شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"حمام العيالات"... عرض تفاعلي يورّط جمهور المغرب في البوح والأسرار والتمييز الطبقي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 10 فبراير 202211:00 ص

الحمّام بالنسبة للمغاربة أكثر من مجرد مكان للنظافة والعناية بالجسد، هو فضاء اجتماعي تلتقي فيه كل الفئات، ويتم خلف جدرانه تناقل الأخبار والإشاعات والأسرار. وهو وسيلة البعض لكسب قوتهم، ومن بينهم "الطيابات" اللواتي تأثرن بشكل كبير من الوباء وإجراءات الإغلاق المتكررة.

ومن ويلات هذا الحجر ولدت مسرحية "حمام العيالات" (حمام النساء) لتضع الجمهور أمام فرقة مسرحية نسائية، تتعرض بدورها لقرار المنع الذي طال التظاهرات الثقافية والفنية، وهي مسرحية تفاعلية من إعداد وإخراج الفنانة المغربية لطيفة أحرار.

ينفتح المشهد الأول على الفنانات (الشخصيات) وهن يتدربن على أداء هذه المسرحية في فضاء مغلق. يضع المشاهد أمام بروفة للعرض وليس العرض الفعلي، ويجد نفسه قبالة عرض ثنائي مُحيّر، الأول يعالج تلك المواضيع والأسرار والقصص والوقائع التي تحدث خلف جدران الحمام النسائي، أما الثاني فيهتم بالمسرح الذي لم يسلم هو الآخر من تبعات الوباء، لكن هذه المرة يحضر المتلقي كممثل أيضاً يشارك في بناء تفاصيل المسرحية.

يعتمد العرض إذن على مبدأ الارتجال واللعب، ويحاول أن يحافظ على متعة المتلقي، ويقلب أسس المسرح التقليدي من أجل فتح حوار مع المتفرج حول موضوع محدد، وهذا يعني دخول تعديلات جوهرية على مبدأ النص المسرحي وتطويراً في المواضيع المطروحة، وهنا يبرز البُعد المثير في الموضوع، فلا وجود أصلاً للنص التقليدي، والموضوعات التي تُقَدّم ترتبط بالأمور الحيوية والتفاعل مع المتفرج.

من ويلات الحجر الصحي  ولدت مسرحية "حمام العيالات" (حمام النساء) لتضع الجمهور أمام فرقة مسرحية نسائية، تتعرض بدورها لقرار المنع الذي طال التظاهرات الثقافية والفنية، وهي مسرحية تفاعلية من إعداد وإخراج الفنانة المغربية لطيفة أحرار

صندوق الأسرار

نُحال هنا إلى متلصصين على مجموعة من النساء، جمعهن القدر في زمن كورونا في فضاء واحد هو "باراديز سبا"، هذا الحمام الذي تمتلكه ماريا لاندلسي، وتعمل به كل من فاتي وكلثومة وحليمة، حجزته سيدة اسمها زليخة استعداداً لحفل زفاف ابنتها. ويخترق العرض كل طبقات المجتمع، فالحمام ليس فقط فضاءً مُصغّراً لما يروج ويحدث في المدينة ككل، بل هو المتنفس شبه الوحيد المتاح للنسوة في الأحياء الشعبية، حيث يمكنهن التجمع وتقاسم أطراف الحديث عما يخالجهن وعما يتقاسمنه من هموم وهواجس وأفكار.

لم تلامس مواضيع المسرحية (كتابة خلود البطيوي وأنس العاقل) قصص وحكايات الزبائن من النساء فحسب، كما تؤكد الممثلة السعدية لابيب لرصيف22، بل تحاول أن تنفذ إلى واقع "الطِيَّابَاتْ" اللواتي يشتغلن بشكل يومي داخل فضاء الحمام، لهذا استند القائمون على العرض إلى شهادَتيْ عاملتين في الحمام، هما لَكْبيرَة وعزيزة، وهو ما يمنح المسرحية جانبها التوثيقي، ويعطيها مصداقية أكبر.


عرض تفاعلي

يعتمد عرض "حمامات العيالات" على مبدأ الارتجال واللعب، ويحاول أن يحافظ على متعة المتلقي، ويقلب أسس المسرح التقليدي من أجل فتح حوار مع المتفرج

تضع المسرحية أسساً لجمالية مُغايرة، وتسعى لكسر العلاقة المتفق عليها التي تفصل بين الممثل والمتفرج، وبين الخشبة والصالة، وبين المرسل والمتلقي، بحيث يبدو أنَّ على المتفرج أن يتورط في اللعبة المسرحية في كل مراحلها، وأن يكمل تفاصيل العرض ويناقش ما يراه، بل ويتفاعل أيضاً مع العاملين خلف الكواليس، متدخلاً في نسبة الصوت والإضاءة وغيرها من التفاصيل، كأننا فعلاً أمام حصة إعداد لما قبل العرض.

هذا المفارقة الجمالية هي التي لعبت عليها المسرحية لتتجاوز الركح (الحمّام) إلى فضاء رحب وعام، يصير فيه المتفرج طرفاً في بناء شخصية الممثل، بإمكانه التدخل لتعديل الحدث لا مجرد النظر إليه، والخروج من الهامش إلى حيز الفعل والتأثير الحقيقي والمباشر في حركة النص.

فضاء البوح والطبقية

تأتي حيوية التفاعل من كونه يشتغل على ما يشغل الجمهور من القضايا العامة، مثل هموم الفنانين ومعاناتهم خلال السنتين الأخيرتين في ظل انتشار الفيروس، وإغلاق مراكز قوتهم اليومي، واضطرار بعضهم إلى بيع آلاتهم الموسيقية لتغطية مصاريف العيش. وتحضر كل "عُدّة كوفيد" من كمّامات ومعقّمات وبلاغات حكومية مفاجئة للإغلاق والفتح، ونرى النساء سئمات من سجن الجسد والقيود على الحركة: "سْدُّوا، حلُّوا، وقفوا، جْلسوا، سكتوا، هضروا".

"حمام العيالات" عبارة مغربية دارجة تعني الثرثرة والنميمة ومشاركة الفضائح والإشاعات، تأتي هنا على شكل أحاديث حول عالم التواصل الاجتماعي وتطبيقاته، إذ يتم استعراض ما يحدث من هجرة الفنانين والمبدعين بالمغرب إلى "تيكتوك" وفيديوهات "روتيني اليومي"، حيث النسوة يستعرضن مؤخراتهن لاستقطاب أكبر عدد من المشاهدين على يوتيوب وإنستغرام، فلم يعد هناك منفذ آخر للربح السريع سوى عبر هذه المنصات، أو كما جاء في المسرحية: "حتى المساجد التي يمكن أن نتسوّل أمامها أغلقت".

ولا ننجو أيضاً من الأحاديث حول الحب وخيباته والزيجات ومحاولة الهرب من سأمها بالخيانات الصغيرة.

هذه الروح المحلية تدفع المتلقي إلى الارتباط الوجداني مع العرض المسرحي، خاصة وأنه يلامس الواقع السياسي في المغرب بطريقة كوميدية ملغّزة، إذ تحضر إيماءة يتصيدها الجمهور من خلال مشهد دال، حين "تبصق" حمامة على الممثلة، فتعلّق قائلة: وا بصّح نستاهلوا حسن (إذن، حقيقة نستحق أفضل)، وهي إشارة للحملة الإعلامية والسياسية التي انتهجها الحزب الحاكم، وشعاره "الحمامة".

كما يوجه النص مرآة عاكسة لمساوئ الشخصية المغربية التي تعتبر الحديث بالفرنسية علامة على الرقي الاجتماعي، وترفض كل ما هو عربي وتحتقر اللهجات المحلية "الشعبية"، تجسد هذه الشخصية أم بورجوازية تُهين ابنتها على الملأ وتتحكم بصرامة في أكلها وحركتها ونبرة صوتها، وكأن هذا تحريض على ثورة تشارك فيها كل فئات المجتمع، فـ"لا الفوق هاني ولا لْتْحت هاني"، كما جاء على لسان إحدى الشخصيات، الكل في الهَمّ سواسية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image