إنها واحدة من أكثر معدات التمرين شيوعاً وأكثرها مبيعاً، والتي يعشقها رواد الصالة الرياضية في جميع أنحاء العالم، نظراً لفوائدها العديدة، بخاصة تأثيرها الإيجابي على صحة القلب وسهولة استخدامها، ومع ذلك، فإن جهاز المشي أو الtreadmill له ماض مزعج، لكونه كان مرتبطاً بنوع مختلف تماماً من التمارين.
في الحقيقة، إن تاريخ جهاز المشي طويل، وله ارتباط قوي بالجهد والكدح والعمل اليدوي. هناك أدلة تعود إلى آلاف السنين من النماذج التي تعمل بالطاقة الحيوانية والبشرية لرفع الأوزان الثقيلة.
ولكن إلى حدّ بعيد، لعلّ أحلك فصل في تاريخ جهاز الجري يعود إلى القرن التاسع عشر، عندما كانت هذه الآلة من بين أقسى أشكال العقوبة المفروضة على السجناء.
وعليه، إذا كنتم/نّ تعتقدون/، أن اليوم الأول في صالة الألعاب الرياضية يكون مجهداً والركض على آلة المشي هو أمر مضن، فانتظروا/ن حتى تقرؤوا/ن السطور التالية.
عجلة المشي
في أواخر القرن الأول تقريباً، تم تقديم جهاز المشي، المعروف بمصطلح عجلة المشي أو الرافعة، لأول مرة في ذروة الإمبراطورية الرومانية، عندما وجد الرومان أنهم بحاجة إلى رفع أوزان أثقل، فقاموا باستخدام عجلة كبيرة متصلة برافعة، وكان الرجال يسيرون داخل العجلة نفسها، ولأن جهاز المشي كان له قطر أكبر، فقد تمكنوا من رفع ضعف الوزن مع نصف الطاقم.
لعلّ أحلك فصل في تاريخ جهاز الجري يعود إلى القرن التاسع عشر، عندما كانت هذه الآلة من بين أقسى أشكال العقوبة المفروضة على السجناء
في القرن التاسع عشر، كانت الآلات الثابتة تعمل بواسطة مصادر طبيعية غير موثوقة، مثل الرياح والمياه، وبالتالي كان المزارعون بحاجة إلى مصدر طاقة أكثر اتساقاً، ووجدوا أن آلة الجري يمكنها التقاط قوة "الفرامل" للحصان.
وبحسب للمؤرخ بريان ويلز: "أصبحت وحدة قياس القوة اللازمة لتشغيل هذه الآلات الثابتة الجديدة تُعرف باسم قوة الحصان، بناءً على متوسط قوة السحب لمتوسط قوة الجر".
وفي وقت لاحق، تم تعديل جهاز الجري وتصميم نماذج أصغر للكلاب والأغنام والماعز، لتشغيل آلات خفيفة وطواحين التهوية وفصل القشدة.
جهاز تعذيب
في العام 1817، استوحى المهندس ويليام كيوبت، من السجناء الذين كانوا عاطلين عن العمل، آلة جديدة، وكان يعتقد أن اختراعه "جهاز المشي" قد يصلح المخالفين من خلال تعليمهم عادات الصناعة والتغلب على الكسل.
كانت آلة المشي عبارة عن عجلات كبيرة وعريضة، وكان يتعيّن على السجناء المحكوم عليهم بـ "الأشغال الشاقة" التشبث بحواجز وتسلّق الدرج بشكل متكرر، ما يتسبب في دوران العجلة بأكملها.
أما جهاز الجري في سجن كولدباث فيلدز، فقد تم تجهيزه بحواجز، بحيث يتم عزل السجناء ويمكنهم رؤية الجدار أمامهم فقط.
وبحسب الأكاديمي فايبار كريغان ريد، كان العمل الذي يقوم به السجناء "عديم الجدوى بالمعنى الحرفي للكلمة". بمعنى آخر، كانت مهمة عديمة الجدوى، ولكنها مرهقة وتتماشى مع المُثُل الفيكتورية حول التعويض من خلال العمل الجاد، بحيث كان يتعيّن على السجناء المشي على الجهاز لمدة ست ساعات على الأقل يومياً، وتسلّق حوالي 14 ألف درجة، وكانوا بذلك يحرقون أكثر من 2000 سعرة حرارية.
وفي هذا السياق، مشى السجناء في وارويك مسافة 17 ألف قدم على مدى 10 ساعات في صيف حار واحد.
إذن، لم يكن المشي على آلة المشي ممتعاً ولا صحياً، فقد فُرض على الكاتب أوسكار وايلد، على سبيل المثال، السير في حلقة مفرغة في سجن بينتونفيل، كجزء من عقوبة الأشغال الشاقة لعام 1895، وكادت هذه الطريقة أن تقتله. غادر السجن في العام 1897 وتوفي بعد عامين فقط عن عمر يناهز 46 عاماً.
ومع ذلك، رأى العديد من الفيكتوريين في آلة المشي حلاً إيجابياً للتغلب على الكسل في السجن، وكرادع عن ارتكاب الجرائم مرة أخرى، إذ كان هناك اعتقاد بأن لا أحد ممن جرب جهاز الجري سوف يُقدم على ارتكاب جريمة أخرى.
وفي وقت لاحق، قرر بعض المسؤولين في السجون استخدام آلة المشي لتشغيل مضخات المياه وطحن الذرة. وبهذه الطريقة، شعر السجناء بأنهم باتوا يعملون لصالح المجتمع الأوسع (وإن كان ذلك عن غير قصد).
وفي أواخر القرن التاسع عشر، تم الاستغناء بشكل كامل عن آلة المشي كأداة للتعذيب، وباتت تخدم غرضاً آخر.
هذا وكان لجهاز المشي أيضاً استخدامات طبية على مرّ السنين. كان أحد الأغراض الأولى لجهاز المشي الطبي هو تشخيص أمراض الرئة والقلب، عبر توصيل المرضى بجهاز تخطيط للقلب أثناء المشي، وذلك مع الابتكار الطبي لكل من واين كوينتون والدكتور روبرت بروس في العام 1952 في جامعة واشنطن.
في المرة القادمة التي تجدون فيها أنفسكم تتذمرون من آلة المشي بعد حصة رياضة شاقة وتقولون: "آه، كان هذا تعذيباً"، تذكروا أنكم لستم ببعيدين عن الحقيقة
وعندما نُشرت دراسة الدكتور كينيث كوبر حول مزايا التمارين الهوائية في العام 1968، ظهرت أهمية وجود أجهزة المشي في المنزل والعيادات الطبية.
باختصار، إن جهاز المشي الذي بات يستخدم على نطاق واسع كأداة تمرين للمشي أو الجري أثناء البقاء في نفس المكان، كان يتم تشغيله من قبل الأفراد أو الحيوانات لطحن الحبوب أو لسحب المياه من الآبار العميقة، في أوقات لاحقة، تم استخدام الجهاز كعقاب للأشخاص الذين حُكم عليهم بالأشغال الشاقة في السجون.
ولكن في الوقت الحاضر، يبدو أننا على استعداد لدفع مئات الدولارات سنوياً مقابل استخدام جهاز المشي والحصول على اللياقة البدنية المطلوبة، وهو هدف لا يأتي من دون ثمن باهظ أحياناً: التزام وجهد متواصل وتذمر.
في المرة القادمة التي تجدون فيها أنفسكم تتذمرون من آلة المشي بعد حصة رياضة شاقة وتقولون: "آه، كان هذا تعذيباً"، تذكروا أنكم لستم ببعيدين عن الحقيقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...