Modern Love (حب حديث) عمود أسبوعي تنشره صحيفة نيويورك تايمز منذ خمسة عشر عاماً، يتناول قصصاً حميمة لأشخاص يروون تجربتهم مع أشكال مختلفة من الحب. وقد حقق العمود تجاوباً كبيراً في مختلف أنحاء العالم، ومع الوقت تحوَّل إلى بودكاست، ولاحقاً إلى مسلسل تلفزيوني قصير يبثّ عبر منصة "برايم". اخترنا لكم منه
هذه القصة لسيلفا كوسنيمي.
ترجمة: أسماء يس
بعد بضع دقائق من التجول في متجر المشروبات الروحية، اقترب البائع وسألني إن كنت بحاجة إلى مساعدة. للحظة فكرت في شرح حالتي، وددت أن أقول: "مرحباً، أبحث عن زجاجة نبيذ تصلح للعشاء مع حبيبي وحبيبتيه اللتين سألتقي بهما للمرة الأولى، هل لديك زجاجة نبيذ أبيض تقول: أنا آسفة! أرجوكم أحبّوني؟" لكني بدلاً من ذلك قلت: "أنا أتفرَّج فقط". فابتسم البائع وابتعد.
مواعدة شخص مرتبط
مواعدة شخص مرتبط لها جوانب إيجابية عديدة، فبعد تجربة طويلة مع تعدد العلاقات، كان جوهانا يمتلك قدرة ممتازة على التواصل، وكان يتمتع بنوع من الذكاء العاطفي، على عكس الرجال أحادي العلاقات الذين تعرفت إليهم من قبل، كما أني لم أكن راغبة في التخلي عن الوقت الذي أقضيه في العمل على مشاريعي أو مع أصدقائي، لذلك كان من المريح بالنسبة لي أن تكون علاقتنا محددة فقط بيومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، أي عندما يكون لدى حبيبة جوهانا التي تسكن معه خطط أخرى.
"أبحث عن زجاجة نبيذ تصلح للعشاء مع حبيبي وحبيبتيه اللتين سألتقي بهما للمرة الأولى، هل لديك زجاجة نبيذ أبيض تقول: أنا آسفة! أرجوكم أحبّوني؟"
كنت عندها أزور الشقة التي يتشاركانها، وهي شقة واسعة في إحدى ضواحي غابات هلسنكي، تطل نوافذها على بحر من الأشجار، وهناك، كان جوهانا يطهو لي، فهو من النوع الذي يتسوق التوابل من العطارات المتخصصة، ويهتم بشحذ مجموعة سكاكينه الخاصة التي يستخدمها لفرم الثوم وسحقه وتحويله إلى معجون ناعم. أعرف أنه كان فخوراً بهذه المهارة، كما لو كانت شيئاً يُميّز مرحلة النضوج، مهارةً اكتسبها وراء الجسر الذي لم أعبره بعد، وأنا في السابعة والعشرين من عمري.
ومع أن حبيبتيه لم تكونا هناك أثناء زياراتي تلك، فإنهما لم تكونا غائبتين تماماً. كنت وجوهانا نأكل برغر التوفو على مائدة تقع بين صور حبيبته المقيمة معه ونباتات حبيبته الأخرى، التي كانت فروعها الذابلة تكاد تلامس وجهي. وبينما كنا نتناول الطعام، أخبرني أن حبيبتيه سخرتا منه لأنه كان يحدثهما عني كثيراً: "سألتا عما إذا كنت أخطط لإحضارك لتناول العشاء قريباً لأعرّفك بهما". تجاوزتُ السؤال بضحكة خفيفة، فلم تكن نواياي جادة تجاهه، وكنت أشكّ أنني وحبيبتيه سنلتقي في يوم من الأيام. حتى رفع نظره إليَّ في أحد الأيام وهو جالس على الكرسي في غرفتي، حيث كان يحب الجلوس والقراءة، ثم قال: "اللعنة.. أعتقد أنني أقع في حبك"!
مواعدة شخص مرتبط لها جوانب إيجابية عديدة، فبعد تجربة طويلة مع تعدد العلاقات، كان "جوهانا" يمتلك قدرة ممتازة على التواصل، وكان يتمتع بنوع من الذكاء العاطفي، على عكس الرجال أحادي العلاقات الذين تعرفت إليهم من قبل
أثَّرت هذه الكلمات بشدّة على تصوري لعلاقتنا؛ وتحوّل تفكيري من زيارة المطاعم والنزهات إلى تأسيس بيت يجمعنا. لكن هذا التصور لم يكن يتضمن حبيبتيه اللتين أصبح من الصعب عليَّ تجاهلهما. كانتا تظهران في محادثاتنا؛ صورهما تغطي هاتفه، ويحدث أحياناً أن تتصل إحداهما ونحن معاً، وبعد عدة كلمات يخفض هاتفه ويقول لي: "إنها تقول مرحباً". حدقت مرة أخرى في وجهه المنتظر بصمت. ماذا عساي أن أقول؟
"مرحبا... أنا لا أعرفك، لكني في السرير مع صديقك. أفكر في أن أتركه لك. أنا غيورة، وأتمنى لو لم تكوني موجودة". لم أرغب في قول شيء آخر، لذلك اخترت الصمت. ومع الوقت، ولمّا قوبلت رسائلهما حسنة النية بالتجاهل، توقفتا عن محاولات التواصل معي.
البشر ليسوا مناسبين للعلاقات الأحادية
كثيراً ما تساءلت عن ماهية مشكلتي مع الموضوع، فباستثناء بعض النصوص الدينية وكتب الأدب الرومانسي التي تملأ رف مكتبتي، هل يوجد مرسوم عالمي يفرض أن علاقة الحب يجب ألا تشمل إلا شريكين فقط؟
كان من المريح بالنسبة لي أن تكون علاقتنا محددة فقط بيومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، أي عندما يكون لدى حبيبة "جوهانا" التي تسكن معه خطط أخرى
خَلُصت الأبحاث الأولية إلى أن الأطفال الذين نشأوا في علاقات متعددة مستقرة حققوا نجاحاً جيداً. وأجرى مؤيدو العلاقات المفتوحة مقابلات متفائلة ومستنيرة. ويبدو أن الإحصاءات المتعلقة بالخيانة الزوجية تدعم فكرة أن البشر، مثلهم مثل الغالبية العظمى من كائنات مملكة الحيوان، ليسوا مناسبين للعلاقات الأحادية. ومع أن عقلي قَبِل بهذا المنطق، فإن قلبي تمرّد بتأثير من كتب جين أوستن وإيميلي برونتي.
لماذا يُسمّي مجتمع البولياموري دهشة الوقوع في الحب بـ "طاقة العلاقة الجديدة" (أو اختصاراً NRE)؟ لماذا قد يسعى أي شخص إلى إعادة صياغة الحب وجعله أشبه بشركة صغيرة ناشئة، متكاملة، لها لغتها الحية واختصاراتها؟
وكيف يمكن أن يشجعني جوهانا على السعي لخوض علاقات أخرى؟ هل تأثيري العاطفي عليه ضئيل لدرجة أنه لا يهتم إن واعدتُ شخصاً آخر؟
كان دوماً يجيب: "أنا على استعداد لتحمل هذه المشقة، لأنكِ تستحقين ذلك". لكن لماذا لا يكون على استعداد لتحمل مشقة حرمان نفسه من شخص آخر؟ أردت أن أعرف لماذا يكون أحد الألمين مقبولاً أكثر من الآخر؟
والحقيقة أني عرَّضت جوهانا لمحادثات مؤلمة، وللعديد من الانهيارات النفسية التي كنت أطالب فيها بالانفصال، أو أن ينفصل عن حبيبتيه، أو ألا ينفصل عنهما، كان ذلك يحدث غالباً في المحادثة نفسها. وبعد أسبوع مضطرب للغاية، وبينما كنا نقضي لحظات حميمية على سريري، سألتُ جوهانا عن رأي حبيبتيه بي، فتردد قليلاً، ثم قال: "حسناً... إنهما سعيدتان لأننا وجدنا بعضنا، لكنهما أكثر حذراً الآن، خائفتان من أنكِ ربما تكونين متلاعبة".
باستثناء بعض النصوص الدينية وكتب الأدب الرومانسي، هل يوجد مرسوم عالمي يفرض أن علاقة الحب يجب ألا تشمل إلا شريكين فقط؟
أود مقابلة حبيبتيك...
خطرت لي مجدداً كل الأفكار التي لديَّ عن نفسي؛ كمغامرة، منفتحة، مبدعة، وتأثرت بإضافة صفة أخرى إلى تلك القائمة: مكيافيلية.
لذا عرضت عليه الأمر: "أعتقد أنني أود مقابلة حبيبتيك. ربما يمكننا بالفعل تناول العشاء سوية... سأحضر النبيذ". فأجاب: "إنهما تفضلان النبيذ الأبيض"، كما لو كان يعلم أنني سأختار الأحمر لو ترك الأمر لي. وهكذا انتهى بي المطاف في متجر المشروبات الروحية ذاك، أحدِّق في صفوف لامعة من زجاجات النبيذ المستوردة من تشيلي وجنوب أفريقيا، وبدا كأنني تائهة في دولة أجنبية ثالثة، وشعرت بالغباء والضياع.
حاولت تخيل كيف سيكون العشاء؛ هل ستحيطان بخصري بعضهما بعضاً وهما تحضران الأطباق من المطبخ؟ هل ستجلسان قبالتي كما لو أنني في مقابلة عمل؟ هل ستضعان أحمر الشفاه، وتضحكان على نكاتي وهما تقدمان الحلوى؟ هل، ستنظران إليَّ ببطء ثم إلى جوهانا، كما في كابوسي المتكرر، وتتساءلان: "أهذه هي؟".
لاحقاً، حاولت فهم ما يعنيه كل هذا، وفهم ما أريد، لعلّي أدرك ما هو الحب حقاً، وما إذا كان يعني التمسك أو التخلي.
تساءل جوهانا في فترة مبكرة من علاقتنا عمّا إذا كان متعدد العلاقات أصلاً. وربما كان عنف مشاعره تجاهي وتفكيره بي وحدي يعنيان شيئاً ما؟ وكان يتساءل: "لو كنتُ غير مرتبط، فهل كانت علاقاتنا لتكون أحادية؟".
داعبته هذه الفكرة لأسابيع، وأعرب عن أمله في أن تهبط عليه فكرة واضحة كالصاعقة في مرحلة ما، وتحفزه على اتخاذ قرار، لكن هذه المعجزة لم تتحقق.
على عكسي، كان جوهانا متديناً، وكنت أفكر كثيراً في قوله إنه كان يصارع إيمانه أحياناً، ولكنه كان يوميّاً يختار الإيمان في النهاية. تساءلت لماذا لم ينطبق هذا المنطق أيضاً على الحب؟
في النهاية، لم نلتق على العشاء. بعد أن تم تحديد موعد مبدئي، تأجل بسبب تضارب في المواعيد مع حبيبته الأخرى. وجاء عيد الميلاد، وانقضى، وانفصلت عن جوهانا وشربت النبيذ الذي اشتريته للعشاء، مع خوخ أبيض ومشمش، وأنا أتفرج على نتفليكس، كسيرة القلب.
وبعد أسابيع تحدثنا، وقد توصل جوهانا إلى استنتاج مفاده أن الميل إلى تعدد العلاقات أو الأحادية شيء فطري، مثل التوجه الجنسي، وربما كان الأمر وراثيّاً، بنفس الطريقة التي كانت بها فئران البراري أحادية الزواج وأبناء عمومتها، فئران المرج متعددة العلاقات، تملك ببساطة كميات مختلفة من بواعث الأوكسيتوسين أو مستقبلات الفازوبريسين في أدمغتها! وأضاف: "لم تكن علاقتنا لتنجح لأننا مختلفان للغاية، أنا متعدد العلاقات وأنتِ أحادية الحب. هذا ليس خطأ أحد منا".
لكن نظرتي الخاصة إلى الحب بدت أبعد عن العلم وأقرب إلى ما يشبه الإيمان. لم يكن الأمر أنني لا أستطيع أن أحب عدة أشخاص في وقت واحد، بل أنني لا أفضل ذلك. ليس لأنني اعتقدته أمراً لا أخلاقياً أو غير عملي أو لأنه صعب ومعقّد، بل لأنني وجدت فيه تدنيساً لفكرة الحب التي كوّنتها.
على ما أعتقد، لا توجد إجابات في الحب...
ففي حين يعترف تعدد العلاقات بجمال مجموعة متنوعة من الشركاء العاطفيين الذين يمكنك التعبير معهم عن جوانب مختلفة من نفسك، فإن التوجه الأحادي يرفع عاشقاً واحداً فوق الآخرين جميعاً. وبالطبع فإن أتباع الفريقين يعانون بدرجة ما: فعلى متعددي العلاقات أن يتعاملوا مع أمور مثل الغيرة وترتيب المواعيد اللانهائي والعلاقات الشخصية المتشابكة. أما الشخص أحادي العلاقات فعليه أن يتقبل الافتقار إلى التنوع والتجدد، كما أنه معرض لأثقال الالتزام في ظل ثقافة مفتوحة الخيارات. وربما بالنسبة لمن هم ليسوا فئراناً، فالشرط الأساسي والمحدد لتفضيل أي شكل من أشكال العلاقات وازدهارها هو ببساطة الإيمان بها.
لا أعتقد أنني كنت سأكتشف على العشاء كل ما كنت أتمنى اكتشافه، تماماً كما لم تظهر تلك الفكرة صاعقة الوضوح لجوهانا. وعلى ما أعتقد، لا توجد إجابات في الحب؛ ما يحدث أننا فقط نختار في ظل غياب الحقيقة المطلقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...