"إذا سألت أي شخص عربي: ماذا تعرف عن دولة موريتانيا؟ فمن الممكن ألا يعرف أنها بلد عربي ومسلم، لذلك أنا هنا في مدينة نواكشوط، وأريد أن آخذكم معي في جولة لتتعرفوا أكثر على هذا البلد"؛ بهذه الكلمات افتتح الرحالة وصانع المحتوى الأردني قاسم الحتو، المعروف بـ"ابن حتوتة"، فيديو صوّره خلال زيارة قام بها إلى موريتانيا، ووثقها في فيديوهات نشرها على يوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي، وهو الذي يشترك في قناته على يوتيوب 1.15 مليون شخص، وقد حمل أحد الفيديوهات عنوان: "ما هي موريتانيا؟ هل هي فعلاً عربية؟".
رحلة "أطول قطار في العالم"
الرحالة الذي قال في حديثه لنا، عن سبب تحوله إلى رحالة: "الشيء الذي دفعني لأكون رحالةً، هو حب الفضول الذي استمر معي منذ الطفولة، وعلى الرغم من أن غالبية الناس تنطفئ عندهم شعلة الوصول بعد مرحلة المراهقة، ولكن لحسن حظي أن الفضول لم ينطفئ عندي، وهو ما دفعني لأن أصول وأجول في العالم بحثاً عن أجوبة على أسئلة حول الثقافات الأخرى".
زار الرحالة مناطق عدة في موريتانيا، وخاض تجارب متنوعةً، وحكى عن سبب قدومه، فقال: "رحلتي إلى موريتانيا جاءت بعد أن شاهدت فيديوهات على الإنترنت عن قطار لنقل الحديد، وأعجبتني فكرة التجربة، إذ تقضي 20 ساعةً في وسط الصحراء بين مدينتَي الزويرات ونواذيبو، في القطار والصحراء والأجواء الصعبة. وهذه الرحلة يخوضها كثير من الموريتانيين بشكل روتيني لأنها جزء من حياتهم. أحببت أن أعرف شعورهم خلالها، وما هي الظروف التي يمرون بها في هذه الرحلة. وبما أنني وصلت إلى موريتانيا، فكان يتوجب عليّ أن أتعرف على البلد بشكل عام أيضاً، وليس على تجربة القطار فحسب".
إذا سألت أي شخص عربي: ماذا تعرف عن دولة موريتانيا؟ فمن الممكن ألا يعرف أنها بلد عربي ومسلم، لذلك أنا هنا في مدينة نواكشوط، وأريد أن آخذكم معي في جولة لتتعرفوا أكثر على هذا البلد
يقول ابن حتوتة إن سبب الرحلة الآخر هو أن موريتانيا "بلد عربي، لكن لقلّةِ معلومات بقية العرب عنه، بسبب سوء التغطية الإعلامية، فهو ليس معروفاً كثيراً بين العرب، لذلك أحببت أن أكون جزءاً من إيصال صورة هذا البلد، وبعض ما فيه لأشقائه العرب". وأضاف: "زرت أماكن عدة، مثل واحة تيرجيت، وصخرة بن عميرة، ومدناً مثل نواذيبو ونواكشوط وشنقيط".
ورحلة القطار الطويل الذي يوصف بأنه أطول قطار في العالم (من حيث عدد العربات)، أصبحت من أكثر الأنشطة الجاذبة للسياح الغربيين إلى موريتانيا، وكان أول تشغيل للقطار في عام 1963، ويخوض هذا القطار الطويل مجابات الصحراء الموريتانية، ويمر على ملامح متنوعة منها، إذ يقطع 704 كيلومترات يومياً من الميناء في العاصمة الاقتصادية نواذيبو على ساحل الأطلسي، إلى مناجم الحديد في الزويرات المنجمية شمال شرق البلاد، ويصل طول الرحلة في مجملها إلى نحو 20 ساعة.
ويبلغ طول القطار كيلومترين، ويتكون من ثلاث أو أربع قاطرات، وعربة ركاب، وما بين 200 و210 عربات بضائع، قد تحمل كل منها، في رحلة القطار الغربية إلى نواذيبو، ما يصل إلى 84 طنّاً من خام الحديد.
ويُعدّ هذا القطار ملاذاً لسكان المناطق النائية في قلب الصحراء الموريتانية، إذ يختصر ما يصل إلى 500 كيلومتر على سكان هذه المناطق الذين يسافرون في العادة عبر طريق طويل جنوباً إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط.
وفي مقال لألَسْتاير غيل، بعنوان "رحلة داخل أطول قطار في العالم"، منشور على موقع BBC، يصف الرحلة فيقول :"قد اخترت أنا ورفيقي مايك، كشأن الكثير من الموريتانيين، أن نتفادى عربة الركاب المزدحمة، ونركب في المقابل في عربة البضائع مجاناً، مع أن الرحلة في عربة البضائع خطيرة وصاخبة ومليئة بالأتربة، وقد تتجاوز درجة الحرارة فيها 40 درجةً مئويةً في أثناء النهار".
ويضيف: "كلما شعرنا بضيق هذه العربة الخالية من النوافذ التي لا تتعدى مساحتها ثمانية أمتار بأربعة أمتار، كنا نصعد الدرج ونجلس على الحافة ونشاهد الكثبان الرملية والشجيرات الشائكة".
"وفي آخر النهار، خفت ضوء الشمس قليلاً، وتوقف القطار وسط الصحراء، ونزل الناس من سطح عربات القطار وأخذوا يتصافحون ويتبادلون التحية، كما لو كانوا متفرجين يتحدثون في ردهة المسرح وقت الاستراحة، وليسوا مسافرين عبر الصحراء في قطار لنقل البضائع".
ويتنوع ركاب القطار بتنوع سكان موريتانيا العرقي والاجتماعي، وبما أن القطار يمر بالمناطق الصحراوية، فهي شديدة الحر في فصل الصيف وشديدة البرد في فصل الشتاء.
أما الصخرة التي تحدّث عنها الرحالة، فهي صخرة ضخمة موجودة في أقصى الشمال الغربي من موريتانيا، وبمحاذاة السكة الحديدية التي يمر عبرها القطار المذكور، حيث يُعدّ مونوليث "بن أعميرة"، الثالث عالمياً بعد "أولورو"، و"جبل أوغستس" في أستراليا، ويقع على بعد مئة كيلومتر من مدينة أطار عاصمة ولاية أدرار شمال موريتانيا، في أفق ممتد من الرمال والصحاري، ويجاوره أيضاً مونوليث عيشة أذخيرة.
ويعتقد أهل المنطقة أن الارتفاع الحقيقي للصخرة الموريتانية، هو 360 متراً، أي أنه أكثر ارتفاعاً من الأسترالية التي لا يزيد ارتفاعها عن 345 متراً.
وتحكي أسطورة يتداولها السكان المحليون أن صخرة بن أعميرة وصخرة عيشة أذخيرة، تشيران إلى شخصين كوّنا أسرةً في قديم الزمان، إذ إن بن أعْميرة كان متزوجاً من عيشة، ولهما أبناء، وكانا صخرةً واحدةً متحدةً ثم حدث الفراق فالطلاق، وغادر بن أعميره بأبنائه وترك عيشة وخادمتها، وحالياً يبعد بن أعْمَيرة عن عيشة سبعة كيلومترات، ويجاور بن أعميرة صخرتان صغيرتان هما الأبناء، أما عيشة فتجاورها صخرة واحدة هي خادمتها، حسب الأسطورة المحلية.
ويوجد في هذه المنقطة معرض في الهواء الطلق لمنحوتات قامت بها في أواخر عام 1999 ومطلع 2000، مجموعة مكونة من قرابة 20 فناناً دولياً من قارات وبلدان مختلفة، مثل بوركينا فاسو وساحل العاج وإيطاليا وبلجيكا وفرنسا وإيرلندا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وبولندا وأرمينيا وكازاخستان والصين، وكان الهدف المعلن وقتها من قبل هؤلاء الفنانين هو التأكيد على أهمية السّلم في جميع أنحاء العالم من خلال أعمالهم المتنوعة.
تحكي أسطورة يتداولها السكان المحليون أن صخرة بن أعميرة وصخرة عيشة خيرة، تشيران إلى شخصين يكوّنان أسرةً في قديم الزمان. الرحالة المعاصر ابن حتوتة زارهما
ووقتها مكث الفنانون في المكان طوال 35 يوماً من أجل أعمال نحتية ذات أشكال مختلفة، مسلتهمة من المنطقة وأساطيرها الغزيرة بالعبر والمعاني.
البساطة والصور النمطية
يتحدث الرحالة ابن حتوتة، عما يميز موريتانيا من خلال مشاهداته، فيقول: "المميز في موريتانيا أنها من الدول القليلة في العالم التي ما زالت بسيطةً جداً بكل ما فيها، وليست فيها تعقيدات الحياة كما في المدن المكتظة، والناس فيها على طبيعتهم ولم يتحولوا إلى روبوتات تخدم الأنظمة الرأسمالية".
ويؤكد على أن "التجربة فيها جميلة ومميزة، وبسبب قلة المعلومات عنها، لا يمكن توقع نوع التجربة، وتستمتع فيها بتعلم الكثير عن ثقافة لا يوجد عنها الكثير من المعلومات في إعلامنا العربي".
وأضاف: "لا أتوقع أن تتكرر التجربة، لسبب بسيط أني بشكل عام لا أكرر التجارب وأبحث دائماً عن تجربة جديدة، لكن من الممكن أن أرجع إلى موريتانيا لتجارب غير التي عشتها".
ويعبّر الرحالة الذي زار العديد من الدول عن دهشته بكل ما تزخر به البلاد قائلاً: "تفاجأت جداً بالعديد من المعلومات التي لم أكن أعرفها مسبقاً عن الثقافة الموريتانية، مثل كيفية تعامل النساء مع الرجال وعادات الزواج، مثل أن الزوج في العادة لا يتكلم أو يتواصل مع والد الزوجة عند الزواج وغيرها"، ويضيف: "كانت الصورة النمطية عن موريتانيا أن أهلها غير مرحِّبين ولا يحبون الغرباء، وأنه ليس فيها أي تطور أو مقومات حضارية، لكن الحقيقة كانت مختلفةً؛ كان الجميع لطيفين ومرحِّبين، مع أن الكثير من الأشخاص كانوا لا يقبلون التصوير، لكن عدا عن ذلك، كان تعاملهم لطيفاً جداً، وأيضاً على الرغم من أنه لا يوجد تطور عمراني وحضاري كبير، إلا أن الواقع كان أفضل بكثير من الصورة الذهنية التي كانت في مخيلتي خصوصاً في نواكشوط، أما في المدن الأخرى والقرى ففعلاً كانت ما زالت بلا تطور عمراني وحضاري كبير".
وختم حديثه عن تجربته، قائلاً: "بشكل عام كانت التجربة جميلةً وغنيةً، وفيها الكثير من المعلومات التي تعلمتها عن ثقافة موريتانيا وأهلها".
وشارك ابن حتوتة رحلته، الرحالة وصانع المحتوى الأردني محمد الصباغ، الذي قام من جانبه ببث فيديوهات عن موريتانيا، توثّق رحلته، وفيها انطباعات عن البلد، وقد لفت انتباهه السمك وانتشاره وسوقه الشاطئي، والإبل وسوق بيع الحيوانات وأظهر تفاجؤه بأسعار الإبل في السوق، وببعض العادات والتقاليد، وبالأكل الذي أعجبه كثيراً، خاصةً أكلة الأرز بالسمك.
ومما لفت انتباهه، بعض من يصرفون العملات، إذ يقفون في الشوارع في نواكشوط، ويقومون بحركات بأصابعهم وكأنهم يحلبون الهواء، تشير إلى أنهم يصرفون العملات، ويسمَّون محلياً: "حلابة السماء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين