هل يشكّل الموروث والأدب والحكايات هويتنا وتفضيلاتنا الجنسية؟ أم تصبغ المصطلحات الوظيفية تلك العلاقات بصبغتها الخاصة؟ هل تؤثر المهنة في العلاقة الحميمة؟ وهل الكلمات والمصطلحات التي يستخدمها الشريكان في الغزل تختلف وفق العمل والوظيفة، أو وفق المخزون الثقافي واللغوي؟ هل يحب الشعراء والشاعرات والأدباء والأديبات شريكاتهم/ شركاءهن بطريقة أفضل؟
تبدو هذه الأسئلة غريبة وقد يستبعدها الذهن، كوننا أهل الشرق متورطين ثقافياً في التكتم على مشاعرنا، ونكران رغباتنا، وتهميش الاحتياجات الطبيعية خشية الإتهام بالغرائزية. لكن منشورات السخرية والمزاح التي تداولتها النساء في الغروبات المغلقة على فيسبوك وتليغرام، ويكتبها الرجال بلا خجل نكاتاً و"ميمز" تشهد بأن تلك الغرائز حية، وبأن الكلام عنها وسيلة "تنفيس" في ظل القيود على ممارستها، والتي تصل حد القتل.
هل تؤثر المهنة في العلاقة الحميمة؟ وهل الكلمات والمصطلحات التي يستخدمها الشريكان في الغزل تختلف وفق العمل والوظيفة، أو وفق المخزون الثقافي واللغوي؟
عن "الكلام" في الحُب
تخبئ النساء العربيات مشاعرهن خلف ستار من الخجل. للرجال وحدهم مطلق الحق في إظهار مشاعر الحب والشبق والتعبير عن رغباتهم. فكيف يختلف تعبير الرجال عن مشاعرهم باختلاف خلفياتهم الثقافية والمهنية؟
الإمام جلال الدين السيوطي، أحد أشهر مفسري القرآن وعلماء اللغة، وصاحب مؤلفات كثيرة اهتم بموضوع اللغة والجنس اهتماماً خاصاً، ووضع أكثر من مؤلَّف حول تلك المسألة، منها "رشف الزلال من السحر الحلال"، الذي ناقش فيه العلاقات الحميمية بمصطلحات عصره. فأجدادنا الأوائل لم يجدوا حرجاً لدى الحديث عن أمور الجنس. فقد ذكروا الأعضاء الحميمة بأسمائها، ولم يتهمهم أحد بالفسق والمجون ونشر الرذيلة، بل كان منهم مشايخ وعلماء وفقهاء ومتصوفون.
ويعدّ جلال الدين السيوطي من أكثر العلماء تأليفاً في الكتابات الجنسية، رغم كونه جلس للإفتاء وعمره 22 عاماً، وتبحر في سبعة علوم، بينها التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع.
إن كتاب "رشف الزلال... " منقول عن مخطوطة قديمة للسيوطي موجودة في أرشيف دار الكتب والوثائق المصرية، تحوي عشرين مقالاً كتبها عشرون عالماً، يحدث فيها كل منهم زملاءه عما شاهده ليلة زفافه حسب مصطلحات علمه وعمله. بعض تلك الرسائل تجاوز الستين سطراً وبعضها من ثمانية أسطر، كتبت بطريقة المُقامة. يصنف الكتاب ضمن كتب اللغة، رغم أنه كتب لأغراض الفكاهة، ويظهر عناية الإمام السيوطي (1445- 1505) باللغة العربية التي كانت موضوع عنايته بتفسير القرآن.
تخبئ النساء العربيات مشاعرهن خلف ستار من الخجل. للرجال وحدهم مطلق الحق في إظهار مشاعر الحب والشبق والتعبير عن رغباتهم. فكيف يختلف تعبير الرجال عن مشاعرهم باختلاف خلفياتهم الثقافية والمهنية؟
غزل المقرئ
من الرسائل التي أوردها السيوطي في مقاماته التي تضمنها "رشف الزلال"، مقامة المُقرئ، وهو قارئ القرآن الكريم.
كتب السيوطي على لسان المقرئ:
"لما انقضى الاجتلا، وحصل الاختلا ورفع عنها التاج والحلى
وتخيل لي أن البدر في ليلة أضحيان قد إنجلى
عزمت على رقيا محاسن وجهها بآيات أنوار الضحى متهللا
فلما بدت تفطر عن نظم ثغرها بدأت ببسم الله في النظم أولا
ثم استوينا على العرش، وجلسنا على الفرش، وكشفت عنها فإذا حر باطنه ورد، وظاهره ورش له كعثب أضخم، وحرف مفخم، وركب كأنه بيضة الأدحى، كأن سكته سوسي، جرمه كبير وشحمه يروي عن بن كثير، فيه بقايا عنبل يوافقه مد قنبل، وله شفران تشبيههما مستبين أحدهما كالنون الساكنة والأخرى كالتنوين، فنظرت إلى صدعه المختوم فقلت هذا حرز الأماني، وإلى سطحه المشرف الرابي فقلت هذا وجه التهاني".
يبدو تأثر المقرئ، في حكيه عن ليلة زفافه ومحاسن زوجته، بالموسيقى الكامنة في آيات القرآن. يواصل السيوطي على لسان قارئ القرآن عن محاسن زوجته وعضوه الجنسي: "دنى فيسر الأماني... كأنه من حديد فيه بأس شديد ومنافع".
ومن الواضح أن المقرئ الذي يلتزم قواعد القراءات يذكر تلك الأحكام في وصف ليلة عرسه، وخاصة عندما يروي عن ابن كثير.
والمقرئ هو من يعلم الناس قراءة القرآن الكريم وحفظه. والاجتلا يعنى جلوة العروس، وهي في الصعيد المصري تعني التزيين. والاختلا يعني الخلوة الشرعية.
واستخدم السيوطي على لسان المقرئ مصطلحات علم أحكام القراءة والتجويد والإدغام وغيرها.
زفاف المفسر
المقامة الثانية تأتي على لسان المُفسِّر، أي المعني بتفسير القرآن الكريم، واستخدم السيوطي في تلك المقامة التورية واستعار أسماء كتب كانت من علامات عصره في اللغة والنحو والأدب والتفسير، منها الكشاف للزمخشري، والأكسير "إكسير الذهب في صناعة الأدب" للمجاشعي و"معالم التنزيل" للبغوي، وغيرها.
يقول المفسر: "لما كشفت الملاثم، ولاحت لي المعالم، رأيت أوصافاً تعجز وصافاً وتروق كشافاً، ثم كشفت عن ذيلها لأبلغ ما أرومه من نيلها. فإذا هي من كل بيضاء لها كعثب مثل سنام البكرة النائر، لها جميش مشرف مهدف مثل سنام الربع العاكر. ونظرت بطرف خفي لأعلم حجم ردفها الوفي، فإذا هي كما قال الصفي: إذا تثنت بإعطاف يجاذبها مياس غصن على الكثبان ممطور.
رأيت ألطاف أمواج إذا التطمت في لجّ بحر بماء العين مسجور. فقلت الحمدلله لمن شكر، لقد روي حظي الليلة عن ابن ظفر وبإكسير الذهب من حازه انجبر، حصلت من أردافها على مجمع البحرين، ومن قبلها على أحلى وأعذب نهر. إني وجدت امرأة تملكهم، وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم، فدع التفصيل من قصتها هنا وخذ مجملها.
ثم تعوذت بالله من سوء المنقلب، ومن شر غاسق إذا وقب، وعمدت إلى فض فص الخاتم، وكسر سدة المتاخم والمتلاحم بإير يروي عند دخوله عن ابن مزاحم، إلى أن تركت ثغر فرجها ضاحكاً، وعين الإير باكية مع كونه لدماء الفرج سافكاً، وفاض من الحيا ينبوع الحياة، وامتلأ خليج الذكر بالمياه، وكان هذا خبراً صادقاً فرحت أرويه عن السدى".
عالم الحديث "المحدث"
وجاءت المقامة الثالثة من نصيب المحدث، وهو راوي الحديث ومحققه، ويحكي عن ليلة زفافه: "لما كشفت القناع رق الحديث وراق السماع، ورأيت منظراً أبهى من البدر السني، وحديثاً أحلى من الرطب الجني، فأنشدت قول من عني وأنا عن الترفيه غير عني؛ من حاز مثلك لم تبرح جوارحه تروي أحاديث ما أوليت من منن. فالعين عن قرة والإير عن ميلة، والقلب عن جابر، والسمع عن حسن. ثم رفعت الستر المدبج فرأيت لها نوقاً أبيض مبلجاً، سطحه مستعلي، وركبه كدائرة القمر المنجلي".
ويظهر في أولى الفقرات استخدام السيوطي مصطلحات رواية الحديث في وصف مشاعر المُحدِّث إذ رأي محاسن زوجته.
يواصل السيوطي على لسان المحدِّث: " ثم لزمت القبلة واستقبلت من مقبلها القبلة، وأردت أن أبازها النكاح فقلت مستدرك وأنا أسرع إليها الكفاح، فقالت تحتاج إلى تمهيد المسلك، فأخذت في الإرسال والوقف والإدراج بتدريج من غير إعضال ولا عسف إلى أن تمهد الموطى وانكشف المغطى، فوصلته إلى الأكباد وأسندته غاية الإسناد، وأخذت في تمكينه بقرونها الجعديات، وانحسرت عنها أثوابها الخليعات وأعطيتها الطعنات، وهي في رفع وإقتراب وتئن وإضطراب".
في رواية "السراب"، يضع نجيب محفوظ وصفاً لـ"بائعة الهوى" التي شكلت مواصفاتها رؤية بطل الرواية للحب والجنس، والصورة المثالية للإثارة والإشباع. فظل البطل يبحث عن تلك الصورة الغائبة في زوجته، وشكل هذا البحث أحد محاور الصراع في الرواية
يواصل السيوطي في كتابه استعراض المشاهد نفسها على لسان أصحاب مهن وصناعات أخرى، منهم التاجر وصاحب الحساب، والطبيب، والجدلي "فيلسوف"، وصاحب الهيئة (المختص بعلوم الأجرام السماوية)، وصاحب الميقات وصاحب المنطق وغيرهم. واختتم كتابه بوصف ليلة الزفاف على لسان الصوفي، ومما جاء فيه: "نحن وإن كنا أهل كشف والوقوف على كل وصف، فأنا مأمور بالسكوت ولزوم البيوت وإرخاء الإزار وعدم كشف الأسرار، غير أن لنا رموزاً وإشارات، هي مفاتيح الكنوز. لما حصل التجلي والكشف، رأيت محاسن تجل عن الوصف، فطاب المقام وراق المدام وكشف اللثام ووقع الالتزام وأنتجت المودة، وصرنا شيئاً واحداً من غير حلول ولا حدة. فكان ما كان مما لست أذكره، فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر".
في سياق متصل، يعلق الدكتور محمد طه، الاستشاري في أمراض النساء والتوليد، بالقول إن المخزون الثقافي والتكوين الجنسي يختلف من فترة الشباب والمراهقة حسب تكوين الشخص، فيظل جزء معيّن من المرأة المثير الأول له دائماً. فالشاب الذي اكتمل تكوينه الجنسي وهو يرى إلى المرأة مجرد ساق أو جزءاً من الذراع يظل هذان العنصران موضع إثارته مهما كبر في السن.
ويرى أن تشكيل التفضيلات الجنسية تتصل بالثقافة والأطر التي تعرض لها الفرد في مراحل بلوغه الجنسي، لأنها تدخل في تشكيل ذوقه الشخصي ومحفزاته الجنسية ومثيراته الحسية.
ويواصل: "إذا مددنا الخيط لنهايته فنجد أن بعضهم يثيره الجزء الظاهر من الجسد كالساقين، وربما الجزء المغطى. هناك رجال تثيرهم حشمة إمرأة ويتطلعون للمخفي من جسدها أكثر من المكشوف".
ويضيف: "التعليم والثقافة يلعبان دوراً مهماً، وكذلك البيئات المنفتحة، والعادات، والطبقة التي ينتمي إليها الفرد. فالمجتمعات الراقية تهتم بالجماليات أكثر من المجتمعات البسيطة والمتوسطة".
يرصد الدكتور محمد طه تعدد حالات الطلاق الناجمة عن "الإحباط الجنسي" بسبب غياب الثقافة الجنسية والحرص على إقصائها خلال تربية الرجال والنساء على السواء
ولعل ما يدعم كلام الدكتور طه تلك الصورة النمطية التي رسمها الأديب الراحل نجيب محفوظ لـ"بائعة الهوى" في رواية "السراب" وكيف شكلت مواصفاتها رؤية بطل الرواية للحب والجنس، والصورة المثالية للإثارة والإشباع. فظل البطل يبحث عن تلك الصورة الغائبة في زوجته، وشكل هذا البحث أحد محاور الصراع في الرواية.
ويلاحظ طه بعد معاينته الحالات المترددة على عيادته أن "حالات الانفصال والتعاسة الزوجية تحدثان بسبب خذلان الطرف الآخر فيما يرغبه، فالعلاقة الحميمة بين طرفين من الممكن أن تبادر الأنثى إلي إقامتها، لكن الواقع مختلف، إضافة لعمليات الختان القاسية، والجينوفوبيا أو رهاب العلاقة الجنسية وما يصاحبه من تشنج لعضلات المرأة".
ويرصد الدكتور محمد طه تعدد حالات الطلاق و"الإحباط الجنسي" بسبب غياب الثقافة الجنسية والحرص على إقصائها خلال تربية الرجال والنساء على السواء، علماً أن الذكور يلجأون إلى الأصدقاء وما يتيحه الإنترنت لتشكيل خبراتهم وتكوين "توقعات غير واقعية" عن أجساد النساء والممارسة الجنسية، فيما تغيب عن النساء المعارف وووسائل التعبير عن الغرائز، وهذا ما يخل في التوافق بين المرأة والرجل، ويسبب إحباطاً جنسياً لكليهما.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع