شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
عراقيون مسيحيون في لبنان يبحثون عن الخلاص...

عراقيون مسيحيون في لبنان يبحثون عن الخلاص... "كنا وحدنا وما زلنا"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 11 مارس 202202:24 م

في بيت لطيف وندى، تستقبلك الأيقونات المسيحية، وفي الخلفية صوت أخبار عراقية على قناة عراقية. بيت صغير دافئ يأوي من هرب من حروب بلاده باحثاً عن أمان يبدو أنه صار مستحيلاً. هادئة ندى، وتخفي خلف ابتسامتها الدائمة الكثير من القصص الحزينة ومن معاناة طالت. تحرص على أن تُكرم مضيفها. تأخذ نفساً عميقاً وتطلب من زوجها بصوتها الهادئ أن يبدأ بالحديث عن رحلة الهجرة التي لن تنتهي.

الهجرة المرّة

يروي لطيف قصة هجرتهما من العراق عام 2014، ويقول: "دخلت علينا داعش. كنا في منزلنا في باطنايا في سهل نينوى. انهزمنا (انسحبنا). تركنا كل شيء وخرجنا في الثياب التي كنا نلبسها. توجهنا إلى منزل ابنتي في منطقة زاخو التي تخضع لسيطرة الأكراد. كانت الرحلة شاقةً ومتعبةً. كنا خائفين. مكثنا هناك أربعة أشهر قبل أن نهاجر إلى لبنان عبر مطار أربيل".

شقيق لطيف كان قد هاجر إلى لبنان ضمن موجة الهجرة الأولى للعراقيين في فترة الاضطرابات الأمنية التي تلت الحرب عام 2003. استقبل لطيف وعائلته في منزله، أو غرفته، هو الذي يعمل ناطوراً في إحدى البنايات. يروي لطيف أنهم مكثوا فترةً قبل أن ينتقلوا إلى منزلهم الجديد: "لم نتلقَّ مساعدات من أحد، كنا وحدنا منذ البداية، وما زلنا".

بعد تسوية وضع اللاجئ وخروجه من لبنان يُصدر الأمن العام قراراً بمنع دخوله إلى الأراضي اللبنانية لمدة خمس سنوات أو بشكل تام

تقاطع ندى زوجها لتسأل: "داعش دخلت إلى العراق مثلما دخلت إلى سوريا، فلماذا يتركز كل الاهتمام على اللاجئين السوريين، ونحن لا؟ تروي ندى عن خروجها من العراق، وتقول: "هربنا سواسيةً، لا فرق بين الغني والفقير. فقدنا كل شيء في ليلة واحدة! لماذا لم نلقَ أي مساعدة؟ هل نحن كعراقيين مسيحيين منبوذون لأننا أقلية لا تأثير لها في السياسة؟".

ولكن أين الأمم المتحدة من كل ذلك؟ تجيب ندى: "في البداية أعطونا ورقةً تؤمن لنا حق التجول. لكن لم يقدّموا أي مساعدات إلا مؤخراً عندما تعرضت لحادث سير. صدمتني سيارة في وقت كانت فيه الكهرباء مقطوعةً، وتركتني في وسط الشارع. عالجت نفسي بنفسي وذهبت لاحقاً إلى الطبيب وهناك أشخاص خيّرون ساعدونا. الأمم المتحدة لا تقدّم شيئاً على مستوى الطبابة. أعطونا بطاقةً حمراء قبل ثمانية أشهر من أجل تغطية العلاج وهي لا تصل إلى مليون ليرة (أقل من 50 دولاراً)".

الأمل ببلد أكثر إنسانيةً

اليوم، لطيف وندى يأملان كما معظم العراقيين المسيحيين الذين لجأوا الى لبنان، "بهجرة إلى بلد يحترم حقوق الإنسان"، كما تصف ندى. وتقول: "قدّمنا ملف الهجرة إلى الأمم المتحدة، ونحن ننتظر منذ أكثر من سبع سنوات أن يتم تحويلنا إلى إحدى السفارات التي تستقبل دولها اللاجئين العراقيين، لكن لا شيء حتى الساعة. الجواب كان دائماً "ملفكم قيد الدرس". لذا عملنا على تقديم ملفاتنا إلى بعض هذه السفارات، وقد تم قبول ملفنا للهجرة إلى أستراليا عبر كفيل".

يعمل أبناء ندى لمساعدة أهلهم، ويحاولون تأمين حياتهم. يمضون ساعات طويلةً ليجنوا أقل بكثير مما يُمكن عدّه أجراً هذه الأيام. تروي ندى عن كمّ الظلم في المعاملة والحقوق المفقودة، وتقول: "أحلم بأن يتابع أولادي دراستهم. ابنتي الصغيرة، لم تتمكن من متابعة علمها هنا بسبب اختلاف المناهج، وقد توقفت مسيرتها المدرسية وهي في عامها العاشر. اليوم عمرها 18 سنةً وهي تتحسر على ذلك".

يستغرب لطيف كيف لا تقوم الدولة اللبنانية بمساعدته وعائلته على الرحيل، بدل أن يبقوا عالقين في بيروت، فبالنسبة إليه، مساعدتهم على الرحيل "تُخفف عبئاً على دولة لا يمكنها أن تقوم بعبء مواطنيها"

لكن حتى الهجرة من لبنان ليست أمراً سهلاً. يشرح لطيف أزمة تسوية أوراق عائلته مع الأمن العام اللبناني، ويقول: "يطلبون نحو 300 ألف ليرة على سبيل التسوية عن كل سنة قضاها الشخص في لبنان، تضاف إليها 200 ألف ليرة لتسريع المعاملة. في حالة عائلتنا يصل المبلغ إلى 13 مليون ليرة لبنانية، ونحن عاجزون عن سداده. لذا فنحن عالقون هنا".

يستغرب لطيف كيف لا تقوم الدولة اللبنانية بمساعدته وعائلته على الرحيل، بدل أن يبقوا عالقين في بيروت، فبالنسبة إليه، مساعدتهم على الرحيل " تُخفف عبئاً على دولة لا يمكنها أن تقوم بعبء مواطنيها".

"عالقون هنا"

يُتابع رافد، وهو شاب عراقي، أمور اللاجئين العراقيين في لبنان، ومعاناة تسوية الأوراق لدى الأمن العام اللبناني. يقول: "نحن كعراقيين نحصل على تأشيرة دخول إلى الأراضي اللبنانية في المطار مقابل ثلاثين دولاراً وذلك لمدة شهر ونصف أو شهرين، ثم نقدّم أوراقنا إلى المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة من أجل الهجرة إلى بلد آخر".

يتجول العراقيون على الأراضي اللبنانية ببطاقة خاصة من الأمم المتحدة، وعندما يريدون السفر، يُطلب منهم دفع مبالغ مالية محددة عن كل سنة وأخرى لإنجاز المعاملات بسرعة. وإن فعلوا ذلك ونجحوا في مغادرة البلاد، يُصدر الأمن العام إشارة منع من الدخول إلى الاراضي اللبنانية لمدة خمس سنوات، حسب ما يقول الشاب العراقي.

يتجول العراقيون ببطاقة خاصة من الأمم المتحدة، وعندما يريدون السفر، يُطلب منهم دفع مبالغ مالية محددة عن كل سنة وأخرى لإنجاز المعاملات بسرعة

بالنسبة إليه، "المبالغ التي يطلبونها كبيرة جداً، فأصغر عائلة عراقية، عدد أفرادها لا يقل عن خمسة. إذاً المبلغ المطلوب يتخطى العشرة ملايين ليرة لبنانية، تضاف إلى كل ذلك، كلفة المعيشة التي أصبحت مرتفعةً جداً في لبنان فيما أجورنا لم ترتفع أبداً، وهي في الأساس أقل بكثير من المواطنيين اللبنانيين. الكهرباء، والمياه، وإيجار المنزل، والطبابة، والمأكل وغيرها... لم نعد نستطيع الصمود".

يروي رافد عن إشكال حدث مع أربع عائلات كانت متجهةً قبل مدة إلى كندا. تم إيقافهم في المطار بحجة أنهم يجب أن يقوموا بتسوية أوراقهم قبل الوصول إلى المطار. يقول: "سمعوا من موظف الأمن العام أن هذه تعليمات جديدة صدرت، ولم يعد بإمكانكم تسوية أوضاعهم مباشرةً قبل السفرة".

يضيف: "حُجزت جوازات سفر أكثر من 12 لاجئاً عراقياً. قضوا ليلتهم في المطار، في الصقيع. فوق المبلغ الذي خسروه لتسوية أوضاعهم، خسروا تذكرة السفر. عادوا من حيث حاولوا الهروب، فمن يعوّض عليهم؟".

وتواصل رصيف22، مع الأمن العام في محاولة للاستفسار عمّا يحصل مع اللاجئين العراقيين، وعن حادثة توقيف مجموعة منهم في المطار ومنعهم من السفر، والإجراءات المتعلقة بتسوية أوضاع اللاجئين، إلا أنه لا جواب من قبلهم حتى ساعة نشر هذا التقرير.

القانون يقول

يوضح المركز اللبناني لحقوق الانسان المعني بمتابعة الأوضاع القانونية للاجئين في لبنان، لرصيف22، أن "أي شخص أجنبي دخل خلسةً الأراضي اللبنانية لا يمكنه أن يغادر إلا بعد تسوية وضعه لدى الأمن العام اللبناني. وهذا الإجراء لا يشمل فقط من دخل عن طريق التهريب عبر الحدود البرية، بل أيضاً من دخل عبر المطار بتأشيرة سياحية وكسر تأشيرته بإقامته لفترة أطول مما تسمح به التأشيرة".

ولا يُمكن للاجئين أن يسوّوا أوضاعهم في المطار مباشرةً، بل لدى الأمن العام، علماً أن هذه الآلية يستفيد منها السوريون والأجانب الذين كسروا إقامتهم السياحية لفترة قصيرة.

ووفقاً للمركز، تتكرر المشكلات عندما يحصل اللاجئ على تأشيرة المرور إلى بلد اللجوء، ويذهب مباشرةً إلى المطار من دون تسوية أوضاعه. علماً أن هذه التأشيرة تكون محدودةً بوقت زمني لاستخدامها، وقد لا يتخطى الشهر من تاريخ صدورها. وتالياً يخاف اللاجئون من أن يتأخروا في تسوية أوضاعهم.

أما في ما يتعلق بكلفة التسوية، فمن الممكن، حسب المركز، أن يتم تقديم طلب إعادة نظر إلى الأمن العام في حال كانت المبالغ كبيرةً جداً. وفي هذه الحالة ينظر في الملف مدير عام الأمن العام (اللواء عباس إبراهيم)، على أن يتم تخفيض الكلفة إلى خمس سنوات فقط. كذلك من الممكن أن يتم إعفاء الأشخاص بشكل كامل من دفع التسوية وتسهيل سفرهم في حال كان لديهم وضع صحي صعب أو في حال كانوا قاصرين.

تروي ندى عن خروجها من العراق، وتقول: "هربنا سواسيةً، لا فرق بين الغني والفقير. فقدنا كل شيء في ليلة واحدة! لماذا لم نلقَ أي مساعدة؟ هل نحن كعراقيين مسيحيين منبوذون لأننا أقلية لا تأثير لها في السياسة؟".

ويُصدر الأمن العام قراراً بمنع دخول اللاجئ إلى الأراضي اللبنانية لمدة خمس سنوات بعد تسوية أوضاعه، أو بشكل تام. ومن الممكن أن يتم إعطاء إذن بالدخول في حال كان للاجئ أقارب لبنانيون.

الهجرة تبقى مُرّةً، إن في بلد يحترم الإنسان وحقوقه أو في بلد يهدر حقوق مواطنيه واللاجئين إليه. هذا ما يُردده اللاجئون العراقيون في لبنان. يقول رافد: "نحن هنا لسنا معدودين كلاجئين حتى، لأن أوراق الأمم هي أوراق تسجيلية ولا تكفل أي حق. هربنا من داعش وأتينا إلى هنا من أجل تأمين عائلاتنا، ولكننا لا نشعر بالأمان. إذا تم الاعتداء علينا في الشارع، لا أحد يحمينا".

تشتاق ندى إلى حياتها في العراق، وإلى منزلها وإلى عائلتها الكبيرة، وإلى أصدقاء تشاركت معهم أيامها. ولو مهما حدث ولو أينما كانت، هي لن تشعر بالحرية والأمان إلا في منزلها في العراق. هي تفتقد ابنتها وأولادها، ولا يُمكنها أن تلقاهم كونهم لا يزالون في العراق. تقول: "هناك الأمن مفقود. وهنا أبسط الحقوق مهدورة. لا يمكننا أن نحمي أنفسنا ولا أحد يحمينا. أحلامي بسيطة أو هكذا أعتقد. أريد عائلتي".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard