يساعدنا التصالح مع الموت على التخلص من الانشغال الدائم وهاجس التركيز على التفاصيل اليومية، وذلك بغية الانكباب على ما هو أكثر أهمية بالنسبة لنا من أجل عيش حياة سعيدة ومثمرة، بخاصة وأن متوسط عمر الإنسان محدود بشكل مخيف.
في الواقع، لا أحد لديه الوقت الكافي هذه الأيام، لكن جهودنا للتعامل مع الانشغال تجعلنا نشعر بأننا أكثر انشغالاً. يتفق الفلاسفة القدماء والأبحاث المتطورة على الحل المفاجئ: يجب على المرء أن يتعلم أن يحب حدوده.
كيف نتوقف عن محاربة الوقت وإضاعته؟
التصارع مع الوقت
"لا تُضيفوا سنوات إلى حياتكم، بل حياة إلى سنواتكم. اسرقوا من العمر حياة، قبل أن يسرق العمر أجمل سنوات حياتكم". (أحلام مستغانمي)
إذا كان المرء محظوظاً وتمكن من العيش حتى 80 عاماً، فهذا يعني بأنه لديه حوالي 4000 أسبوع لكي يعيشهم على هذه الأرض. هذه الحقيقة التي يتجاهلها معظمنا، هي مسألة شائكة يجب التوقف عندها إذا أردنا قضاء وقتنا المحدود على هذه الأرض بطريقة جيّدة ومفيدة.
يساعدنا التصالح مع الموت على التخلص من الانشغال الدائم وهاجس التركيز على التفاصيل اليومية، وذلك بغية الانكباب على ما هو أكثر أهمية بالنسبة لنا من أجل عيش حياة سعيدة ومثمرة، بخاصة وأن متوسط عمر الإنسان محدود بشكل مخيف
انطلاقاً من هذا الواقع، يترتب على الإنسان إدارة الوقت بشكل مثمر. ومع ذلك، فإن هاجس الإنتاجية ساهم في تضييق الأفق بشكل محبط، بالإضافة إلى الآثار المترتبة عن محاولة ابتكار روتين الصباح المثالي أو محاولة تنفيذ أكبر عدد ممكن من المهام، مع استثمار كل طاقتنا للوصول إلى حالة لاحقة من الرفاهية.
ولعلّ النضالات والمعارك التي يخوضها البعض لتحقيق إحساس بالسيطرة الكاملة أو التمكن من الوقت لها نتائج عكسية، بحيث إنها لا تؤدي إلى حياة ذات معنى بل إلى حياة أكثر إرهاقاً وتوتراً. ومع الوقت قد ندرك أننا بحاجة إلى التوقف عن السعي وراء هذا النوع من التحكّم، التخلّي عن الهدف المستحيل المتمثل وأن نتقبل حدودنا بدلاً من ذلك، وذلك لتوفير المزيد من الوقت لما هو ثمين حقاً.
عندما ندرك قصر الحياة، ونتقبل حقيقة أن بعض الأشياء يجب تركها غير مكتملة- سواء أحببنا ذلك أم لا- فنكون أكثر قدرة على التركيز على الأمور المهمة. بدلاً من الاستسلام لعقلية "الأفضل، والأسرع، والأكثر"، يمكننا أن نتقبل كوننا غير كاملين، وأن نكون أكثر سعادة.
فيما يلي 10 طرق حول كيفية العيش والاستفادة من الوقت بشكل صحيح.
اعتماد نهج "الحجم الثابت" للإنتاجية
نحتاج جميعاً إلى اتخاذ خيارات صعبة بشأن ما يمكننا القيام به بشكل واقعي، حتى نتمكن من تحديد أولويات الأنشطة الأكثر أهمية، بدلاً من الاستجابة لوابل مستمر من المطالب.
تتمثل الاستراتيجية في تعيين حدود زمنية محددة مسبقاً لأنواع معيّنة من العمل اليومي، على سبيل المثال يمكن تحديد وقت للكتابة من الساعة 8 حتى 11 صباحاً والتأكد من التوقف تماماً عن العمل عند انتهاء الوقت المحدد.
التركيز على مشروع واحد
ينبغي التركيز فقط على مشروع كبير واحد في كل مرة. على الرغم من أنه من المغري محاولة التخفيف من القلق عن طريق تحمل الكثير من المسؤوليات من خلال الشروع فيها جميعاً مرة واحدة، غير أن ذلك لن يجعلنا نحرز تقدماً يُذكر، لا بل إن التركيز على مهمة واحدة سوف يساعدنا على إكمال المزيد من المشاريع، وبالتالي تخفيف التوتر والقلق.
تقبل احتمال الفشل
قد لا ننجح في تحقيق كل ما نطمح إليه، لأن وقتنا قصير وطاقتنا محدودة، لكن التوقف مسبقاً عند المجالات التي لا نتوقع فيها التميّز، يساعدنا على تركيز وقتنا وطاقتنا بشكل أكثر فعالية.
على سبيل المثال، قد نقرر مسبقاً أنه لا بأس في أن يكون لدينا مطبخ مزدحم أثناء إنهاء روايتنا، أو أن نفعل الحدّ الأدنى في مشروع عمل معيّن حتى نتمكن من قضاء المزيد من الوقت مع أطفالنا، وبالتالي فإن التفكير في احتمال الفشل يخفف من وطأته في حال أخفقنا بالفعل.
التركيز على الأمور التي تم إنجازها
نظراً لكون السعي لإنجاز كل شيء لا نهاية له، فمن السهل أن ننمّي الشعور باليأس والتأنيب الذاتي عندما لا نتمكن من تجاوز قائمة مهامنا بالكامل. تتمثل إحدى الاستراتيجيات المضادة في الاحتفاظ بـ "قائمة الأمور المنجزة"، والتي تبدأ فارغة في الصباح الباكر، ولكن يمكننا تعبئتها تدريجياً على مدار اليوم أثناء إنجاز الأمور.
تعزيز الاهتمام
وسائل التواصل الاجتماعي هي آلة عملاقة تجعلنا نقضي وقتنا في الاهتمام بالأشياء الخاطئة والكثير منها في وقت واحد، من خلالها، قد نتعرض لتيار لا ينتهي من الفظائع والظلم، قد يكون لكل منها مطالبة مشروعة في وقتنا وتبرعاتنا الخيرية، ولكنها تضيف شيئاً لا يمكن لأي إنسان معالجته بشكل فعال.
وعليه، من الجيّد أن نختار بوعي "معاركنا" في الأعمال الخيرية والنشاط والسياسة، حتى لا نشعر بالإنهاك، بمعنى آخر، يجب التركيز على أهداف محددة بدل تشتيت الذهن بأمور قد تكون خارجة عن سيطرتنا.
"لا تُضيفوا سنوات إلى حياتكم، بل حياة إلى سنواتكم. اسرقوا من العمر حياة، قبل أن يسرق العمر أجمل سنوات حياتكم"
احتضان الملل
تسمح لنا المشتتات الرقمية بالهروب إلى عالم لا يبدو أن القيود البشرية المؤلمة تنطبق عليه، ومن خلاله، لن نشعر أبداً بالملل، وهذا ليس هو الحال عندما يتعلق الأمر بالعمل على المسائل المهمة.
يمكن مكافحة ذلك بجعل الأجهزة مملة قدر الإمكان، وإزالة تطبيقات الوسائط الاجتماعية. من المفيد أيضاً اختيار الأجهزة لغرض واحد فقط، مثل قارئ Kindle. بخلاف ذلك، ستكون الإغراءات مجرد تمريرة سريعة، وسوف نشعر بالحاجة إلى التحقق من شاشاتنا في أي وقت نشعر فيه بالملل أو نواجه تحدياً في عملنا.
البحث عن الحداثة في الحياة العادية
يبدو أن الوقت يتسارع مع التقدم في العمر، على الأرجح لأن أدمغتنا تشفر مرور السنين بناءً على كمية المعلومات التي نعالجها في فترة زمنية معينة.
ففي حين أن الأطفال لديهم العديد من التجارب الجديدة والوقت يبدو أبطأ بالنسبة لهم، فإن روتين حياة كبار السن يعني أن الوقت يبدو أنه يمر بمعدل متزايد باستمرار.
النصيحة المعتادة هي محاربة الوقت من خلال الغوص في المزيد من التجارب الجديدة في الحياة، أما الخيار البديل فهو إيلاء المزيد من الاهتمام لكل لحظة، مهما كانت عادية، للعثور على الحداثة والتجديد من خلال الانغماس بعمق في حياتنا الحالية.
تعزيز العلاقات
تؤدي الرغبة في الشعور بالتحكم في وقتنا المحدود إلى مشاكل عديدة في العلاقات، لا ينتج عنها فقط التحكم في السلوك، ولكن أيضاً رهاب الالتزام وعدم القدرة على الاستماع، الملل وفقدان ثراء التجارب مع الآخرين.
عندما نواجه لحظة صعبة أو مملة في العلاقة، يمكن اختبار الشعور بالفضول تجاه الشخص الذي نتعامل معه، بدلاً من التحكم فيه. الفضول هو موقف مناسب تماماً لعدم القدرة على التنبؤ المتأصل في الحياة مع الآخرين، لأنه يمكن إرضاؤه من خلال سلوكهم بالطرق التي نحبها أو لا نحبها، بينما إذا طلبنا نتيجة معينة بدلاً من ذلك، فغالباً ما نصاب بالإحباط.
السخاء
كلما ظهر دافع سخي في عقلنا، يجب أن نستسلم له على الفور بدلاً من تأجيله، بغض النظر عمّا إذا كان الشخص الآخر يستحق كرمنا أو لا، فالعمل السخي يجعلنا نشعر بسعادة أكبر وبأن وقتنا لا يذهب سدى.
التدرب على عدم فعل أي شيء
عندما يتعلق الأمر بالتحدي المتمثل في استخدام 4000 أسبوعاً بطريقة جيّدة، فإن القدرة على عدم القيام بأي شيء أمر لا غنى عنه، لأنه إذا كنا لا نستطيع تحمل الانزعاج من عدم التصرف، فمن المرجح أن نتخذ خيارات سيئة، مثل محاولة التعجيل بالأنشطة التي لا يمكن الاستعجال بها، أو الشعور بضرورة قضاء كل لحظة في أن نكون "منتجين"، بغض النظر عما إذا كانت المهام المعنية مهمة حقاً.
عدم القيام بأي شيء يعني مقاومة الرغبة في التلاعب بتجربتنا أو بالأشخاص والأشياء في العالم من حولنا، وترك الأمور على ما هي عليه.
مع استمرار التخلّي عن الأعباء والمهام، سوف نستعيد استقلاليتنا تدريجياً. لن نكون متحمسين بعد الآن بمحاولة التملّص من شعور الواقع؛ بدلاً من ذلك، سوف نتعلم كيف نهدأ ونتخذ خيارات أفضل رغم وقتنا المحدود في الحياة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون