شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
توقيع ميثاق وطني للتعايش بين الأديان.. هل يضمن حقوق الأقليات في تونس؟

توقيع ميثاق وطني للتعايش بين الأديان.. هل يضمن حقوق الأقليات في تونس؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 11 فبراير 202205:03 م

يطرح الميثاق الوطني للتعايش الذي وقعه ممثلون عن عدة أديان وطوائف في تونس تساؤلات بشأن ما إذا كان سيمهد لاستيعاب الأقليات المختلفة خاصة أن من بين هؤلاء من يشكو تهميشاً وحتى اضطهاداً بسبب غياب اعتراف رسمي بهم مثل البهائيين.

ويشكو هؤلاء تهميشا، بل وحتى تحريضا وفق ما يقولون من قبل دوائر رسمية في السلطة على غرار الحكومة استنادا إلى فتاوى من دار الإفتاء وهو ما دفع البهائيين إلى التصعيد ضد السلطات التونسية من خلال مقاضاتها بتهمة تكفير مواطنيها في خطوة أثارت جدلا واسعا.

فجوة بين التشريعات والتنفيذ

مع عودة السجالات بشأن الأقليات ومدى قدرة الدولة التونسية على استيعابها، تطفو على السطح نقاشات ساخنة حول سؤال المواطنة الذي يفرض المساواة التامة بين المواطنين بصرف النظر عن اختلافهم الديني أو السياسي أو غيره، لكن يبدو أن هناك هوة آخذة في الاتساع بين القول والتعهد بحماية الأقليات والعمل على إرساء المساواة التامة بين المواطنين وتنفيذها.

يقول كريم شنيبة وهو المتحدث الرسمي باسم الميثاق، الذي تم توقيعه في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، "نحن لا نريد شيئا في النهاية، ما نريده هو أن يجد كل مواطن في بلاده حقه في ممارسة شعائره، وهذا مكفول في الواقع في الدستور والتشريعات لكن كما تعلمون هناك فجوة عميقة بين التشريعات والتطبيق".

وتابع شنيبة في حديث لرصيف 22 أن "هذا الميثاق هو أخلاقي ومعنوي لا حجية ولا إلزام قانوني له، ولكن هو اعتراف وإعلان من قبل هذه المكونات التي وقعت عليه عن وجودها بصفة رسمية وعلنية، وهو اتفاق بين هذه الأطراف للعمل في انسجام من أجل مصلحة البلاد، هناك من توجس من إعلاننا لكن نحن ندرك أن الميثاق الذي قمنا بتوقيعه لا يسبب أي قلق لأي كان، ففي كل المرات التي تكون فيها أقليات مقموعة وتجد فرصة للانشقاق أو إحداث فتنة إلا وحدث ذلك بينما منح الأقليات حقوقها من بلجيكا وكندا وغيرهما لا نجد فيها فتنة طائفية".

"نحن لا نريد شيئا في النهاية، ما نريده هو أن يجد كل مواطن في بلاده حقه في ممارسة شعائره". ميثاق للأقليات الدينية في تونس

وأوضح أن "ما أردنا إبلاغه للجميع أن هذا الميثاق هو رسالة وحدة بين جملة من الرسائل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تدعو إلى الإقصاء والتهميش وغيرهما، لا يوجد ما يدعو للوصول إلى التفرقة والحرب بين الديانات أو الطوائف، هناك فرصة لبناء سلم حقيقي وتفاهم بين الطوائف والأديان، هناك عقد يجمعنا حول ذلك".

وحضر توقيع الاتفاق، الذي جرى خلال مؤتمر صحافي عُقد بإحدى ضواحي العاصمة التونسية، ممثلون آخرون للطوائف الدينية في تونس من بينهم القس كمال أولاد فاطمة، ممثل عن الكنيسة الإنجيلية، وحسن بو عبد الله رئيس اتحاد الطرق الصوفية، والشيخ أحمد بن سلمان ممثل مركز آل البيت (الشيعي).

ويُشكل المسلمون السنة الذين ينتمون إلى المذهب المالكي غالبية التونسيين، فيما يعيش حوالي 35 ألف مسيحي يعودون إلى حوالي 80 جنسية، ويبلغ عدد اليهود 2600 يتمركز معظمهم في جزيرة جربة (محافظة مدنين جنوب شرق البلاد) ولا يعرف عدد أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى.

"تفاؤل مبالغ فيه"

بالرغم من توقيعها على الميثاق الوطني للتعايش بين الأديان غير أن عدة أوساط دينية في تونس تعتبر أن ضمان حقوق الأقليات الدينية من خلال الميثاق هو هدف صعب المنال خاصة في ظل تغييب مثل هذه الملفات أصلا الآن حيث يُخيم الحديث على المسار السياسي الانتقالي الذي تعرفه البلاد على مختلف النقاشات العامة.

يقول محمد بن موسى، وهو عضو المكتب الإعلامي للجمعية البهائية في تونس، إن "القول بأن مجرد توقيع الميثاق سيضمن استيعاب الأقليات في تونس هو تفاؤل مبالغ فيه، هو التعايش في الوقت الحالي بين الأطراف المختلفة سواء دينيا أو حتى سياسيا واجتماعيا في البلاد أمر صعب للغاية".

فتح توقيع ميثاق التعايش بين الأديان المجال للنقاش بشأن مدى استيعاب تونس، التي تعد تشريعاتها متقدمة نسبيا مقارنة ببقية الدول العربية

وأضاف بن موسى في تصريح لرصيف 22 "خطابات العنف والإقصاء التي نتابعها يوميا تؤكد حاجتنا للتعايش السلمي، والتعايش الديني هو جزء من التعايش المجتمعي الكبير، نحن وضعنا لبنة في مسار طويل لتكريس المواطنة في تونس حيث نرى كمكونات للطيف الديني أننا شخَّصنا الوضعية خلال سنوات من العمل لأنها صعبة وتحتاج وحدة وطنية".

وبدوره، يرى محمد صالح العبيدي، المحلل السياسي التونسي، أن المشكلة في أن الميثاق غير إلزامي مستدركا في حديث لرصيف 22 أن "هذا الميثاق رغم ذلك قد يشكل منطلقا للضغط على الدولة للدفع نحو تعايش سلمي وتقبل الاختلاف لأن المشكل في عقلية التونسيين بالنسبة للاختلاف بين الأديان".

وشدد العبيدي على أن "التعايش ممكن والتونسيون قدموا نموذجا في أوقات سابقة على تقبل الاختلاف، وأعتقد أنه على الدولة بذل المزيد من الجهود من أجل تفادي أي انفلات سبق وأن حصل، وفي الماضي القريب رأينا كيف باتت الجماعات المتطرفة تجد سهولة في استقطاب الشباب التونسي وذلك بسبب هشاشة معرفته بالدين وبالاختلاف المجتمعي وغيرهما، يجب على الدولة أن تقود المعركة: معركة إرساء تعايش مشترك بين الجميع على اختلاف أديانهم وانتماءاتهم السياسية وغيرهما".

معركة الأقليات: البهائيون على الخط

فتح توقيع ميثاق التعايش بين الأديان المجال للنقاش بشأن مدى استيعاب تونس، التي تعد تشريعاتها متقدمة نسبيا مقارنة ببقية الدول العربية التي وصلها التحديث متأخر نوعاً ما، للأقليات الدينية خاصة في ظل شكاوى يُطلقها هؤلاء بسبب عدم الاعتراف بهم.

في وقت سابق من العام الماضي، صعَّد البهائيون من مواجهتهم مع السلطات بعد إعلانهم مقاضاة كل من رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي وسلفه إلياس الفخفاخ بسبب عدم منحهم رخصة لإنشاء جمعية خاصة بهم حيث استندت الحكومات إلى فتوى من مفتي الديار التونسية عثمان بطيخ تكفرهم وفق قولهم.

وبالرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان البهائيون سينجحون في انتزاع اعتراف رسمي بهم من خلال منحهم تلك الرخصة إلا أنهم نجحوا في جلب اهتمام عامة التونسيين بشأن قضيتهم.

ويقول محمد بن موسى "نحن متواجدون ولم نأت من كوكب آخر، ولا نطالب السلطات بغير منحنا حقوقنا وذلك لا يمر إلا عبر احترامها أولا للدستور والقوانين والمعاهدات الموقعة عليها، من لا يحترم هذه القوانين هو المخطئ وعليه تصويب المسار الذي ينتهجه، نحن توانسة والقانون يسمح لنا بالتواجد وبالتنظيم في إطار جمعية ونحن لا نطالب بغير ذلك".

وأردف بن موسى أنه هناك "للأسف جمعيات إرهابية تتنظم في تونس ونحن لا ندعو سوى إلى السلم والتعايش المشترك والمساواة التامة بين المواطنين والمواطنات يتم تهميشنا، نحن تونسيون أبا عن جد وساهمنا حتي في كتابة دستور 2014 فمن المفروض يتم معاملتنا في إطار المساواة مع بقية التونسيين".

ووفقا للموقع الرسمي للبهائيين يعود تاريخ ظهور البهائيين في تونس إلى العام 1921 مع قدوم محيي الدين الكردي، وهو بهائي مصري من شيوخ الأزهر، أتى لينشر رسالة بهاء الله مؤسس البهائية.

ومنذ ذلك الحين، قرر العديد من التونسيين اعتناق البهائية من خلال نشر رسائلها إلى الأصدقاء والزملاء في العمل وغيرهم، لكن السلطات تمتنع عن منحهم ترخيصا لممارسة نشاطاتهم في العلن حتى بعد نيل تونس استقلالها في العام 1956.

وفي مقابل عدم الاعتراف بهم، لم تفتح السلطات مواجهة معهم من خلال التضييق عليهم أو غيره من الممارسات، إلى أن تم إقرار قانون حول "الاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والتظاهرات والتجمهر" في العام 1969 ما أدّى إلى حل المحفل الروحاني الإقليمي لشمال أفريقيا ومقره تونس.

وأعيد فتح المحفل خلال انتخابات 1972 قبل أن يُغلق المركز البهائي العام في العام 1984، لكن المحفل الروحاني المركزي واصل عمله على الرغم من عدم توفّر رخصة قانونية إلى حد الآن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard