شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
بطلات من زجاج... مصريّات يتحدّين الجينات ويحقّقن النجاحات

بطلات من زجاج... مصريّات يتحدّين الجينات ويحقّقن النجاحات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 3 فبراير 202212:17 م

 "لولا والدتي لاستسلمت للمرض". تقول إنعام أحمد بنبرة حاسمة لتؤكد واقع آلاف البيوت المصرية التي يولد فيها أطفال مصابون لا يقدرون على ممارسة الحياة بشكل يسير، ومنهم مرضى "متلازمة لوبشتاين" المعروفة كذلك باسم "العظام الزجاجية". إذ تترك الأم وحدها – عادة- لتحمل مسؤولية المريض/ة كاملة.

 ولدت إنعام بعيب جيني يحرم عظامها من التكوّن بشكل طبيعي، وهو عرضة للكسر بسبب هشاشته. ورغم صعوبة المرض أصرت والدتها على أن تحيا ابنتها حياة عادية، وشجعتها على ممارسة رياضة تناسب حالتها الصحية، فحققت الابنة عدداً من البطولات، فيما تأمل أن تكون هي سنداً لابنتها الصغيرة التي ولدت وهي تحمل نفس المتلازمة الجينية.

لم تكن رحلة إنعام سهلة. طوال 35 عاماً عاشتها، اضطرت إلى الانسحاب من اللعب، وتفادي المشاحنات الطفولية المعتادة في المدارس، وخضعت لـ31 عملية جراحية انتهت إلى التسبب في قِصَر ساقها اليسرى عن يمناها، ولا تزال مضطرة إلى السفر إلى القاهرة مرة كل ستة أشهر كي تُعالج في مستشفى الدمرداش التابع لجامعة عين شمس. 

تقول إنعام: "عانت والدتي معي أشد المعاناة وكانت تحملني ذهاباً وإياباً خلال ترددي إلى المدرسة، كما كانت تحملني للفصول"، لكن الأم أصرت رغم التعب على أن تتلقى ابنتها التعليم في المدرسة، وألا تنشأ منعزلة عن أقرانها وقريناتها. وهكذا أتمّت إنعام رحلتها التعليمية حتى الحصول على الدبلوم الثانوي. 

مارست إنعام رياضة تنس الطاولة، وحصلت على عدد من الميداليات الفضية والبرونزية منذ بدأت اللعب لصالح نادي "العزيمة" بالإسماعيلية في العام 2014، إلى أن توقفت خلال فترة الزواج والإنجاب لتعود إلى اللعب مجدداً بعد انفصالها عن زوجها وتولّيها مسؤولية ابنتها.

ورغم ذلك لم تنته المصاعب إذ تعاني إنعام للحصول على فرصة عمل لائقة، ومأوى يجمعها مع والدتها وابنتها، وسط ندرة فرص العمل المتاحة لذوي الاحتياجات الخاصة.

رغم ذلك لم تنته المصاعب إذ تعاني إنعام للحصول على فرصة عمل لائقة، ومأوى يجمعها مع والدتها وابنتها، وسط ندرة فرص العمل المتاحة لذوي الاحتياجات الخاصة

 زوج داعم

ولدت منى مصابة بنفس الخلل الجيني الذي ولدت به إنعام، لكنها على العكس منها، وجدت إلى جوارها زوجاً داعماً يساعدها في تحقيق البطولات في عدد من الألعاب حتى أحرزت ألقاباً عدة. 

تروى منى تفاصيل قصتها لرصيف22: "بدأت لعب تنس الطاولة عام 2017. وكانت أولى بطولاتي عام 2018 إذ أحرزت أول ميدالية برونزية في بطولة الجمهورية خلال دورة 2019 –2020". 

تقول منى إنها ولدت مصابة بالمرض أسوة بوالدها، وظلت جليسة كرسي متحرك طوال عمرها. ومثل إنعام، تعرضت منى للتنمر والقسوة من المحيطين، تقول: "سمعت عبارات قاسية عدة لم أكن ألتفت لها كـ’مش هتعرفي تعملي حاجة’ وكان ردي على مطلقيها تحقيق البطولات الرياضية".

 ولدت منى مصابة بنفس الخلل الجيني الذي ولدت به إنعام، لكنها على العكس منها، وجدت إلى جوارها زوجاً داعماً يساعدها في تحقيق البطولات في عدد من الألعاب حتى أحرزت ألقاباً عدة

باحثة عن المتاعب 

لم تثن الإصابة بمتلازمة العظام الزجاجية ريهان محمد عن ملاحقة حلمها بالعمل في الصحافة، وهي مجازة في هذا الاختصاص. فعندما لم توفق في الحلم الأول استطاعت أن تلتحق بالعمل باحثة إدارية بمحكمة الزقازيق الإبتدائية. تقول: "وجدت الفرص في تخصصي قليلة، فاتجهت إلى مجال يتيح لي مساعدة الناس بشكل قانوني". وتتابع: "لعل مساندة أفراد أسرتي وأصدقائي كان حافزاً أكبر للنجاح".

وبعدما أضحت الوظيفة روتينية، أحيت ريهان شغفها القديم بالأزياء والموضة، وهي خطط حالياً لإطلاق "براند" يحمل اسمها.

رحلة صعود

لم ترث أسماء السعيد المتلازمة وحدها، بل ورثها معها شقيقاها، واضطر ثلاثتهم إلى الخضوع لعشرات العمليات الجراحية، لكن ذلك لم يثنهم عن الإصرار على تحقيق النجاح.

تخرجت السعيد في قسم الفلسفة بكلية الآداب، وتطوعت على الفور في إحدى الجمعيات التي تهتم بمساعدة ذوي الإعاقات الحركية. ومع صعوبة الحصول على فرص عمل في القطاع المصرفي في مصر تمكنت من إثبات جدارتها ثم حصلت على وظيفة ثابتة في أحد البنوك الخاصة بعد سنوات من الكفاح وجمع الخبرات.

تقول أسماء لرصيف22: "أجريت نحو 40 عملية جراحية لتركيب مسامير نخاعية كي أتمكن من الحركة بعد الكسور العديدة التي تعرضت لها بسبب ضعف عظامي، واضطررت لاستخدام الكرسي المتحرك وأنا بعدُ في المرحلة الابتدائية".

عانت أسماء وأسرتها للحصول على حقها في التعليم، إذ رفضت عدة مدارس إلحاقها بها بسبب ظروفها الصحية، لكن أسرتها تمكنت من استصدار قرار وزاري انتزع لها حقها في الالتحاق بالمدرسة. ثم واصلت رحلة تعليمها حتى تخرجت في الجامعة التي لم يكن الالتحاق بها سهلاً كذلك. تقول: "للأسف الكليات محدودة أمام ذوي الاحتياجات الخاصة. وعليه التحقت بكلية الآداب قسم الفلسفة تحت مسؤولية رئيسة القسم التي وافقت على إلحاقي بالقسم الذي لا يسمح لذوي الإعاقة الخاصة بالالتحاق به. ثم قررت استكمال مشوار الدراسات العليا وحصلت على دبلوم تربوي من جامعة شبين الكوم".

وتواصل أسماء: "تكلفة العمليات والعلاج باهظة، وعبء كبير على من لا يتمتعون ببرنامج تأمين صحي يغطي التكاليف إذ تبلغ تكلفة الحقنة التي تعمل على زيادة كثافة العظام لتقليل خطر الكسر، نحو 3700 جنيه، وهي غير متوافرة لمعظم المصابين".

أكاديمية مختصة بعلوم الوراثة: معدلات الإصابة مرتفعة في المنطقة العربية بسبب زواج الأقارب 

يوضح لرصيف22 الدكتور محسن الصعب، رئيس الجمعية المصرية لطب الأطفال الحديثي الولادة والمبتسرين واستشاري الأطفال المبتسرين، أن متلازمة "العظام الزجاجية" هي مرض وراثي تختلف حدته من شخص إلى آخر.

ويرجع سبب الإصابة بالعظام الزجاجية إلى "خلل أثناء تصنيع النوع الأول من مادة الكولاجين"، ويبلغ معدل الإصابة عالمياً: من 10 آلاف إلى 20 ألف حالة ولادة سنوياً. وتميز المرض كثرة التعرض للكسور التي قد تبدأ والجنين في بطن أمه أو بعد ولادته، وزيادة ليونة حركة المفاصل، وسهولة الإصابة بالكدمات والقدم المسطحة وزرقة بياض العين وضعف السمع وقصر القامة، علاوة على إصابات الأسنان نتيجة تشوهها ومشكلات في نموها أيضاً.

ويشير الصعب إلى معاناة الأطفال في مرحلة الولادة من ضيق التنفس نتيجة إصابات في عظام القفص الصدري، وغالباً ما يتوفى هؤلاء في سن مبكرة. أما النوع الأول فأعراضه أقل، وهو الأكثر شيوعاً. والكسور الناتجة عنه لا تسبب تشوهات عظمية ويتم اكتشافها بالصدفة. والنوع الثالث حاد تنتج عنه كسور تسبب تشوهات عظمية بعد التئام الكسور، ويحتاج المصابون به إلى كراسٍ متحركة. مشدداً على أنه لا يوجد علاج ناجع إلى الآن لتلك المتلازمة، ويضطر المصابون بها إلى تعاطي حقن تعمل على زيادة الكثافة العظمية.

ويتفق معه الدكتور وائل القطب، استشاري جراحة العظام الذي شارك وأشرف على جراحة مصابين بمتلازمة العظام الزجاجية، ويرى أن مرض العظام الزجاجية يتحسن مع التقدم في العمر وفي أغلب الحالات إذ تتوقف العظام عن الكسر حين يصل الطفل إلى سن البلوغ "لذلك يجب الحفاظ على قوة العظام واستقامتها إلى أن نصل بالطفل إلى هذه المرحلة".

ووفقاً للدكتورة منى عجلان، العضوة في شعبة الوراثة البشرية بالمركز القومي للبحوث، فإن أول حالة مصابة بتلك المتلازمة في السويد حدثت عام 1788، كما تم اكتشاف المرض في مومياء مصرية. تقول: "مرض تكسر العظام الوراثي يعد من أقدم الأمراض الوراثية في التاريخ، إذ يتوارث في معظم الحالات لأنه ناتج عن إصابة أحد الوالدين بالمرض، كما قد يحدث الخلل الجيني كطفرة وراثية أثناء تكون الجنين نتيجة تعرض أحد الوالدين لبعض العوامل البيئية المطفرة أو لتقدمهما في العمر" .

وتضيف عجلان: "تم اكتشاف العديد من الجينات التي يؤدي الخلل فيها إلى حدوث النوع المتنحي لمرض تكسر العظام الزجاجية، وكان للفريق البحثي بعيادة تشوهات الأطراف والعظام الوراثية بمركز التميز للوراثة البشرية بمصر السبق في المشاركة في اكتشاف بعض هذه الجينات المتنحية، نظراً لارتفاع نسبة تكسر العظام الزجاجية المتنحية في مجتمعنا، مقارنة بالدول الأوروبية بسبب زيادة نسبة زواج الأقارب".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard