"أنت عندك حب السيطرة، بدك قلب عالمسطرة"، بهذه الكلمات سبق وأن توجّه الفنان المعتزل، أدهم نابلسي، للشخص الذي لديه حب التملك والسيطرة على الشريك/ة، وفي حياتنا اليومية، نصادف العديد من الأفراد الذين يريدون أن يبسطوا سيطرتهم على كل مفاصل حياتنا، بالإضافة إلى تحويلنا إلى نسخة بعيدة كل البعد عن جوهرنا الحقيقي.
كيف يكون شكل الوقوع في حب شخص لديه حب السيطرة وهوس التملّك؟
حب عميق أم هوس؟
من الرائع أن نكون قادرين على مشاركة أعمق أسرارنا مع الشخص الذي نحبه، وأن نفصح له عن كل ما نفكر به، ونحلم سوياً بكيفية تحقيق أمنياتنا وطموحاتنا، لكن ولسوء الحظ، لا يمكن للجميع اختبار هذا النوع من العلاقات الصحية والجميلة، ففي بعض الحالات، يمكن أن تتحول العلاقة العاطفية إلى شبح يطاردنا أينما كنّا، وينظر إلينا الحبيب دوماً بعين الشك، وهذا هو الحال بشكل خاص إذا كنّا منخرطين في علاقة مع شريك/ة مسيطر/ة.
أوضحت الأخصائية في علم النفس العيادي ستيفاني غانم، أن الإنسان الذي لديه حب و"هوس" بالسيطرة، هو شخص لا يثق بأن الطرف الآخر قادر على اتخاذ قرارات أو خيارات صحيحة، فيحاول، بالقوة، إملاء إرادته على الآخرين: "هذا الشخص لديه قلق كبير ناجم عن مشاكل تعرض لها في طفولته وتنشئته الاجتماعية، وهذه الفوضى الداخلية التي يعجز عن السيطرة عليها تجعله يختار في اللاوعي تحسين فوضى الآخرين".
"ليس من المطلوب أن نعلّم الشخص كيفية عدم السيطرة، بل الأفضل هو تنبيهه إلى القلق الذي يعيش داخله"
واعتبرت غانم أن هذا الشخص لا يسمح لنفسه بأخذ قسط من الراحة، والسبب يعود إلى "كمية القلق الموجودة في داخله، والتي تجعله يحاول إسكات الوجع الداخلي والفوضى من خلال السيطرة على الآخرين".
وعن كيفية التصرف مع شريك مسيّطر، قالت ستيفاني: "ليس من المطلوب أن نعلّم الشخص كيفية عدم السيطرة، بل الأفضل هو تنبيهه إلى القلق الذي يعيش داخله"، منوهة بأهمية أن يكون الشخص المعني على استعداد نفسي للعودة إلى ذاته، واكتشاف السبب الكامن وراء حب السيطرة، وبالتالي معالجته: "الشخص الذي لديه حب السيطرة لا يكون مرتاحاً مع نفسه، ولكن ليس بإمكانه أن يثق أو يرتاح أو ينظر إلى الأمور من زاوية أخرى، لأنه يخاف أن يتألم".
هذا وشدّدت ستيفاني غانم على أهمية أن يحمي المرء نفسه من الشريك المسيطر وألا يقع ضحية أسلوبه.
مؤشرات مقلقة
ليس بالضرورة أن تنطبق القوالب النمطية على الشخص الذي لديه حب السيطرة والتملّك، إذ إن مثل هذه العلاقات السامة يمكن أن يواجهها أي فرد، كما أن حب السيطرة لا يعرف حدوداً، فالناس، من أي عمر أو جنس أو توجّه جنسي أو وضع اجتماعي، يمكن أن يبسطوا سيطرتهم على الطرف الآخر لحدّ جعله يشعر بالاختناق.
يتصور الكثير منّا أن الشريك المسيطر هو الذي يوبّخ حبيبه/ته في العلن، أو يكون عدوانياً معه/ا من الناحية الجسدية، أو لا يكف عن إطلاق التهديدات، هذا وقد نتخيله إنساناً غاضباً يأمر شريكه بكيفية التصرف ويتدخل في كل المسائل.
وفي حين أن هذه التصرفات مقلقة بالفعل، إلا أن هناك العديد من العلامات الإضافية التي قد تظهر بشكل مختلف تماماً وتدل على الشخصية المسيطرة، والسبب قد يعود بشكل خاص إلى شعور المرء بالضعف العاطفي، فيستخدم حينها "ترسانة" كاملة من الأدوات من أجل إحكام السيطرة على الطرف الآخر.
