شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عندما انتصرت على متحرش

عندما انتصرت على متحرش

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الأربعاء 9 فبراير 202201:03 م

كلما قرأت أو سمعت عن تجربة سيئة لامرأة أو فتاة تم التحرش بها، سواء لفظياً أو جنسياً، تملّكني الخوف، الخوف من أن يمسك أحدهم جسدي، ويهرب، وعما يمكن فعله إن تعرضت لهذا، وكيف أتصرف؟ وكيف أحمي نفسي من هؤلاء المتحرشين؟ حتى تعرضت للتحرش وعشت هذه التجربة السيئة.

قبل بضعة أيام قليلة، ذهبت لشراء بعض المستلزمات المنزلية. لاحظت شاباً يقف على ناصية الشارع بجانب زاوية مظلمة، وبيننا مسافة قريبة. بدأ يفعل بعض الحركات البذيئة، فظننت أنه "مصاب بخلل ما"، أو يتعاطى المخدرات، وأثر هذا الظن أنه لم يخطر ببالي أنه يشير إلي بهذه الحركات.

راودتني تساؤلات عديدة وأنا واقفة حائرة: ما الذي دفع الشاب لأن يقوم بهذا التصرف؟

أكملت سيري حتى وصلت إلى أحد محال الباعة التي أقصد، واكتشفت أنه كان يتتبعني طوال كل هذه الخطوات، ومن ثم ألقى إليّ بورقة صغيرة على الأرض، فقلت لنفسي بالتأكيد هذا هو الشاب الذي تركته واقفاً على الناصية، وبالتأكيد هذه الورقة تحتوي على رقم هاتفه.

راودتني تساؤلات عديدة وأنا واقفة حائرة: ما الذي دفع الشاب لأن يقوم بهذا التصرف؟

فكرت في أن آخذ الورقة وأعطيها لزوجي حتى يخيفه، فلا يلاحقني في أي طريق مرةً أخرى، وبعدها تراجعت، وقلت إهمال الموقف نفسه ربما يجعل الشخص يتراجع عما يفكر فيه.

في اليوم التالي، ذهبت إلى السوق، ولاحظت بعد سيري مدة عشر دقائق، أن هناك شخصاً خطواته تتوافق تماماً مع خطواتي، حتى اقترب مني وكاد يلتصق بي، وهمس لي قائلاً: "مخدتيش الرقم ليه دا مش ذوق على فكرة". تأكدت من أن هذا هو الشخص نفسه الذي لاحقني البارحة، وفكرت كيف أتصرف الآن، وكيف أفعل معه وأنا لا زالت لا أعرفه؟! نظرت في وجهه، وحركت يدي بإشارة تفيد بأنني أتوعده، فخاف وانصرف، ثم أكملت سيري، وجلبت مستلزماتي.

عند عودتي ومروري بالشارع الذي أسكن فيه في القاهرة، وجدته يجلس بمفرده أمام مقهى صغير. عرفته من ملابسه وساعته، إذ كان يضع يديه على وجهه حينما لاحظ أنني قادمة نحوه. توجهت إليه وطفلتي تتعلق بيدي، ويدي الأخرى أحمل بها مشترياتي، وأحمل في بطني جنيناً في الشهر الثامن، وأمشي بوهن وتعب، والأرض تعضّ قدميّ من كثرة الاتكاء عليها، لكن كل هذا نسيته في اللحظة التي رأيت فيها وجه هذا المتحرش.

توجهت إليه وطفلتي تتعلق بيدي، ويدي الأخرى أحمل بها مشترياتي، وأحمل في بطني جنيناً في الشهر الثامن، وأمشي بوهن وتعب، والأرض تعضّ قدميّ من كثرة الاتكاء عليها، لكن كل هذا نسيته في اللحظة التي رأيت فيها وجه هذا المتحرش

ذهبت إليه والنار في وجهي تأكلني، وانطلق السباب بيننا. خلعت حذائي ولوحت به في وجهه، وأمسكت بحفنة من التراب وألقيت بها عليه. التفّ الجميع حولنا، نساءً ورجالاً، وحاول صاحب المقهى بكل الطرق أن يصرفني، فسألته: "هل تقبل هذا على زوجتك أو ابنتك أو أمك؟"، فقال: "لا". قلت إذاً لماذا تقبله على امرأة مثلي؟ فلم يجب. وجدت المتحرش يتحامى بهم وهو المخطئ وهو الذي يطاردني ولست أنا. إذ فجأةً يصرخ في الناس قائلاً: "دي بترمي بلاها عليّ... دي ست مش محترمة... دي قد ستي!"، وجميع من في المقهى اصطفوا معه، مع أنه هو الجاني وأنا الضحية. حتى النساء اللواتي كنّ هناك، لم أجد واحدةً منهن تقف معي، وتنصفني، وتدافع عني لمجرد أني انزعجت من تصرف رجل غريب في الشارع. لم تكن هنالك واحدة ترفض تصرفه كحدٍّ أدنى.

أخذ صوتي يرتفع، ووجدت نفسي للمرة الأولى في حياتي أستخدم ألفاظاً "خارجةً"، في وجه الناس الجالسين في المقهى. لاحظ المتحرش أني لست خائفةً منه، وأنني أحاول فضحه بين الناس، فهددني بأن والده ضابط، وسوف ينتقم مني بطريقته، ظناً منه أنه يخيفني. فقلت له: "ولو كان أبوك رئيس الجمهورية نفسه لا يهزّ شعرة من شعري"، ثم ازداد انفعالي الذي صببته عليهم جميعاً؛ كل من وقف ولم يقل حتى كلمة حق، وتوعدتهم، وعلى رأسهم المتحرش الأحمق الجبان.

لكني دافعت عن نفسي. ولم أخَف من أن أقف في وجهه وأشتمه. ولم أخَف من وقاحة الناس المصطفين حوله وليس حولي. ولربما كان هذا كافياً كي أشعر بالانتصار عليه

فكرت في التبليغ عنه للشرطة، لكنني لا أعرف اسمه ولا أعرفه. فماذا أقول هناك؟ شخص عابر تحرش بي لفظياً، وطاردني في طريقي؟ من يشهد معي بأني أقول كلمة حقّ؟ الناس في المقهى الذين دافعوا عنه؟

لكني دافعت عن نفسي. ولم أخَف من أن أقف في وجهه وأشتمه. ولم أخَف من وقاحة الناس المصطفين حوله وليس حولي. ولربما كان هذا كافياً كي أشعر بالانتصار عليه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard