ممثل ليس له شبيه في الحالة الفنية العربية، ممثّل "كما يقول الكتاب"، سكندري صايع "مقطع البطاقة"، كما يقولون في العامية المصرية تعبيراً عن منتهى الشجاعة.
اختار أن يتعامل مع فنه بمنطق الاشتباك والتحدي، ورغم أن الطريق كان مفتوحاً لاختيار الأدوار السهلة، واللعب في المضمون، لكن مشروعه قام على النقيض من ذلك.
قرّر السير عكس التيار
عادل أدهم، ربما يكون أول فنان يعاني بسبب موهبته الكبيرة، فقد كان تفرّده وتميزّه في أدوار الشر، سبباً في كراهية الكثيرين له، من شدة اتقانه للأدوار التي يقدمها.
وتطرح أدواره تساؤلاً: هل يجوز للجمهور العام أن يتجاهل كل هذه الموهبة الفذة والإخلاص للفن والمشاهد، ويندرج في تلك الكراهية الساذجة؟
في هذه السطور نستعيد مسيرة ممثل استثنائي في الذكرى الـ94 لميلاده، والتي تقدم في ثناياها كل أسباب الحب لـ"ملك الإيفيهات"، والرجل الذي عبرت كلماته الشهيرة العصور لتصبح أيقونات متداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى يومنا هذا، وبعد مرور أكثر من ربع قرن على رحيله.
"برنس" السباحة والملاكمة
في يوم 8 مارس/ آذار من عام 1928، خرج الفتى السكندري متعدد المواهب إلى النور. كانت نشأته في حي الجمرك البحري بعروس المتوسط، وسط أسرة أرستقراطية.
الوالد موظف كبير بالحكومة، بينما تعود أصول والدته إلى تركيا، ومنها استمد هذا المزيج في ملامحه وهيئته.
عاش عادل أدهم طفولة مرفهة، متنقلاً بين شاليهين ورثتهم والدته في منطقة سيدي بشر، لتبدأ من هناك رحلة "البرنس".
ويظن البعض أن لقب "البرنس" قد استمده عادل أدهم من نجوميته في السينما، ولكن الحقيقة أنه كان "برنس" من يومه، فقد كان محباً للرياضة منذ طفولته، فبدأ في ممارسة ألعاب القوى خلال المرحلة الابتدائية، ومنها انتقل إلى رياضة الجمباز، الملاكمة، المصارعة والسباحة، حتى اشتهر في جميع أنحاء الإسكندرية بلقب "البرنس".
الابتعاد عن السينما
صنع الفنان المخضرم عادل أدهم مسيرة حافلة في عالم الفن السابع، حفظت له مكانة كبيرة بين نجوم القاهرة "هوليوود الشرق"، ويبقى، رغم مرور ربع قرن على رحيله، حاضراً بذكراه، وبصورة الممثل المخضرم الذي لا ينساه عشاق السينما الحقيقيون.
رحلة "شرير السينما المصرية" لم تكن سهلة على الإطلاق، بدايته في السينما كانت في عام 1945، ولم يكن قد تجاوز عمره الـ17 عاماً، في فيلم "ليلى بنت الفقراء"، ظهر في دور صغير جداً كراقص.
ثم جاء ظهوره الثاني في مشهد صغير آخر في فيلم "البيت الكبير"، وعمل بعدها كراقص في فيلم "ماكانش عالبال" عام 1950.
عادل أدهم، ربما يكون أول فنان يعاني بسبب موهبته، لقد أحب أدوار الشرّ وأحبته، وأتقن وجوهه القبيحة... فهل كرهناه؟
أحب التمثيل، وقرر أن يحترفه، ولكنه تراجع بعد المحاولة الأولى، بسبب صدمة كبيرة تلقاها من الفنان أنور وجدي، قال له إنه لا يصلح للتمثيل إلا أمام المرآة في منزلهم، ونصحه بترك المهنة.
اقتنع عادل أدهم بنصيحة وجدي، وقرر أن يترك التمثيل، وأن يتجه إلى الرقص مع علي رضا، ومن ثم قرر الابتعاد عن السينما والاتجاه إلى العمل الخاص.
وظل يعمل خلال سنوات حياته الأولى في تجارة القطن، ومارسها إلى أن أصبح من أشهر خبراء القطن في بورصة الإسكندرية، حتى جاءته صدمة جديدة مع قرارات التأميم في الخمسينيات، ليقرر ترك سوق البورصة والقطن والتفكير في السفر.
قرار الهجرة
بعد أن قرر عادل أدهم الهجرة خارج مصر، وأن يولي ظهره لحلمه في التمثيل، لعب القدر لعبته هذه المرة ليجبر خاطر الفتى الذي صدمه أنور وجدي والتأميم، فأثناء إعداده لأوراق السفر تعرف على المخرج أحمد ضياء، الذي قرر تقديمه في فيلم "هل أنا مجنونة؟" عام 1964، ثم واصل أدهم بعدها طريقه، واختار مجموعة من الأدوار التي تميزت بخفة الظل، وساعدته على توسيع نطاق شهرته، منها أدواره في فيلم "أخطر رجل في العالم"، و"العائلة الكريمة" وغيرها.
وهنا كانت نقطة التحول التي عبرت عن الاستثنائية الفنية لعادل أدهم، فبدلاً من الانتقال التدريجي كما يفعل غيره، قرر أن يباغت المخرجين بموهبته، وجرأته في تنفيذ الأدوار، ليمنحونه أدواراً أكثر صعوبة، دارت معظمها في إطار اللص أو الشرير، وساعدته ملامح وجهه، وشخصيته القوية، وضحكته الشهيرة، في تقديم أدوار الشر في السينما المصرية حتى نافس العمالقة زكي رستم، وستيفان روستي، واعتبره النقاد امتداداً لهما.
كان عادل أدهم بارعاً بشكل مخيف في تقمص شخصياته، حتى أصبح الرجل صاحب الألف وجه، وأثناء تصوير دوره في فيلم "هي والشياطين" أواخر الستينيات، أمام أحمد رمزي وشمس البارودي، أصيب بكسور في عموده الفقري، وتعرض لمحنة صعبة، أجرى على إثرها 14 عملية جراحية، وذلك بسبب تقمصه الشديد للدور.
كان قرار تأميم الشركات لجمال عبد الناصر كارثي على رجال الأعمال، ولكن أشهر خبراء القطن في الإسكندرية قرر ترك تجارته، لتفتح له السينما أبوابها، في لحظة يأس قرّر فيها الهجرة... عادل أدهم
فتحت عقليته المنفتحة، ثقافته الرفيعة وإجادته لعدة لغات، أكثر من طريق، كان سريع التعلم، ويحترم مهنة التمثيل ويقدسها.
تحدث في لقاء تلفزيوني عن كواليس دخوله عالم التلفزيون، أيام الأبيض والأسود، على يد المخرج نور الدمرداش، يقول: "جبتله عصايا وقولت له أنا مش بفهم في التليفزيون، ودي عصايا لو غلطت تعاقبني بيها، لكنه كان صاحب بال طويل، وعندما يغضب مني كان يصرخ في الآخرين".
رفض الهجرة
مع نجاحه المتصاعد اقترب عادل أدهم من تحقيق شهرة عالمية، ففي صيف عام 1968 دعاه المخرج العالمي، إيليا كازان، الأمريكي المنحدر من أصل أرميني، للعمل في هوليوود، مؤكداً له أنه سوف يجعل منه فناناً من طراز جاري كوبر، وهمفري بوغارت، وذلك بعد أن رآه كازان يجسد شخصية "المعلم برنس"، التي كانت أول أدواره الشريرة الكبيرة، مؤكداً له أنه يمتلك إمكانيات ستجعله نجماً عالمياً.
رفض عادل أدهم السفر هذه المرة، وقرر البقاء في مصر لأنه أصبح لا يستطيع الابتعاد عن المدينة الشاهدة على حياته بأكملها "الإسكندرية"، وظل حتى اوائل السبعينيات حاملاً لقب "أشهر عازب في السينما".
وشارك بعدها في بطولة العديد من أبرز الأفلام السينمائية المصرية في القرن العشرين، منها "ثرثرة فوق النيل"، "السمان والخريف"، "طائر الليل الحزين"، "الشيطان يعظ"، "المجهول"، "سوبر ماركت".
طفل كبير
عاش عادل أدهم حياة صاخبة ومثيرة "بالطول والعرض"، نجح خلالها أن يشق لنفسه طريقاً وسط أبطال السينما المصرية، لكنه احتفظ بروح الطفل داخل أعماقه.
يتذكر الفنان سمير صبري حكاية آخر رحلات عادل أهم للعلاج في باريس، حيث كان في مستشفى علاج الأمراض المستعصية، يقول سمير صبري في تسجيل تلفزيوني نادر، إن الفنان عادل أدهم تذكر في تلك الرحلة أيامه الأولى في الإسكندرية، وطلب من سمير صبري أن يحضر له "أبو فروة"، وبالفعل نفذ سمير الطلب، وعاد لأدهم الذي تناولها كطفل صغير.
عاد بعدها عادل أدهم، وتوفي في القاهرة عام 1996 عن عمر ناهز 67 عاماً، ومازال صدى ضحكاته الشريرة في الأفلام السينمائية يتردد داخل البيت المصري، تلك الضحكات التي جعلتنا نخاف منه في أدوار البطولة التي قاد فيها حلف الشر مراراً، لكنها لم تمنعنا أن نحبه قدر ما أمتعنا بأدائه الاستثنائي وإيفيهاته العابرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...