واللافت أنه في بعض الأحيان، يكون التلاعب العاطفي معقداً بدرجة كافية، لدرجة أن الشخص الذي يتم التحكم فيه يعتقد في الواقع أنه وحش شرير يحتاج لمن "يروّضه"، أو أنه محظوظ للغاية لأن شريكه المسيطر "يتحمّله" ويصبر عليه.
سواء أدى السلوك المسيطر إلى إساءة عاطفية أو جسدية أكثر خطورة أم لا، فيجب على الطرف المعني أن يعي بأن العلاقة هنا ليست صحية، ويجب وضع حدّ لهذا الأذى النفسي والجسدي.
إذا كنتم/نّ منخرطين/ات في علاقة عاطفية ولاحظتم/نّ بعض من العلامات التالية، فعندها يجب أن تأخذوا/ن الأمر على محمل الجدّ، وأن تنسحبوا من العلاقة قبل أن تدمركم/نّ.
عزلكم/نّ عن الأصدقاء والعائلة: غالباً ما تكون هذه الخطوة الأولى التي يعتمدها الشخص المتحكم، بحيث أنه قد يشتكي من عدد المرات التي تتحدثون فيها مع أحد أفراد عائلتكم على الهاتف، أو يتذمر من صديقكم المفضل أو يقوم بتحريضكم على شخص مقرّب منكم.
في هذه الحالة، يكون هدف الشخص المسيطر، هو إبعادكم عن شبكة الدعم الخاصة بكم، وبالتالي تجريدكم من قوتكم، بحيث تقلّ احتمالية قدرتكم على الوقوف بوجهه.
النقد المزمن: قد يحاول البعض منكم إقناع نفسه بأن انتقاد شريكه له هو أمر مبرّر، على اعتبار أن هذا الأخير يحاول فقط مساعدته على أن يكون شخصاً أفضل، أو يبرّر أن حبيبه لا يحب الطريقة التي يرتدي بها ملابسه أو يتحدث أو يأكل، وأنه لا ينبغي أخذ الأمر على محمل شخصي.
لكن بغض النظر عن مدى حجم النقد الفردي، إذا كان جزءاً من ديناميكية ثابتة في العلاقة، يكون حينها من الصعب الشعور بالقبول أو الحب.
التهديدات: يعتقد بعض الناس أن التهديدات يجب أن تكون مادية بطبيعتها حتى يتم اعتبارها مشكلة حقيقية، لكن التهديدات بالمغادرة مثلاً أو قطع "الامتيازات"، أو حتى التهديدات من قبل الشخص المسيطر بإيذاء نفسه، يمكن أن تكون شكلاً من أشكال التلاعب العاطفي مثل التهديد بالعنف الجسدي.
واللافت أنه في بعض الأوقات قد يتم تهديد الشخص بفقدان منزله أو حرمانه من رؤية أطفاله.
من المألوف مثلاً أن يشعر الشريك الذي يتم التحكم به بأنه عالق في علاقة، ليس خوفاً من تعرضه للأذى الشخصي، ولكن خشية أن يقوم شريكه بتدمير نفسه إذا رحل عنه.
وبمعزل عن نوع التهديد، فإنها مجرد طريقة أخرى يستخدمها الشخص المسيطر للحصول على ما يريد منكم.
استخدام الشعور بالذنب كأداة ضغط: الكثير من الأشخاص المسيطرين هم متلاعبون ماهرون في جعل عواطف شريكهم تعمل لصالحهم. إذا تمكنوا من التلاعب بكم لتشعروا بالذنب المستمر حيال الأحداث اليومية، ستحاولون تدريجياً القيام بكل ما في وسعكم حتى لا تشعروا بالذنب، وغالباً ما يعني هذا التخلي عن آرائكم ومعتقداتكم، الأمر الذي يصب في مصلحة الشخص المسيطر.
الشعور بضرورة التعويض: قد يأتي التحكم بالأشخاص بقوة في البداية بإيماءات تبدو رومانسية، ولكن يمكن استخدام العديد من هذه الإيماءات، كالهدايا الباهظة، تناول وجبات فاخرة أو نزهات مليئة بالمغامرات، كوسيلة لجعل الشريك يشعر بضرورة التعويض، وهكذا يخلق الشخص المتحكم في داخلكم شعوراً بضرورة تقديم شيء ما في المقابل، أو جعلكم تشعرون دائماً أنكم مدينون له، ما يجعل إنهاء العلاقة أمراً صعباً.
التجسس والتطفل: في العادة يشعر الشريك المسيطر أن له الحق في معرفة أكثر مما يعرفه بالفعل، وقد يبرّر ذلك بالقول إنه سبق وأن تعرض للخداع في علاقاته السابقة، ما جعل ثقته بالآخر تهتز.
سواء أكان يتصفّح هاتفكم أو البريد الإلكتروني الخاص بكم في السر، أو يطلب بشكل صريح الاطلاع على كل شيء، فهذا يعد انتهاكاً للخصوصية.
الغيرة المفرطة: يمكن أن تكون غيرة الشريك ممتعة في البداية؛ فالبعض يعتبرها علامة على مدى الاهتمام أو مدى عمق العلاقة، ولكن عندما تصبح الغيرة أكثر حدّة وخارجة عن الحدود المقبولة، يمكن أن تكون مخيفة ومضرة.
عدم احترام المساحة الخاصة: إنها طريقة أخرى لاستنزاف قوتكم، بحيث يجعلكم الشخص المسيطر تشعرون بالذنب للوقت الذي تحتاجونه بمفردكم لإعادة شحن طاقتكم، فيتهمكم بأنكم لا تبادلونه الحب بما يكفي.
من الطبيعي ألا يكون لدى شريكين نفس الاحتياجات من حيث الوقت الفردي، وفي حين أنه في العلاقات الصحية، يؤدي التواصل حول تلك الاحتياجات إلى حل وسط عملي، ففي العلاقات المتسلّطة يتم "شيطنة" الشخص الذي يطلب قضاء بعض الوقت بمفرده.
التقليل من شأن المعتقدات الراسخة: سواء كان الأمر يتعلق بإيمانكم أو بموقفكم السياسي أو بوجهة نظركم للطبيعة البشرية، فمن المهم أن تكون هناك مناقشات شيّقة بينكم وبين الشريك/ة، ولكن من غير المقبول أن يجعلكم الشخص المسيطر تشعرون وكأنكم سخفاء أو أغبياء، ويحاول باستمرار تغيير رأيكم بمسألة تؤمنون بها، لمجرد أن تصبح معتقداتكم منسجمة مع معتقداته الخاصة.
في بعض الأحيان، يكون التلاعب العاطفي معقداً بدرجة كافية، لدرجة أن الشخص الذي يتم التحكم فيه يعتقد في الواقع أنه وحش شرير يحتاج لمن "يروّضه"، أو أنه محظوظ للغاية لأن شريكه المسيطر "يتحمّله" ويصبر عليه
العلاقات الجنسية المزعجة: يمكن للديناميكية المسيئة أو المسيطرة داخل العلاقة أن تشق طريقها إلى غرفة النوم. وبالتالي، عندما تشعرون باستمرار بعدم الاستقرار حيال ما يحدث وسط علاقتكم الجنسية، فهذه علامة على وجود خطأ ما في العلاقة نفسها.
في بعض الحالات، قد تكون حاجة الشخص للتحكم في روتينه أو وضعه أو بيئته علامة على القلق أو اضطراب في الصحة النفسية.
عندما يحاول شخص بسط السيطرة على الآخرين أو التلاعب بهم، فقد يكون ذلك ضارّاً وشكلاً من أشكال الإساءة.
إذا كانت العلاقة غير صحية ولكنها ليست مسيئة، فقد يكون من الممكن للشخص المتحكم أن يعمل على تغيير سلوكه، ومع ذلك، يمكن أن تتصاعد السيطرة القسرية إلى العنف الجسدي.
من المهم للأشخاص الذين يعيشون مع شخص متحكم أو مسيء أن يكون لديهم خطة لحماية أنفسهم، حتى يتمكنوا من مغادرة العلاقة بأمان وبأقل أضرار جسدية ونفسية ممكنة.
وفي النهاية، نختم بما قالته سيليست فيسيير، مؤلفة بودكاست Celeste The Therapist: "أن تكون واعياً وحاضراً ومراعياً لما يحدث في علاقتك العاطفية هو أمر صعب، لأننا نميل إلى أن نشعر بعمى الحب"، وأضافت: "اعملْ على عدم السماح للحب بأن يعمي حكمك، وراقبْ أي سلوك متحكم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...