدُهم "أحبك" بقلم الشفاه الأحمر

تثيرها امرأةٌ ترقص أمامها وتتجمّل

وربما تحزن حين تفارقُها وتذهب الى أحضان عشيقها

في البيت هي جزء من أفراد العائلة

ترى الحبّ في غرفة النوم كما ترى المشاكل

وترى من يبكي أمامها صمتاً

المرايا أيضاً مرهقة من كثرة الأحداث

...

لو كان باستطاعتها الكلام لانفجرت!

"نمضي دون أن ندري أي طريق نسلك. نسير لنقف في منتصف حياتنا ونسأل ‘أهذه هي الطريق؟’ نتشرّد على أبواب المتاهات دون أن نعلم أي مسار هو مسارنا... يا ليتنا كجدول الماء، طريقنا يشق نفسه بنفسه ليصب في البحر حيث اللانهاية"

ولادة (هبة ياسين)

"حظّي تعيس"

قرأتها في دفترٍ فتحته صدفة هذا المساء. هذه بداية أول نص كتبته في دفتر مذكراتي. المفارقة أن التعاسة كانت أول ما خُطّ في هدية عيد ميلادي الثالث عشر، ربما لأن الدفتر كان بقفل ومفتاح.

في تلك السنة، انفصل أبي وأمي. لم أفرح يومها، لكني فعلتها الآن. فنحن نولد أحياناً لحظة موت أحدهم. مات زواجهما وحييْتُ أنا. خرجت إلى الحياة حينها ولم أكن أدرك ذلك إلى أن تعرّفت إلى نفسي. فبقدر ما ترك غياب أمي فراغاً بداخلي، بقدر ما صنعني هذا الفراغ.

بعض الفراغات تكون مليئة بالتفاصيل. أذكر مثلاً حين سمحت لعقلي بالتوقف عن التفكير لمدة ساعة ونصف، لأختبر بذلك أول لحظة سلام حقيقية. لا أعلم إن كانت هناك معادلة لحساب الوقت في الفراغ. ما أعلمه حقاً هو أنه في الفراغ لا قيمة للوقت. لحظة السلام تلك حملتها معي أسبوعا كاملاً، وكانت تلك المرة الأولى التي أمارس فيها فعل التأمل. جلست بين الجبل والوادي برفقة الشمس وغروبها فأدركت معنى أن نخلع عنا أثوابنا ونركض عراة إلا من أنفسنا. أحببت التأمل وأحببت نفسي. أحببت الله أيضاً ولم أكن أشعر به قبل تلك اللحظة، إذ كنت بالكاد أتذكر وجوده.

في تلك السنة، وفي تلك اللحظة، وُلدت مرة أخرى. لا أخفي أنه تلبّستني فكرة اختبار ولادة جديدة مع كل عقد. لكني الآن وقد أنجبتني الحياة مرتين، لا أقوى على المقارنة بين الولادة الأولى وتلك الثانية. فأيهما هي الأصعب؟

نور (إبراهيم عبد الرازق)

ذات يوم قال مدرّب التصوير الفوتوغرافي إن للصورة شرطين أساسيين هما ظل ونور. كان يتكلّم من منحى تقني بحت في علم الصورة، إلا أن الجملة كانت رنّانة. رحت أتمعّن فيها وأتساءل لماذا كان لها وقع كبير في نفسي. إذا ما تأملنا هذه الدنيا كاملة لا يمكننا سوى أن نرى أنها تجمع طوال الوقت ما بين الظل والنور. وهنا خطرت لي فكرة: هل أنا الظل أم النور؟ أعرف شخصاً شديد الإيمان لا أرى فيه سوى النور والنور فقط. فتساءلت ثانية: هل يمكن للإنسان أن يكون نوراً دون ظل أو ظلاً دون نور؟

لكن السؤال الأكثر إلحاحاً كان: من أنا؟

لا أعلم حقاً من أنا، ولكني أعلم أن الشرط الأساسي في ذاتي كما في علم الصورة وكما في كل شيء، هو وجود الظل والنور. وربّما سأعرف نفسي أكثر يوم أتقبّل الظل في نفسي كما أتقبّل النور تماماً.

"لون الوسادة هو ما أيقظني لا أشعة الشمس، فالأزرق لوني المفضل. ولكنه لسبب ما أصبح لون الشتات واللجوء والغضبُ على كل شيء ومن كل شيء. ماذا لو لم تنشأ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ذات الشعار الأزرق اللون؟ هل كنت سأستيقظ؟"

البحر/ نور (ميرا البعاصيري)

البحر

يقولون "ارموا أحزانَكم فيه"

أتساءلُ كم سيصمد البحر

قبل أن يفيض حزناً؟

نور

رَ النورَ في قلبك، يُضيء العالم حولك.

ما اللحظات المظلمة سوى غيومٍ تتبدّد عندما تنيرُ داخلك.

بقدونس (محمد الحاج)

في صغري حين كانت تطلب منّي أمي الذهاب لإحضار البقدونس كنت أصل الدكّان وأحتار: بقدونس أم كزبرة؟ أمّا اليوم، فالبقدونس يحتلّ مجال عملي في متجر لبيع الخضروات.

منعرجات الحياة بتفاصيلها تتباعد وتتقارب وما أغربها حين تعود لتجتمع فجأة عند كلمة واحدة كالبقدونس!

ترحال (محمد البدر)

هناكَ معركةٌ جديدةٌ كلًّ يوم، ومعركةُ الانتماء هي أشدُّها. فسؤالُ "من أين أنت؟" يحتاجُ وقتاً للإجابة لا يقل عن ربعِ ساعة.

أنا فلسطيني. ولدت في سوريا. مقيمٌ في لبنان. أحملُ وثيقةَ لجوء داخل سوريا تقول "تذكرةُ إقامةٍ مؤقتةٍ للفلسطينيين".

كانت حياتُنا هانئة في مخيم اليرموك حين كان هناكَ توازنٌ بين الطموحِ والواقع. لكني اليومَ أدركُ أن الحياة لا تستشيرُك في خياراتِها فقد ضاعَ التوازنُ عند السطورِ الأولى. عام 2013 خرجْنا أنا وعائلتي بعيداً عن الصراعِ في سوريا قاصدين صيدا وساكنين مخيمَّها؛ عين الحلوة.

صيدا المدينةُ الهادئةُ، المملةُ أحياناً خلافاً لِما تعودتُ عليه في دمشق حيث كان لي أصدقاءٌ كثرٌ يخلقون للمكانِ ذكرياتِه.

أمشي في صيدا القديمةِ وأتخيّلُ أنني في عكا عند سورٍها العظيم. يقولون إن هناك تشابهاً كبيراً بين المدينتين في أسلوب العمارةِ والقربِ من البحر.

البحرُ؛ ذلك السرُّ الكبيرُ والعميق. إلى متى سوف يبقى حِصناً متيناً بوجهِ المراقبين عن بُعد؟ ومن مكان ما رحتُ أراقبُ السفنَ في ترحالِها متسائلاً: كيف سيكون البحرُ وأنا على متنِ إحداها؟

من أكون؟ (نشوة حماد)

علاقتي بالماضي والذكريات تشبه علاقة المحبّ بمعذّبه، إذ لا أنفصل عنها بسهولة مهما شعرت بالوجع. كلما تقدّمَت بي عجلة العمر لتترك محطة، قاومتها بمحاولة فاشلة لإيقافها. وبعد فشلي المؤكّد لا أرى سبيلاً لإحياء الماضي إلا باسترجاعه والتحسّر عليه. أهو تعلّق مرضي؟ لا أعرف. ربما جعلتُ من النعمة التي منّ الله عليّ بها "نقمة لذيذة".

أمتلك ذاكرة قوية وأقدر أن أستعيد مشاهد مرّ عليها أكثر من عشرين عاماً وكأنها من عامٍ مضى. هذا الأمر يجعلني أدرك من أنا إذ أقارن تغيرات محطات حياتي ونضوجي. ومثل دسّ السمّ بالعسل، أخافُ تلك الذكريات وأحبّها كلّما كثرت. فكلما تطوّرت أحداث الحكاية اقتربت من النهاية.

جدول (نور الصفدي)

نمضي دون أن ندري أي طريق نسلك. نسير لنقف في منتصف حياتنا ونسأل "أهذه هي الطريق؟" نتشرّد على أبواب المتاهات دون أن نعلم أي مسار هو مسارنا. نسلك طريق غيرنا أحياناً ثم ننشق ونشقّ طريقا لنا، لنتوهَ مجدداً إلى أن نصل. لكن إلى أية وجهة؟ لا أدري. لكن هناك نهاية حتماً.

يا ليتنا كجدول الماء، طريقنا يشق نفسه بنفسه ليصب في البحر حيث اللانهاية.

أزرق (صابرين أبو العلا)

استيقظتُ صباحاً أتأمل شعاع الشمس يتسربُ خجلاً إلى فراشي. هو فراشٌ بغطاء بنفسجي كنت قد انتقيته بعد خروجي من حالة ضياع سببها نزوة عاطفية. أحجب أشعة الشمس عن وجهي بوسادة هي أول ما امتلكته عند دخولي الأراضي اللبنانية بعد أن كنت قد خسرت غرفتي في مخيم اليرموك.

في الحقيقة لون الوسادة هو ما أيقظني لا أشعة الشمس، فالأزرق لوني المفضل. ولكنه لسبب ما أصبح لون الشتات واللجوء والغضبُ على كل شيء ومن كل شيء. ماذا لو لم تنشأ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ذات الشعار الأزرق اللون؟

هل كنت سأستيقظ؟

هل كنت سأستطيع الذهاب إلى السوق وانتقاء الغطاء البنفسجي؟

*الرسومات الواردة في الموضوع بريشة لينا مرهج، وهي مخصصة لكتيّب "لفيف" ومنشورة فيه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image