بحفاوة بالغة جداً، استقبلت الإمارات العربية المتحدة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وصل في يوم عيد الحب 14 شباط/ فبراير، إلى أبو ظبي، في زيارة استغرقت يومين يختمها بزيارة الجناح التركي في معرض إكسبو دبي 2020، اليوم، بمناسبة العيد الوطني التركي (15 شباط/ فبراير).
وصل ضيف الإمارات في ظل أجواء احتفالية بالرئيس الطيب، فمن أجله أُضيء برج خليفة، قبل يوم من الزيارة، بالعلم التركي مرفقاً بعبارة ترحيبية "أهلاً بك"، ولأجله قام الفنان الإماراتي حسين الجسمي بتقديم أغنية باللغة التركية "كل شيء يذكرني بك"، وذلك تكريماً للتقارب التركي-الإماراتي، بعد سنوات من الانقطاع والعداء.
وللتعبير عن فرح الإمارات بوصول الحليف المُستجد، استقبله الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حاكم أبو ظبي، على وقع 21 إطلاقة مدفع ترافقها طائرات حامت في أجواء استعراضية في سماء العاصمة. صور وأعلام في كل مكان. الاحتفال بالضيف يكسر أيام الماضي الذي مضى كما يقول الإماراتيون والأتراك، في انتظار أن يفتح البلدان صفحات بيضاء، ممهورةً بالعملة الخضراء.
حرص الإعلام الإماراتي على اختيار مفردات فيها الكثير من الود، فأردوغان اليوم هو "ضيف الإمارات الكبير"
حرص الإعلام الإماراتي على اختيار مفردات فيها الكثير من الود، فأردوغان اليوم هو "ضيف الإمارات الكبير"، في وقت أيّد الإعلام التركي، وخاصةً الرسمي منه، تلك الزيارة، لما فيها من منفعة لاقتصاد البلد الذي يعاني منذ سنتين من تضخم وانهيار كبير في قيمة العملة التي وصلت اليوم إلى 13.5 ليرة تركية مقابل الدولار الواحد.
يرى مؤيدو أردوغان، أن من قام بالخطوة الأولى هي الإمارات حين أرسلت مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد، إلى العاصمة التركية، في 18 آب/ أغسطس الماضي، ليطوي صفحةً "سوداء" ويفتح مرحلةً جديدةً من العلاقات بين البلدين، بعد قطيعة استمرت تسع سنوات من دون انقطاع التبادل التجاري بين البلدين.
وتبعت المبادرة الإماراتية تجاه أنقرة، زيارة بن زايد إلى العاصمة التركية في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ونتج عنها إبرام تسع اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مختلف المجالات، فضلاً عن استثمار الإمارات لعشرة مليارات دولار في تركيا.
فضل على العرب
بالنسبة إلى الإمارات، فهي كانت تعدّ حتى وقت قريب تركيا داعمةً للإرهاب والتطرف وتشكّل خطراً على المنطقة، حتى أن جميع المواقع والصحف والقنوات التركية كانت محجوبةً تماماً فيها حتى مطلع السنة الحالية حين رُفع الحظر. زيارة أردوغان اليوم كعودة الدم إلى الشريان.
يقول الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي، أحمد إبراهيم، لرصيف22، إنّ "بين العرب وتركيا تاريخاً وثقافاتٍ مشتركةً، والأتراك ساهموا في جزء من حضارات العربية، وتالياً العرب لم يتخلوا عن الأتراك، فوجود دولة بحجم تركيا قريبة جغرافياً من العالم الأوروبي وعقائدياً من العالم الإسلامي سيساهم في نشر السلام في المنطقة، وهذا ما نراه أساسياً".
يقول الإماراتيون إنه بين العرب وتركيا تاريخاً وثقافاتٍ مشتركةً، والأتراك ساهموا بالحضارة العربية، ووجود تركيا القريبة جغرافياً من العالم الأوروبي وعقائدياً من العالم الإسلامي سيساهم في نشر السلام في المنطقة
يضيف: "أثبت التاريخ أن الدول التي كانت بينها عداوات وخلافات اعترفت لاحقاً بندمها، وأن الحرب لم تقدّم إلا الخسائر فيما لو استُثمر الوقت في بناء الاقتصاد لكانت الشعوب تعيش براحة وسلام، ونحن نسعى في الإمارات إلى هدف تكريس السلام في العالم وفي المنطقة بشكل خاص، وهذا ما يعمل عليه كلا البلدين حالياً، أي الاستثمار بالطاقات البشرية والعلمية والعسكرية الدفاعية".
المال الإماراتي
يستطرد الكاتب الإماراتي ليشير إلى أن "المال الإماراتي الذي بنى أطول برج في العالم (برج خليفة)، والذي أصبح من أشهر المعالم السياحية، لن يتوانى عن بناء أكبر وأطول ممر سياحي (كورنيش) معبّد على البحر الأسود بميزانية ضخمة وبيد عاملة تركية وإشراف تقني أوروبي، وهذا مشروع اقتصادي سيُنعش المنطقة ويحرّك العجلة الاقتصادية ويؤمّن فرص عمل، وهذا ما قصده أردوغان حين قال إن زيارته إلى الإمارات ستنعكس إيجابياً على المنطقة".
من وجهة نظره، فإن "مبلغ العشرة مليارات دولار الذي أعلنت أبو ظبي عن عزمها منحه لأنقرة خلال زيارة بن زايد، ساهمت في تحسّن الليرة التركية نوعاً ما، كذلك انعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد التركي".
"تسميات العداوات والتشجنات والخلافات هي عبارات يستخدمها الإعلام، ويجب أن نتركها جانباً. نحن نعدّها وجهات نظر فحسب، واليوم نتطلع إلى الأهداف المقبلة، إلى الإيجابيات القادمة على المنطقة، ولا نريد أن ننسى الوجود التركي، منذ أزمنة بعيدة، داخل المجتمع والحضارة العربية، في الثقافة والعمارة هناك بصمات عثمانية، ما أقصده لا يمكننا عزل هذا التاريخ، أو مسحه"، يقول أحمد إبراهيم.
تسميات العداوات والتشجنات والخلافات هي عبارات يستخدمها الإعلام، ويجب أن نتركها جانباً
وكان الجانبان التركي والإماراتي قد وقّعا يوم الإثنين 14 فبراير/ شباط، على اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات الاستثمار والصحة والزراعة، بجانب النقل والصناعات والتقنيات المتقدمة والعمل المناخي، بالإضافة إلى الثقافة والشباب وغيرها، وفق ما ذكرت وكالة أنباء الإمارات (وام).
وعلّق أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، على التويتر قائلاً: "زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الإمارات، والتي تأتي بعد زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الجمهورية التركية، تفتح صفحةً إيجابيةً جديدةً في العلاقات الثنائية بين البلدين، وتنسجم مع توجه الإمارات نحو تعزيز جسور التواصل والتعاون الهادفة للاستقرار والازدهار في المنطقة".
ترتيب الأولويات
يقول أستاذ القانون والعلاقات الدولية، الدكتور سمير صالحة، المقيم في إسطنبول، لرصيف22، إنّ "الرئيس التركي يلعبها بالشكل الصحيح، همّه حالياً تحسين الوضع الاقتصادي لبلده، وبرأيي ما ساهم في فتح الطريق بين البلدين هو إعلان أنقرة عن رغبتها في سياسة إعادة تموضع إقليمي، بعد أن كانت لديها مشكلة في الوصول إلى ما تريده حين كانت تعتمد الطريقة التصعيدية مع بعض الأطراف الذين بدورهم كانت لديهم مواقف متشددة حيال تركيا وسياساتها".
ويضيف: "لاحظنا كيف كانت بيانات قمم جامعة الدول العربية، باستثناء القمة الأخيرة، تسمّي تركيا وتصفها بشكل مباشر بأنها خطر على المنطقة، بعد أن كانت تلك الاتهامات محصورةً بإيران فحسب، والإمارات تتبع سياسةً براغماتيةً في علاقاتها الخارجية، وتحسب بالورقة والقلم أين تربح أو تخسر، وكيف؟ وأردوغان ركّز في المقالة التي كتبها مؤخراً على مبادرات السلام الإقليمية والانعكاسات الإيجابية التي ستأتي على المنطقة بعد تلك المصالحات، وتركيزه أيضاً على أن الإمارات هي الشريك التجاري الأول لتركيا في الخليج العربي".
من الممكن بعد هذه الزيارة أن يتعاون البلدان في الملف السوري، وفي كيفية إيجاد حلول مشتركة، وكذلك الملف المصري هو مهم جداً لتركيا
وبرأي صالحة، فإنه "من الممكن بعد هذه الزيارة أن يتعاون البلدان في الملف السوري، وفي كيفية إيجاد حلول مشتركة، وكذلك الملف المصري هو مهم جداً لتركيا، فصحيح أن حواراً قد بدأ بين البلدين، لكنه لم يصل إلى نتائج، والإمارات ستكون الوساطة في تلك المحادثات، ولاحظنا المؤشرات الإيجابية في تخفيف التوتر في ليبيا بفضل التعاون التركي-الإماراتي، التي تُرجمت بوجود السفير التركي في شرق ليبيا للتنسيق مع القيادات هناك، وهذا تطور جديد ومهم".
ماذا عن قطر؟
في المقلب الآخر، لم تكن الزيارة خفيفةً على قلب عدد كبير من الناشطين القطريين، أصدقاء تركيا وحلفائها، فكانت التغريدات واضحةً ومباشرةً تسخر من تبدّل الأحوال خلال أيام، وكأن شيئاً لم يكن، وأنّ الذي اتهم دولة الإمارات بمحاولة الانقلاب على الرئيس التركي في العام 2016، باتوا اليوم "أخوةً ولا أعز".
فتغريدة الإعلامي القطري المعروف، جابر الحرمي، كانت ساخرةً ومباشرةً حين كتب على صفحته: "سبحان مغيّر الأحوال، فنانون إماراتيون يُغنّون بالتركية احتفاءً بزيارة أردوغان إلى الإمارات، ورئيس جمعية الصحافيين الإماراتية يقول: الشراكة مع تركيا شراكة مع حليف قوي".
سبحان مغيّر الأحوال، فنانون إماراتيون يُغنّون بالتركية احتفاءً بزيارة أردوغان، ورئيس جمعية الصحافيين يقول: الشراكة مع تركيا شراكة مع حليف قوي
هذا بجانب تغريدات أخرى لشخصيات قطرية لم تهضم هذا الودّ المفاجئ، في وقت كان الإعلام القطري غير مهتم بتلك الزيارة، وأتى عليها من باب "رفع العتب"، فمثلاً قناة الجزيرة لم تعطِها أي حيّز مهم في برامجها، في وقت كانت تهتم بنشر أخبار عن قصف الحوثيين للإمارات، وتستضيف شخصياتٍ من القيادة الحوثية لتهديد الإمارات، حتى أن معظم برامجها تركّزت حول الملف الروسي-الأوكراني.
زيارة أردوغان بديهية بعد أن زار حاكم أبو ظبي أنقرة، وما يعود بالخير على الإمارات والمنطقة سيعود بالخير على قطر طبعاً
ينفي الباحث في الشؤون الدولية، القطري، علي الهيل، في حديثه إلى رصيف22، أن تكون "قطر منزعجةً من زيارة الصديق والحليف الدائم لها، بل على العكس هي من شجعت على تلك الزيارة، وترى فيها خطوةً ذكيةً لمنافسة الكيان الصهيوني الذي يستفيد من الإمارات. تركيا هي الأولى بذلك، كما أن الدوحة تريد لحليفتها أن تكون قريبةً إلى دول مجلس التعاون الخليجي".
ورفض الهيل فكرةً يتداولها بعض الناشطين في قطر، وحتى ما يحلله البعض الآخر، بأن قطر منزعجة من الإمارات لأنها تسحب أصدقاء الدوحة وتتجاوزها، إذ يقول: "زيارة أردوغان بديهية بعد أن زار حاكم أبو ظبي أنقرة، وما يعود بالخير على الإمارات والمنطقة سيعود بالخير على قطر طبعاً".
وختم بالقول: "الرئيس أردوغان تشاور مع قطر حول الزيارة، ولا أستبعد أن يزور البحرين بعد فترة قصيرة. الرئيس التركي لاعب سياسي محترف وهو يسعى إلى حرق ورقة إسرائيل الاقتصادية في دول الخليج المطبّعة، عبر تقديم أسعار تنافسية في استلام المشاريع الكبرى".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون