شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أحمد زكي... تحدّى العنصريّة وعاش نجمًا رفيقته الوحدة

أحمد زكي... تحدّى العنصريّة وعاش نجمًا رفيقته الوحدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 29 مارس 201906:28 م

"يحبّونني ميتاً ليقولوا كان منا وكان لنا"، تعتبر الجملة التي كتبها الشاعر الفلسطيني محمود درويش تجسيداً لما عاشه الفنان المصري أحمد زكي طوال حياته، فالفتى الأسمر المولود في الشرقيّة عام 1949 قوبل بالعنصريّة في بداية حياته الفنيّة، وهو من نعّده الآن من أعظم فنّاني السينما العربيّة، ولم يخجل من ذكر ذلك: حين تمّ ترشيحه لأحد الأدوار في فيلم "الكرنك" وما إن رآه موزّع الفيلم حتى قال "ده أسود ووحش" وضاعت أوّل فرصة حقيقيّة له بالظهور.

ما قاله موزّع الفيلم، الذي لا يهتمّ سوى بأرقام العائدات الماليّة، يتفق مع السائد آنذاك عن صورة "النجم" التي عانى منها كثيرون، ففي حقبة السبعينيات، وبحسب رأي السيناريست مصطفى محرم، في مذكراته "حياتي مع السينما"، إن صورة النجم في السينما المصريّة لم تخرج عن نمطين، الأوّل النمط الكوميدي وتربّع على عرشه عادل إمام، والنمط الثاني، الوسيم وانتمى إليه في البداية محمود عبد العزيز ونور الشريف، وهذا في حدّ ذاته كان تطوّراً عن صورة النجم في الستينيات، والتي كانت تمثّل نوعاً واحداً يتلخّص في فريد شوقي، النجم الذي يضرب الجميع.

ما قاله مصطفى محرم كان من الممكن أن يستمرّ، لولا اثنان كسرا هذا التابو وأثبتا أنهما نجمان بغضّ النظر عن "الكوميديا أو الوسامة"، الأوّل كان يحيى الفخراني الذي رفض كلّ محاولات "الريجيم" وتمسّك بـ"كرشه" وأثبت أنه نجم قدير، والثاني أحمد زكي الذي لم يهتزّ بسبب العنصريّة ضدّه، هذا الإصرار الذي دفع سعاد حسني لأن تشركه معها في فيلم "شفيقة ومتولي" عام 1978، لتنطلق بعدها مسيرته الفنيّة التي تعدّت الـ60 عملاً فنياً، منهم أكثر من عمل في قائمة أفضل أفلام السينما المصريّة، بجانب جوائز فنيّة أبرزها، جائزة مهرجان القاهرة السينمائي عام 1989.

فالفتى الأسمر المولود في الشرقيّة عام 1949 قوبل بالعنصريّة في بداية حياته الفنيّة. وحين تمّ ترشيحه لأحد الأدوار في فيلم "الكرنك" وما إن رآه موزّع الفيلم حتى قال "ده أسود ووحش".

أحمد زكي الذي لم يهتزّ بسبب العنصريّة ضدّه، هذا الإصرار الذي دفع سعاد حسني لأن تشركه معها في فيلم "شفيقة ومتولي"، لتنطلق بعدها مسيرته الفنيّة التي تعدّت الـ60 عملاً فنياً.

في النهاية كسب أحمد زكي رهانه، بات نجماً يقلّده الكثيرون من النجوم الشباب، بل وبات إلقاء اسم "أحمد زكي" الجديد على أيّ ممثل ذو بشرة سمراء وقدرات فنيّة عالية هو مفتاح نجاحه.

التأثير على السيرورة الفنيّة لآخرين

تلك المهمّة التي قام بها أحمد زكي، فتحت الطريق أمام كثيرين، سواء في التمثيل أو الغناء، كما هو الحال مع محمد منير، الذي اعترف أن إصرار أحمد زكي على الاستمرار، كان خلف استمراره في الغناء، لأنه عانى من نفس الأمر بسبب لون بشرته السمراء، أقول إن تلك المهمّة التي قام بها الفتى الأسمر لم تكن بلا ضريبة، بل لقد دفع الكثير مقابل إثبات وجهة نظره، ورهانه على أن يكون نجماً سينمائياً أسمر ولا يقدّم أفلام كوميدية.

والنجوميّة عند أحمد زكي لم تكن مجرّد "شبّاك تذاكر" وإقبال جماهيري، ففي عام 1985 عُرض له فيلم ""شادر السمك"، وفيلم "الحرّيف" لعادل إمام، واكتسح الأوّل شبّاك التذاكر متفوّقاً على الزعيم، في مفاجأة سينمائيّة من الطراز الأوّل، لكن رغم هذا الخبر السعيد، فإن أحمد زكي كما يروى الكاتب والصحفي بلال فضل في برنامج "الموهوبون في الأرض" بعد لقاء شخصي معه، لم يكن سعيداً، بل نصّ ما قاله: "إزاي يعدّي فيلم الحرّيف من تحت إيديا؟"، ذلك ما يلخّص نظرة الفتى الأسمر للسينما، العمل الجيّد أوّلاً وأخيراً.

تقمص شخصيّاته

ولتحقيق هذا الغرض عاش أحمد زكي بهاجسين طوال حياته، أوّلهما خوفه من عدم إتقان ما يفعله، ذلك ما دفعه إلى التقمّص حدّ التوحّد مع الشخصيات التي أداها، ففي فيلم "أيام السادات" التي جسّد فيها شخصية الرئيس الراحل أنور السادات، طلب من الجميع في التصوير أن يعاملوه كرئيس وألا ينادوه إلّا "يا ريس"، تكرّر الأمر أيضاً في فيلم "أرض الخوف" حين كان يصوّر مشاهد الحزن، لم يكن ليبتسم طوال أيام التصوير حتى في بيته، بل كان حزيناً لا يبتسم حتى يختلط الأمر على المقرّبين منه، هل هو تأثير التصوير أم أن هناك حالة حزن حقيقيّة؟ أضف على ذلك، كل ما يمكن فعله من أجل الظهور بمشهد يلائم الشخصية، سواء عمليات تخسيس أو بروز عضلات بعينها، حتى وإن كان ذلك مضرّاً بصحته.

الأمر لم يتوقّف عند هذا الحدّ، فاختيار الأفلام في حدّ ذاته كان الأصعب في مسيرة أحمد زكي، فهو لا يحبّ التكرار، ويكره الأعمال عديمة القيمة الفنيّة، لذلك لم يكن من الغريب أن يكون في أرشيفه الفني أفلام على شاكلة "البريء - الهروب - البيه البوّاب - ناصر 56- أيام السادات"، التي ورغم تنوّعها يمثّل كل واحد منها، قيمةً فنيّةً منفرداً.

الاكتئاب والوحدة

وخلال تلك المسيرة لم يكن الدعم هو نصيبه، بل في الحقيقة لم يكن المحيطون به يؤمنون بقدراته كثيراً، عكس ما يتوقّع البعض، حتى قرّر الإنتاج لنفسه ومن أجل ذلك رَهَنَ شقته في حيّ المهندسين بالقاهرة، من أجل خروج فيلم "أيّام السادات" للضوء، ولولا نجاح الفيلم جماهيرياً، لبات أحد أهمّ ممثلي مصر والوطن العربي، في الشارع، وهو كان يدرك ذلك جيداً، لذلك لا غرابة أيضاً في أن يكون الاكتئاب والوحدة صديقيه الدائمين، كما يقول لمصطفى محرم: "مش دايماً جملة الجنّة من غير ناس ما تنداس صحّ، الوحدة أفضل بكتير وأنا اتأقلمت عليها".

هاجس الموت

أما الهاجس الثاني لأحمد زكي فهو الموت، وحين أراد عادل إمام أن "يغلس" عليه في أحد المناسبات وكان بينهما مشادات طوال الوقت، لم يجد الزعيم سوى ترديد مقولة: "كلنا هنموت يا أحمد"، بطريقة كوميديّة ولكنها أثارت في الفتى الأسمر مخاوفه، فما كان منه سوى المشاجرة التي جعلته ينسحب ويقول بعدها لبلال فضل في مناسبة: "أنا هوريهم كلهم.. أحمد زكي هو اللي هيعيش.. البريء هو اللي هيعيش.. أيام السادات هو اللي هيعيش"

عاش أحمد زكي 56 عاماً ورحل في 27 آذار/ مارس 2005 بعد إصابته بسرطان الرئة، وبنظرة على مشواره الفني الذي ظلّ فيه حتى وافته المنية، يمكن القول بقلب مطمئن إنه كسب رهانه، وبعد ثورة 25 يناير تحديداً ومع بروز وسائل التواصل الاجتماعي، أُعيد اكتشاف الفتى الأسمر من جديد، سواء من خلال مقاطع سينمائيّة مشهورة له أو أفلام، وصفحات التواصل الاجتماعي تنشر صوره باستمرار بل وأُعيدت السؤال مرّة أخرى، من الأفضل، أحمد زكي أم عادل إمام؟ ورغم استحالة الحسم وإشكاليّة الطرح من الأساس، لكن في النهاية كسب أحمد زكي رهانه، بات نجماً يقلّده الكثيرون من النجوم الشباب، بل وبات إلقاء اسم "أحمد زكي" الجديد على أيّ ممثل ذو بشرة سمراء وقدرات فنيّة عالية هو مفتاح نجاحه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard