إذا كان أحد أهدافنا هو أن نعيش قصة حب سعيدة ومريحة، فإن فهم الفرق بين ديناميكيات العلاقة الصحية وغير الصحية يعد خطوة أولى حاسمة، لأن لا أحد يستحق أن يقع في شرك علاقة سامة.
في الحقيقة، إن العلاقة الصحية مبنية على توازن القوة، ما يعني أنه يتعيّن على كلا الشريكين المساهمة بأفكارهما وآرائهما ومشاعرهما على قدم المساواة.
ما هو "اختلال توازن القوة" في العلاقة؟
لفهم جذور ديناميكيات القوة غير الصحية، من المهم تحديد مفهوم القوة في هذا السياق المحدد: القدرة على توجيه سلوك شخص آخر أو التأثير فيه/عليه بطرق معيّنة. لا يقتصر الأمر على الهيمنة والاستسلام، بدلاً من ذلك، تُفهم القوة في العلاقات على أنها القدرة الخاصة لكل شخص في العلاقة للتأثير على الآخر وتوجيه العلاقة، وهذا عنصر معقد جداً من العلاقات الرومانسية.
إذا كان أحد أهدافنا هو أن نعيش قصة حب سعيدة ومريحة، فإن فهم الفرق بين ديناميكيات العلاقة الصحية وغير الصحية يعد خطوة أولى حاسمة، لأن لا أحد يستحق أن يقع في شرك علاقة سامة
يغير امتلاك القوة نفسية الإنسان بطرق لا ندركها، كتنشيط نظام النهج السلوكي القائم في القشرة الأمامية اليسرى. يتم تغذية هذا النظام من قبل الناقل العصبي الدوبامين، والذي يعتبر مادة كيميائية تعزز الشعور بالسعادة. واللافت أن الشعور بالسيطرة أو امتلاك القوة يسهم تلقائياً في زيادة معدل الدوبامين.
وفقاً لعالم النفس في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، داتشر كيلتنر، فإن امتلاك القوة يجعل الناس أكثر عرضة للتصرف بطرق الاعتلال الاجتماعي، ما يجعل الدافع البشري للمكافأة أعلى من العلاقة الحميمة والتواصل الذي نتمتع به مع شركائنا.
أنواع ديناميكيات العلاقة
هناك ثلاثة أنواع من ديناميكيات العلاقة التي يمكن أن تنتج عن اختلالات سلبية في القوة داخل العلاقة:
ديناميكية الطلب-الانسحاب: عندما يسعى أحد الشركاء إلى التغيير والمناقشة، ويبحث باستمرار عن حل للمشاكل العالقة داخل العلاقة، في حين ينسحب الشريك الآخر ويحاول إنهاء أو تجنب مناقشة القضية، سعياً لتفادي الخلافات.
وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة Personal Relationships، فقد تم ربط هذه الديناميكية بالاكتئاب الزوجي، وهو مؤشر قوي على الطلاق وعدم الرضا في الزواج.
ديناميكية المبتعد-المتعقب: يحاول شخص واحد، يُعرف بالمتعقب، تحقيق درجة معيّنة من العلاقة الحميمة مع شريكه، بحيث يسعى لحل النزاع على الفور من خلال البحث الفوري، بينما يكون الشخص المبتعد بحاجة إلى بعض المساحة للمعالجة والشعور بالأمان قبل حل الصراع.
هذه الديناميكية غير الصحية، مشابهة لديناميكية الطلب-الانسحاب، ولكن الصراع هنا ليس على من لديه المزيد من القوة، بل على قوة التواصل، بحيث يعتبر الشخص المتباعد أن مشكلة العلاقة تكمن في احتياجات شريكه، في حين أن الطرف المتعقب يعتبر أن شريكه بات بارداً في عواطفه.
ديناميكية الخوف-العار: غالباً ما تكون سبباً رئيسياً لمشاكل العلاقة، إذ إن الخوف وانعدام الأمن لدى أحد الشريكين من شأنه أن يبرز الخجل لدى الآخر، والعكس صحيح.
وفقاً للدكتور ستيفن ستوسني، فإن الضعف الناجم من الخوف والعار يتأثر بالعديد من المتغيرات المختلفة (مثل مستويات الهرمونات والتجارب المؤلمة)، والتي يمكن أن تصعب الخروج من هذه الديناميكية.
كيف نكتشف ديناميات القوة غير الصحية في العلاقة؟
أجرى باحثو علم النفس، أليسون فاريل وجيفري سيمبسون وألكسندر روثمان، ثلاث دراسات منفصلة حول توازن القوى في العلاقات، وتمكنوا من ابتكار أسلوب تقرير ذاتي "اختبار"، يُسمى "مخزون قوة العلاقة"، لتقييم ما إذا كانت علاقة الأزواج تعاني من ديناميكيات القوة غير الصحية.
تستهدف الأسئلة الواردة أدناه في هذا المخزون جوانب مهمة من القوة في العلاقات الرومانسية، ويمكن أن تساعد على تقييم ما إذا كان هناك خلل سلبي أو إيجابي في القوة:
-لديّ قول أكثر من شريكي عندما نتخذ قرارات في علاقتنا.
-لديّ سيطرة على اتخاذ القرار أكثر من شريكي في علاقتنا.
-عندما نتخذ قرارات في علاقتنا، يكون لي القول الفصل.
-لديّ تأثير أكبر من شريكي على القرارات في علاقتنا.
-لديّ قوة أكثر من شريكي عند اتخاذ قرار بشأن القضايا في علاقتنا.
-يقبل شريكي عادة ما أريد عندما نتخذ قرارات في هذا المجال.
-في العادة أوافق على ما يريده شريكي عندما نتخذ قرارات في هذا المجال.
-لدى شريكي قوة أكبر مني عند اتخاذ قرار بشأن القضايا في علاقتنا.
هل يوجد شيء اسمه صراع إيجابي على السلطة؟
في حديثها مع موقع رصيف22، أوضحت المعالجة النفسية والمساعدة الاجتماعية غنوة يونس، أن العلاقة العاطفية تقوم على طرفين، وبهدف ضمان نجاحها يجب أن يكون هناك أخذ وعطاء جيد بين الشريكين، أما العلاقة السامة فتظهر حين يكون هناك اختلال في القوة بين الشريكين، كأن يكون العطاء مثلاً من طرف واحد، بالإضافة إلى وجود حب التملك والسيطرة لدى أحدهما.
وأشارت يونس إلى أن توازن القوة يحدث عندما يكون هناك قبول وتناغم من قبل الطرفين وفهم وعقلانية في التعاطي مع الأمور بشكل واقعي، مشيرة إلى أنه في المراحل الأولى في العلاقة، أي مرحلة التعارف، قد يحاول كل فرد أن يظهر أفضل ما عنده للشريك/ة، ولكن في وقت لاحق يغوص كل طرف في أعماق الشخص الآخر، وتكون هذه بمثابة فرصة لفهم الآخر ومحاولة إصلاح المشاكل وتعزيز التوازن، أو ببساطة الانسحاب من العلاقة في حال كانت سامة، كأن يكتشف أن الشريك لديه نرجسية وحب السيطرة.
واعتبرت غنوة أن توازن القوة يتطلب وجود ما يُعرف بالمرونة النفسية لكي يتمكن المرء من تقبل عيوب الآخر ومزاياه: "ما في أحلا من أنو يكون الطرفين عم بيتواصلوا مع بعضن بطريقة إيجابية ويكونوا عم بيغذوا العلاقة وينجحوا".
بينما تشير فكرة الصراع على السلطة أو عدم التوازن إلى شيء سلبي، لا تؤدي جميع الصراعات على السلطة إلى ديناميكيات قوة غير صحية.
صحيح أن المراحل الأولى من الحب قد تجعلنا نشعر كما لو كنا قد وجدنا "النصف الآخر"، غير أن العلاقات الزوجية تتكون من شخصين لهما آراء ومعتقدات ووجهات نظر مختلفة.
بطبيعة الحال، ستكون هناك أوقات من عدم التوازن في العلاقة، ولكن هناك بعض أنواع الصراعات التي تسمح بالنمو داخل العلاقة وتشجع على فهم أعمق واحترام لبعضنا البعض، بمعنى آخر، فإن الصراع الإيجابي بين الزوجين هو الذي يؤدي في النهاية إلى نمو العلاقة وفهم الخطوط التي يمكن تجاوزها، والتي لا يمكن تجاوزها، ومدى قدرة كل شريك على التنازل.
تقاسم السلطة
يعد توازن القوة داخل العلاقة أمراً رائعاً ومهماً للغاية يجب أن نكون على دراية به، حيث يمكن أن يلعب دوراً رئيسياً في الاتجاه الإيجابي أو السلبي للحياة الرومانسية.
يمكن تفسير الوصول إلى توازن في القوة على أنه "قوة مشتركة"، حيث يتم تبادل الأفكار والقرارات بشكل مشترك، ويتم احترام وجهات النظر وتقديرها.
إن الصراع الإيجابي بين الزوجين هو الذي يؤدي في النهاية إلى نمو العلاقة وفهم الخطوط التي يمكن تجاوزها، والتي لا يمكن تجاوزها، ومدى قدرة كل شريك على التنازل
فيما يلي بعض العناصر الأساسية التي تنتج توازناً صحياً للقوة.
الانتباه: عندما يشعر كلا الشريكين أن احتياجاتهما العاطفية يتم تلبيتها بشكل جيّد.
التأثير: عندما يكون لدى الشريك/ة القدرة على التعامل مع الآخر والتأثير عليه عاطفياً.
الاشتراك في القرار: في حين أنه قد تكون هناك أوقات يجب فيها وضع احتياجات أحد الشركاء كأولوية (في وقت المأساة، على سبيل المثال)، يتم اتخاذ معظم القرارات بشكل مشترك.
الاحترام: عندما يكون لدى كل شريك الاحترام والإعجاب بإنسانية الشخص الآخر.
الذات: عندما يحافظ كل شريك على قيمة إيجابية للذات، ويكون قادراً على أن يكون كياناً مستقلاً داخل وخارج العلاقة.
الضعف: عندما يكون كل شريك مستعداً للاعتراف بالخطأ أو الضعف أو عدم اليقين في نفسه.
الإنصاف: عندما يشعر كلا الشريكين أن المسؤوليات والواجبات مقسمة بطريقة تدعم كل طرف.
في الختام، غالباً ما يكون اكتشاف السلوك السام والتعرف على عدم توازن القوة في العلاقة صعب التطبيق، ولكن إذا كنا نريد التأكد فعلاً من مدى صحة العلاقة، فمن الضروري أن نكون قادرين على النظر بموضوعية إلى سلوك شريكنا، وأن نكون صادقين تماماً مع أنفسنا حول ما نراه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...