منذ نحو ثلاثة عقود، درجت الأمم المتحدة على جمع بلدان العالم في قمم مناخ عالمية - تسمى COPs - وتعني "مؤتمر الأطراف". لم يهتم العرب بهذه القمم طوال سنوات إذ كانت قضية المناخ هامشية بالنسبة إليهم. إلا أن القمة الـ26 المنعقدة حالياً في المملكة المتحدة شهدت اهتماماً عربياً غير مسبوق.
في السيناريو الأول، من الممكن أن يتوقف العالم عن حرق النفط والغاز لتقليل الانبعاثات المسببة لارتفاع الحرارة، ما قد يهز اقتصادات دول الخليج. وفي الأخير، قد تستمر درجات الحرارة العالمية في الارتفاع، فتستحيل إذ ذاك تضاريس الخليج غير صالحة للعيش.
قمة غلاسكو: جدول أعمال مزدحم واتفاقيات "مشكوك فيها"
في 31 تشرين الأول/ أكتوبر المنقضي، انطلقت فعاليات قمة غلاسكو للمناخ (كوب 26) وحضر كبار قادة العالم في المدينة البريطانية كـ"فرصة كبيرة أخيرة للتحكم مجدداً" بمجريات المناخ العالمي. تستمر القمة 12 يوماً، وينتظرها جدول أعمال مزدحم، علماً أن هدفها الرئيسي هو معالجة أزمة المناخ الناجمة عن زيادة الاحترار.خلال اليومين الأولين، استقبلت الوفود المشاركة وتبادل كبار القادة الإدلاء ببياناتهم، قبل أن تنطلق المناقشات الجادة حول "سبل التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه وتوفير الأموال اللازم لذلك" في نهاية اليوم الثاني.
وعقب "الاستراحة" من المناقشات يوم الأحد 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، يشهد اليوم الثامن نقاشات حول كيفية التعامل مع تغير المناخ بموجب الإجراءات. وفي اليوم التاسع سيناقش أثر تغير المناخ على النساء وأهمية قيادتهن للاستجابة البشرية لهذه الظاهرة.
درجة حرارة الشرق الأوسط ترتفع ضعفَيْ معدل بقية العالم… حضور رفيع للعرب في قمة غلاسكو كـ"فرصة كبيرة أخيرة للتحكم مجدداً" بمجريات المناخ العالمي. لكن الإيفاء بتعهداتهم "مشكوك فيه"خلال اليوم العاشر، سيتناول المجتمعون النقل و"المركبات العديمة الانبعاثات" مع إمكانية استحداث "ممرات شحن خضراء" غير ملوثة للبيئة. وتقرر أن يكون اليوم الحادي عشر يوم المدن والبيئة العمرانية، التي تولد نحو 40% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً على الصعيد العالمي. وتختتم أعمال القمة في اليوم الثاني عشر.
تحظى القمة باهتمام ومتابعة عالميين ملحوظين. وكانت قد أشارت تقديرات مسبقة إلى أن القمة ستجذب ما بين 20 و25 ألف شخص خلال فترة انعقادها.
وقبيل مغادرة كبار قادة العالم القمة، تم التوصل إلى اتفاقية جديدة للحد من انبعاثات غاز الميثان، أحد الغازات المسببة لظاهرة الاحترار. كذلك، اتُّفق على إنهاء إزالة الغابات عام 2030، إذ تعد ضرورية لامتصاص ثاني أكسيد الكربون وإبطاء الارتفاع في درجات الحرارة.
ووقعت 105 دول على تعهد بخفض انبعاثات الميثان بنسبة 30% عام 2030، بما فيها 15 من أكثر 30 دولة تشكل مصدراً رئيسياً لانبعاثات غاز الميثان في العالم. لكن بعض الملوثين الرئيسيين، مثل الصين وروسيا والهند، لم ينضموا إلى الاتفاق.
وقعت الدول المشاركة في القمة أيضاً على اتفاقية للحد من إزالة الغابات، بما في ذلك دول مثل البرازيل وروسيا والصين، التي تحتضن 85% من غابات العالم.
في غضون ذلك، يشكك بعض دعاة حماية البيئة في الاتفاقية الخاصة بالغابات. في عام 2014، تم التوصل إلى اتفاق لخفض إزالة الغابات إلى النصف عام 2020 وإنهائها تماماً عام 2030. بعد خمس سنوات من هذا التعهد، زادت مساحة الغابات المدمرة سنوياً بشكل كبير.
إشكالية أخرى متعلقة بالاتفاق هي أنه ليس واضحاً ما إذا كانت الدول الغنية والأكثر تلويثاً ستنفذ وعودها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة البلدان النامية على مكافحة الاحتباس الحراري، وهو الهدف الذي قال جون كيري، المبعوث الأمريكي الخاص للمناخ، إنه في متناول اليد. وربما يتضح مدى قدرة الدول المجتمعة في القمة على تحقيق هذا الهدف المالي، عقب انتهاء المناقشات الصعبة التي يعقدها ممثلون عنها بعد مغادرة رؤساء الدول والحكومات.
حضور عربي رفيع
على الصعيد العربي، شاركت في "كوب 26" وفود عربية رفيعة المستوى، بمن فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير دولة قطر تميم بن حمد آل الثاني، ورؤساء وزراء دول مثل الكويت وليبيا والأردن ولبنان، وأمراء منهم ولي العهد البحريني سلمان بن حمد.وفي رأي أنس القصاص، الباحث والمحاضر في العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية والسياسات الدفاعية، فإنه على الرغم من أن المشاركة العربية في قمة غلاسكو تبدو رفيعة المستوى وأكثر اهتماماً، لا يزال الوعي بقضية المناخ محدوداً لأن القضية ما برحت غائبة عن مناهج التعليم وقليلة التناول في النقاشات الاجتماعية والإعلامية في المنطقة.
وفود عربية رفيعة تشارك في قمة غلاسكو، ودول خليجية تتعهد بصفر انبعاثات كربونية وترصد مليارات الدولارات لبلوغ الحياد المناخي… هل أصبحت الدول العربية تعي خطورة تغير المناخ؟يقول القصاص لرصيف22: "لا يزال غائباً عن العالم العربي وجود منظمات مجتمع مدني معنية بالتغيير المناخي للقيام بالدور التوعوي".
يعزو القصاص ذلك إلى أن المنطقة العربية تميل نحو الفكر أو التوجه اليميني المعروف بعدم اكتراثه لقضية المناخ لأسباب عديدة، بينها الشكوك السياسية والأهداف. ويوضح أن "منتجي النفط، كالسعودية، متخوفون من أن يكون الغرض هو أن تحل شركات الطاقة المتجددة بديلاً لشركاتهم الحالية فيكون المقصد استثمارياً مرجواً منه تكوين أثرياء جدد".
إلى ذلك، لا يبدو أن لدى الدول العربية خيارات بديلة للاهتمام بالمناخ إذ تعرضت سلطنة عمان في الآونة الأخيرة لإعصار شاهين، وهو أول إعصار استوائي يصل إلى أقصى الغرب في الخليج العربي.
وفي البصرة (جنوب العراق)، أدى الضغط على الشبكة الكهربائية الصيف الماضي بسبب ارتفاع درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية إلى الانقطاع الطويل والمتكرر للتيار الكهربائي. وفي عام 2016، حطمت الكويت الرقم القياسي لليوم الأكثر حرارة إذ وصل إلى 53.6. لكن هذه الدرجة بات متكررة في الصيف الماضي.
كذلك حدثت فيضانات مفاجئة في جدة ومكة. وارتفع متوسط درجات الحرارة في جميع أنحاء السعودية 2%، ودرجات الحرارة القصوى 2.5%، مقارنةً بما كان عليه الوضع في ثمانينيات القرن الماضي. وشهدت الجزائر حرائق واسعة في الغابات حيث توفي العشرات من رجال الحماية المدنية خلال محاولة إنقاذ مدنيين.
حتى في قطر، الدولة التي لديها أعلى نسبة انبعاثات للفرد من الكربون في العالم وأكبر منتج للغاز السائل، تضطر إلى تكييف الهواء الطلق. وفي الإمارات، تكلف أزمة المناخ أكثر من ثمانية مليارات دولار أمريكي سنوياً بسبب ارتفاع التكاليف الصحية المترتبة عليها. كما زادت ملوحة الخليج الناتجة عن تكاثر محطات تحلية المياه، بنسبة 20%، وهو ما قد يتسبب بتأثيرات ضارة على الحياة البحرية والتنوع البيولوجي.
بشكل عام، تزداد درجة حرارة الشرق الأوسط بما يقارب ضعفَيْ المعدل لبقية العالم. بحلول نهاية القرن الحالي، إذا ثبتت صحة التوقعات الأكثر تشاؤماً، فقد لا تكون مدينة مكة صالحة للسكن، ما يجعل فريضة الحج التي تتزامن في فصل الصيف بمثابة حج محفوف بالمخاطر، وربما كارثة.
مبادرات عربية لمكافحة تغير المناخ… جادة؟
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت دول عربية مبادرات ضخمة وأطلقت وعوداً في ما خص مكافحة تغير المناخ. تعهد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان استثمار أكثر من مليار دولار في مبادرات بيئية جديدة للوصول إلى الحياد الكربوني عام 2060، في ما أطلق عليه مبادرة "السعودية الخضراء".وكشفت وزارة التغير المناخي والبيئة الإماراتية عن ثلاث مبادرات وطنية تدعم جهودها لتعزيز استدامة البيئة ودعمها بالحلول الابتكارية. وتعهدت استثمار أكثر من 600 مليار درهم (نحو 160 مليار دولار) في الطاقة النظيفة والمتجددة لتحقيق الحياد المناخي عام 2050.
لكن القصاص يشكك في مدى نجاح الدول المنتجة للنفط في الخليج أو في شمال إفريقيا في تنفيذ تعهداتها بسبب مخاوفها السياسية من أهداف دعوات الحد من الانبعاثات التي تقوم على استبدال الوقود الأحفوري -مصدر ثروتها- بطاقة متجددة قد تعود بمليارات الدولارات على شركات ودول أخرى.
يضيف القصاص أن منطقة الخليج تشهد ازدحاماً بناقلات النفط التي تعمل بأنواع من الوقود هي أكثر تلويثاً للبيئة وتخلّف انبعاثات كبيرة، متسائلاً: "هل تمتنع هذه البلدان عن استقبال ناقلات النفط وتوقف حركة نقل براميل الخام الأسود؟".
"منتجو النفط، كالسعودية، متخوفون من أن يكون الغرض هو أن تحل شركات الطاقة المتجددة محل شركاتهم الحالية فيكون المقصد استثمارياً مرجواً منه تكوين أثرياء جدد"وتجدر الإشارة إلى أن السعودية "عرقلت" في سنوات سابقة تقريراً مهماً للأمم المتحدة حول المحيطات والتغير المناخي لتأكيده على ضرورة خفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري.
لكن تقريراً لوكالة أسوشيتدبرس، نُشر في 27 تشرين الأول/ أكتوبر المنقضي، أوضح أن السعودية والإمارات والبحرين تعهدت انبعاثات صفرية "داخل حدودها" مع الحفاظ على صادرات الوقود الأحفوري إلى الخارج على ما هي عليه.
وقالت الوكالة إن السعودية كانت واحدة من الدول التي مارست ضغوطاً وراء الكواليس قبل انعقاد "كوب 26" لتغيير النبرة المستخدمة بشأن الانبعاثات، في محاولة على ما يبدو لتخفيف تقرير لجنة العلوم التابعة للأمم المتحدة حول ظاهرة الاحتباس الحراري. ونسبت هذه المعلومات إلى "وثائق مسربة".
وفي تصريحات للصحافيين الشهر الماضي، تساءل وزير الطاقة القطري سعد الكعبي، بلهجة ساخرة من مبادرات جيرانه البيئية، عما إذا كانت لدى الدول التي تعهدت "صافي الصفر" -أي صافي انبعاثات صفري- خطة لكيفية تحقيق ذلك.
هل من مبادرات عربية واعدة؟
على الجانب الآخر، يشير القصاص إلى وجود مبادرات عربية مبشرة قد تكون أكثر نجاجاً مثل محطات الطاقة المتجددة في المغرب ومصر اللذين يتنافسان على إنشاء أكبر محطات الطاقة الشمسية والترويج للسيارات العاملة بالطاقة النظيفة.في حين أن تكلفة خفض الانبعاثات مرتفعة جداً، خاصة الكبريت، لحاجتها إلى بنية تحتية مرتفعة الثمن، فإن العديد من الدول العربية النامية أو الفقيرة أو التي تخوض صراعات كسوريا وليبيا والعراق وغيرها من منتجي النفط، لا يمكنها تحملها.وتشير تقارير إلى أن شركات الطاقة الوطنية مثل أرامكو السعودية وأدنوك في أبوظبي وقطر للطاقة تمضي قدماً في الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات وتعزيز الاستثمارات في المنتجات البتروكيماوية المستخدمة في الأسمدة والبلاستيك والمطاط والبوليمرات الأخرى.
وصدرت قطر للطاقة شحنة غاز طبيعي مسال خالية من الكربون إلى سنغافورة وهي تعتزم تدمج تكنولوجيا احتجاز الكربون في خططها التوسعية.
ما موقف الدول العربية الفقيرة؟
في حين أن تكلفة خفض الانبعاثات مرتفعة جداً، خاصة الكبريت، لحاجتها إلى بنية تحتية مرتفعة الثمن، فإن العديد من الدول العربية النامية أو الفقيرة أو التي تخوض صراعات كسوريا وليبيا والعراق وغيرها من منتجي النفط، لا يمكنها تحملها، وهذا ما يجعل هذه الدول كأنها في مهب الريح.علاوة على ذلك، يلفت القصاص إلى أن تكنولوجيا الطاقة المتجددة لا تزال باهظة الثمن وتفوق قدرات الكثير من الدول العربية المأزومة اقتصادياً، بغض النظر عن تدشين مصر والمغرب محطاتهما. ويعتقد الباحث المصري أن الكثير من الدول العربية لن تتمكن من خطوة مماثلة من دون "دعم دولي".
يدلل على ذلك تعرض السودان خلال العامين الماضيين لأزمة إنسانية جراء الفيضانات في ظل عدم قدرتها على إنشاء ترع وسدود لكبح المياه. اليمن هو الآخر يتعرض لأزمة انسانية جراء نقص مياه شرب في ظل ارتفاع كبير في درجات الحرارة. ويعاني العراقيون غير الأثرياء من عدم القدرة على توفير مكيفات الهواء تعينهم على درجات الحرارة المرتفعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين