مطلع الشهر الجاري، تفاجأ التونسيون بوجود رئيس الخزينة الفرنسية، إيمانويل مولان، في بلادهم للقاء محافظ البنك المركزي التونسي، مروان عباسي، ووزيرة المالية سهام البوغديري، في زيارة لم تمر عليها وسائل الإعلام بصمت، لكن خاضت فيها تأويلاً وتحليلاً عميقَين.
وسرعان ما انتشرت الشائعات، لا سيما أن إيمانويل مولان، يرتدي قبعةً مزدوجةً، وهي تولّيه منصب مدير عام الخزانة الفرنسية، وفي الوقت عينه رئاسة نادي باريس، وهو مجموعة من الدائنين دورها إيجاد حلول لمشكلات السداد في البلدان التي عليها ديون.
اندلاع الجدل في تونس بسبب هذه الزيارة، مردّه أن أي محادثات مع الحكومة التونسية لتخفيف أعباء الديون، قد يبعث برسالة خطأ إلى الأسواق المالية، مفادها أن هذا البلد غير قادر على سداد ديونه، وتالياً حرمانه من الاقتراض في الأسواق المالية الدولية.
أسباب الزيارة
تونس بحاجة لمساعدة مالية كبيرة، لمنح نفَس جديد لخزائنها العامة. وأحد الخيارات المقترحة لإحداث هذا الإنعاش العاجل، هو اللجوء إلى صندوق النقد الدولي الذي يقال إنه وضع برنامجاً إصلاحياً دعا الحكومة إلى تنفيذه للحصول على خط ائتماني جديد.
خلال الفترة الماضية، طلب عباسي والبوغديري رسمياً دعم باريس لدفع المحادثات مع صندوق النقد الدولي، لخفض مستوى متطلباته بشأن الإصلاح، حتى لا يخنق البلد اقتصادياً واجتماعياً.
في محاولتها لإسكات القيل والقال، أوضحت وزيرة المالية التونسية، أن إيمانويل مولان كان في تونس بصفته مدير عام الخزانة الفرنسية، في "مهمة خاصة" في سياق الصعوبات التي تواجه البلاد.
وتطلّب الأمر بعد ذلك، بياناً صحافياً نشرته المديرية العامة للخزانة التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية والإنعاش الفرنسية، لتوضيح سياق زيارة المدير العام للخزانة إيمانويل مولان إلى تونس.
تونس بحاجة لمساعدة مالية كبيرة، لمنح نفَس جديد لخزائنها العامة. وأحد الخيارات المقترحة لإحداث هذا الإنعاش العاجل، هو اللجوء إلى صندوق النقد الدولي
وحسب البيان الصحافي الذي نشره الجانب الفرنسي، توجّه إيمانويل مولان إلى تونس بدعوة من السلطات التونسية. ورافقته رئيسة الشؤون الدولية ماغالي سيزانا.
وقال البيان إن الزيارة تأتي في إطار تبادل اللقاءات الدورية بين البلدين، وتركزت المباحثات حصرياً على القضايا الاقتصادية والمالية، فضلاً عن دعم فرنسا للإصلاحات التي تتوخاها تونس في إطار مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.
في تصريحات لرصيف22، قال بشير النفزي، مدير مرصد الدبلوماسية والدراسات الإستراتيجية، إن زيارة رئيس نادي باريس لتونس وهو كذلك رئيس الخزينة العامة الفرنسية، ولعل الصفة الثانية هي الأهم في زيارته تلك، كانت ظاهرياً في إطار "تقديم النصح والمساعدة التقنية للخروج من الأزمة المالية، ولكن ضمنياً أظن أن هذه الزيارة تحمل طابعاً تفاوضياً، يطرح من خلاله رؤيته وتصوراته حتى تتوفر الشروط الضرورية لكي تدعم باريس والاتحاد الأوروبي طلب تونس للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي.
من جانبه، حذر المحلل السياسي التونسي، بلحسن اليحياوي، من أن هناك تهويلاً وزيادةً في التحذير من هذه الزيارة، وذلك لأهداف سياسية من جهات معيّنة مناهضة لقرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، في 25 تموز/ يوليو الماضي، والتي نصت على تجميد عمل البرلمان والإطاحة بالحكومة.
وأضاف اليحياوي لرصيف22، أن هذه الزيارة هي التاسعة من نوعها خلال العشر سنوات الماضية، لكن هذه المرة يجري تسليط الضوء عليها على الرغم من أن السلطات المعنيّة في كلا البلدين أكدت أن المسؤول الفرنسي جاء لأهداف تقنية واستشارية للبنك المركزي التونسي ووزارة المالية التونسية في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولا علاقة لها بنادي باريس.
صندوق النقد
تمر تونس بأزمة اقتصادية خطيرة لم تشهدها البلاد منذ الاستقلال، خاصةً أن الصعوبات الهائلة في الميزانية والتي تفاقمت بسبب العجز المالي والأزمة السياسية الحادة، لم تعد تترك للحكومة مجالاً كبيراً للمناورة، وتقلق المانحين.
وقد قال ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، في هذا السياق: "نحث تونس على العودة إلى المسار الطبيعي للديمقراطية، وإلى الحياة الدستورية العادية"، مؤكداً أن هناك مقترحاتٍ لإيقاف المساعدات والدعم المالي إلى تونس.
يرى البعض أن زيارة مولان إلى تونس سببها أنه شخص من أفضل المؤهلين في باريس للعب دور في إنقاذ الاقتصاد التونسي، كونه اقتصادياً مخضرماً ومختصاً بتدبير الأزمات المالية
يفسر هذا الوضع حاجة تونس الماسة إلى الدعم من طرف ثالث كضمان، ولكن أيضاً كمرافق، أو بعبارة أخرى، كمستشار اقتصادي يساعدهم في التعامل مع الإصلاحات التي أملاها صندوق النقد الدولي لدعم البلاد بقروض جديدة.
ومن المؤكد أن فرنسا ستكون الأكثر أهلاً للعب هذا الدور، خاصةً أنها عضو بارز في الاتحاد الأوروبي، وترأس فرنسا حالياً الاتحاد الأوروبي، وهي من الأسباب التي دفعت إلى زيارة المستشار الاقتصادي للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إلى تونس، وهو شخص من أفضل المؤهلين في باريس للعب هذا الدور، كونه اقتصادياً مخضرماً ومختصاً بتدبير الأزمات المالية.
اللافت أيضاً أن الزيارة جاءت بعد محادثة هاتفية بين الرئيسين قيس سعيّد وإيمانويل ماكرون، في 22 كانون الثاني/ يناير الماضي، ليقدّم المشورة للحكومة التونسية كي تحصل على دعم صندوق النقد الدولي.
وأفاد موقع "أفريكا إنتلجنس"، أن الرئيس إيمانويل ماكرون هو من وجّه إيمانويل مولان لزيارة تونس في "مهمة خاصة".
ويتفاوض صندوق النقد الدولي مع تونس للقيام بـ"إصلاحات عميقة جداً"، ولا سيما خفض حجم الوظائف في القطاع العام، ومعه كتلة الأجور المرتبطة به، التي تبلغ إحدى أعلى المستويات في العالم، وبدء "إصلاح عميق" للشركات العامة العاملة في مجالات مختلفة من اتصالات وكهرباء ومياه شرب ونقل جوي، والتي تتمتع في غالبية الأحيان بالاحتكار، وتوظّف ما لا يقل عن 150 ألف شخص.
من جانبه، قال اليحياوي إن سياسة الانخراط مع صندوق النقد الدولي هي سياسة انخرطت فيها تونس منذ 2012، وفك الارتباط سيكون مؤلماً وصعباً في الوقت الحالي، خصوصاً أن البلاد تواجه هذا الحجم الهائل مع الصعوبات.
ومع ذلك استبعد اليحياوي أن يسهم الصندوق في إنقاذ الاقتصاد التونسي، مضيفاً أن برامجه لا تحقق رخاءً اقتصادياً، ولا يمكن أن تحقق تنميةً من أي نوع، وكل الدول التي لجأت إليه ظلت في حالة اقتصادية متردية، وتدنٍّ في النمو، ولا توجد دولة واحد ثبت نجاحها بسبب إصلاحات الصندوق.
من جهته، يؤكد النفزي أن هناك ضبابيةً مطلقةً في ظل غياب أي سياسة اقتصادية واضحة، وفي ظل غياب الشفافية حول الموازنات المالية، مشيراً إلى أن هناك صعوبةً لإغلاق ميزانية عام 2021، وسياسة الدولة اليوم تزيدها تعقيداً وصعوبةً من دون مبالغة.
وأضاف النفزي: "ميزانية 2022 صيغت في الغرف المظلمة، وفي دهاليز وزارة المالية، من دون نقاش أو تزكية من طرف مجلس نواب الشعب (المجمد بقرارات تموز/ يوليو الماضي)، وتالياً غياب إسناد ضامن للجهات المانحة مثل صندوق النقد الدولي، في إمكانية تحقيق ما تطلبه من إصلاحات هيكلية".
في منشور على حسابه فيسبوك، قال رجل الأعمال نافع النيفر، عن زيارة المسؤول الفرنسي، إن تونس لا نزال تفتقر إلى أكثر من خمسة مليارات دينار تونسي من القروض، لإكمال ميزانية 2021، ولا يزال يتعيّن على الحكومة توفير 19 مليار دينار تونسي من الاعتمادات الجديدة (بما في ذلك 12 ملياراً من الخارج)، لتمويل ميزانية 2022.
وحذّر خبراء اقتصاديون من أن احتياطيات تونس من العملات الأجنبية ستتراجع بشكل كبير مع سداد الديون، مما يضرّ بقيمة الدينار المحلي. وقالت الحكومة إن البلاد تتطلب حزمة إنقاذ لتجنب انهيار المالية العامة، إذ تم دفع بعض رواتب القطاع العام لشهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، في وقتٍ متأخرٍ من شهر كانون الثاني/ يناير الماضي.
ووفقاً لوكالة رويترز، يريد المانحون من الحكومة أيضاً تبنّي عملية سياسية أكثر شمولاً لضمان بقاء الديمقراطية في تونس، والتوصل إلى اتفاق معترف به علناً مع منافسيها الرئيسيين بشأن إصلاحات اقتصادية. لكن هذا الشرط يعدّه الخبراء غير مقبول من طرف الرئيس قيس سعيّد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع