شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
في عيد الثورة الجزائرية... جرائم لا تسقط بالتقادم

في عيد الثورة الجزائرية... جرائم لا تسقط بالتقادم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 2 نوفمبر 202105:04 م

الفاتح من تشرين الثاني/ نوفمبر، تاريخ عزيز على قلوب الجزائريين، تعمّ فيه مظاهر الاحتفال كامل أرجاء البلاد، تخليداً لواحدة من أعظم الثورات في التاريخ المعاصر، ألا وهي حرب الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي.

بعد ثورات شعبية ملهمة عدة، ونضال سياسي متراكم، اتّفق ستة رجال في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 1954، على تغيير مجرى التاريخ، وقلب الموازين، على الرغم من قله العدة والعتاد، بمجابهة أقوى قوة استعمارية في ذلك الزمان.

حرية فداها الجزائريون بدمائهم وأرواحهم، إذ قدّموا مليوناً ونصف مليون شهيد، في ثماني سنوات من الثورة، من إجمالي خمسة ملايين و630 ألف شهيد، سقطوا خلال 132 سنة من الاستعمار الوحشي.

مجموعة الستة التاريخية

"ألقوا الثورة للشارع يحتضنها الشعب"؛ مقولة راسخة في تاريخ الجزائر، ويحفظها الشعب عن ظهر قلب، أطلقها مصطفى بن بولعيد، في غمرة التحدي لكسر التردد في تفجير الثورة، ضد أعتى قوة استعمارية في القرن الماضي.

ترتسم في ذاكرة الجزائريين صورة مجموعة الستة الذين عقدوا العزم على أن تحيا الجزائر، وهم محمد بوضياف، ومصطفى بن بولعيد، والعربي بن مهيدي، وديدوش مراد، وكريم بلقاسم، ورابح بيطاط، الذين خططوا ووضعوا بيان الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، الذي لخّص مبادئ الكفاح المسلح، ورسم خريطة بناء البلاد، والتحق بهم في هذه المغامرة، الشعب الجزائري الذي لبّى نداء الواجب، واحتضن ثورةً عظيمةً انتهت باسترجاع الحرية المسلوبة.

توِّجت التحركات داخل المجلس الشعبي الوطني، بإيداع مقترح قانون تجريم الاستعمار، بمساهمة مئة نائب من نواب البرلمان، بأطيافه السياسية جميعها، من دون استثناء

ستة من خيرة شباب الجزائر، اجتمعوا في الـ23 من تشرين الأول/ أكتوبر 1954، في بيت المناضل مراد بوقشورة، في حي لا بوانت بيسكاد (رايس حميدو حالياً)، يوماً كاملاً، درسوا فيه سبل تفجير ثورة التحرير في الفاتح من تشرين الثاني/ نوفمبر.

وحدد القادة الستة، خريطة تقسيم الجزائر إلى ست مناطق، وتعيين قادة لها بشكل نهائي.

مرض مزمن يؤزّم العلاقات

يحيي الجزائريون هذا اليوم من كل عام، استذكاراً لحرب طويلة، انتهت باستقلال البلاد في الخامس من تموز/ يوليو عام 1962، وإعلان قيام الجمهورية الجزائرية في الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر من ذلك العام.

غير أن الذكرى السابعة والستين لاندلاع الثورة التحريرية، تأتي هذه السنة في ظروف استثنائية، تطبع العلاقات بين الجزائر وفرنسا بتأزم غير مسبوق، بلغ حد سحب السفير الجزائري في فرنسا منذ 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 (لا يزال قيد التشاور في الجزائر)، بالإضافة إلى إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام عبور الطائرات العسكرية الفرنسية، ووقف صفقات تجارية واقتصادية عدة.

يؤكد رئيس أركان الجيش الجزائري، سعيد شنقريحة، أن "فرنسا تريد أن تمارس عملية توليد قسري للتاريخ"، وأضاف بيان لوزارة الدفاع الوطني أن الفريق شنقريحة، تابع بمناسبة إحياء ذكرى الفاتح من تشرين الثاني/ نوفمبر، "معارك اليوم التي تدار في سياق مواجهات الماضي، لأن عدو الأمس، لم يعد يرضى أن تكون أحداث التاريخ كما كانت في الواقع، وما يقوم به عدو الأمس، عملية ربما يلملم بها شتات كبريائه المنكسر، ويعيد تشكيل الحاضر الذي لم يوافق ميولاته الاستعمارية، وتفوقه الحضاري المزعوم، وترتيبه".

"عودة المياه إلى مجاريها بين الجزائر وفرنسا، مرهونة بالانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا، وهوية نزيل قصر الإليزيه القادم، فالأمر يتعلق بجالية جزائرية قدرها قرابة سبعة ملايين جزائري في فرنسا"

"هذه الأرض ليست للبيع"

تزامناً مع الذكرى الخالدة للفاتح من تشرين الثاني/ نوفمبر، شهدت الجزائر في ضوء الأزمة الدبلوماسية، تحركاتٍ سياسية حثيثة داخل البرلمان، رداً على ما يراه النواب إساءةً لتاريخ الأمة الجزائرية، وذاكرتها، وجيشها، ورئيسها، من طرف الرئيس الفرنسي، بعد التصريحات التي نُشرت في جريدة لوموند الفرنسية، مطلع الشهر الماضي.

وقد توِّجت التحركات داخل المجلس الشعبي الوطني، بإيداع مقترح قانون تجريم الاستعمار، بمساهمة مئة نائب من نواب البرلمان، بأطيافه السياسية جميعها، من دون استثناء، وحملت المبادرة شعار "هذه الأرض ليست للبيع"، وهي مقولة لزعيم الحركة التحررية مصالي الحاج.


ويقول رئيس المجموعة البرلمانية لحزب حركة مجتمع السلم، أحمد صادوق، في تصريحات لرصيف22: "آن الأوان لتجريم الاستعمار. ما فعلته فرنسا يجب أن يقابَل بقانون يطرحه البرلمان، ويصوّت عليه بالأغلبية، ونحن في حركة مجتمع سلم جاهزون لأن نبصم بالأصابع العشرة، وبأعضاء مجموعتنا البرلمانية جميعهم، فما فعله الاستعمار في حق أجدادنا لا يسقط بالتقادم.

الأزمة الدبلوماسية المتفاقمة بين الجزائر وفرنسا، تأخذ أوجهاً عدة، من بينها اللغة التي أُقحمت في هذه المعركة السياسية.

وزارة الشباب والرياضة، ووزارة التكوين والتعليم المهنيَين، ووزارة العمل، ثلاث وزارات أصدرت تعميماً يقضي بإجبارية استخدام اللغة العربية، على مستوى المراسلات الإدارية، وفي التصريحات الرسمية، تكريساً للمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، مثلما هو منصوص عليه في الباب الأول من الدستور.

ويعدّ المتابعون هذا القرار الذي ظل مجمداً منذ عام 1991، بمثابة ضربة للّوبي الفرنسي، المتغوّل داخل الإدارة الجزائرية.

وقد لقي القرار ترحيباً واسعاً في البلاد، عكسته مواقع التواصل الاجتماعي، إذ طالب كثيرون بتعميم القرار على الوزارات والمؤسسات العمومية والخاصة في البلاد، جميعها.

"هذا المد والجزر في العلاقات الجزائرية الفرنسية، ظاهرة طبيعية، بحكم التاريخ المشترك بين البلدين، والذي تحكمه عوامل معقدة ومتشابكة عدة". هكذا يستهل أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، توفيق بوقعدة، حديثه مع رصيف22، ويستطرد قائلاً: التصعيد الجزائري، سواء أكان اقتصادياً، أو بغلق المجال الجوي، أو باستدعاء السفير الجزائري في فرنسا، أو بمحاولة خلق القطيعة مع اللغة الفرنسية، هو نتيجة حتمية وطبيعية لمجموعة من الاستفزازات الفرنسية في المدة الأخيرة، لكنني في الوقت نفسه، أرى أن ما يحدث يندرج ضمن خانة الأزمة الظرفية، لأن العلاقات الثنائية بين البلدين لا بد أن ترجع إلى سابق عهدها يوماً ما، عاجلاً أم آجلاً".

ويرى بوقعدة، أن عودة المياه إلى مجاريها بين الجزائر وفرنسا، مرهونة بالانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا، وهوية نزيل قصر الإليزيه القادم، فالأمر يتعلق بجالية جزائرية قدرها قرابة سبعة ملايين جزائري في فرنسا".

"آن الأوان لتجريم الاستعمار. ما فعلته فرنسا يجب أن يقابَل بقانون يطرحه البرلمان، ويصوّت عليه بالأغلبية، ونحن في حركة مجتمع سلم جاهزون لأن نبصم بالأصابع العشرة، وبأعضاء مجموعتنا البرلمانية جميعهم، فما فعله الاستعمار في حق أجدادنا لا يسقط بالتقادم"

احتفالات لا تنقطع

التوترات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، ألقت بظلالها على الاحتفالات الرسمية والشعبية، في الذكرى السابعة والستين لاندلاع الثورة الجزائرية، إذ حملت مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة، نكهةً إضافية هذه السنة، بخروج آلاف الجزائريين للاحتفال ليلاً، مرددين أغنياتٍ وقصائد ملحمية، تمجّد تاريخ نضال الجزائريين الطويل ضد المستعمر الفرنسي، على مدار 132 سنة.

كما دشّنت السلطات إنجازات تنموية عدة، وبنى تحتية، ومنشآت قاعدية، أهمها باخرة "باجي مختار 3"، وهي أكبر سفينة تعزز بها الأسطول البحري التجاري الجزائري، تم اقتناؤها من الصين، لتنافس بها الجزائر البواخر الفرنسية، والإسبانية، واليونانية، في البحر الأبيض المتوسط.

كما شهدت البلاد تسليم 90 ألف وحدة سكنية، في أكبر عملية توزيع للوحدات السكنية، لفائدة المواطنين بمناسبة عيد الثورة.

ومن جانبه، أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عفواً رئاسياً طال ثلاثة آلاف سجين.

إلى جانب ذلك، تم تنظيم منتديات واحتفالات في مؤسسات الدولة، ولقاءات تذكّر الأمة الجزائرية بهذا التاريخ العظيم، الذي يُعدّ منعرجاً رئيسياً ومحورياً لانتزاع الاستقلال بالكفاح المسلح، والعيش بسلام في كنف الحرية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image