شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
القرارات المرتبكة للنظام الجزائري... سوء تخطيط أم صراع قصر؟

القرارات المرتبكة للنظام الجزائري... سوء تخطيط أم صراع قصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 16 فبراير 202204:51 م

بدءاً من الأحد وحتى إشعار آخر، جُمِّدت كلّ الضرائب والرسوم، القديمة منها أو التي تضمنها قانون المالية 2022، على بعض المواد الغذائية، وعلى التجارة الإلكترونية، والهواتف النقالة ووسائل الإعلام الآلي الموجهة للاستعمال الفردي، والمؤسسات الناشئة، والاكتفاء بالتعريفات المقنّنة حالياً. هي قرارات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال اجتماعه بمجلس الوزراء، بخصوص بعض الضرائب الجديدة المفروضة.

وقد علّق تبون على ذلك في لقائه الأخير مع الصحافة الجزائرية، قائلاً إن "الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن من صلب التزامات الرئيس".

سار كل شيء بشكل مفاجئ، فقد جاءت قرارات الرئيس عقب ثلاثة أيام من إعلان رسوم جمركية وضرائب جديدة، فُرضت بالتنسيق بين الحكومة وجهاز الجمارك، طبقاً لأحكام قانون المالية الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ بداية عام 2022، بعدما وافق عليه البرلمان بغرفتيه، ووقّع عليه الرئيس نفسه.

كل هذا فتح باب التساؤل على مصراعيه، حول جدوى اتخاذ قرارات، لتُلغى بعد أيام قليلة فقط من المصادقة عليها؟

قطعة لك والأخرى للدولة

إذا قررت أن تشتري هاتفاً من متجر إلكتروني عالمي، ضع في الحسبان أنك ستشتري واحداً لك وآخر للدولة، وإذا خطر ببالك أن تشتري حبة أناناس، فعليك التفكير جيداً، لأنك ستشتري واحدة لك، وثلاثاً للدولة.

هذا هو التفسير المبسّط لحجم الضرائب والرسوم، التي أعلنت عنها الجمارك في الثامن من شباط/ فبراير 2022.

لقد شكّل قانون المالية الجديد، صدمةً كبيرةً للجزائريين، لما يتضمنه من رسوم مضاعفة على التجارة الإلكترونية، بتحديد قيمة الطرود البريدية الدولية، الخاصة بالمقتنيات الإلكترونية التي يشترونها عبر الإنترنت، بنحو 70 دولاراً للطرد الواحد، كما فاقت بعض الرسوم الجمركية حاجز الـ100% مثل تلك التي طالت الهواتف المحمولة واللوحات الإلكترونية، والتي بلغت 133.05% من سعرها، كما بلغت الرسوم الجمركية على فاكهة الأناناس قرابة 300%.

في الجزائر، إذا قررت أن تشتري هاتفاً من متجر إلكتروني عالمي، ضع في الحسبان أنك ستشتري واحداً لك وآخر للدولة، وإذا خطر ببالك أن تشتري حبة أناناس، فعليك التفكير جيداً، لأنك ستشتري واحدة لك، وثلاثاً للدولة

وفي تعقيب على الموضوع بعد انتشار واسع لوسم "خليني نشري"، بين الجزائريين، برر مدير الجباية في المديرية العامة للجمارك، سامي توفيق، هذا القرار قائلاً: "لاحظنا عمليات غش كبيرة يقوم بها التجار والأشخاص الذين لا يملكون سجلاً تجارياً، إذ يتم استيراد الكثير من الطرود بأسماء مواطنين، من دون دفع الرسوم الجمركية، لذا فمن غير المعقول ألا يدفع المواطن، الذي يشتري عبر المواقع، ضرائب للدولة".

الضرائب تشلّ المحاكم الجزائرية!

ودشّن اتحاد منظمات المحامين الجزائريين، العام الجديد، بإضراب عام، شلّ المحاكم في 58 ولايةً جزائريةً، رفضاً للنظام الضريبي الذي أقرّه قانون المالية 2022، إذ فرض ضرائب تصل في مجموعها إلى 55% من دخل  المحامين، وهو ما عدّه أصحاب الجبب السوداء إجحافاً كبيراً، تسبب في غضب عارم لم يخمد إلا بتطمينات الحكومة التي تم على إثرها تعليق الإضراب الذي دام أسبوعين كاملين، وقال المحامي في مجلس قضاء الجزائر سعيد زاهي، لرصيف22: "تعليق الإضراب يعني أننا لم نتوصل إلى حل نهائي مع الحكومة، لذلك فنحن في انتظار تدخل الرئيس".

أصحاب المهن الحرّة على خطى المحامين

بالإضافة إلى المحامين، فإن أصحاب المهن الحرة، من موثّقين، وأطباء، ومهندسين معماريين، ومحضرين، ومحاسبين، ومحافظي الحسابات، رأوا أن الأعباء الجبائية، المفروضة في قانون المالية لسنة 2022 على مهنهم، معقدة وثقيلة خاصةً في ظل الظروف الصعبة على الجميع، إذ ناهزت الضرائب في مجلمها على هذه المهن 55%.

وأكد ممثلو المهن الحرة رفضهم الكلي لهذه للقوانين، ودعوا لتجميدها مع ضرورة إشراكهم في إعداد مشروع قانون المالية الجديد.

الدولة العميقة تحرك الشارع

على الرغم مما يصفه المراقبون بالفشل الذي يغلّف أداء السلطة، في البحث عن آليات تضمن الاستقرار الاقتصادي، وتوجهها نحو تعويض ذلك بفرض إتاوات وضرائب تثقل كاهل المواطنين، خاصةً من خلال مُخرجات قانون المالية الأخير، إلا أن التخبط الحاصل في أعلى هرم السلطة، يوحي بصراع خفي بدأ يظهر للعيان.

ولعل أبرز دليل يمكن أن يُستَشهد به، هو تصريحات الرئيس الجزائري التي تشير دائماً إلى وجود ثورة مضادة، هدفها عرقلة مسعى الإصلاحات التي يقودها، لبناء دولة جديدة بعيداً عن النظام السابق.

شريحة كبيرة، توافق هذا الرأي وترى أن هناك أطرافاً خفيةً تحاول تأجيج الوضع، مع اقتراب موعد الذكرى الثالثة للحراك الشعبي الجزائري، الذي أطاح قبل ثلاث سنوات بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ونظام حكمه.

شح بعض السلع وندرتها في الأسواق، وتسيير ملف استيراد السيارات، وقانون المالية 2022، عناوين عريضة لما يصفه الخبراء بفشل الحكومة وسقوطها في أول اختبار

وحول هذه الفرضية، يقول النائب حمسي، عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان الجزائري، في تصريحات لرصيف22: "أذناب العصابة والموالون للنظام السابق، يزرعون البلبلة، لزعزعة الاستقرار داخل البلد، بعرقلة مسار الإصلاحات التي يقوم بها عبد المجيد تبون.

وواصل حمسي، النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني، أكبر الأحزاب السياسية في الجزائر: تبون تفطن إلى هذه اللعبة القذرة، بعد الزيادات اللا معقولة في الضرائب، وقطع الطريق على العصابة المتغلغلة داخل السلطة.

الحكومة تسقط في أول اختبار

شح بعض السلع وندرتها في الأسواق، وتسيير ملف استيراد السيارات، وقانون المالية 2022، عناوين عريضة لما يصفه الخبراء بفشل الحكومة وسقوطها في أول اختبار، ومن بين هؤلاء إسماعيل حمروني، رئيس مجلس الاستثمار والتعاون الدولي، الذي يؤكد أن تغيير الحكومة، بات أكثر من ضروري حالياً نظراً لفشلها الذريع.

وقال حمروني في تصريحات لرصيف22: "على الرغم من أن الوزير الأول، رجل اقتصاد وله خلفية وخبرة ماليتان، إلا أنه فشل فشلاً واضحاً هو وحكومته، وتسبب في نفور المستثمرين الأجانب".

عامان من حكم تبون... 70 وزيراً في حكومتين

"سنتان من حكم عبد المجيد تبون، قام فيهما بتغييرات وزارية عديدة، من خلال تعيين حكومتين، وإقالة العديد من الوزراء في إجراء استثنائي، إذ بلغ عدد الوزراء الذين تعاقبو خلال حقبته 70 وزيراً، ما أراه شخصياً إخفاقاً سياسياً".

هكذا يستهل النقابي والناشط السياسي حمزة خروبي، حديثه إلى رصيف22، حول أداء الطاقم الحكومي في فترة تبون.

مرّ على حكم الرئيس الجزائري 26 شهراً، وقد عرفت بداية عهدته ظروفاً صعبةً، في ظل الجائحة والسقوط الاقتصادي الكبير لكل دول العالم.

واستعان تبون في هذه الفترة بحكومتين قادهما كل من عبد العزيز جراد، وأيمن بن عبد الرحمان، إلا أن تطبيق برنامجه لم يسِر بالطريقة المثلى، ما وضع الحكومة في مرمى الانتقادات الشعبية والحزبية، وحتى من قبل الرئيس نفسه، الذي أقرّ بضعف أداء دوائر وزارية عدة.

وبخصوص العبء الضريبي الذي يحمله قانون المالية الجديد، قال خروبي: "توالت السقطات السياسية بعدما تم سنّ قانون المالية 2022، الذي أثقل كاهل المواطن، إذ اعتمدت فيه حكومة أيمن بن عبد الرحمان، على الجباية كبابٍ حتمي لتأمين كتلة مالية، تعتمد عليها خزينة الدولة في تسيير شؤونها (...) القانون الذي واجهه الشعب الجزائري بالرفض القاطع خاصةً في ما تعلق بالضرائب التي تمس مباشرةً جيوب العامة، ليخرج بعدها الرئيس في قرار ارتجالي، يلغي بعض مواد هذا القانون، الذي كان قد صادق عليه بعد مروره على البرلمان بغرفتيه، وهو الأمر الذي يؤكد تخبّط السلطة في اتخاذ القرارات، وغياب رؤية واضحة وتوجه صريح للنمط الواجب اتّباعه من أجل بسط الاستقرار المؤسساتي والاقتصادي والمالي".

الرئيس في مواجهة البرلمان

فتح قرار تجميد الرئيس للضرائب والرسوم، باب التساؤل في الجزائر، عن مدى دستورية اتخاذ مثل هذه القرارات في قانون المالية، بعد المصادقة عليه من السلطة التشريعية. حاولنا الوصول إلى إجابة صريحة حول هذا التساؤل، مع الخبير الدستوري عمار رخيلة، الذي قال في تصريحات لرصيف22: "يمكن لرئيس الجمهورية تعليق أي قانون أو تجميده،، وفق ما يخوّله الدستور وطبقاً لصلاحياته، لكن يبقى مصير القانون بين يدي البرلمان وحده".

"على الرغم من أن الوزير الأول، رجل اقتصاد وله خلفية وخبرة ماليتان، إلا أنه فشل فشلاً واضحاً هو وحكومته، وتسبب في نفور المستثمرين الأجانب"

وأضاف رخيلة: "الحقيقة أن قوانين المالية في الجزائر ومنذ سنوات، لها كثير من الأحكام لم تدخل حيّز التنفيذ، لأن ذلك مرهون بإصدار المراسيم التنفيذية، التي تملكها السلطة التنفيذية، ممثلةً في شخص رئيس الجمهورية، أو أعضاء الحكومة وعلى رأسهم الوزير الأول".

إلغاء الرئيس الجزائري للضرائب التي تضمّنها قانون المالية الجديد، حفاظاً على القدرة الشرائية للمواطن، لقي استحساناً كبيراً من قبل غالبية الجزائريين، لأنه سيجنب دخول دوامة من الاحتجاجات تؤثر على النظام العام، غير أنه ينذر بعجز الميزانية، ويوجب البحث عن حلول سريعة، خاصةً وأن القانون الجديد بُني على الإيرادات الجبائية، وفقاً لأحمد سواهلية، أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة الجزائر، الذي أكد لرصيف22، أن "تعويض مداخيل الجباية أمر صعب جداً، بل يكاد يكون مستحيلاً خاصةً الجباية البترولية، ولهذا سيتم تدارك مشكلة كثرة الضرائب في قانون المالية التكميلي بتوجيهات من رئيس الجمهورية، لكن على المسؤولين أن يفكّروا ملياً في مراجعة النظام الضريبي، لتفادي إرهاق المواطنين والمؤسسات، فالضرائب الثقيلة تؤدي إلى التهرب والتحايل، وعليه فإن تخفيفها يبقى حلاً من الحلول الناجعة، مع توسيع المساحة الجبائية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image