جاءت تلك القطعة الشهية السخية، تلك "الجينوازة" الثلاثينية المغطّاة بالشوكولاه. جاءت "ميريندينا" بحلّة جديدة تتضمن على أغلفتها عبارات حب من قبيل "توحشتك"... و"كنبغيك"... و"منقدرش ننساك"... لإثارة الجدل بين من يرى في غلافها نشراً "للفحشاء وقلة الحياء"، ومن يرى في الغلاف الجديد "كلماتٍ تشجّع على الحب والمشاعر الإنسانية الرقيقة والراقية".
"خلّي قلبك يذوب"
تقول شركة "بيمو"، المسؤولة عن منتوج "ميريندينا"، إن الهدف من هذه الأغلفة الجديدة هو دعوة المغاربة للانفتاح على ذويهم، والتعبير لهم عن الحب وعن المشاعر التي قليلاً ما يعبّرون عنها، مما دفع بالشركة إلى جعل علامتها التجارية منصةً تواصليةً عاطفيةً جديدةً تسعى إلى نشر ثقافة الحب، بهدف الاقتراب أكثر فأكثر من المغاربة، وتقريبهم من بعضهم البعض، من خلال شعور نبيل وقوي لا مثيل له".
تضيف الشركة في بيان لها: "دعوتنا مفتوحة للمغاربة كافة على أمل تشجيعهم على فتح قلوبهم لتحرير أنفسهم، والتعبير عن مشاعرهم، وكسر الحواجز، والتصالح مع الحب الذي قد يبدو من المحظورات في ثقافة المجتمع المغربي. هذه المنصة جاءت بهدف زعزعة المفاهيم السائدة والملبّسة بالغموض، التي يعتقد بها المغاربة، حول علاقتهم مع الشعور بالحب".
الحب يرعبهم
دعا بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض الجمعيات التي تُعنى بحماية المستهلك، إلى حملة لمقاطعة المنتوج، بحجة أن الحلوى تروّج "للفسق والفجور"، وتناقل البعض صوراً لبعض محالّ البقالة، وهي تخبر زبائنها بأنها لن تبيعهم "ميريندينا"، بسبب العبارات المكتوبة على أغلفتها، عادّين أن في ذلك انحلالاً خلقياً، خصوصاً وأن هذا النوع من البسكويت موجه إلى الأطفال والمراهقين".
ويحاول العديد من الناشطين الضغط على شركة "بيمو"، من خلال مقاطعة منتوجاتها، إذ عدّت فئة منهم هذه الخطوة فرصةً للضغط على الشركة، لتكون درساً قاسياً لها.
أغلفة حلوى شوكولاه تحمل عبارات الحب بالعامية المغربية أثارت موجة استنكار ودعوات للمقاطعة. هل يخاف المغاربة من قول "كنبغيك"؟
تعليقاً على هذه الدعوات، رأى حليم المدكوري، الباحث في قضايا التطرف، أن "هذه الدعوات غالباً ما يكون أبطالها من المحسوبين على التيار الإسلامي، أو المحافظ بصفة عامة. وجد هؤلاء هذه المرة، كعادتهم، ضالّتهم المنشودة، في بسكويت ميريندينا".
فما العيب، يضيف المدكوري لرصيف22، في أن تنتهز هذه الشركة التجارية فرصة حلول عيد الحب، لرفع مبيعاتها بطبع كلماتٍ وعباراتٍ على أغلفة منتوجها، صيغت بالعامية المغربية؟ والمعلوم، أن مثل هذه العبارات تُستخدم كذلك في التعامل اليومي، بين أفراد العائلة والأصدقاء، مثلاً، وتالياً فإنها لم تتجاوز، في نظري، "المحظور" في الثقافة المغربية التقليدية. وهنا يُطرح سؤال مهم جداً: إذا كان الأمر ليس بالضرورة خادشاً للحياء، فما الذي جعل هؤلاء، يحتجون على تلك العبارات؟
"كيف لهم أن يدعوا إلى مقاطعة قطعة شهية سخية بالحب؟ يستنكر مغربي بعد دعوات مقاطعة لحلوى شوكولاه تحمل عبارات حب بالعامية المغربية
"ليست العبارات على أغلفة الحلوى، ما أثار حفيظتهم، بل خوفهم الشديد، من تحرر الشباب، وخاصةً الإناث منهم، من قيود ثقافة يعدّونها متجاوزةً. بعبارة أخرى، خوفهم من دخول ثقافة جديدة، أكثر رشاقةً وإثارةً من الثقافة التي يريدون الحفاظ عليها. وهذا في رأيي يعكس أمرين: إحساسهم بحتمية فقدانهم السيطرة على زمام الأمور، ومن جهة أخرى انكشاف نظرتهم الدونية إلى المواطن المغربي، الذي يعتقدون أنه من دون ركائز قوية، وأنه يسبح مع كل تيار عابر، ما يبيّن عجزهم عن فهم ما يحرّك هذا المواطن، وأنه قادر على تحمل مسؤوليته في الاختيارات التي يقوم بها، وتالياً فهو ليس في حاجة إلى وصاية الشيوخ، ومن له مصلحة في الحفاظ على الأمر الواقع كما هو"، يضيف المذكوري.
لن نقاطع شوكولاه سخيةً بالحب
تقول أسماء، الشابة الثلاثينية، لرصيف22: "لا أحب هذا النوع من الناس. ما العيب في أن نعلّم أبناءنا التعبير عن مشاعرهم الإيجابية بكل افتخار؟ ما العيب في أن نعلّم أبناءنا أن يعبّروا عن أحاسيسهم ومشاعرهم وامتنانهم لأحبائهم، وأصدقائهم، والعشرة الطيبة؟ على العكس، تضيف أسماء، الخطأ هو أن نزرع فيهم مشاعر الحقد والكراهية".
كان لآبائنا وأمهاتنا جفاف عاطفي تضيف أسماء، وكان لديهم إشكال في التعبير عن مشاعرهم، فلمَ لا نحاول تعليم أبنائنا بطرق بسيطة الإفصاح عن مشاعرهم، وأن الحب ليس عيباً ولن يكون كذلك؟".
معشوقة جيل التسعينيات
يُعدّ بسكويت "ميريندينا"، من أهم أنواع الجنواز المغطاة بالشوكولاه الشهيرة في المغرب. عشقها جزء كبير من جيل تسعينيات القرن الماضي، وتلذذ بطعمها الكبير والصغير. يقول أشرف 31 سنةً، لرصيف22: "هذا البسكويت يعيدني إلى ما يزيد عن عشرين سنةً إلى الوراء. لنا مع "ميريندينا" ذكريات طفولية رائعة كانت من علامات البذخ الطفولي الذي لا يُنسى. صحيح أن قيمتها كانت درهمين، لكن درهمين وقتها، وفي تلك السن، كانت بالنسبة إلينا بذخاً ورفاهةً، هذا بالإضافة إلى طعمها اللذيذ".
C’est bon j’ai trouvé un cadeau pour la saint Valentin pic.twitter.com/hY0Nsr9z72
— Khadija (@khad_ij) February 11, 2022
يتساءل أشرف: "كيف لهم أن يدعوا إلى مقاطعة قطعة شهية سخية بالحب؟ التجار المقاطعون، عوض أن يعملوا على مبادرات خيرية موسمية يساعدون فيها المعوزين والأرامل والمطلقات والحالات الاجتماعية الهشة، نجدهم يتكلمون في التفاهات، ما ينمُّ صراحةً عن عقلية محدودة الفكر للأسف الشديد.
ليست عيباً سيادة الحب والمحبة المتبادلة التي تترجمها الكلمات. ليس عيباً تكريس ثقافة التفتح الإيجابية، لا عقلية التابوهات والمحرّمات التي من شأنها زيادة ملفات الاغتصاب والعنف تجاه أفراد المجتمع.
وعوض أن يتكلموا عن أمور تهمّ الحالة المادية والقدرة الشرائية للمستهلك، أصبحوا يتكلمون عن أمور تافهة"، يختم الشاب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون