شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
لنا في أجسادنا ما ليس لأحدٍ سوانا فيها

لنا في أجسادنا ما ليس لأحدٍ سوانا فيها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 15 مارس 202206:01 م


لماذا يرفض العربي العُري لنساء وطنه في الأعمال السينمائية والدرامية، لكنه يرضى لهن على أرض الواقع أشكالاً من العُري أشد وطأةً من عري الجسد؟ هل علينا أن نذكّر بأعداد النساء في أوطاننا العربية اللواتي يتعرضن للتحرش والاغتصاب على أيدي رجالٍ عرب، أو بأعداد النساء اللواتي تتم تعريتهن من كل مقومات الحياة من آبائهن أو إخوانهن أو أزواجهن؟ حتى متى علينا أن نذكّر رجالنا العرب بأن نساء أوطانهم نساءٌ ونصف، لهن من حرية التصرف والاختيار ما لهم، ولهن في أجسادهن ما ليس لأحد سواهن فيها.

أن نتقبل اختلاف الآخرين عنا أو نرفضه، مسألة وعي وتدريب مستمر لأنفسنا.

من المضحك المبكي أن نرى ثورة الغضب التي تجتاح منصات التواصل الاجتماعي وأحاديث الرجال الرجال عن مشهد "تعرٍّ" لا يتجاوز الدقيقة الواحدة في فيلم "صالون هدى"، ومن المؤسف أن نقرأ ونسمع وابل الشتائم لفريق العمل، والتهديد والوعيد والمطالبة بالقصاص لهم، وأن يتوقف النقد تجاه هذا العمل الفني عند المشهد الأول، من دون التفات إلى القصة أو إلى أداء الممثلين والممثلات أو الإخراج، وكل ما كان يجب أن نقرأه ونسمعه هو نقد عنه لم نرَه عند الأغلبية العظمى، ورأينا بدلاً منه غليان الدم في عروق الرجال الغيورين على أخلاق "نسائهن"، وكيف عكس العمل صورة أوطانهم.

في عالمنا العربي، هناك رجال لا يرفّ لهم جفن حين يبتزون، وبقرار واعٍ، حبيباتهن السابقات أو طليقاتهم أو زوجاتهم اللواتي يطلبن الطلاق، وبكل رجولة يرسلون إليهن صورهن وهن عاريات في منازلهن أو في وضعيات حميمة معهم

لست هنا في صدد كتابة نقد فني عن الفيلم أو عن رأيي الشخصي في ما شاهدت، وإنما رسم صورة بديلة للرجل الحانق على مشاهد التعري، لعله يوجه غضبه إلى ما يحصل في الواقع، بدلاً من توجيهه إلى ما يحدث على الشاشة الصغيرة. المشهد الذي رأيناه في الفيلم ليس خيالياً، بل يحدث كثيراً في الواقع؛ لربما يحدث بصور مغايرة ولأسباب أخرى، لكنه يحدث. أما عن خيانة الأوطان، فهي جزء من التاريخ الذي لا يمكن إنكاره حتى وإن كان يعرّي الصورة الرومانسية التي نرى فيها الأوطان والثورات. ولهذا، كل مشاعر الغضب على قصة الفيلم أو بعض مشاهده غير مبررة، الأجدر أن ننزعج مثلاً من ضعف المنتج الفني!

في عالمنا العربي، هناك رجال لا يرفّ لهم جفن حين يبتزون، وبقرار واعٍ، حبيباتهن السابقات أو طليقاتهم أو زوجاتهم اللواتي يطلبن الطلاق، وبكل رجولة يرسلون إليهن صورهن وهن عاريات في منازلهن أو في وضعيات حميمة معهم. لا يشعر الرجل في هذه اللحظة بأي ثورة غضب، لأن ما يفعله هو مجرد استعراض لقوته وهيمنته على المرأة وقدرته على السيطرة عليها بأي ثمن. ولا يشعر بأن كرامة نساء وطنه على المحك، لأن ما يفعله لا يُعرض على الشاشة وليس فيلماً خيالياً. وعلى عكس العالم كله، في أوطاننا المسكوت عنه مما يحدث في الواقع مسموح، لكن عرضه على التلفاز إهانة.

إن مشهد التعري لم يكن مشهداً مغرياً أو يثير أي شهوة أو رغبة، سوى رغبة في التقيؤ والغضب تجاه كم الأذى والظلم الذي تعرضت له بطلة الفيلم، والذي يعكس بالضرورة واقعاً تتعرض له المرأة العربية، وإن بصور مختلفة.

في أوطاننا أيضاً، لا نحتاج إلى وجود احتلال ليقوم بابتزاز النساء بأعراضهن وأجسادهن، فحكومات بلاد عربية عدة، قامت، ومنها ما لا تزال تقوم باختراق خصوصيات النساء، خصوصاً الناشطات السياسيات منهن، وتهديدهن بفضحهن بما يمتلكون من صور ومعلومات خاصة عنهن، ومن يقوم بهذا الفعل ليس رجلاً من رجال الاحتلال أو امرأةً تم تجنيدها للعمل معه! بل رجل عربي، يعود في آخر النهار إلى بيته، ويدير التلفاز ويبصق في وجه ممثلات عربيات قررن التعري على الشاشة، وقد نسي أنه كان صباحاً مُخرجاً لمشهدٍ مماثل مع امرأة حقيقية، لا مع ممثلة.

أما اللافت في ما يحدث من غضب تجاه الفيلم، أنه أولاً موجّه نحو المرأة فيه بالدرجة الأولى، تلك التي تعرّت وتلك التي قامت بفعل التعرية، أما الرجل المتعري فلم ينل من السباب والتهديد ما نالته الممثلات، وبالطبع هناك مخرج العمل الذي نال من السباب والشتائم والأوصاف والتخوينات ما لا يُعد ولا يُحصر.

أما النقطة الثانية، فهي أن مشهد التعري بحد ذاته لم يكن مشهداً مغرياً أو يثير أي شهوة أو رغبة، سوى رغبة في التقيؤ والغضب تجاه كم الأذى والظلم الذي تعرضت له بطلة الفيلم، والذي يعكس بالضرورة واقعاً تتعرض له المرأة العربية أينما كانت، وإن بصور مختلفة.

وتدعم موجة الغضب هذه "التنظير" النسوي، كما يحب بعض الرجال وصفه، والقائل بأن الرجال يعيدون تأكيد هيمنتهم على النساء من خلال جعلهن موضوعات جنسيةً، فحتى لو لم يكن المشهد المذكور جنسياً، لكن عقل الرجل الشرقي لا بد أن يراه كذلك ليُطمئن نفسه بأنه لا يزال يمتلك حق القرار في ما تفعل المرأة بجسدها.

وتماشياً مع المقولة النسوية الشهيرة لكارول هانيش، بأن "الشخصي هو سياسي"، تظهر ردة فعل الجماهير الذكورية على الفيلم في المستوى الاجتماعي الواسع، لتكون السمة الرئيسية المهيمنة ضمناً وعلناً، هي أن أجساد النساء موضوعية، أي أن استخدامها كسلعة لتلبية احتياجات الرجال ومتعنهم أمر مقبول، وأن استخدامها للوصول إلى غايات شخصية أمر مبرر، ولكن أن تستخدم المرأة جسدها، حتى وإن كان على شكل صورة غير مغرية، في عمل فني، فهذه جريمة، مما يعني أنه يتم الحكم عليها من خلال الأجزاء أو الوظائف الجنسية لجسدها فحسب، مع تجاهل شخصيتها وفردانيتها.

وقبل أن يتم الحكم علي بالإعدام بسبب ما كتبت، مجدداً لست أدافع أو أهاجم الفيلم كمنتج فني، وإنما أذكّر بحقنا كأفراد في أن تكون لنا الحرية في أجسادنا، وحرية الاختيار في ما نشاهد أو لا نشاهد، من دون أي أحكام مسبقة

ولكن لو افترضنا أن المشهد الآنف الذكر لم تكن فيه أي امرأة، وأن مشاهد التعري كانت لرجال فحسب، هل كنا سنشهد ثورة غضب مماثلة لما يحدث اليوم؟ هل كانت النساء (والرجال) سيقمن بالمطالبة بقتل الرجال العراة وحرقهم وسجنهم ومحاسبتهم؟ لا أعتقد؛ إذ إنه في الوقت الذي يمكن للرجال فيه تأكيد هيمنتهم عن طريق جعل النساء موضوعات جنسيةً، إلا أن العكس ليس صحيحاً. فعلى عكس المرأة، لا يوجد أي انتقاص في تجسيد الرجل بأي صفة أو صورة جنسية، وزيادةً على ذلك يرتبط التجسيد الجنسي للرجال بالقوة والفخر، على عكس التجسيد الجنسي للمرأة الذي يرتبط بالخضوع ويُعدّ مصدراً للعار.

وقبل أن يتم الحكم علي بالإعدام بسبب ما كتبت، مجدداً لست أدافع أو أهاجم الفيلم كمنتج فني، وإنما أذكّر بحقنا كأفراد في أن تكون لنا الحرية في أجسادنا، وحرية الاختيار في ما نشاهد أو لا نشاهد، من دون أي أحكام مسبقة، وأننا دائماً ما ننسى، في خضم غضباتنا واستنكاراتنا الكثيرة تجاه كل ما يعارض السائد، أن الأفراد لهم الحق في التعبير عن آرائهم بطرقهم الخاصة، ومن حقهم أن يروا الواقع بالطريقة التي يرونها، ومن حق الآخرين ألا تعجبهم.

أن نتقبل اختلاف الآخرين عنا أو نرفضه، مسألة وعي وتدريب مستمر لأنفسنا، ولكن علينا أن نتذكر دائماً ونحن في صدد رفض الآخرين، أن نرفضهم من دون أن نؤذيهم، ومن دون أن نعرّيهم ونعرّي أنفسنا من إنسانيتنا واحترامنا وكراماتنا، وأن من حقنا أن نستخدم أفكارنا وعقولنا وأجسدنا بالطريقة التي تعبّر عنا، ومن حق الآخرين أن يرفضوها أو يقبلوها من دون أي اغتيال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image