في أوائل العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، تبدو المسائل التي شغلت العقود الخامس والسادس والسابع من القرن العشرين، فائتة أو منصرمة. ومن أولى هذه المسائل مسألة "المجتمعات الانتقالية"، على ما سُمّيت.
وفي باب "الانتقال"، أدرجت النظريات المتنازعة التحديثَ على أنواعه ومستوياته، والتنمية الاقتصادية والشاملة، والتراكم الرأسمالي الأولي أو الإقلاع في لغة أخرى، والطريق اللارأسمالي (إلى الاشتراكية أو الحداثة)، وبناء الدولة...
ويذكّر حديث محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ونائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع، ورئيس هيئات كثيرة تتولى شؤون النفط وتخطيط المدن الجديدة وتوطين التكنولوجيا وتنسيق الصناعات العسكرية، إلى "ذي أتلانتيك" الأميركية (في الثالث من آذار/ مارس، ونشرته صحف سعودية في الرابع منه)، بغلبة هذا الشاغل على اقتصاديات تلك العقود واجتماعياتها وسياساتها.
سجلّ الفخر
ومَن يخوض في المسألة اليوم ليس دارساً غربياً، أوروبياً أو أميركياً، ينظر في معضلة الجمع بين إرث تاريخي عملي، حلَّ في أبنية اجتماعية ونفسية ومعايير أخلاقية ومعتقدات، وبين موجبات غالبة على العمل وتجديد الحياة المادية والمعنوية، ولا مدخل إلى الحاضر والتاريخ إلا من طريقها. فالمتحدّث الخائض غمرة هذه المسائل يتبوأ مقعداً عالياً، الأعلى فعلاً وحقيقة، في قلب المملكة العربية السعودية.
والمملكة، على ما لا يكل ملك المستقبل الشاب من القول، تملك "اثنين من أكبر عشرة صناديق (سيادية) في العالم، وتقع بين ثلاثة مضايق بحرية تمر من خلالها 27% تقريباً من التجارة العالمية"، وفي حوزتها "واحد من أكبر الاحتياطيات بالعملة الأجنبية في العالم (...) ولديها القدرة على تلبية 12% من الطلب على البترول في العالم (...) وتطل على البحر الأحمر والخليج العربي..."، وتأتي في المرتبة السابعة عشرة من مجموعة العشرين. ويضمر الرجل، بعد عرضه سجل فخره هذا، القول، وهذا غيض من فيض.
وموقعه من دولته، وموقع دولته من دوائر المصالح والمواصلات والأحلاف والمنازعات، ينبّهان إلى الحال التي صارت إليها اليوم معالجة مسائل التحديث، وأبوابها وفروعها الكثيرة، في أعقاب أربعة عقود بدّلت المسمّيات، في أثنائها، أسماءها ولأسماءُ مسمّياتها، على قول أحد "الأدباء" الفرنسيين.
وإلى موقعه النافذ والآمر، يصدر المتحدّث عن إحدى أكثر الدول والمجتمعات المعاصرة محافظةً وتزمُّتاً، إلى وقت قريب، وأشدّها تضييقاً اجتماعياً وثقافياً على أهلها وعلى الأجنبي. إلا أنها دولة قوية الأركان، تتمتع باستقرار داخلي لا يقارن باضطرابات تهز دول الجوار ومجتمعاته ولا تفوت هذه الحال المتحدث.
والدولة السعودية من وجه آخر وفي وقت واحد، توظّف 800 مليار دولار في مرافق أميركية، وفوق الـ100 مليار دولار في الصين، وينفق سيّاحها خارج بلدهم 30 ملياراً، وتريد حكومتها اجتذاب 100 مليون سائح في 2030، وتبني مدناً ذكية، ويقيم فيها 300 ألف أميركي، و13 مليون أجنبي مقيم، لقاء 20 مليون "مواطن". وعلى هذا، فهي بلد "شبكي"، على قول أصحاب وسائط الاتصال، وتتصدّر سلّم المنخرطين في الشبكة (الإنترنت) ومستخدمي الخوادم والمنصّات. وهذا ما لا يفاخر به ولي العهد اللاهج بإنجازات حكمه وبلده، والمطنب في عرضها.
