شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كم يجب أن أدفع حتى يبتسم أحد في وجهي؟

كم يجب أن أدفع حتى يبتسم أحد في وجهي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

السبت 26 فبراير 202202:18 م

لا أذكر متى كانت المرة الأخيرة التي ضبطتُ خلالها أحدهم متلبساً بالابتسام في وجهي. أغلب الظن أن هذا كان قبل مدة طويلة يصعب علي تذكرها.

وجوه العابسين تحاصرني من كل اتجاه، حتى بدأ ينتابني في أحيان كثيرة شعور بأنني أصبحت في نظر من ألقاهم مجرد ضيف ثقيل الظل، أو شخصاً غير مرغوب فيه يجب أن يلاقوه بتكشيرة كبيرة حتى ينصرف سريعاً غير مأسوف عليه.

وجوه العابسين تحاصرني من كل اتجاه.

لا أحد يبتسم هنا، في مصر، إلا نادراً، وهذه حقيقة تصدمني في كل صباح أطالع فيه وجوه الناس من حولي في الشوارع وعلى متن وسائل المواصلات العامة وداخل المصالح المختلفة، فالجميع دوماً متجهمون، وأصبحت كغيري مشغولاً بالبحث عن إجابة على السؤال: أين اختفت الابتسامة التي خرجت ولم تعد؟

ابتسامة في السوق السوداء

كم يجب أن يدفع المرء حتى يجد من يبتسم في وجهه، كي يولّي من أمامه منشرح الصدر؟ هل أصبح من الصعب على كل منا أن يصطنع ابتسامةً في وجه أخيه لبضع ثوان ربما تكون سبباً في تخفيف حدة الحزن الذي يضيق به صدره، أو التفكير الذي أضناه بسبب مشكلة ما؟ هل جاءت اللحظة التي يجب أن يشتري المرء فيها الابتسامة من "السوق السوداء" بأي ثمن؟

حتى لو كانت الابتسامة نوعاً من المخدرات التي يجب أن نتعاطاها كي نتخلص من ضغوط تحاصرنا من كل اتجاه، فلماذا لا نفعل ذلك؟ أليس هذا أفضل كثيراً من الجنون والاكتئاب؟ أن نضحك في وجوه بعضنا البعض أحسن ألف مرة في رأيي من أن "نمصمص" شفاهنا ونحن نسترجع سيرة الذين فقدوا عقولهم، ومن رحلوا في عز شبابهم، بعد أن عجزوا عن الصمود في مواجهة أعاصير الحياة العاتية.

لو كانت الابتسامة نوعاً من الدواء، فليس من العقل أبداً أن نتلكأ في تناوله، ولا أدري ماذا يخسر الموظف الحكومي أو عامل المخبز أو الطبيب إذا ابتسموا في وجوه من يترددون عليهم؟ هل يقدح هذا في مروءتهم أو يمثّل مساساً بكفائتهم الوظيفية؟ لا شيء من ذلك أبداً، بل إن الكثير من الدراسات تذهب إلى أن الناس يألفون من يبتسمون في وجوههم، ويفضلون التردد عليهم.

لا أحد يبتسم هنا، في مصر، إلا نادراً، وهذه حقيقة تصدمني في كل صباح أطالع فيه وجوه الناس من حولي في الشوارع وعلى متن وسائل المواصلات العامة وداخل المصالح المختلفة، فالجميع دوماً متجهمون، وأصبحت كغيري مشغولاً بالبحث عن إجابة على السؤال: أين اختفت الابتسامة التي خرجت ولم تعد؟

ابتسم أنت في وطنك

في رحلتي بحثاً عن الابتسامة الضائعة، لم أتوصل إلى قوانين رسمية صدرت بمنعها أو بمعاقبة من يُضبط متلبساً بها بالسجن أو الغرامة المادية، والحقيقة أيضاً أنني لم أقف على منشور رسمي يحرّض الناس على الابتسام، ولكن يكفي أن أشير هنا إلى أن الأديان السماوية فيها نصوص ثابتة تدعو الناس إلى بسط الوجوه أمام الآخرين، ومن بينها حديث "تبسّمك في وجه أخيك صدقة"، وفي أديان الشرق الأقصى نجد الكثير من تماثيل بوذا التي ظهر فيها مبتسماً.

لا يمكن للمرء أن يغفل المعاناة التي تثقل كاهل العرب على اختلاف أوطانهم، حيث يشقى الإنسان بحثاً عن أبسط مقومات الحياة في ظل أوضاع سياسية واقتصادية بالغة القسوة.

لا يمكن للمرء أن يغفل المعاناة التي تثقل كاهل العرب على اختلاف أوطانهم، حيث يشقى الإنسان بحثاً عن أبسط مقومات الحياة في ظل أوضاع سياسية واقتصادية بالغة القسوة تحوّل فيها الملايين من مواطنين داخل بلدانهم إلى مشردين في أرض الله الواسعة هرباً ممن جعلوا الأوطان تضيق بأبنائها، ولكن من قال إن التكشيرة يمكن أن تمثّل يوماً حلاً لمشكلة.

قديماً، كانت عبارة "ابتسم أنت في مدينة كذا"، تزيّن مداخل الكثير من مدننا، ولا أدري لماذا اختفت في غفلة من الزمن، وحلت مكانها لافتات قاتمة اللون تنقبض من مرآها الصدور، وأحسب أننا اليوم في أمسّ الحاجة إلى إطلاق حملات تدعو الناس إلى الابتسام، وتحرّض عليه بوصفه سلاحاً فاعلاً في مواجهة اضطرابات العصر النفسية والأمراض البدنية، وليكن شعارها لسعداء الحظ الذين لم يذوقوا حتى الآن مرارة الغربة: "ابتسم أنت ما زلت في وطنك"، خاصةً أننا في زمن عزّت فيه الأوطان.

أصبح الكثيرون منا لا ينظرون إلى الحياة في زحمة الضغوط إلا بوصفها مأساةً يتجرع المرء غصّتها رغماً عنه، ويتناسون أن هناك أشياءً جميلةً دائماً تجعل للمكان حنيناً مهما بعد، وللزمن عطراً مهما جرى، ولهؤلاء جميعاً نقول: ابتسامتكم الضائعة طوق النجاة، فتعلّقوا بها كما يتعلق من يكابد الأمواج وحيداً وسط البحر، ببعض حطام مركبه.

 لم أتوصل إلى قوانين رسمية صدرت بمنعها أو بمعاقبة من يُضبط متلبساً بها بالسجن أو الغرامة المادية، والحقيقة أيضاً أنني لم أقف على منشور رسمي يحرّض الناس على الابتسام، ولكن يكفي أن أشير هنا إلى أن الأديان السماوية فيها نصوص ثابتة تدعو الناس إلى بسط الوجوه أمام الآخرين

جزء من أهمية الابتسامة يكمن في أنها معدية بطبعها، فنحن نبتسم بشكل تلقائي عندما نجد أمامنا من يفعل ذلك، وهو ما يخفف بصورة تلقائية من حدة الضغوط التى نئنّ دائماً تحت وطأتها، ومن الناحية الصحية تلعب الابتسامة دوراً كبيراً في تقوية مناعة الجسم إذ تساهم في زيادة معدل إنتاج كرات الدم البيضاء، وهي أيضاً تلعب دوراً في زيادة إفراز المواد التي تعزز إحساسنا بالسعادة، كما أثبتت بعض الأبحاث أنها تخفف من آلام الصداع وتحسّن القدرة الجنسية.

للإبتسامة أيضاً ارتباط وثيق برضا الموظف عن نفسه، وزيادة قدرته الإنتاجية، وهو ما فطنت إليه الكثير من المؤسسات الكبرى. فهل ندرك حاجتنا اليوم إلى من يبتسم في وجوهنا أكثر من أي وقت مضى؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard