أنهى الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية ذات النفوذ الواسع في البلاد، السبت 22 شباط/ فبراير الجاري، مؤتمره بإعادة انتخاب أمينه العام نور الدين الطبوبي، في خطوة تفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات عن مستقبل النقابة التي لطالما مثلت رقماً صعباً في المعادلة السياسية والاجتماعية في البلاد.
وحاول الطبوبي وأعضاء المكتب التنفيذي الجديد الذي شهد صعود امرأة جديدة، تهدئة المخاوف من استمرار الأزمة داخل النقابة، لكن هذه التطمينات لا تبدد في الواقع المخاوف، خاصةً أن الخلافات بشأن التعديلات التي تم إدخالها على قانون المنظمة الداخلي قد أرخت بظلالها على مؤتمر الاتحاد الذي عُقد في مدينة صفاقس ذات الثقل النقابي القوي والتاريخي جنوب البلاد.
انقسام حاد
عقد اتحاد الشغل الذي خاض محطاتٍ بارزةً تاريخياً في علاقته بالسلطة التنفيذية وبقضايا مصيرية مؤتمره الخامس والعشرين في ظروف طغت عليها التساؤلات بشأن مصير المنظمة، خاصةً بعد الخلافات التي عرفتها حول تعديل الفصل 20 من قانونه الأساسي.
وكان الاتحاد قد عقد مؤتمراً استثنائياً غير انتخابي في وقت سابق من العام الماضي، جرت خلاله المصادقة على تعديل الفصل المذكور بما يسمح لأعضاء المكتب التنفيذي بالترشح لدورتين متتاليتين، غير أن قراراً قضائياً صدر مؤخراً قضى ببطلان الدعوة إلى هذا المؤتمر الاستثنائي.
وفيما يُبدي أعضاء المكتب التنفيذي الحالي تفاؤلهم إزاء وأد الخلافات التي كانت سائدةً داخل الاتحاد، فإن الجناح المعارض يقول إن الأزمة لم تنتهِ بعد، وإنها مرشحة للتفاقم.
بعد مؤتمر أكبر نقابة تونسية. هل تؤدي الاختلافات حول تعديل قوانين المنظمة إلى أزمة داخلية؟
وقال رئيس الجامعة العامة للتعليم الثانوي -وهي أكبر نقابة داخل الاتحاد- لسعد اليعقوبي، إن "الاتحاد أضحى يعاني من انقسام حاد بين المعارضين لتعديل الفصل 20، ونتائج المؤتمر المبنية على هذا التعديل غير القانوني والداعمين له. بالنسبة إلينا كمعارضين لما حدث، نحن بصدد انتظار القرار القضائي النهائي ووقتها قد يجد الاتحاد نفسه في فراغ قانوني وقيادي غير مسبوق وخطير".
وتابع اليعقوبي الذي يقود الشق المعارض للقيادة الحالية في حديث إلى رصيف22، أن "الأهم هو موقع الاتحاد بعد هذا المؤتمر. فالاتحاد خرج ضعيفاً في مواجهة خصومه الذين سينعتونه بالمنظمة غير الديمقراطية بعد تعديل الفصل 20 في تلك الظروف، وسوف يستغلون هذا الوضع".
لكن القيادة الحالية للاتحاد، الذي ينضوي تحت لوائه أكثر من مليون عضو، ترفض الحديث عن انقسام حالياً، وتقول إنه تم طي صفحة الخلاف وإن التركيز سينصبّ على الاستحقاقات الوطنية، في إشارة إلى الأزمة السياسية التي تعرفها البلاد والإصلاحات الاقتصادية التي تحاول الحكومة تمريرها من أجل إنعاش الاقتصاد المُنهك أصلاً.
قال عضو المكتب التنفيذي حفيظ حفيظ، إن الاتحاد دائماً وأبداً متعافٍ على الرغم من بعض الأصوات المختلفة والمعارضة داخله، وهي ظاهرة صحية في الاتحاد العام التونسي للشغل بحكم تنوعه ولأنه منظمة مفتوحة للجميع بصرف النظر عن خلفياتهم السياسية والأيديولوجية.
وقال حفيظ في تصريح لرصيف22: "لذلك في اعتقادي إن هذا المؤتمر كان مؤتمر الحسم في مثل هذه المسائل الداخلية التي أديرت في إطار ديمقراطي من قبل مؤسسات الاتحاد، وتالياً علينا أن ننطلق إلى الأمام مع تقييم مسيرة خمس سنوات لنبني على الإيجابيات ونتجاوز السلبيات والإخفاقات. نرى أن الاتحاد خرج منتصراً وأكثر قوةً وتماسكاً من قبل".
مواقف حاسمة تجاه السلطة التنفيذية
تاريخياً، لعب الاتحاد العام التونسي للشغل دوراً بارزاً في هندسة المشهد العام في البلاد، حتى أن أنصاره عادةً ما يرددون أن "الاتحاد أكبر قوة في البلاد"، لذلك فإن اليوم جل علامات الاستفهام تُطرح حول العلاقة التي ستجمع النقابة بالرئيس قيس سعيّد بعد المؤتمر.
القيادة الحالية للاتحاد، الذي ينضوي تحت لوائه أكثر من مليون عضو، ترفض الحديث عن انقسام حالياً، وتقول إنه تم طي صفحة الخلاف. والغاضبون يرون أن الأزمة ما تزال قائمة. أي أفق لاتحاد الشغل التونسي؟
قبل المؤتمر، دعم الاتحاد مسار الـ25 من تموز/ يوليو الماضي الذي دشّنه الرئيس سعيّد بجملة من القرارات الاستثنائية التي أقال بموجبها رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي، وأطاح بالبرلمان الذي يسيطر عليه الإسلاميون، ورفع الحصانة عن نوابه في خطوة وصفها خصومه بالانقلاب.
وخلال مؤتمره، دعا الاتحاد الرئيس سعيّد إلى حوار تشاركي واسع لتنفيذ الإصلاحات السياسية بما فيها تعديل الدستور، قائلاً إن الاستشارة الإلكترونية التي أطلقها سعيّد لا يمكن في أي حال أن تعوّض الحوار.
وحاول الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي، أن يكون حذراً في الأشهر الأخيرة في تحديد مواقف منظمته إزاء التطورات السياسية وخطوات سعيّد، لكنه راوح بين التصعيد والتلويح بورقة الإضرابات التي من شأنها أن تشل اقتصاد البلد الذي يتخبط في أزمة أصلاً، وبين مهادنة رئيس الجمهورية.
وبشكل كبير سيكون موقف الاتحاد حاسماً تجاه خطط الرئيس سعيّد لتغيير نظام الحكم في البلاد، وخطط حكومته لانتشالها من الأزمة الاقتصادية عبر تمرير إصلاحات يشترطها المانحون الدوليون على غرار صندوق النقد الدولي.
وذكرت اللوائح الختامية لمؤتمر الاتحاد أن إصلاح المنظومة القضائية يجب أن يكون عبر تسقيف زمني للمجلس الأعلى المؤقت للقضاء، مع ضرورة إشراك الهيئات المعنية في الشأن القضائي من أجل مسار جديد للمجلس الأعلى للقضاء حتى يؤدي المرفق القضائي دوره في إحلال العدل وإنفاذ القانون.
يقول حفيظ حفيظ: "دعمنا مسار 25 تموز/ يوليو كونه حركةً تصحيحيةً، ونحن قدمنا خريطة طريق قبل أشهر، وتمسك بها المؤتمر، ومن أبرز ما تنص عليه هو أنه لا عودة إلى ما قبل التاريخ المذكور. نحن مع الحركة التصحيحية ومع ذلك نحن لا نعطي صكاً على بياض، لذلك هناك الملف السياسي الذي يجب أن يُحسم نهائياً في موضوع العلاقة بطبيعة نظام الحكم الذي سنعتمده وقانون الانتخابات وقانون الجمعيات والأحزاب والتمويل وغيرها من النقاط".
وأردف حفيظ أن "رؤيتنا مثلاً إلى نظام الحكم هي أنه يجب أن تكون السلطة التنفيذية ممركزةً بما يعني ألا تكون كما أفرزها دستور 2014 برأسين، وهو ما أفضى كما شهدنا إلى صدام بين رؤساء الحكومات مع الرئيس سواء في المرحلة السابقة بين المشيشي وسعيّد، أو في السابق بين الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد. لا بد أن تتمركز ويكفينا تجاذبات بين القصبة (مقر الحكومة) وقرطاج (القصر الرئاسي). يجب أن يكون نظاماً سياسياً معدلاً وليس رئاسياً".
وعادةً ما تثير بعض مواقف الاتحاد السياسية جدلاً واسعاً حول حشر أنفه في السياسة، حتى أن البعض يتساءل عن الأسباب التي تمنعه من تأسيس حزب، ودخول المعترك السياسي أصلاً.
لكن هذا لا يحجب تدخلاتٍ تاريخيةً للاتحاد، أبرزها قيادته مع ثلاث منظمات من المجتمع المدني حواراً وطنياً في 2013، جنّب تونس السقوط في الفوضى بعد حالة استقطاب حادة بين الإسلاميين والعلمانيين تطورت إلى احتجاجات وأعمال عنف بعد أن طاولت الاغتيالات القياديَين اليساريَين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وبعد ذلك، نال الاتحاد مع تلك المنظمات في 2015، جائزة نوبل للسلام التي يُنظر إليها على أنها إنجاز في تونس، غير أن اليعقوبي يرى أن الاتحاد بات ضعيفاً الآن في مواجهة التطورات الجارية.
وقال اليعقوبي: "المنظمة لم يعد بإمكانها من اليوم أن تلعب دوراً قوياً سياسياً، ولم يعد بإمكانها الحديث عن الديمقراطية ومقوماتها. المنظمة ستكون ضعيفةً أيضاً في تعاطيها مع الملفات الاجتماعية، مثل الزيادة في الأجور، فمنذ أكثر من سنتين أجور الموظفين من دون زيادة، ولم نسمع حديثاً للمنظمة عن هذا الشأن. المنظمة باتت ضعيفةً".
وأضاف: "المؤتمر المعقود تزامن أيضاً مع حركة استفزازية من الحكومة، إذ قامت بمفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول إصلاحات اقتصادية لم يتطرق إليها المؤتمر إطلاقاً، بمعنى أن هناك تلازماتٍ ستكون على حساب الملفات الاجتماعية وعلى حساب العمال. المرحلة القادمة هي مرحلة اختبار للمعارضة التي نبّهت إلى هذا التمديد، ونحن لن نصمت وسنواصل معارضتنا ونحن في وضع مريح جداً".
غير أن المؤرخ التونسي محمد ذويب، يرى أنه "على الرغم من معارضة بعض الأطراف النقابية وبعض الشخصيات لهذا المؤتمر، والفصل 20، فإن الاتحاد قد حصّن نفسه باعتبار أن العناصر التي كانت معارضة لهذا التمديد، والتي أعلنت عن ذلك في آخر لحظة، لم تقاطع المؤتمر وقد غادرت التركيبة وتم تعويضها بعناصر أخرى من المؤكد أن المكتب التنفيذي وخاصةً نورالدين الطبوبي، قد اتفق معها مسبقاً على أن إلحاقها بالمكتب التنفيذي الجديد يعني رضاها بالأمر الواقع".
وأوضح لرصيف22، قائلاً: "عموماً، مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل لم يشذّ عن القاعدة، وهي سيطرة البيروقراطية النقابية وبعض حلفائها الكلاسيكيين ما بعد 2011. وللأمانة، حتى بعض الأطراف السياسية التي ادّعت أنها تعارض التمديد، وجدناها ممثلةً بالمنخرطين فيها في المؤتمر (...)، الطبوبي نجح، ومن خلفه ماكينة الاتحاد، في تحصين المنظمة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...