أضداد الولي
وموقع صاحب القرار، والمتسنّم قمته، لا يدعو المتكلم من حيث هو، أي من شرفته العالية والمحيطة، إلى التدقيق في مواضع الفروق والتباينات على نحو يتوقّعه القارئ من المجرّب الخبير، و"المعارِك" على الخصوص. ويصور نفسه وعمله، أو سياسته وخططه، في صور متفرّقة ومترادفة.
فهو 1) مستبدّ عادل، على مثال تقليدي صاغه الأدب السياسي في ثقافات كثيرة، منها الثقافة الإسلامية العربية في صيغها الكثيرة. 2) وهو محافظ مجدّد، سياسة وهوية وطنية واجتماعاً وديناً وقانوناً. 3) وهو مَلِك راعٍ وشعبٌ رعية ومفتٍ، يملك ملكاً مطلقاً، على قوله الصريح، ولكن عليه أن (يكون) متأكداً من أن الشعب مستعدّ لهذه (الفتوى) ويؤمن بها، وعندئذٍ يتخذ الملك القرار. فالأمر، القرار أو الفتوى، ينبغي أن يصدر عن الملك الراعي وعن الشعب الرعيّة والمفتي معاً، وعلى قلب واحد وفكر واحد وفي الوقت نفسه أو عينه. 4) وهو عريق، ضاربٌ في العراقة، نسباً وتدبيراً، ومعاصر متنبّه إلى "ضرورات" المعاصرة و"محظوراتها" و"مصالحها".
يروي محمد بن سلمان أنه تشيع في الناس "عشرات الآلاف" من الأحاديث "الضعيفة"، يبلغ عددها في بعض الروايات 300 ألف حديث، ويعلن قرب انتهائه من "توثيق الحديث بالطريقة الصحيحة (لـ) استخدام الحديث"، ويتوقع إحداث هذا التوثيق "فارقاً كبيراً"
وتجتمع هذه الأدوار والمواقع والمنازل في بؤرةٍ واحدة. يفترض محمد بن سلمان أن في وسع البؤرة ضم المصالح و"المشاعر" (على قوله)، المتباينة انطلاقاً، والمختلفة والمتنازعة من بعد ولاحقاً، تحت عباءةٍ واحدة ومشتركة. ويقوم الافتراض الأول على افتراض ثانٍ يعوّل تعويلاً مفرطاً على صاحب موقع البؤرة، أو العباءة. وهو هو، على قول توراتي، أي ولي العهد وملك الظل و"صاحب الرؤية".
ويقلّل الافتراضان من قوة الاختلاف الراسخ في "طبائع" الأضداد (الاستبداد/ العدل، المحافظة/ التجديد...) التي تتصدى السلطة، والسلطان، للتأليف بينها في "تكوين" (ابن خلدون) مشترك ومركّب. وكانت نظريات التحديث تنبّهت إلى العلاقات الجدلية والمتأزّمة بين القوى الاجتماعية والسياسية الضالعة أو المشتركة في عمليات التغيير الواسعة والقائمة في المجتمعات الانتقالية.
والمجتمعات أو البلدان التي انتقلت فعلاً إلى التصنيع- وهو وجهة التحديث المضمرة أو المعلنة، وما لوّحت به النظريات والشراكات العملية، الرأسمالية أو "السوفياتية"- خاضت في انتقالها مشكلات قادتها إلى الديكتاتورية حيناً (كوريا الجنوبية، البرازيل، تايوان...)، وإلى التكنوقراطية (ماليزيا، سنغافورة...) حيناً آخر. والبلدان المعلّقة، أو النامية، انفجر معظمها في الأثناء.
الفرادة
ولعل مناقشة ولي العهد السعودي مسألة علاقة الملكية الأسرية بالإسلام مثال على تناول الخلافات من وجه، وعلى إقصائها ونفيها أو تقليص حدّتها، من وجهة آخر. فحين يسأله صحافي "ذي أتلنتيك" في مطلع المحاورة عن أثر خططه التحديثية في عادات السعوديين وتقاليدهم، ويلاحظ شبه مجتمعهم الخارجي بدبي القريبة والولايات المتحدة الأميركية البعيدة، ينتفض محمد بن سلمان، ويحتج "للطريقة الإبداعية" التي ينتهجها في إنجاز خططه وبرامجه. ويعزو "الإبداع"، على خلاف "النسخ"، إلى التمسّك بـ"هوية السعودية الإسلامية".
ويذهب إلى أن منشآت العلا، والدرعية، وجدّة القديمة، والقدية في الرياض، ومدينة نيوم السياحية، فريدة في بابها (أو أبوابها)، ويجوز إنزالها منزلة واحدة. ودليله على قوله في العلا- وهو موقع أثري أنشأ آثاره ومعالمه الصخرية القمرية قوم النبط، في القرون الميلادية الأولى- أن العلا "لا يوجد مثلها على هذا الكوكب". ولا تعود هذه الفرادة، غير المشكوك فيها، إلى "الصناعة" الحالية. فبعضها يعود إلى الأرض وصخرها ورملها ورياحها، وبعض آخر يعود إلى الصنع النبطي المحفوظ. والبعض الثالث، "الأميري" إذا جاز القول، مردّه إلى "إحياء" هذا التراث، وإخراجه من عتمة الإنكار "الإسلامي" إلى ضوء التأريخ الوطني المتصل، والتذوّق الجمالي المشترك، وإلى المصلحة السياحية والسوقية (التسويقية).
يجزم محمد بن سلمان أن "رأس المؤسسة الإسلامية هو وليّ الأمر، أي الحاكم"، وأن القرار النهائي "لا يأتي من المفتي بل (...) من الملك"... ومقارنة هذا الرأي برأي روح الله الخميني في وحدة الدين والسياسة، وولاية الفقيه، وقيادة العلماء، تبرز فرقاً على طرفي نقيض
وأما الدرعية فهي "أكبر مشروع ثقافي في العالم". ولا ينافسه إلا القدية، "أكبر مشروع ترفيهي/ ثقافي/ رياضي في العالم". والدليل؟ مساحة المشروع البالغة 300 كلم2. ونيوم "الإلكترونية" أُنشئت "بواسطة السعودية". وجدة القديمة "مشروع تطويري"، على اسم نهج في العمارة عمّ الأحياء القديمة في بعض مدن العالم، وتولى تجديد البيوت التراثية وبيعها إلى أثرياء ذوّاقة. والقرائن على الفرادة، والإبداع، والجدة المضافة، تقتصر على الكم، الحجم والمساحة والتكلفة، وأسعار الخدمات والتقنيات المحدثة.
وهي (القرائن) لا تقول شيئاً من المعاني التي تؤدي عن الخصوصية وتجلوها. والإلماح إلى طابع الدرعية "النجدي"، وإلى صبغة جدّة "الحجازية"، أقرب إلى الترويج منه إلى وصف الفرادة. وقد يلاحظ القارئ الاقتصار على شطري المملكة الراجحين، نجد والحجاز، وغياب الحَسا الشرقية، ونجران الجنوبية، وحائل الشمالية، والسراة الداخلية. وهذا انحياز أهلي وسياسي، وربما اقتصادي، إلى مواضع تفوق عوائدها عوائد المناطق أو البلاد الأخرى.
"الثقافات"
وينتهي المتحدث، في هذا الجزء من حديثه، إلى "الهوية السعودية الإسلامية"، أي إلى مرجع الفرادة و"الطريقة الإبداعية" والجدة، على ما تقدّم القول. ويعرفها "ولي أمرها" القادم، بأنها دولة "قائمة على الإسلام". ويضيف: وعلى الثقافة القبلية، وثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، وعلى الثقافة العربية والثقافة السعودية وعلى معتقداتها. وفي الختام يدمج هذه "الثقافات" في بوتقة واحدة: "وهذه هي روحنا".
ورصف "الثقافات" بعضها إلى جنب بعض أو فوق بعض، وخلط حابلها بنابلها، وغمط أو محو الفروق بينها وإسهامِها في المركّب الأخير والمشترك الذي أنتجته، قد لا يكون دليل عمل ولا مرشد فهم دقيقين ونافعين. والأواصر والروابط التي يحصيها المسؤول الكبير على قدم المساواة لا تستوي على مستوى واحد، ولا تنزع منزعاً وحداً. فالأعرابية البدوية و"الطبيعية"، في خبر مشهور عن عثمان بن عفان وأبي ذرّ الغفّاري، تخالف معاهدة المدينة وأهلها، وتتقي "مخافتها" بالمعاهدة، أي بالرابطة الإرادية والمختارة.
ولا ينبغي للأعراب أن تقول "أسلمنا بل آمنّا". والهُجَر التي أنشأها عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ووطنت القبائل، وخلطت المقاتلين على اختلاف أنسابهم، ولحمت بينهم بالمعتقد، أدخلت على الغزو القبلي ثبات الجيش وتماسكه. ولا تأمن "العروبة" الالتباس بعصبية نزقة ومتشاوفة تسوقها إلى "العنصرية" وتمييزها.
وعلى هذا، يؤدي توحيد "الثقافات" المختلفة اختلافاً عميقاً في معظم الأحيان، والمتنازعة، والمحتاجة إلى نصاب تحكيم يرتّبها على مراتب ودوائر متفاوتة من الصدق والحق والعدل، إلى بلبلة الموازين والمعايير.
ويطمئن نائب رئيس مجلس الوزراء محاوره إلى قوة نصاب التحكيم والترتيب هذا. فيُعلمه بأن عقوبة الإعدام "تخلّصنا منها جميعاً ما عدا فئة واحدة". وهذه "الفئة" تلحظ حق عاقلة القتيل، وهي "عائلته" الواسعة، في قتل القاتل. وهذا عرفٌ قبليٌ هذّبه الإسلام وقلّص دائرته، وكان حقاً في حرق ديرة القاتل وسلبها وسبيها (أحياناً) طوال ثلاثة أيام، ونص عليه التنزيل.
وهذا برهان على الخلاف بين "(قيام) الدولة على الإسلام" وبين قيامها على "الثقافة القبلية". وتتولى الإدارة العامة، الحكومية، كبح ميل الأهل إلى الثأر العاجل لقتيلهم: "إذا كان هناك عقوبة إعدام، فلن تنفّذ في اليوم التالي، بل بعد ستة أشهر أو حتى عام، لإعطاء العائلة التي فقدت فرداً مقتولاً الوقت ليهدأوا، ويفكّروا بتمعّن". وقريب من تقييد عقوبة الإعدام، على النحو الذي يغلّب "ثقافة" على "ثقافة"، إلغاء "عقوبة الجلد التعزيرية (...) تماماً في المملكة العربية السعودية".
المدوّنة والدولة
ويخلص وليّ السلطة القضائية الفعلي وغير الرسمي، إلى أن "المشكلة الوحيدة التي (يحاول) حلها هي التأكد من عدم وجود عقوبة إلا بقانون". وإرساء القضاء على مدوّنة قانونية شاملة، وهذا ما سعى فيه السلطان سليمان القانوني، خليفة فاتح القسطنطينية العثماني محمد الفاتح، فصاغ "قانون نامه" (في الثلث الأخير من القرن الخامس عشر م)، فرع على أصل "ثقافة" الدولة الحديثة. فالقبيلة، أو "الأنظمة القبلية من شيوخ قبائل ورؤساء مراكز وهجر"، والتي يبلغ عددها نحو ألف نظام، على إحصاء المتكلم، لا تشترط سَنّ مثل هذه المدوّنة، ولا تنقاد لها طوعاً.
"يسكت نائب رئيس السلطة التنفيذية (ولي العهد السعودي محمد بن سلمان) عن السلطة التشريعية، ويُحل محلها، حذراً ومتحفّظاً، سلطة ‘تنظيمية’ يعود أمرها إليه، من طريق التعيين والثواب والعقاب و‘المشورة’ الفقهية والشرعية"
وإلى اليوم، على ما يروي الأمير نفسه، تشيع في الناس "عشرات الآلاف" من الأحاديث "الضعيفة" المتناقلة عن محدثين "أسماؤهم غير معروفة"، وسندهم إما مرسل وإما مرفوع. وهو يقيس هذا العدد، ويبلغ في بعض الروايات 300 ألف حديث، على الأحاديث المئة الموثوقة قطعاً (وهي أربعون، على ما ذهب إليه النووي، ت. 676هـ). ويحمل على قراءة الناس كتباً مختلفة "لا يمتلكون طريقة التفكير أو المعرفة لربطها"، تفرّقهم وتشتّتهم. ويعلن قرب انتهائه من "توثيق الحديث بالطريقة الصحيحة (لـ) استخدام الحديث". ويتوقع إحداث التوثيق "فارقاً كبيراً". وهذا كذلك، في دائرة القضاء والفتوى والاجتهاد الإسلامية، شأن الدولة المركزية، وليس شأن غيرها.
وبعد المدوّنة القانونية، ومدوّنة الحديث والسنّة، يتناول نائب والده الملك سلمان بن عبد العزيز علاقة المبنييْن أو السلكيْن، الملكي السياسي والفقهي الشرعي، واحدهما بالآخر. فيجزم غير هيّاب أن "رأس المؤسسة الإسلامية هو وليّ الأمر، أي الحاكم"، وأن القرار النهائي، "لا يأتي من المفتي بل (...) من الملك". والإفتاء "مشورة". ويتناول، على سبيل المثل أكل الصائم في رمضان. ومقارنة هذا الرأي برأي روح الله الخميني في وحدة الدين والسياسة، وولاية الفقيه، وقيادة العلماء، تبرز فرقاً على طرفي نقيض.
وإناطة الأمر، أي السلطة، بالملك تتأتّى من تعقيد صوغ القرار السياسي. فتقييد العقوبات كلها بقوانين تنص عليها، وحصر الاجتهاد في مسند مأذون، وإباحة إقامة المسيحيين واليهود بالأرض الحرام، والفتوى بجواز قيادة المرأة السيارة وسفرها من غير محرم، والسعي في إنشاء صناعة سياحية مزدهرة، وإرادة أن "تطابق" المعايير الاجتماعية السعودية المعايير الغربية "بين 70 و80 في المئة" في "المرحلة النهائية" من الإجراءات الليبرالية (صفة لا يستعملها المتحدث)- هذه كلها يقتضي بتها المرور بمراحل عملية اتخاذ القرار: نقاش المفتي وهيئة الإفتاء، ثم الشرح، ثم الاستناد إلى "الأدلة من تعاليم الإسلام"، ثم توضيح المقصد، وأخيراً "التأكد من أن الشعب مستعد لهذه الفتوى ويؤمن بها".
غائبون
وهذا بعيد من إدارة السلطة على شاكلة "عشوائية، كخيمة". "فهناك أمر أساسي يقود الطريقة الشرعية لإدارة شؤون البلاد، وهو النظام الأساسي للحكم، الذي ينص بوضوح على أن هناك ثلاث سلطات: الأولى التنفيذية، التي يقودها الملك كرئيس لمجلس الوزراء، أما السلطتان الأخريين القضائية والتنظيمية فلا يقودهما ولكن يقوم بتعيينهما...". ويسكت نائب رئيس السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية، ويُحل محلها، حذراً ومتحفّظاً، سلطة "تنظيمية" يعود أمرها إليه، من طريق التعيين والثواب والعقاب و"المشورة" الفقهية والشرعية. فمنطق الدولة يراعي، حين الضرورة، منطق الألف منظمة قبلية وبلدية ومركزية (من مركز الناحية) و"دينية".
وتغيب عن المحاورة الطويلة- وهي محاورة لا يتحفّظ الصحافي فيها عن طرح أسئلة مباشرة وحادة عن مقتل جمال خاشقجي، وحبس رجال الأعمال والمال في الريتز- كارلتون، وخلافات مجلس التعاون، وتنديد الاستخبارات المركزية الأميركية بولي العهد- قضية الحرب في اليمن ومسألة التسلُّح السعودي والدفاع عن المملكة. والمحاور هو وزير الدفاع، وتُنشر المحاورة عشية معرض الصناعات الحربية في الرياض.
ويغيب عامة السعوديين، أو "أهل الضعف" منهم، "سواقط" القبائل وسكان العشوائيات والضواحي والأحياء المتصدّعة والآيلة إلى السقوط في جدة القديمة وغير "المطوّرة"، ويغيب رجال الأعمال والمقاولون والمثقفون السعوديون، ومعهم النساء والأولاد والمرضى والحركات الاجتماعية. فصاحب "الرؤية" يرى عن السعوديين ولا يرى معهم. ولا يحتاج إليهم في "برمجة" احتياجاتهم، ولا في بلورتهم هم تطلعاتهم وتفكيرهم في اختباراتهم. وهو يستقوي عليهم بتاريخٍ ينفرد بسرده وتأويله واستنتاج معانيه. وحين يمدح محمد بن سلمان الديمقراطية الأميركية بتحصيلها أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم، فإنه يحمل القارئ على التشكك في موضعه من العالم المعاصر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...