شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
ماري كولفين في حمص... عندما تُقتل صحافيّة من أجل نقل الحقيقة

ماري كولفين في حمص... عندما تُقتل صحافيّة من أجل نقل الحقيقة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 22 فبراير 202206:18 م

"أعتقد أنّها مثل الكثيرين الذين يقدّمون التقارير الصحافيّة من مناطق الحرب، تشعر بالخوف، لكنها لم تسمح أبداً للخوف أن يوقفها عن أداء عملها، وأعتقد أنّ هذا ما جعل عملها بطولياً، وما يجعلها شجاعةً". - الصحافي الأمريكي أندرسون كوبر.

في الثاني والعشرين من شباط/ فبراير من العام 2012، قُتلت الصحافيّة الأمريكيّة ماري كولفين، برفقة المصوّر الصحافي الفرنسي، ريمي أوتشليك، جراء قصف مدفعي من قبل قوات النظام السوري على مركز لإقامة الصحافيين في حيّ بابا عمرو في مدينة حمص، وسط سوريا.

توجهت كولفين إلى سوريا كمراسلة الشؤون الخارجيّة لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانيّة، وهي التي شغلت هذا المركز منذ العام 1985 حتى يوم مقتلها، وظهرت في بث مباشر من المدينة التي كان يحاصرها جيش النظام السوري على قنوات "بي بي سي" والقناة الرابعة البريطانيّة و"سي إن إن"، علماً أنّ آخر بث مباشر أجرته قبل مقتلها بساعات، كان مع الصحافي الأمريكي أندرسون كوبر خلال برنامج "360 مع أندرسون كوبر" على قناة "سي إن إن".

في ذلك اللقاء قالت كولفين، التي عملت سابقاً في مختلف مناطق الحروب حتى أنّها فقدت إحدى عينيها بسبب انفجار قنبلة يدويّة أطلقها الجيش السريلانكي في أثناء تنقلها من منطقة تسيطر عليها نمور التاميل إلى منطقة تسيطر عليها الحكومة في العام 2001، إنّ الصراع في سوريا هو الأعنف، واصفةً قصف حمص بأنّه أسوأ صراع واجهته على الإطلاق.

في الثاني والعشرين من شباط/ فبراير من العام 2012، قُتلت الصحافيّة الأمريكيّة ماري كولفين، برفقة المصوّر الصحافي الفرنسي، ريمي أوتشليك، جراء قصف مدفعي من قبل قوات النظام السوري على مركز لإقامة الصحافيين في حيّ بابا عمرو في مدينة حمص، وسط سوريا

روايات مختلفة

قالت الحكومة السوريّة إنّ ماري كولفين قد قُتلت عن طريق عبوة ناسفة بدائيّة الصنع مملوءة بالمسامير، حتى إنّ مسماراً وُجد في جمجمتها وذلك بعد تشريح جثتها، وإنّ هذه العبوة الناسفة قد صُنعت من قبل "المسلحين" المعارضين لنظام حكم الأسد.

لكن هذه الرواية تمّ تكذيبها من قبل المصوّر بول كونري في كتابه "Under The Wire"، الذي يحكي فيه قصة ما جرى مع كولفين وزميلها أوتشليك، وذلك حسب مشاهداته الشخصيّة، إذ كان كونري حاضراً في أثناء القصف المدفعي لقوات النظام على مكان وجودهم ونجا بأعجوبة من الموت، لكنه أصيب بجروح مختلفة.

وفي العام 2016، رفعت عائلة كولفين دعوى مدنيّة ضدّ الحكومة السوريّة متهمةً إياها بقتل ماري.

وفي العام 2016، رفعت عائلة كولفين دعوى مدنيّة ضدّ الحكومة السوريّة متهمةً إياها بقتل ماري، ومؤكدةً الحصول على أدلة تدين الحكومة السوريّة التي أمرت مباشرةً بقتل الصحافيّة، في الوقت الذي كانت تفرض فيه هذه الحكومة تعتيماً إعلامياً على ما يحدث في سوريا، وتمنع الصحافيين والصحافيات من ممارسة أعمالهم/ ن، ونقل حقيقة ما يجري في البلاد.

أقرتّ المحكمة الأمريكيّة في العام 2019، بأنّ الحكومة السوريّة هي المسؤولة المباشرة عن مقتل كولفين، آمرةً إياها بدفع مبلغ 300 مليون دولار كتعويض عقابي، لأنّ ماري كولفين، حسب المحكمة، كانت "مستهدفةً على وجه التحديد بسبب مهنتها وذلك بغرض إسكات من يكتبون عن حركة المعارضة المتنامية في البلاد"، وأضافت المحكمة "أنّ قتل الصحافيين الذين يعملون بصفتهم المهنيّة يمكن أن يكون له تأثير مخيف من حيثُ الإبلاغ عن مثل هذه الأحداث في جميع أنحاء العالم. إنّ قتل مواطنة أمريكيّة، والتي لم يكن عملها الشجاع مهماً فحسب، بل أيضاً أمراً حيوياً لفهمنا مناطق الحرب والحروب عموماً، يُعدّ أمراً شائناً، وتالياً هناك حاجة إلى تعويضات عقابيّة تضاعف تأثيرها على الدولة المسؤولة".

هل كان بإمكان ماري كولفين تجنّب هذا المصير؟

ربما يكون طرح السؤال بهذه الطريقة مسيئاً، لأنّ الموت ليس مسؤوليّة الضحيّة، بل مسؤوليّة القتلة، بالإضافة إلى أنّ كولفين عملت لسنوات طويلة في مناطق النزاع والحرب وعلى الخطوط الأماميّة للصراعات، في مختلف أرجاء العالم، وهي الأقدر، ربّما، على تقدير الموقف والخطر المحدق بها.

يُقال دائماً: لا حكاية تستحق أن يموت من أجلها المرء، لكن ماذا عن الحقيقة؟ من ينقل الحقيقة من قلب الحدث؟ يقولون إنّ النظام السوري تعقّب الاتصالات الفضائيّة وإشارات الهاتف لتحديد موقع ماري كولفين وفريقها واستهدفهم، وقد تمّ الاستهداف قبل خروجها من المنطقة بقليل.

يُقال دائماً: لا حكاية تستحق أن يموت من أجلها المرء، لكن ماذا عن الحقيقة؟ من ينقل الحقيقة من قلب الحدث؟ يقولون إنّ النظام السوري تعقّب الاتصالات الفضائيّة وإشارات الهاتف لتحديد موقع ماري كولفين وفريقها واستهدفهم، وقد تمّ الاستهداف قبل خروجها من المنطقة بقليل

ربّما لو لم تجرِ ماري كولفين أيّ مكالمة، ولم تستعمل أجهزة تواصل، لما استطاعت قوات الحكومة السوريّة استهدافها، لكن لو فعلت، هي وآخرون مثلها قضوا جراء استهدافات مشابهة، من كان سيخبرنا من قلب الحدث أنّ "كل بيت مدني في هذا الشارع قد تمّ قصفه، ونحن نتحدث عن حي شعبي فقير للغاية (…) لا توجد أهداف عكسريّة هنا (…) لذا فهي كذبة كاملة ومطلقة قولهم إنّهم يطاردون الإرهابيين فحسب. هناك صورايخ وقذائف ودبابات ومضادات جويّة يتم إطلاقها في خطوط متوازية على المدينة. الجيش السوري يقصف ببساطة مدينة (حمص) يسكنها مدنيون يتضورون جوعاً".

وإن أخبرتنا بذلك بعد أن تخرج من المكان، هل كنّا سنصدقها مثلما صدقناها وهي تحكي من "تحت القصف"؟

مرةً أخرى: هل كان بإمكان ماري كولفين تجنّب هذا المصير؟ نعم، لولا أنّها انحازت إلى الحقيقة، وإن كانت الدكتاتوريّات قادرةً على إزاحة نظرنا عن الحقائق لوهلة من الزمن، فهي لا تستطيع قتل عين الحقيقة التي ينقلها الصحافيون والصحافيات، المقاتلون والمقاتلات، من أجل نقل الحقيقة، وتالياً من أجل عالم أفضل مبنيّ على قيم الحريّة والكرامة والعدالة والانحياز إلى الضعفاء والوقوف في وجه الديكتاتوريات وطمس الحقائق من مريدي المستبدّين.

المصادر

  1. المعلومات الواردة في موقع مؤسسة ماري كولفين.

  2. المعلومات الواردة في موقع شبكة ماري كولفين للصحافيات.

  3. اللقاء الأخير لماري كولفين مع شبكة سي إن إن.

  4. لقاء الصحافي أندرسون كوبر بعد يوم من مقتل ماري كولفين.

  5. مقال في صحيفة الغارديان بعنوان "نعي ماري كولفين".

  6. مقال في صحيفة الغارديان بعنوان "قرار محكمة ماري كولفين يعطي معنى لموتها".

  7. مقال في صحيفة التلغراف بعنوان "مقتل صحافية الصنداي تايمز، ماري كولفين، في حمص".

  8. مقال في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان "مقتل صحافيَين غربيَين خلال القصف في سوريا".

  9. لقاء مراسل قناة العالم الإيرانية حسين مرتضى للتحدث عن رواية الحكومة السوريّة.

  10. كتاب Under The wire للصحافي بول كونري.


ملاحظة: تمّ إنتاج هذه المادة ضمن برنامج ماجستير الصحافة والتواصل في المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس بإشراف الأستاذ عمر نزّال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image