شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ما لا يستطيع الكلام قوله... أزمات المجتمع اليمني بعيون سينمائية

ما لا يستطيع الكلام قوله... أزمات المجتمع اليمني بعيون سينمائية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 16 مارس 202211:25 ص

في أفلامهم، يعبّر صنّاع الأفلام اليمنيون عمّا لا تستطيع التقارير الصحافية إيصاله. بعيون سينمائية وبأساليب فنية، يعيدون طرح قضايا شعب يعاني من حرب دائرة منذ أكثر من سبع سنوات من منظور سينمائي، ليعيدوا إليها روحها الإنسانية.

فيلم واحد أو حتى مشهد واحد قد يترك أثراً أكبر من ذلك الذي تتركه مئات التقارير والدراسات المليئة بالأرقام، علّ العالم يحس بمدى السوء الذي وصلت إليه أوضاع اليمنيين بعد أن تبلّدت مشاعرة بسبب تكرار أخبار مأساتهم وتحوّلها إلى جُمَل روتينية ترددها وسائل الإعلام.

من ضمن 22 فيلماً وثائقياً وروائياً قصيراً تشارك في مهرجان أفلام "كرامة اليمن" لحقوق الإنسان، والذي تُقام فعالياته عبر الإنترنت، إضافة إلى استضافة عدد محدود من الأنشطة والعروض في عدن وحضرموت وتعز، بين 13 و27 آذار/ مارس الحالي، تحضر ستة أفلام يمنية.

يمكن مشاهدة هذه الأفلام عبر الرابطين التاليين:

رابط لخمسة أفلام

رابط لفيلم "لا ترتاح كثيراً"

"1941"... كأننا نحوك فقط

"1941" هو فيلم صامت اعتمد في سرديته على الفن التجريبي. عن طريق رموز تعبيرية خاصة، يعرض الأثر النفسي والعاطفي القاسي للحروب على المجتمعات في مناطق النزاع.

قضى مخرج الفيلم عاصم عبد العزيز أربع سنوات في ماليزيا للدراسة، ابتعد خلالها عن مآسي المجتمع اليمني. لكن بمجرد عودته إلى بلده ومراقبته للناس في الشارع شاهد كيف أصبحوا متعايشين تماماً مع الأزمات المستمرة، ويقضون وقتهم في البحث عن مقوّمات الحياة الأساسية من ماء وكهرباء وغاز ووقود، منشغلين بذلك عن التفكير في المستقبل أو حتى الماضي.

بدأت فكرة الفيلم الذي صُوّر في أحد الأبنية التاريخية في مدينة عدن عندما قرأ عبد العزيز، وهو مخرج ومنتج أفلام تجريبية، مقالاً عن الحرب العالمية الثانية، ذُكر فيها أن اليابانيين عندما بدأت بوادر الهزيمة تلوح في الأفق، سألوا أنفسهم كيف يمكن أن يساعدوا جيش بلادهم، فكان جوابهم: "سوف نحوك".

يروي لرصيف22 أنه استغرب كثيراً من هذا الرد، وبدأ يقرأ عن البُعد النفسي للحياكة وكيف أنها تشبه التنويم المغناطيسي، وتجذب الشخص للعيش في فترة زمنية محددة وتفصله عن التفكير في الواقع أو عن أي شيء آخر. ويضيف: "أسقطتُ هذا الأمر على مجتمعنا اليمني، فحركات اليد وهي تقوم بالحياكة وفق إيقاعات متكررة تجسّد ما نعيشه حالياً في اليمن من صراع شبه مستمر، كأننا نحوك فقط، ولم نعد قادرين على أن ننجز أي شيء أو نوسع أفقنا، أو أن نفكر في المستقبل".

يقول عبد العزيز إن الحروب تدوم طويلاً، و"تعيش فينا حتى تحوّلنا إلى شيء آخر، ليس نحن". لذلك أراد أن يسلّط الضوء على الدمار المعنوي الذي خلفته الحرب داخل الإنسان اليمني.

"مزينة"... عن المرأة والحرب والعنصرية الطبقية

يركّز فيلم "مزينة" على المأساة المضاعفة التي تواجها الكثيرات من النساء والفتيات في اليمن، في ظل الحرب، والعنصرية المتجذرة في المجتمع اليمني تجاه طبقة تتألف من بعض الفئات من أصحاب المهن والذين يُسمّون بالـ"مزاينة".

يروي الفيلم قصة "سما"، وهي فنانة شابة موهوبة تهوى التراث اليمني منذ الطفولة، ما دفعها إلى إضفاء طابع احترافي على مهنة النقش التقليدية.

بعد أن خسر والدها وظيفته جراء الحرب، تضاعفت مسؤوليتها لتصبح مصدر الإعالة الوحيد للأسرة. تكافح "سما" لتحقيق أحلامها على الرغم من التحديات، ولا تسمح لأقوال الناس بأن تقتل موهبتها، وتتمكن من إنهاء تعليمها بدرجة امتياز وتستمر في السعي للتطور رغم الصعاب.

"لا يوجد أفضل من الفن لتوحيد الجهود في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان، أملاً في إحداث تأثير إيجابي. نحن نعيش في واقع أصبح فيه التعبير بالفن أكثر أهمية من أي وقت مضى"

هذا الفيلم هو باكورة الأعمال السينمائية للمخرجة سحر الجبلي، وهي صانعة أفلام وهاوية تصوير، تقول لرصيف22 إنها أرادت من خلال فيلمها كسر التابوهات المتعلقة بالعنصرية الطبقية والأدوار التقليدية للمرأة اليمنية، وأن تسلط الضوء على معاناتها المضاعفة في مواجهة ظروف الحرب ونظرة المجتمع.

وتشير إلى أن "هذا النوع من الأفلام له تأثير كبير في تغيير واقع المجتمعات، وتوظيفها بشكل مناسب يساهم في التغيير المجتمعي وتعزيز حقوق الإنسان".

"ظل الماضي"... صدمات الطفولة

يناقش فيلم "ظل الماضي" قضية حساسة لا يتم التطرق إليها كثيراً بالرغم من وجودها في المجتمع اليمني. يأخذ المشاهدين إلى داخل رأس أحد الأشخاص الذين تعرضوا لاعتداء جنسي في صغرهم، ليفهموا عن قرب ما يعانيه الأشخاص الذي تعرضوا لاعتداءات جنسية وهم أطفال من أزمات تحرمهم من ممارسة حياتهم الطبيعة.

الفيلم صادم ومؤلم لكنه ممتع سينمائياً. يقول مخرجه عمرو الخُليدي، وهو صانع أفلام لديه خلفية مهنية وأكاديمية في صناعة الأفلام، لرصيف22، إن فكرة الفيلم بدأت تدور في ذهنه بعد متابعته للكثير من الأخبار التي تتحدث عن وفات أطفال بعد تعرضهم لاعتداءات جنسية، وهذا ما يظهر للعلن، ناهيك عن الأطفال الذين يتعرضون لاعتداءات ويحجمون عن الحديث عنها خوفاً من ردات فعل أهاليهم.

ويشير إلى أن الفكرة تبلورت بعد أن قرأ قصة حقيقة تتحدث عن فتاة تعرضت لاعتداء جنسي في صغرها من قبل والدها، ما تسبب لها باضطرابات نفسية أفقدتها القدرة على التناغم مع المجتمع، فخلقت داخلها 12 شخصية لتستطيع من خلالها التعامل مع محيطها.

ويذكر أنه عمل على تجسيد هذه القضية من منظور فني وبلغة سينمائية معبّرة ليساعد المجتمع اليمني على فهم أهمية العلاج النفسي في المراحل المبكرة، وأهمية احتواء الأطفال ومساعدتهم عند تعرضهم للاعتداء وتشجعيهم على الحديث عنه، حتى لا يتراكم الألم النفسي ويصل إلى مرحلة لا تعود للعلاج عندها أي جدوى.

"لو كان"... أحلام الفتيات الموؤودة

يحكي فيلم "لو كان" عن أحلام فتاتين يمنيتين، أنهتا دراستهما الثانوية وترغبان في الدراسة في الخارج. تحقق إحداهما حُلمها بدعم من أهلها وتذهب للدراسة في ماليزيا، بينما تُحرم صديقتها من حقها في متابعة الدراسة ويُجبرها أهلها على البقاء في المنزل.

الفيلم عبارة عن سيرة ذاتيه للمخرجة أميمة طارق، لكنه يعبّر عن ملايين اليمنيات اللواتي تغيّرت مسارات حياتهن جذرياً بسبب قرار أهاليهن، وضغوط المجتمع من حولهن.

ويطرح الفيلم تساؤلات: ماذا لو اختار الأهالي في اليمن سعادة أبنائهم بدلاً من الخوف من العادات والتقاليد ومن كلام الناس؟ ماذا لو تُركت للفتيات حُرية تقرير مصائرهن؟ كيف كانت ستصبح حياتهن؟

تقول مخرجة الفيلم أميمة طارق، وهي مصورة وصانعة أفلام شابة من عدن تقيم حالياً في كوالالمبور: "كنت أخطط لأحلامي على أرض الواقع، بينما كانت صديقتي تبنيها في خيالها فقط، لتهرب من حقيقة الواقع، حقيقة أن حياة الفتاة في بلادنا تعتمد على شيئين فقط، مجتمعها وأهلها".

"حركات اليد وهي تقوم بالحياكة وفق إيقاعات متكررة تجسّد ما نعيشه حالياً في اليمن من صراع شبه مستمر، كأننا نحوك فقط، ولم نعد قادرين على أن ننجز أي شيء أو نوسع أفقنا، أو أن نفكر في المستقبل"

تشير إلى أن "رأي الناس وكلامهم عن الفتاة يستطيع أن يلعب دوراً كبيراً في حياتها، إما يبنيها أو يدمرها تماماً". وتروي لرصيف22 أنها أرادت من خلال فيلمها تغيير الصورة النمطية السائدة في المجتمع اليمني عن دور الفتيات المحصور في الزواج والمكوث في المنزل، وحث الفتيات من جيلها على التمسك بأحلامهن وعدم التنازل عنها بسهولة.

تقصّ أميمة في الفيلم حكايتها بصوتها الشخصي، باللهجة العدنية، في محاولة لإيصال صوتها إلى الفتيات والمجتمع. وتشير إلى أنها وثّقت رحلتها الشخصية منذ لحظة إكمالها دراستها الثانوية إلى سفرها للدراسة في كوالالمبور، وتعرض السيناريو الآخر الذي حُرمت فيه الكثيرات من الفتيات في اليمن من عيش أحلامهن، لتجيب عن سؤال الفيلم: ماذا لو كان.

"لا ترتاح كثيراً"... بحث المهاجرين عن هوية

في فيلم "لا ترتاح كثيراً"، تكتب فتاة رسالة إلى جدها المتوفي منذ 50 عاماً، تسرد فيها رحلة الهجرة التي قام بها والدها، لتعبّر عن معاناة اليمنيين المستمرة في البحث عن لقمة العيش والهوية والوطن.

الفيلم شخصي جداً، لكنه يعبّر عن الكثير من المهاجرين واللاجئين الذين اضطروا لمغادرة بلدانهم، وعن أبنائهم الذين ولدوا خارج أوطانهم في بلاد لم يستطيعوا الشعور بالانتماء إليها، في وقت فقدوا انتماءهم إلى بلدانهم الأصلية.

مخرجة الفيلم شيماء التميمي، وهي مصورة وصانعة أفلام، تركز في معظم أعمالها على قضايا الهجرة والهوية، تقول لرصيف22 إنها لم تكن تنوي صنع فيلم، وكان الأمر في البداية عبارة عن رسالة مُتخيلة موجهة إلى جدها، كتبتها لنفسها، أخرجت فيها مكنونات نفسها على الورق، وبعد ذلك اكتشفت أن لديها الكثير من الصور في الأرشيف العائلي، بإمكانها من خلالها صنع فيلم.

تشير إلى أن قصة الفيلم شخصية جداً، لكنها في نفس الوقت تعكس واقع الكثير من أبناء الجاليات العربية ومجتمع المهاجرين بشكل عام، فمعظمهم مرّوا بتجارب كهذه التجربة، لذلك أحسّت بأنها يجب أن تسمح لنفسها بمشاركة قصتها معهم، علها تساعدهم في تجاوز المصاعب التي يمرون بها.

كذلك، أرادت مشاركة فيلمها مع هؤلاء ليحفزهم على أن يشاركوا هم أيضاً قصصهم وتجاربهم الشخصية، سواء أكان ذلك عن طريق حديثهم مع بعضهم البعض أو من خلال صناعة أفلام أو كتابة القصص أو التصوير، أو أي شكل آخر من أشكال التعبير الفني أو الشخصي.

تقول: "كبرنا في مجتمعات تحمل هوية وثقافة بعيدة عن البلدان الأصلية التي نتحدر منها، وتربّينا على أفلام ومسلسلات أجنبية، فلم تكن هناك أفلام أو قنوات نتعرف من خلالها على الهوية والثقافة اليمنية. ومن هنا تكمن أهمية هذا النوع من الأفلام في أنه يلبي حاجة ملحة عند الكثيرين من أبناء المهاجرين للاطّلاع على قصص وتجارب توثق الهوية والثقافة التي جاء منها آباؤهم وأجدادهم".

"إلى المرافق"... لقاء بعد غياب

في فيلم "إلى المرافق"، يخوض المخرج اليمني أنس العديني في دينامية العلاقة بين شقيقين يلتقيان صدفة بعد طول غياب. بصعوبة شديدة يبدآن بتبادل الحديث ومن ثم يدور بينهما نقاش حاد، يكتشفان من خلاله أنهما لم يتغيّرا كثيراً، وأن اختلاف الأفكار والمعتقدات الذي كان السبب في ابتعادهما أحدهما عن الآخر لا يزال هو ذاته.

وفي سياق الحوار بين الشقيقين، يناقش الفيلم قضية الاختلافات الفكرية والدينية وعدم قبول الآخر المختلف عنّا.

والعديني هو صانع أفلام يمني عمل في العديد من الأفلام القصيرة والعديد من الفيديوهات على الإنترنت، ويعتقد أن إنشاء المحتوى هو أداة رائعة للوصول إلى الأشخاص على المستوى الشخصي، وأن السينما تُعَدّ أداة فائقة الجودة نظراً لقدرتها على استخلاص المشاعر وإشراك الجمهور بعمق.

استعادة السرديات

انطلقت النسخة الأولى من مهرجان "كرامة اليمن" عام 2019، كمبادرة لمنظمة "شباب العالم معاً"، وهي مؤسسة شبابية غير ربحية تسعى إلى تمكين الأصوات الشبابية من إحداث تغييرات إيجابية في مجتمعاتها.

في نسخته الثالثة الحالية، يقدّم المهرجان، تحت شعار "استعادة السرديات"، أنشطة وعروضاً على مدى 14 يوماً، تتناول قضايا حقوق الإنسان حول العالم، مع تسليط الضوء على اليمن بشكل خاص.

إضافة إلى الأفلام اليمنية، انتقيت مجموعة من الأعمال من بلدان عدة حول العالم، عربية وغير عربية، 55% منها من إخراج نساء.

تقول شيماء التميمي، وهي أيضاً المسؤولة عن برنامج المهرجان، إن الأفلام المشاركة ركّزت على قصص مؤثّرة وصادقة، ترويها أصوات تعيش في قلب المحنة.

وتشير إلى أن المنظمين عمدوا على انتقاء أفلام أجنبية تروي قصصاً مشابهة لقصص اليمنيين وتتبنى نفس قضاياهم، "ففي نهاية المطاف، نحن كلنا بشر وقضايا حقوق الإنسان متشابهة في كل العالم، باختلاف بعض التفاصيل".

وبرأيها، "لا يوجد أفضل من الفن لتوحيد الجهود في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان، أملاً في إحداث تأثير إيجابي. نحن نعيش في واقع أصبح فيه التعبير بالفن أكثر أهمية من أي وقت مضى".

ويقول مدير المهرجان ناصر المنج لرصيف22 إنهم سعوا من خلال هذا المهرجان إلى تعريف الجمهور بالأصوات التي تعلو في وجه الظلم، وزيادة الوعي بانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن وخارجه.

ويأمل المنج في أن يساهم المهرجان في إحداث حراك مجتمعي، وفي أن يكون فرصة للمبدعين والمواهب المحلية لتعبّر عن نفسها من خلال أعمال هي الأصدق والأكثر قدرة على التأثير محلياً وعالمياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image